نجيب سرور بين الخاتمة والخلاص!

نجيب سرور بين الخاتمة والخلاص!

العدد 937 صدر بتاريخ 11أغسطس2025

تحدثت فيما سبق عن جميع النصوص الرقابية التى أحتفظ بها، والتى كتبها «نجيب سرور».. لكن هناك نصين لم يكتبهما «نجيب سرور» بصورة مباشرة، بل هناك من قام بإعادة كتابة ما كتبه نجيب سرور وأخرجهما فى صورة مسرحيتين! وزيادة فى التوضيح أقول: يوجد نص محفوظ تحت رقم «459» عنوانه «خاتمة لنجيب سرور» من إعداد «عبدالرحمن الشافعى» و«مهدى الحسينى» عن أشعار وأعمال نجيب سرور، ليتم تقديمه فى أمسية ثقافية بمسرح السامر عام 1979.
مرفق مع هذا النص تقريران رقابيان، الأول كتبه الرقيب «فتحى مصطفى عبدالرحيم»، وذكر فيه ملخصًا للنص، قال فيه: يطلب نجيب أن يحضر له قبرًا ويكتب عليه يا نابشا قبرى حنانك، ها هنا كلب ينام، لا فرق من عام ينام وألف عام، فهذه العظام حصاد أيامى، فرفقًا بالعظام ويطلب منه أن يخبر قريته الجميلة بذلك بعد أن لاقى من المتاعب والعذاب ألوانًا ومن المنفى ما أنساه الكلام بعد أن ظل صامتًا وحيدًا شأنه فى ذلك شأن الشعب وما يلاقيه من الاستعمار من الاضطهاد والتعذيب، والذى راح ضحيته ياسين من كثرة ما لاقى، والذى لا يجد إلا صدر أمه الحنون الذى كانت تربو على كتفه وتخفف عنه آلامه وشجونه حتى لقد بلغ به اليأس أن يكون ميتًا ضمن الأموات لا أن يعيش مكبلًا فى الأغلال، ذليلًا بعيدًا عن وطنه كأنه فى جحيم، فقد رأى أن الجحيم هو أن يعيش الإنسان بعيدًا عن وطنه ويموت فى منفاه ويدفن فى تراب الآخرين مفضلًا الموت على الحياة مع الاستعمار. ويختتم الرقيب تقريره برأى قال فيه: «لا مانع من الترخيص بعرض هذه المسرحية بعد الحذف فى ص1 و2 والمسرحية تدعو إلى الجهاد ضد الاستعمار حتى الموت. فالموت خير وأبقى بل وأشرف من الحياة مع الاستعمار».
والتقرير الآخر كتبته الرقيبة «شكرية السيد»، قائلة فيه: «بدأ المؤلف الشاعر مرثيته أو معاناته مع نفسه من النهاية، ولكن زميله يطلب منه أن يبدأ من البداية.. ويقص المؤلف قصة ميلاده فى بلدته ويربط بينها وبين «بهوت» قرية من قرى مصر.. بل هى مصر الأم التى عانت من صنوف العذاب والاستعمار.. وما قاساه شعبها من قهر وبطش ممثلًا فى ياسين الذى راح ضحية القهر والظلم والفساد وكانت «بهية» هى الصدر والملاذ له.. ويربط المؤلف أيضًا بين معاناة شعب مصر ومعاناته شخصيًا فى حياته التى ذاق فيها جحود الأهل والصحاب والوحدة والألم والاغتراب حتى أنه كان يتمنى الموت وتتعجله حتى جاءه وراح ضحية هذا الإحساس الذى عجل بنهايته، فالموت عنده هو نهاية لآلام وجراح وجحيم الحياة، وهو المرفأ المنشود والراحة الكبرى من عناء رحلة الحياة القاسية.
وتختتم الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: «لا مانع من الترخيص بعرض هذه المرثاة أو الإعداد الشعرى لهذا المؤلف وذلك بعد حذف العبارة فى ص 2، وإخطار الرقابة بموعدى التجربة والعرض». والعبارة التى أشارت إليها الرقيبة بالحذف تقول: «فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص». كما وجدت عبارة استبدلها الرقباء وأصلها كانت هكذا: «فاروق: إنى أتيت إلى الوجود كما يجئ الأنبياء.. لا.. لست أنتحل النبوة، غير أنى مثلهم». فاستبدلها الرقباء بهذه العبارة: «لست أنتحل النبوة، غير أنى أتشبه بهم». وبناء على التقارير الرقابية، تم الترخيص بالعرض تحت رقم «272» بتاريخ 8/11/1979.
لم يكن نص «خاتمة لنجيب سرور» هو النص الوحيد من نوعه فى عملية إعادة ما كتبه نجيب سرور، بل هناك نص آخر محفوظ تحت رقم «392» عنوانه «الخلاص» عبارة عن مجموعة من نصوص وحوارات وأشعار لنجيب سرور «توليف وإخراج فؤاد عبد الحي».. هكذا جاء على الصفحة الأولى من مخطوطة النص المُقدم إلى الرقابة من «المعهد العالى للتمريض» عام 1987!
