العدد 950 صدر بتاريخ 10نوفمبر2025
شاعر وكاتب مسرحى وكاتب لأدب الطفل، جمع هانى قدرى فى مسيرته بين الحس الشعرى والرؤية المسرحية الواعية بقضايا المجتمع والهوية. تمتد تجربته الإبداعية عبر مجالات متعددة، إذ قدم مؤلفات فى المسرح للكبار والأطفال، والرواية، والقصة القصيرة، إلى جانب إسهامات نقدية وفكرية منشورة فى عدد كبير من المجلات والصحف العربية. وقد عُرضت أعماله على خشبات المسارح فى مختلف المحافظات المصرية، محققة حضورًا فنيًا وإنسانيًا لافتًا. نال قدرى أكثر من عشرين جائزة أدبية داخل مصر وخارجها، من بينها جوائز المجلس الأعلى للثقافة، ومهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح، وأخيرا جائزة الهيئة العربية للمسرح فى دورتها السابعة عشرة عن المركز الثالث فى مسابقة تأليف النص المسرحى الموجَّه للطفل من سن 3 إلى 18 عامًا، تحت شعار «أطفالنا أبطال جدد فى حكايتنا الشعبية». فى هذا الحوار، نقترب من عالمه الإبداعى، ونتوقف عند رؤيته للكتابة المسرحية، وفلسفته فى إعادة تقديم التراث بروح عصرية تجمع بين الخيال والوعى.
بداية.. حدثنا عن بداياتك مع الشعر والكتابة المسرحية؟
كانت البداية مع موهبة الشعر، منذ المرحلة الابتدائية. ومن حسن حظى أننى التحقت بنادى أدب دمنهور، الذى كان يضم كوكبة كبيرة من كبار الشعراء. وبدأت أكتب الشعر الفصيح، والحمد لله صدر لى ثلاثة دواوين شعرية. الديوان الأول: «محاورة بامتداد العمر»، والديوان الثاني: «ليس للموت اسم آخر»، وهو صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. والديوان الثالث: «الأحلام توزع مجانًا مع شهادات الميلاد»، وهو صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وقد حصلت على جوائز فى التأليف الشعرى، غير أننى اتجهت بعد ذلك إلى المسرح، وكانت أول مسرحية كتبتها للأطفال، شاركت بها فى مسابقة إقليم وسط وغرب الدلتا الثقافى، والحمد لله فازت. فبدأت تستهوينى الكتابة المسرحية بشكل كبير، لدرجة أن المسرح أخذنى من الشعر؛ فشبه توقفت عن كتابة الشعر واتجهت للمسرح، سواء كان للكبار أو للطفل.
ماذا يعنى لك الفوز بجائزة التأليف فرع مسرح الطفل من الهيئة العربية للمسرح؟
تُعد هذه الجائزة من أعرق وأبرز الجوائز المسرحية العربية فى الوقت الراهن، إذ تتميز بتاريخها الممتد وسمعتها القائمة على النزاهة والشفافية. وعلى الصعيد الشخصى، سبق أن رُشحت أكثر من مرة لجائزة الهيئة العربية للمسرح، ووصلتُ إلى القائمة القصيرة التى تضم أفضل عشرين نصًا، لكن لم يحالفنى الحظ بالفوز آنذاك. وهذه هى المرة الأولى التى أنال فيها الجائزة، ما يجعلها بمثابة تتويج لمسيرتى فى الكتابة المسرحية، وحلمًا طالما راودنى منذ أن وصلت لأول مرة إلى القائمة عام 2017. هذه الجائزة تعنى لى الكثير، خصوصًا أنها جاءت بعد منافسة قوية على مستوى الوطن العربى، بين عدد كبير من النصوص المتميزة، والحمد لله كان نصى من بينها. وتزداد فرحتى لأن الاحتفالية تُقام هذا العام فى بلدى مصر، ما يمنح الفوز طابعًا خاصًا ومميزًا.
