فى إطار الدورة الثامنة عشرة للمهرجان القومى للمسرح المصرى قدمت فرقة بور سعيد النوعية المسرحية «ابدأ حلمك» التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة العرض المسرحى اليد السوداء على مسرح السامر، تأليف (ميشيل منير)، ومن إخراج (بيشوى عماد)، وقد فاز العرض بعدة جوائز فى الدورة الـ47 من المهرجان الختامى لفرق الأقاليم.سطر الشعب المصرى ملاحم لأبطال يذكرهم التاريخ انضموا للمقاومة الشعبية ضد الاستعمار الإنجليزى، ومن حركات المقاومة جماعة اليد السوداء، وهى إحدى التنظيمات المسلحة غير النظامية التى نشأت فى مصر من أجل مقاومة الاحتلال الإنجليزى، والتى تأسست من رحم الجهاز السرى التابع لثورة 1919م، بقيادة عبدالرحمن فهمى، وسلط العرض عليهم الضوء والتأكيد على قدرة الإنسان المصرى على مقاومة المحتل المغتصب لأرضة، فما أشبه الليلة بالبارحة، فدائمًا نجد أن مصر مستهدفة من المستعمر العدو المتربص بها، لكن العيون الساهرة من رجال مصر الشرفاء تقف له بالمرصاد فهى الحارث لأمن وأمان الوطن.تدور الفكرة الرئيسية للعرض حول دور المقاومة الشعبية وقدرة الإنسان على الدفاع عن أرضه وحريته ضد المستعمر الغاشم المغتصب لأرضه، ويعتبر ملحمة من الملاحم الوطنية.تدور الأحداث فيما قبل ثورة يوليو عام 1952م أثناء فترة الاحتلال الإنجليزى لمصر، حيث استلهم المؤلف فكرته من خلال حادثة اغتيال السير لى ستاك ويتناول العرض شخصيات حقيقية من تاريخ حركات المقاومة المصرية للخلاص من الاستعمار البغيض، الذى أوغر صدورهم ظلم الإنجليز لهم واغتصاب أرضهم، ويروى حكاية خمسة شخصيات من جماعة اليد السوداء، وفى 20/11/1924م قرروا اغتيال الجنرال الإنجليزى «السير لى ستاك»، وهو اللواء لى أوليفر فيتزماورس ستاك (1868 - 1920م) سردار الجيش المصرى وحاكم السودان، أو ما يُعرف بالحكم الثنائىوهذه الشخصيات كان لكل منهم دافع وراء هذه المقاومة فنجد عبد الحميد عنايت (أحمد سعد) قُتل أخيه فى ثورة 1919م، والذى انضمت إليه نوال (مريم عبد المنعم) حبًا فيه؛ لكنها قررت لاحقًا الإبلاغ عنه بعد أن تكتشف أنه لا يبادلها نفس المشاعر وقرر الارتباط بالسند والأمان ورد (سوسنه عماد)، وشفيق منصور (محمد كامل) اغتال الإنجليز والدة فى ساحة سيدنا الحسين فى حلقة ذكر لاعتقادهم أنها مظاهرة، وراغب حسن (أبانوب عادل) من الصعيد الذى هرب من التجنيد الإجبارى وقام الإنجليز بقتل والدته، وصالح الويشى (مينا سمير) استولى الاستعمار على منزله، وأظهر العرض كيف اجتمعت هذه المجموعة، وبعد تنفيذه العملية باغتيال حاكم السودان بدأ توماس رأس حكمدار القاهرة بالبحث عن الجناة، وأثناء رحلة البحث نتعرف على هؤلاء الابطال.