فى مدينة دهب، حيث يلتقى سحر الطبيعة بروح الانفتاح على الثقافات، وُلدت أول فرقة مسرحية بقيادة المخرج شريف القزاز، مدير النشاط الثقافى والفنى ببيت ثقافة دهب. حلمه كان أن يحوّل المسرح من نشاط موسمى عابر إلى مساحة حية تفاعلية تُعبّر عن المجتمع وتُعيد صياغة العلاقة بين الفن والجمهور.شريف القزاز هو فنان تشكيلى ومخرج مسرحى قدّم أكثر من عشرة عروض مسرحية تفاعلية تهدف إلى معالجة القضايا الاجتماعية. فى عام 2024، أخرج مسرحية «كل يوم» فى مدينة دهب، التى تناولت قضايا مثل التحرش، والختان، والزواج المبكر، والعنف الأسرى، وكانت بداية تأسيس أول فريق مسرحى بالمدينة. ما يميز هذا العرض أنه قُدِّم فى فضاءات مفتوحة بين الجبال وصخور سيناء، ليُصنَّف كأحد أوائل العروض المسرحية الصحراوية فى مصر.إلى جانب عمله المسرحى، أسس القزاز مبادرة «بصمة» للفنون والتنمية والدعم النفسى، الهادفة إلى استخدام الفنون كوسيلة للتأهيل النفسى والاجتماعى. من خلالها نظّم ورشًا فنية ومسرحية للأطفال المعرضين للخطر، بمن فيهم أطفال بلا مأوى، واللاجئون، والسجينات، لمساعدتهم على التعبير عن أنفسهم وتحسين مستوى معيشتهم عبر الفن.كما شارك كمتحدث فى مناقشات حول المسرح المجتمعى التفاعلى ومسرح المقهورين، وقدم خبراته كخبير استشارى فى التأهيل الفنى والنفسى. وقد مثّل مصر فى فعاليات ومهرجانات محلية ودولية فى إيطاليا، والإمارات، والمغرب، وتونس، والعراق، وأوكرانيا.سعيًا منه إلى دمج الفن بالتراث والثقافة، يركز القزاز فى أعماله على القضايا الاجتماعية والإنسانية، واضعًا نصب عينيه إحداث تأثير إيجابى فى المجتمع.فى هذا الحوار مع جريدة مسرحنا، يكشف القزاز عن دوافعه لتأسيس الفرقة المسرحية فى دهب، والتحديات التى واجهها، ورؤيته المستقبلية، بالإضافة إلى ردود الفعل المحلية والدولية حول هذه التجربة الفريدة.ما الذى ألهمك لتأسيس فرقة مسرحية أو فنية فى مدينة دهب بالتحديد؟دهب بالنسبة لى كانت دائمًا مساحة مختلفة عن باقى المدن؛ مزيجًا بين سحر الطبيعة وروح الانفتاح على الثقافات. عندما زرتها، شعرت أن فيها طاقة فنية خام تنتظر من يوظفها. كان حلمى أن أخلق مساحة يلتقى فيها الفن مع المجتمع، وأن تكون العروض المسرحية جزءًا من هوية المكان، لا مجرد نشاط عابر.إن فكرة تأسيس الفرقة جاءت من إيمانى العميق بأن المسرح أداة للتغيير وبناء الوعى، خاصة فى مدينة تمتلك مقومات فنية وإنسانية فريدة مثل دهب. وبحكم عملى فى بيت ثقافة دهب، لمست غياب النشاط المسرحى المنتظم فى المنطقة، على الرغم من تنوع جمهورها ما بين سكان محليين وسائحين ومقيمين من مختلف الثقافات.هل كان لديك ارتباط شخصى أو فنى سابق بمدينة دهب قبل المشروع؟كنت أزور دهب منذ فترة طويلة، وأعتبرها مكانًا للتأمل وإعادة الشحن. لكن الارتباط الفنى بدأ حين لاحظت غياب أى فرقة مسرحية دائمة، مع أن المدينة مليئة بالمواهب المقيمة أو الزائرة. هذا كان الدافع لتحويل ارتباطى الشخصى إلى مشروع فنى مستمر.كما أن انتدابى من البيت الفنى للمسرح إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة، وتولّى مسئولية النشاط الثقافى والفنى ببيت ثقافة دهب، كان تكليفًا اعتبرته مسئولية حقيقية رغبت أن أكون على قدرها.ما الفجوة أو الحاجة التى رأيت أنها تستدعى وجود فرقة مسرحية فى دهب؟