كما وجدت تقارير رقابية مرفقة بالنص، تقرير منهم كتبته الرقيبة «وسام سعد الدين محمد» وذكرت ملخصًا للنص، قالت فيه: يتناول المؤلف قصة كل من حسن ونعيمة، وياسين وبهية فى صورة شعرية يقص فيها الأهوال والمآسى التى واجهت كل منهم والظروف المحيطة بهم والتى أدت إلى عذابهم وهوانهم. فيتحدث المؤلف عن قصة حسن ونعيمة وما واجههم من مشاكل وصعاب حاولوا التغلب عليها بالحب والتحدى، حيث طلب حسن من والد نعيمة الزواج منها، فلم يوافق لإرضاء عمدة البلد الذى كان يكره حسن، وتحزن نعيمة وتهرب إلى بلد حبيبها ليتزوجها، وفى ليلة العرس يحضر والد نعيمة ويتفق مع حسن على إتمام الزواج بعودة نعيمة إلى بيتها وبلدتها، ويتم تنفيذ الاتفاق وتعود نعيمة إلى بيتها ليلحق بها حسن، ولكن الغفر يقبضون عليه ويقتلوه. أما قصة بهية وابن عمها ياسين الأجير فى بلدته بهوت بدأت حين طلب الباشا بهية لكى تخدم فى قصره ورفض ياسين فهو يحبها ومتفقان على الزواج، فيأخذوه ويضربوه، وتذهب بهية إلى القصر لتعود منه لتدفن فى التراب بيد ابن عمها ووالدها، ولكن الهجانة تأتى وتقتل ياسين، ويحاول أهل بهية إبعاد الحزن عن ابنتهم فيوافق والدها على تزويجها من أمين صديق ياسين، والذى يعمل عطشجى فى الوابور لإدخال الفرح والسرور إلى البيت بعد موت ياسين ومصاحبته إلى بورسعيد. وتحزن بهية مرة ثانية لفقد زوجها أمين رميًا بالرصاص وتصبح أرملة وتعول طفلًا وطفلة. ويحاول البعض تزويجها للمرة الثالثة فترفض فقد خالفها الحظ مرتين وتصر بكل قوة وتصمم على تكريس حياتها لأبنائها.
وتكتب الرقيبة فى تقريرها رأيًا، قالت فيه: «المسرحية رمزية يتحدث فيها المؤلف عن الظلم والاستبداد الذى يلاقيه الضعيف بين القوى والمسالم من المستبد، وينادى بتضامن وتعاون الجميع ليصبحوا يدًا واحدة أمام الظلم والاستبداد، فيقضوا على الفساد والظلم والطغيان، ويستفيدوا من تجاربهم الماضية وتاريخهم البعيد». كما ذكرت الرقيبة أيضًا «قرارًا» قالت فيه: «ولا مانع من التصريح بالترخيص لعرض المسرحية بشرط مراعاة الحذوفات»، الآتى ذكرها: الفصل الأول «ص 8» فلاحة 2: «والجتت ليها رب.. يا مشرف الجتت والله ما يلاحق يطلع ولا يدفن.. والله ما يلاحق يكح.. طب دا كل يوم عمال يحول فى الجتت.. م الصعيد ع البحر الأبيض». فلاحة 3: «جتته منفوخة زرقا.. يعنى يبقى بقاله يا ولداه كتير.. أصله ما يعيش ولا تطلع له ريحة.. إلا لما يستوى يعنى يشبع ميّه.. يصبح زى القربة». وتعلق الرقيبة على هذا الحذف بقولها: «تكريم لقداسة الموت». وحذفت الرقيبة عبارة «وهناك النغنغة فى صنوف الطيبات.. لم لا؟ هكذا قال الرسول»، معلقة عليها بقولها: «لخروجها عن آداب الدين». وحذفت أيضًا هذا الحوار: «فتاة1: بس عدية ياسين.. مش عشان الميتين. بهية: لا.. عشانهم. فتاة2: فيه حاجات مخصوص عشانهم.. زى يونس.. ولا هود.. فيها جنات وآخر نغنغة». وعلقت على ذلك بقولها: «للمخالفة للدين». كما حذفت الرقيبة قول الراوي: «كل واحدة مات لها واحد عزيز.. كل واحدة من تلات تيام هنا.. قاعدة مستنية جوز ولا ابن.. ولا أخ.. ولا أب.. بس مستنية جتة.. والجتت محبوسة جوه.. جوه المصنع.. وممنوع الدخول.. والصوات ممنوع كمان.. والتجمهر يعتبر ضد القانون.. والعدد خمسة تجمهر.. وأنتو مية وحتى أكتر.. أصلنا فى حالة طوارئ.. يعنى تبقى الحالة جيم.. من زمان الحالة جيم». وتعلق الرقيبة على هذا الحذف قائلة: «تسىء للنظام العام».. إلخ المحذوفات المذكورة فى التقرير، وتنهى الرقيبة تقريرها قائلة: «تعرض المسرحية لمدة يوم واحد فقط مع إخطارنا بميعاد البروفة النهائية».