يقوم العرض على فكرة التداعيات لشخصيات آنية وفى الماضى أشبه بالفلاش باك بمعنى تداخل الأزمنة فى وقت واحد فالشخصية تعيش ما حدث فى الماضى فى اللحظة الآنية، وما فعلة الإنجليز بكل شخص من شخصيات جماعة اليد السواد والتى كانت سبب فى عملية اغتال « السير لى ستاك « فنجد أن عسكرى إنجليزى اغتصب أخت عبد الحميد، وعسكرى آخر اغتصب زوجة البيشى واستولى على منزلة، وآخر قتل والدة أثناء حلقة الذكر فى مسجد سيدنا الحسين على اعتبار أنهم يتظاهروا، وآخر تقتل والدته فنجد على سبيل المثال شخصية البيشى يحكى كيفية الانضمام للمقاومة وهو يقف على عربة كاروا، ثم يستدعى المخرج مشهد اغتصاب الإنجليز لزوجته، وكان المستوى صفر امتداد للحدث، ويدفعه للأمام، ونستطيع القول بأن المخرج حاول الخروج من حالة السرد التاريخى وما حدث من أحداث بتجسيد الحدث بإدخال تقنية الفلاش باك وخلط الماضى بالحاضر مثل تقنية المزج السينمائي؛ لكنه ومن وجهة نظرنا كان من الممكن أن يكثف الأحداث حيث انغمس فى عرض أحداث الماضى لكل شخص من شخصيات جماعة اليد السوداء؛ فطال زمن العرض، وفقد التركيز على الهدف الرئيسى وهو مقاومة المحتل، لكنه على الجانب الآخر أوضح لنا الحالة الإنسانية لمونيكا (ياسمينا الزيات) زوجة توماس راسل (عبد الرحمن يسري) حكمدار القاهرة الذى يتولى رحلة البحث عن أفراد (اليد السوداء)، والتى ترفض وجود الاحتلال بشدة ويصل بها الأمر إلى حد الاكتئاب وتقرر الانتحار.الديكور (محمد علي) الذى استطاع أن يستغل الفراغ المسرحى بكتل وقطع الديكور ليعكس الشارع المصرى من خلال تصميمه (للمنازل والمقاهى ومكتب تحقيقات) حيث يقوم بتحريكه بما يتناسب مع تطورات الأحداث بسهولة ويسر، فقد أعتمد على المنظور الرأسى فى أربعة مناطق رئيسية يكاد يعرض فيها معظم الحدث فنجد على يمين المتلقى فى الجزء الأسفل مكان لقاء واجتماعات جماعة اليد السوداء، وفى الأعلى منزل حكمدار القاهرة، وعلى يسار المتلقى نجد فى المنطقة العليا مكتب حكمدار القاهرة، وأسفل المكتب توجد مقهى الأزبكية، وما بين هذه المناطق حوار متصل منفصل، وكان المستوى صفر (خشبة المسرح) يمثل الحارة أو الشارع المصرى بكل طوائفه، وقد مثل منتصف عمق المسرح بوابة مسجدى السيدة زينب وسيدنا الحسين، ووجود ثلاث درجات لدخول المسجد المشار إليه فى العرض، كما أشار نفس المكان إلى سور نهر النيل حين قام الثوار بإلقاء جثة العسكرى الإنجليزى فى النهر، وعلى يمين المقدمة نجد منزل الويشى أحد أفراد جماعة اليد السوداء، وعلى يسار منتصف المسرح يمثل المكان منزل الصعيدى أحد أفراد الجماعة، والذى قتل الإنجليز والدته، وعلى الرغم من أن الديكور كان ثابت (استاتيك) إلا أنه بتغير الأشخاص والإضاءة جعل به حيوية وديناميكية ليحقق مكان جديد، وفى نهاية العرض يتحرك الديكور مع المجاميع معلنًا الثورة ضد الاستعمار وذلك مع ثورة عامة للشعب وتجديد هتافات سابقة قد نادى بها الشعب فى ثورة 1919م، عندما أُصدر حكم الإعدام شنقًا على أعضاء جماعة اليد السوداء.