حدثنا عن النص المسرحى الفائز»علاء الدين ومصباح صنع فى الصين» فلماذا هذا الاسم وما هى الفكرة الأساسية التى يدور حولها، وهل كتب للمسابقة خصيصًا؟
كتبتُ نص «علاء الدين ومصباح صنع فى الصين» بوصفه محاولة معاصرة لإعادة صياغة التراث والقصص الشعبية بروح جديدة، ولم يكن الهدف منه المشاركة فى المسابقة تحديدًا، بل انطلاقًا من اهتمامى الدائم بقضية إعادة تقديم التراث للأطفال بصورة عصرية. فقد تناولتُ هذه الفكرة فى أكثر من عمل، مثل مسرحية «محكمة الحواديت»، ومسرحية «أما بعد» التى جاءت بصياغة مغايرة عن «علاء الدين ومصباح صنع فى الصين».
ما يشغلنى فى هذه التجارب هو تنقية القصص الشعبية من القيم السلبية التى قد تغرس فى الأطفال روح التواكل، كالإيمان بقدرة الجنى على تحقيق الأمنيات، أو انتظار معجزة مثل الشاطر حسن الذى يعثر على جوهرة تُحقق له أحلامه. أرى أن مثل هذه القصص ترسخ الاتكالية وتُضعف قيمة الاعتماد على الذات. أسعدنى كثيرًا أن موضوع (التيمة) الذى طرحته الهيئة العربية للمسرح جاء متوافقًا تمامًا مع الفكرة التى كنت أعمل عليها، فقررت التقدم بالنص إلى المسابقة. وتقوم الفكرة الأساسية للنص على أن الطفل علاء الدين يعثر على مصباح مصنوع فى الصين، لكنه ليس المصباح السحرى المعروف، بل مصباح يدعو إلى الاجتهاد والعمل وينبذ الخرافات. ومن هنا تبدأ رحلته مع المارد الصينى الذى يصاحبه فى جولة داخل عوالم الحواديت، حيث يصبح علاء الدين هو البطل الحقيقى لهذه الرحلة.
ما التحديات التى واجهتك أثناء كتابة نص موجه للطفل بشكل خاص مع تحديد الفئة العمرية المستهدفة؟
أكبر تحدٍ واجهنى هو الطفل نفسه. هل بإمكان الطفل أن يستوعب ما أكتبه؟ وهل أستطيع أن أحقق له المتعة والاستمتاع؟ فالكتابة للطفل تُعد أصعب أنواع الكتابة؛ لأن الطفل لا يعرف المجاملة، وهو صريح. بمجرد أن يقرأ ورقة أو اثنتين، إذا لم يجد المتعة، سيبتعد عن إكمال القراءة. ولذلك، أكبر تحدٍ هو أن يتوفر قدر من المتعة فى كل ورقة من النص. وأيضًا أن تكون الفكرة قريبة من الطفل، وتحقق له الإبهار إلى جانب المتعة. وبالتالى، يكمن التحدى الكبير فى تحقيق المتعة، وفى الوقت نفسه إعمال العقل دون الوقوع فى المباشرة أو التقريرية لأن الطفل يرفض المباشرة والوعظية، بالإضافة لبساطة اللغة، وفى الوقت ذاته تمكن الطفل من اكتساب مفردات جديدة. هذه كلها أمور يُعنى بها كاتب الطفل عناية كبيرة.