الفجوة كانت واضحة: الأنشطة الفنية فى دهب تتركز غالبًا فى الموسيقى أو الفعاليات السياحية، بينما المسرح غائب. فى مدينة تستقبل جنسيات متعددة، وجود مسرح مجتمعى يقدّم قصصًا محلية، ويخلق حوارًا ثقافيًا كان شيئًا أساسيًا مفقودًا.ما الرسالة أو الرؤية الفنية التى تسعى الفرقة لتحقيقها؟رسالتنا أن نعمل على مسرح تفاعلى مجتمعى، يعكس قضايا الناس ويحافظ على روح الحوار والانفتاح. وفى الوقت نفسه نجرب أشكال عرض جديدة مثل مسرح الفضاءات المغايرة ومسرح الغرفة.رؤيتنا أن يصبح المسرح جزءًا من حياة دهب اليومية، لا مجرد حدث موسمى، مع المزج بين الجدية والترفيه لتلبية احتياجات جمهور متنوع من مصريين وأجانب.كيف توازن بين تقديم عروض ترفيهية وجادة تناسب جمهور دهب المتنوع (سكان محليين، سائحين، مقيمين)؟نحاول دائمًا المزج بين العمق والمتعة. نطرح قضايا مهمة لكن بأسلوب بصرى ممتع وقريب من الناس، ونستخدم لغات مسرحية بسيطة ومفهومة حتى مع تنوع الجمهور لغويًا. وأحيانًا نعتمد على لغة الجسد والصورة البصرية أكثر من الحوار، ليكون العرض قابلًا للفهم عالميًا.ما أبرز التحديات التى واجهتها فى اختيار مكان أو تجهيز مقر للفرقة؟دهب مدينة صغيرة والمساحات فيها إما سياحية أو تجارية، فكان من الصعب إيجاد مكان يصلح للتجارب المسرحية. لجأنا أحيانًا إلى عروض فى أماكن غير تقليدية: فى الجبل، فى ساحة بيت الثقافة، أو فى خيمة بدوية.كذلك واجهنا صعوبة فى توفير التجهيزات من إضاءة وصوت وديكور، فاعتمدنا على حلول إبداعية ومعدات بسيطة، وأعدنا تدوير خامات محلية لصناعة الديكور. ومع الوقت اكتشفنا مواهب محلية، وانضم إلينا فنانون من البدو والمقيمين.كيف تمكنتم من توفير الإمكانيات التقنية (إضاءة، صوت، ديكور) فى مدينة سياحية مثل دهب؟اعتمدنا على حلول إبداعية أكثر من الاعتماد على الإمكانيات المكلفة. استخدمنا معدات محمولة وبسيطة، واستفدنا من الدعم المجتمعى. على سبيل المثال: ساعدنا على عايش، صاحب قرية «ميراج»، بتوفير الخيمة البدوية وأجهزة الصوت، وقدّمنا عروضنا هناك.هل واجهت صعوبة فى جذب كوادر فنية محلية أو من خارج دهب؟فى البداية نعم، لأن عدد المشتغلين بالمسرح فى دهب قليل. لكن مع الوقت بدأنا نكتشف مواهب محلية، واستفدنا من وجود مقيمين أجانب وبدو، فصار الفريق خليطًا ثقافيًا وفنيًا مميزًا.كيف كان استقبال الجمهور المحلى والسائحين لفكرة وجود فرقة مسرحية فى دهب؟الاستقبال كان حماسيًا جدًا. الناس كانت متعطشة لفكرة مختلفة. حتى الذين لم يكونوا مهتمين بالمسرح حضروا بدافع الفضول، ثم أصبحوا جمهورًا دائمًا.قدّمنا عرضًا لمدة خمسة أيام متواصلة، وكان كل يوم كامل العدد. وبعد العروض، كان الجمهور يشارك فى نقاشات مفتوحة مع الممثلين، ما عزز فكرة المسرح التفاعلى.هل هناك اختلاف فى ردود الفعل بين الجمهور المصرى والجمهور الأجنبى؟الأجانب غالبًا ينبهرون بتجربة المسرح فى الفضاءات المفتوحة وأسلوب التفاعل، بينما الجمهور المصرى يتجاوب أكثر مع الرسائل الاجتماعية واللغة المحلية. لكن الاثنين اشتركوا فى تقدير قيمة التجربة وفرادتها فى مكان مثل دهب.ما الأعمال التى قدمتموها حتى الآن؟قدّمنا عرض «كل يوم»، من تأليف ياسر أبوالعينين، وإخراجى. العمل ناقش قضايا اجتماعية، ويُصنّف تحت نوعية مسرح الصحراء، حيث يمكن تقديمه فى الطبيعة الصحراوية الجبلية.