كانت الملابس (يوستينا نعيم + الماكياج) معبرة عن الفترة الزمنية (شتاء عشرينيات القرن الماضى) التى قدمت فيها الأحداث ومناسبة لكل شخصية من شخصيات العرض، فظهر الرجال مرتدين الطرابيش والنساء ترتدى اليشمك مع الحفاظ على ملابس الشخصيات فكان المثقف يرتدى بدلة أو قميص وبنطلون، وأهل الحارة من أبناء البلد يريدون الجلباب البلدى.الإضاءة (شادى عزت) وبصرف النظر عما حدث من أخطاء والتى تعتبر من أخطاء عروض اليوم الواحد فكانت مهمة للتعبير عن المكان بتسليط الضوء على المكان الذى يتغير بتغير الاشخاص الموجودة، وكذلك استخدام بعض البؤر الضوئية، كما تم استخدم الألوان المناسبة للتعبير عن الحالة الدرامية وخلق الصورة البصرية للمتلقى والتركيز على بعض انفعالات الممثلين.الموسيقى (محمد هريسة) والغناء سيطر على العرض أغانى وموسيقى سيد درويش حيث كانت صوت الشعب فى هذا الزمن، ومن هذه الأغانى التى جاءت على لسان الممثلين بشكل جيد (قوم يا مصرى، يا عزيز عينى، شد الحزام، يا ورد على فل وياسمين.. إلخ)واستخدم التعبير بالحركة (كريم مصطفى، وبمشاركة فرقة بورسعيد للفنون الشعبية بقيادة الكابتن محمد أبوصالح) فى أضيق الحدود ليتناسب مع أحداث العرض، حيث شاهدنا التعبير عن الصلاة وحلقات الذكر وكذلك المظاهرات.أجاد كل الممثلين كلٌ فى دوره لكن بدرجات متفاوتة حسب خبرة وموهبة كل منهم، واجمل ما فى الأداء أنهم قدموا العمل بأداء كلاسيكى يعبر عن فترة عشرينيات القرن الماضى وساعدهم على ذلك الملابس، ومقتطفات من الأغانى وموسيقى ذلك العصر وأيضًا موضوع العرض المسرحى بشكل عام.وفى نهاية المطاف نستطيع القول بأن هذا العرض هو رسالة للجيل الجديد للتأكيد على ما فعلة الاستعمار بوطننا فى الماضى وما يُحاك على الوطن من مؤامرات فى الوقت الحالى، فالزمان يعيد نفسه ولكن بآليات مختلفة، فلم يعد المستعمر يحمل السلاح؛ لكن الحرب أصبحت على القيم والمبادئ والأعراف، فلا بد من اليقظة والحفاظ على وطننا الحبيب، وأشار العرض إلى أن الأمل فى الجيل الجديد عندما ظهر طفل فى نهاية العرض بعد أن شنق المستعمر أبطال الثورة. ونستطيع القول بأن المخرج وفق فى اختيار جميع عناصر العرض. كل التحية لجميع المشاركين فى العرض من مجموعة فريق «ابدأ حلمك»، وهم:الممثلون: بجانب ما تم ذكرهم أحمد آدم، حسنى عكرى، يحيى النبوى، جايدا الجباس، محمد مجاهد، أحمد معطى، أحمد شحاتة، محمد هريسه، أحمد سعيد، محمد قناوى، أمينة العربى، ريم البندارى، إياد إبراهيم، ولاء وحيد، عبدالرحمن خالد، كلارا مينا، يوسف عادل، محمد الكسار، عبدالله الدربكى، عبدالرحمن بركات، مروان العربى، محمد عمرو، طارق حلاوة، هند يسرى، منة هانى، محمد شيخون، يوسف زهران، محمد ملوك، سلمى يسرى، والطفل مازن عبدالملك.مساعد مخرج (محمد الكسار، عبدالرحمن خلاف، كيرلس ناجى، محمد رخا)، مخرج منفذ (مينا سمير).