بخلاف قضية إعادة تقديم التراث بشكل معاصر، تناولت أعمالك العديد من القضايا الجوهرية فحدثنا عنها وما الذى تفضل التركيز عليه؟
الحمد لله، اهتممت بالعديد من القضايا الخاصة بالطفل. تناولتُ قضايا البيئة، من خلال مسرحيات»هجرة الماء»، التى فازت بجائزة أفضل عرض متكامل فى مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى فى أول دورة للمهرجان فى مجال أدب الطفل. ومسرحية «الشجرة اليتيمة»، وقد حصلت على جائزة المجلس المصرى لكتَّاب الطفل (إيبي). وهناك مسرحية «فى قريتنا مصنع». كما اهتممت بقضايا ذوى القدرات الخاصة؛ فكتبت مسرحية «بكم أكتمل»، التى عُرضت فى دار أوبرا دمنهور وفى المنصورة. ومسرحية «ابن ستة» التى يجرى التجهيز لها حاليًا فى البيت الفنى للمسرح، مسرح الشمس، وهى من إخراج محمد متولى، وقد شاركته فى كتابة النص. كذلك هناك مسرحية «السوبر إنسان» التى تتناول قضايا ذوى القدرات. كما اهتممت بالمسرح المدرسى وتبسيط قواعد النحو العربى. فهناك سلسلة مسرحيات نحوية تضم خمس عشرة مسرحية، ومن الأمثلة عليها: «سر اختفاء الهمزة»، «طبيب أمراض نحوية»، «موقع التواصل النحوي»، «عائلة السيد مجرور»، «برلمان القواعد النحوية»، «جريمة نحوية»، «الحرف فى مهمة نحوية»، «جزيرة الضمائر المقلوبة»، و»قطار القواعد النحوية».كما تناولت قضايا (السوشيال ميديا) وأثرها على الأطفال، فقدمت نصوص مثل «فى بيتنا مسرح» الذى عُرض فى المنصورة والشرقية والعريش، وتم تكريمى عليه مؤخرًا فى مهرجان مسرح الطفل. ولدى أيضًا مسرحية «لايك وشير وكومنت» التى تُعنى بفكرة التواصل الاجتماعى وعلاقة الأطفال بها. أيضا القضايا التاريخية والوطنية، مثل مسرحية «ألبوم صور» التى تنناول تاريخ مصر وآثارها وحضارتها، ومسرحية «الحكاية مصرية». وهناك العديد من القضايا الأخرى، بالإضافة إلى الخيال العلمى، مثل مسرحية «خمسة فى مهمة فضائية».
حتى أنه تم تبسيط الفقه الإسلامى أيضًا فى سلسلة، ستصدر قريبًا عن إحدى دور النشر، وهى دار هالة، بعنوان «مسرحيات فقهية»، وتضم مجموعة من المسرحيات الفقهية الموجهة للأطفال. الحمد لله، إنتاجى لمسرح الطفل شمل العديد من القضايا الخاصة به ومناقشتها بشكل جيد، ومعظم الأعمال، بفضل الله، حصلت على جوائز.
وفى ظل واقع ملىء بالصراعات والصعوبات، كيف تشكل هذه البيئة مادة كتابتك للأطفال دون أن تفقد النص براءته وجاذبيته، أو تخيف المتلقى الصغير؟
هذا سؤال مهم جدًا؛ فالطفل يشاهد الصراعات والحروب والقتل والذبح على شاشات التليفزيون والهاتف، بل وأصبح يتبنى القضايا؛ فنرى الأطفال هم الأكثر دعمًا والتزامًا بقضايا، مثل مقاطعة المنتجات الصهيونية. حيث أصبح جزءًا أصيلًا ومشاركًا فى هذه القضايا بشكل كبير جدًا. وتكمن الصعوبة هنا فى أن بعض الكتّاب يُصر على أن الطفل ما زال يتعامل مع الحيوانات والطيور، فى حين أن واقع الطفل قد اختلف. لذلك، لا بد أن نناقش قضايا الأطفال بشكل جاد يناسبهم، وذلك بأن نخرج من الواقع إلى عالم الأحلام، عالم آخر يتمناه الطفل ويكون مغايرًا لما يحدث فى الواقع.
لقد صارت مهمتى ككاتب للطفل أن أناقش هذه القضايا، ولكن من منظور مختلف. فليس شرطًا أن نعرض الحروب بشكل مباشر؛ فمثلا مسرحية اسمها «اللعبة» تتناول الصراع العربى الإسرائيلى، وتتناول الفكرة من خلال الحديث عن عالم آخر موازٍ يحلم به الأطفال. وهذه نقطة مهمة؛ إذ لا توجد أزمة حول ما إذا كان الفن يترجم الواقع كما هو أم لا يفتلها، فليس ضروريًا أن يكون كذلك، بل يمكن الاستعانة بمنتهى الجمال لإصلاح منتهى القبح الذى نعيشه على شكل أحلام أو غيرها. وهذه قضية مهمة جدًا يجب أن ينظر إليها الكاتب بعين الاهتمام حيث كيفية تجسيد هذا الواقع، هل كما هو أم من خلال الأحلام المختلفة والمغايرة للطفل والعالم الخيالى؟
وفى مواجهة غزو الشاشات والعالم الرقمى لفضاء الطفل، أى دور فريد يمكن أن يلعبه المسرح الحى لتضميد الجراح النفسية والاجتماعية التى قد يعانى منها الأطفال، وهو دور لا يمكن للألعاب الإلكترونية أو وسائل الإعلام تقديمه بنفس الفعالية؟
لا أرى أن المسرح فى مواجهة مع الشاشات أو الغزو الرقمى ووسائل التواصل الاجتماعى، فالمسرح فى مكان مختلف. والدليل على ذلك أن الطفل ما زال يهوى عروض الأراجوز والفرجة ومشاهدة المسرحيات. غير أن وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت جزءًا أصيلًا من حياته؛ فهو سيشاهد مسرحية أو مسرحيتين أو ثلاثًا فى السنة، بينما الهاتف معه كل يوم، ينام ويستيقظ عليه. لذا، نحن بحاجة إلى أن يصبح المسرح جزءًا من حياة الطفل، وهذا دور كبير يجب أن يلعبه المسرح المدرسى. فالمسرح المدرسى يشتمل على كتابة نصوص وإخراج وتمثيل من الأطفال وديكور واستعراضات وأغانٍ وأشعار؛ إنه حياة متكاملة. وما زال لدى الطفل حب ورغبة فى المشاركة العملية فى هذه الأعمال.