وهناك تقرير آخر كتبته الرقيبة صفاء عبدالحميد، قالت فيه: «تروى هذه المسرحية قصة بهية وياسين وهى قريبة الشبه بحسن ونعيمة، وتروى لنا هذه القصة بهية التى أحبت ياسين والتى تمنت وحلمت باليوم الذى يجمع بينها هى وياسين» لكن الظروف المادية هى التى كانت تحول بينهما وفى ذات يوم رأت بهية حلم غريب، حيث رأت أنها راكبة مركبا والمراكبى ابن عمها ماسك الدفة ومتعصب بشال أحمر، حيث تحط حمامة بيضا فوق رأسه ويا دوب البدر لاح إلا والريح جاية تقلب المركب فتصرخ نعيمة بينما حسن ماشى فوق الموج بيضحك وما أن روت هذا الحلم لأمها إذ إنها سمعت من أهالى البلد بأنهم رأوا جثة طافية على سطح الماء، وفى تلك اللحظة أحست بهية بأنه هو ياسين وبقيت الجثة، ولم يجرؤ أحد أن يقترب منها ويفكر فى خروجها ودفنها خوفًا من المسئولية، وبالتالى أخبر العمدة بأنهم رأوا جثة قتيل، لكنه لا يعطى لهذا الموضوع من أهمية، بل تركه وصرف نظر عنه دون أن يعرف من هو القتيل، ولو كان يعرف أن هذا القتيل هو حسن المغنواتى الذى كان يكره مواويله بل أكثر من ذلك أن العمدة هو السبب فى إحباط زواج حسن من نعيمة وذلك بتهديده لأيهما بأنه سوف يجعله عبرة لأهل البلد إذ وافق على هذا الزواج ولكن القدر لم يمهل حسن إذا ما لبث أن قتل لأنه كان لا يحب النفاق بل كان يقول كلمة الحق، وهذا سبب فى أنه عجل بمقتله، وهناك سبب آخر، وهو ذهابه لطلب الزواج من نعيمة وهذا راجع إلى أنهم لم يجدوا من يتصدى لهم ولظلمهم، مثلما أيضًا حدث لبهية وياسين وقد قتل ياسين الذى كان كل شىء بالنسبة لبهية، والتى ظلت تبكيه طوال عمرها، لكن حزنها عليه لم يدم إذ لم تشأ الأقدار وتتزوج من أمين لكنه أيضًا يلحق بحسن وياسين، وهو إن دل على شيء فإنه يدل على الحالة التى كان يعانى منها أهل البلد من الطغيان والظلم إذ إن هذه القوة التى كانت تحكم البلد فى ذلك الوقت كانت متسلطة، ونعيمة وحيدة بعد ما فقدت حسن وأمين بل إنها تتخيل بأن حسن سوف يأتى عليه يوم ويقوم وينتشل الجثث من الميه والرقاب من على المشانق بل وأكثر من ذلك تدعو إلى تخليد ذكراه فهو لم يمت طالما ذكراه باقية.
وتختتم الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: «لا مانع من عرض هذه المسرحية مع مراعاة الالتزام بتنفيذ هذه الملاحظات وهي: «أبويا فزورة.. أمى فزورة.. والكفر فزورة.. هذا الحوار قالته نعيمة صفحة 10». وأيضًا «دا كلام غوازى وعيب» من صفحة 10. كما أضافت الرقيبة مجموعة من الأقوال المحذوفة فى صفحة أخرى من تقريرها، قالت فيها تحت عنوان «إضافات إلى الصفحة السابقة»: «ربنا يحى العظام.. جتة من غير راس.. وراس بلا جتة.. يبقى كفر» هذا الحوار قالته نعيمة لحزنها على حسن صفحة 16، وأيضًا «وقلت مش هيقوم مش يوم القيامة زى كل الناس يقابل ربنا». و«يتهمونا مرة فى دم يوسف بقى جدى يا كوكو كل سيدنا يوسف وإحنا بنصلى عليه زيكم وأكتر شوية». هذا الحوار دار بين فتاة ونعيمة من صفحة 5 من الجزء الثانى. و«بالمناسبة يا بهية الحكومة تاوت الجتت، وهو عارف الحانوتى كان ملك والملك وياه حكومة تقتل المقتول وتمشى فى مشهده» هذا الحوار دار بين فتاة وبهية من صفحة 19 من الجزء الثانى». وبهذه المحذوفات نال النص تصريحًا بعرضه تحت رقم «92» بتاريخ 24/3/1987.
هذا كل ما لدى من نصوص ووثائق رقابية تتعلق بإبداعات «نجيب سرور»، تحتاج إلى باحث يقوم بمقارنتها بالنصوص المسرحية المنشورة، وبما كتب من نقد حول النصوص أو العروض للوقوف على الفرق بينهما فى ظل تدخل الرقابة والرقباء فى النصوص الأولى المقدمة إليها من قبل الفرق المسرحية.


سيد علي إسماعيل