وهنا يستطيع المسرح علاج الكثير من القضايا، وهذا ما أناقشه فى مسرحية «فى بيتنا مسرح»؛ وهى فكرة وجود مكان مخصص فى كل بيت يجلس فيه الأولاد لتقديم مسرحية كل يوم، ويقوم الأب أو الأم بقراءة أو إرسال مسرحية لهم ليمثلوها. بهذه الطريقة، سنتمكن من تصدير الكثير من القيم لأولادنا من خلال هذا العرض المسرحى، فالمسرح يؤدى دورًا كبيرًا جدًا، خاصة من خلال العلاج بالفن.
غالبا مايكون لمسرح الطفل جمهور من الأطفال وجمهور الطفل الذى بداخل الكبار أيضا فهل تراعى ذلك فى كتاباتك أن يستمتع أيضا أفراد الأسرة مع الأطفال؟
بالتأكيد، مسرح الطفل يكون موجهًا للطفل، ولكن أحيانًا يشارك فيه ممثلون كبار. وحتى هذه اللحظة، الأمهات هن من يخترن الكتاب أو العرض المسرحى للطفل، وليس الطفل هو من يختار. وذلك لأن داخلهن ما زال هناك طفل، وجميعنا يحمل هذا الشخص الذى يشاهد أفلام الكرتون وينسجم معها فى الفيلم، وربما يكون انبهارنا بمسرح الطفل وأفلام الكرتون أكبر من انبهار أطفالنا بها.
تظل العروض ممتعة لكل أفراد الأسرة وهذا أمر مهم جدًا، لكن لا بد أن تكون الحلول الموجودة فى النص المسرحى صادرة من الطفل، وليست نابعة من الجد أو الجدة أو الأب أو الأم أو المعلم. حتى يقتنع بالرسالة وأنه قادر على التغيير. ففى المرحلة العمرية التى يُقدم فيها البطولة، يشعر الطفل أنه بطل يستطيع التفكير وحل المشكلات. وهذا جزء مهم؛ أن يشاهد أن الطفل الذى أمامه فى المسرحية هو الذى حل المشكلة، وليس الشخص الأكبر.
حصلت على المركز الأول بالمهرجان القومى للمسرح دورة الفنان عادل إمام عن نص «فتاة المترو» حدثنى عنه.
جائزة المهرجان القومى للمسرح (دورة الفنان عادل إمام) تُعد من أهم الجوائز التى حصلت عليها عن نص «فتاة المترو» ويتناول النص فكرة ذاكرة الإنسان، وفكرة النسيان، والتعلق بالآخرين. إنها فكرة إنسانية بسيطة، والنص يحتوى على مخزون إنسانى عميق. لطالما رأيت أن التركيز على الجوانب الإنسانية يمنح النص حياة أطول ويساعده على التواجد مع الناس لفترة زمنية أكبر.
ما الأسلوب الذى تفضله فى كتاباتك المسرحية؟
أفضل فى كتابتى أن تكون الفكرة جديدة بالنسبة لطريقة معالجتها؛ فحتى لو قلنا إن كل الأفكار قد قُدمت، فيجب أن تُقدم بمعالجة مختلفة ومغايرة. كما يجب أن تكون الفكرة جاذبة للطفل، واللغة بسيطة، ورسم الشخصيات مهم جدا للطفل، بحيث يتعلق بها ويرى أنها قريبة من شخص يعرفه فى محيطه: صديقه، أخوه، أخته، أو جاره، ويجب أن تكون الجمل رشيقة وقصيرة. وقد أفادتنى موهبة الشعر كثيرًا فى الكتابة للمسرح؛ حيث ساعدتنى فى أن تكون الجمل قصيرة وبسيطة، تحمل إيقاع موسيقى يناسب الطفل. وهذا هو أسلوبى المفضل فى الكتابة للطفل.
تُوجت مسرحيتك «خمسة فى مهمة فضائية» بجائزة علاء الجابر للإبداع المسرحى. حدثنا عن هذه الرحلة فكرتها ومن أين انطلقت الرغبة فى كتابتها؟
مسرحية «خمسة فى مهمة فضائية» هو نص يتناول فكرة السلام، ويتساءل عما إذا كان يمكن للأطفال أن يتبنوا قضية السلام ويسعوا لتحقيقها. ويطرح النص سؤالًا: إذا كان هذا السلام سيُعقد مع كائنات فضائية أو كائنات من غير البشر، فهل سيتمكنون من إيجاد وسيلة للتفاهم بينهم وبين تلك الكائنات؟ وإذا نجحوا فى ذلك، فهل سينجحون فى ذلك بين البشر وغيرهم؟
تُطرح الفكرة من خلال قصة بسيطة: أطفال يعيشون فى عالم (السوشيال ميديا)، ويحدث سوء تفاهم حول عالم مصرى مرشح للفوز بجائزة نوبل اكتشف كوكبًا فيه حياة، وهو كوكب «كيبلر» (وهذه حقيقة بالفعل، يوجد كوكب بهذا الاسم). يتشابه اسم هذا العالم المصرى مع اسم صديق للأطفال، فيظن سكان الكوكب أن هذا الطفل هو الذى اكتشف الكوكب. وفى مغامرة بسيطة جدًا، نسعى لتوضيح فكرة أن للطفل دورًا، أو أنه يستطيع بمفاهيم جديدة وحديثة أن يكون بطلًا ويصنع دورًا بطوليًا فى مجتمع مليء بالحروب وغيرها، وذلك عبر إيضاح كيفية قدرته على صناعة السلام أو نقد واقع يعيشه.
برأيك.. ما العناصر الأساسية التى يجب أن يتضمنها أى نص مسرحى ناجح موجه للطفل؟
فى رأيى، العناصر الأساسية التى يجب أن يتضمنها أى نص مسرحى ناجح موجه للطفل هي: الفكرة؛ فيجب أن تكون مُحترمة لعقل الطفل وذكائه. أيضا المتعة؛ فلا بد من الاهتمام بإمتاع الطفل فى نطاق غير مباشر، مع تجنب الحكم والمواعظ المباشرة، لكى يقبلها. الشخصيات: لا بد من رسمها بشكل ملموس للطفل ومستمد من واقعه الشخصى، بحيث تكون قريبة منه ومن محيطه.
شاعر وكاتب مسرحى، فكيف ترى هذه العلاقة؟ وكيف يمكن للمسرح استيعاب شاعرية اللغة دون أن يفقد إيقاعه الدرامى خاصة لو كان مسرح طفل؟
تجمع علاقة وثيقة وهامة بين الشعر والكتابة المسرحية؛ إذ استفادت الكتابة المسرحية من الشعر فى اللغة والقدرة على الحذف والإيجاز. فبعد الانتهاء من كتابة النص، قد أجد نفسى أستطيع حذف أكثر من نصفه أثناء المراجعة. وأنا أتبنّى قاعدة أساسية فى عملى، وهى مراجعة النص المسرحى خمس مرات، ورغم رغبتى الدائمة فى مراجعته أكثر، أحرص على التوقف عند هذا الحد. تقوم هذه العملية على حساسية شديدة فى التعامل مع اللغة، فالشعر علّمنى الإيجاز والاختصار، والإيقاع البسيط والسريع، وهو ما أحدث فارقًا كبيرًا فى تجربتى المسرحية، وخاصة فى مسرح الطفل؛ إذ كان للشعر أثر بالغ فيه.
ما الرسالة التى تود دائمًا أن توصلها إلى جمهورك الصغير من خلال كتاباتك المسرحية؟
رسالتى إلى الطفل بسيطة وعميقة فى آن واحد: أنا مثلك، أفهمك جيدا، وأشاركك أفكارك ومشاعرك، فاعتبرنى طفلًا مثلك.
المهم بالنسبة لكاتب النص أن يشعر الطفل، وهو يشاهد العرض أو يقرأ النص، بالدهشة «هذا يشبهنى! كيف عرف أننى هكذا؟ إنه يتحدث عني!” وإن لم يكن البطل يشبهه، فربما يشبه أخاه أو صديقه، لأن شعور الطفل بالغربة عن العمل يعنى فشل الكاتب فى الوصول إليه.
رسالتى الدائمة هى أن أكون حاضرا مع الطفل، أفكر كما يفكر، وأفتح أمامه طرقا لحلولٍ ربما لم يعرف كيف يصل إليها من قبل، فيجدها من خلال بطلٍ يشبهه. فإذا صدق أن هذا الطفل يواجه مشكلاته وينجح فى تجاوزها، فسيتبنى هو أيضا الحلول نفسها، ويجعلها جزءا من حياته اليومية.
ما نصيحتك للكتاب الشباب الطامحين للكتابة لمسرح الطفل وتقديم أعمال ذات قيمة؟
نصيحتى هى الاقتراب من عالم الأطفال بشكل كبير، والابتعاد عن المواضيع والأفكار الجاهزة والمستهلكة؛ لأنك لن تحقق بها أى شيء، بل ابحث عن الفكرة الجديدة، البِكر والمختلفة. كما أن القراءة مهمة، وليس شرطًا أن تكون القراءة فى المسرح فقط، لكن القراءة فى كل الفنون. القراءة لن تسبب لك أى خسارة، بل على العكس؛ قد تقرأ خبرًا فى جريدة أو مجلة، أو تقرأ كتابًا فى الفلسفة أو علم النفس، وهذا يثير بداخلك فكرة عمل مسرحى كبير ومهم.
حدثنا عن تجربتك مع ذوى القدرات..
تجربتى فى الكتابة لذوى الهمم بدأت بنص مسرحى بعنوان «بكم أكتمل»، الذى ظل حبيس الأدراج لسنوات حتى أُتيح له أن يرى النور مع إعلان الرئيس السيسى عام متحدى الإعاقة. حينها تمت إعادة النظر فى النص، وعُرض أكثر من مرة، وكانت تجربة مهمة للغاية، صدر على إثرها الكتاب عن المركز القومى لثقافة الطفل.
تلتها مسرحية «سوبر إنسان» الموجهة أيضًا لذوى الهمم، ثم مسرحية «ابن ستة» التى تُجهَّز حاليًا للعرض على مسرح الشمس. تتطلب الكتابة فى هذا المجال معرفة دقيقة بطبيعة الأطفال ذوى القدرات الخاصة، إذ أتناول قضايا تتعلق بالمكفوفين، والصم، وحالات الشلل الدماغى، وغيرها من الحالات المختلفة. الجميل فى هذه التجارب أن المشاركين فى العروض هم من ذوى القدرات أنفسهم، ما يمنح العمل صدقًا وعمقًا إنسانيًا كبيرًا.
أركز فى كتاباتى على قضايا ذوى القدرات الخاصة، لكننى أرى أن الأسرة هى البطل الحقيقي؛ فهى التى تواجه صعوبات تقبّل المجتمع للابن، ومشقة اصطحابه فى الحياة العامة، وتحديات الحركة والتعليم والحصول على الحقوق. ومع كل مرحلة عمرية تتضاعف التحديات ويزداد العبء النفسى على الأبوين، لذا أعتبر الأب والأم جوهر الحكاية. وأؤمن أن تناول هذه القضايا يتطلب من الكاتب وعيًا ومسؤولية كبيرة، لأن عليه أن يكون صوت هؤلاء الأشخاص بصدق، واضعًا نصب عينيه ما الذى سيقدمه وكيف سيعبّر عنهم وما الجدوى من ذلك.
فعلى سبيل المثال، عند التعامل مع أطفال متلازمة داون، يجب أن تكون الجمل قصيرة وبسيطة لتناسب قدراتهم اللغوية. لذلك، أجلس مع الطفل أثناء البروفات لأرى إن كانت الجملة مناسبة له، وإن لم تكن، أُعيد صياغتها بما يساعده على نطقها بسهولة، وهو ما يمثل عبئًا وجهدًا كبيرين على المخرج وفريق العمل.
كيف ترى مستقبل مسرح الطفل فى العصر الرقمى مع منافسة الألعاب الإلكترونية ومنصات الفيديو؟
أرى أنه لا توجد منافسة حقيقية بين مسرح الطفل والألعاب الإلكترونية ومنصات الفيديو. فالمسرح نراه مرة أو اثنتين أو ثلاثًا فى السنة، بينما الألعاب الإلكترونية ومنصات الفيديو موجودة معنا طوال الوقت.
أما الكتاب الورقى، نعم، هو ينافس هذه الأشياء كلها (السوشيال ميديا)، وإن كنت أرى أنه لا مشكلة فى أى وسيلة مادام الطفل سيقرأ. فليقرأ من الحاسوب، أو من الهاتف، أو من منصة، أو ليسمع كتابًا صوتيًا؛ هذا أمر مفيد جدًا تكنولوجيًا. الهدف الأساسى من القراءة هو زيادة ثقافة الطفل ومخزونه الثقافى والمعرفى. فلا يهم إن أمسك كتابًا ورقيًا، أو إلكترونيًا، أو كتابًا صوتيًا؛ المهم أن الهدف يتحقق. علينا أن نتجاوز فكرة أننا نحفظ ولا نفهم. بالنسبة لى، هدفى أن تصل رسالتى للطفل بأى شكل من الأشكال فليس مهمًا، المهم أن تكون بشكل جيد إلى الطفل.
ما حلمك الذى لم يتحقق بعد فى مجال كتابة مسرح الطفل؟
أحلم أن تصل كتاباتى إلى كل الأطفال، وأن تحظى نصوص مسرح الطفل باهتمام أكبر من دور النشر مثلما يحدث مع القصة، فلدينا مسابقات فى وزارة التربية والتعليم تبحث عن نصوص مسرحية ولا تجدها. أتمنى أن تُعرض أعمالى فى مختلف المحافظات، فأسعد لحظة بالنسبة لى هى رؤية تفاعل الأطفال مع العروض، كما حدث فى أسوان مع مسرحية «ألبوم صور» حين رأيت فرحتهم وحفظهم لجمل الشخصيات. أعتبر هذا هو النجاح الحقيقى. كما أتمنى أن يُعاد إحياء المسرح التلفزيونى للأطفال، وأن تُصور عروض قصور الثقافة -فهى تنتج مئات العروض-بشكل احترافى لتُعرض على الشاشات وتلتف الأسرة حولها من جديد.
«الأحلام توزع مجانًا مع شهادات الميلاد» عنوان شاعرى وطويل بالنسبة لمسرحية. ما القصة أو الفلسفة وراء اختيارك له؟ وهل تعتقد أن الأحلام حقا «تُوزع مجانًا» على كل الأطفال أم أن الواقع مختلف؟
«الأحلام تُوزَّع مجانًا مع شهادات الميلاد» لا تمثل عنوان ديوانى الشعرى الثالث فحسب، بل هى قناعة راسخة أحمِلها. فالحلم حقٌ فطرى يولد معنا، غير أننا غالبًا ما نركز على الأحلام التى لم تتحقق، أو التى لم نستطع بلوغها، فنتغافل عن أحلام كثيرة حققناها دون أن ندرى. فمجرد استيقاظنا صباحًا، وقدرتنا على لقاء الأحباب، أو تناول وجبة نحبها، أو عيش يوم هادئ فى صحة جيدة، كل هذه أحلام متحققة، مهما بدت بسيطة. لكن انشغالنا بـ»الأحلام الكبرى» يحجب عنا هذه النعم. وأنا أؤمن أن الاعتياد على النعمة من أسوأ ما يمكن أن يصيب الإنسان؛ عندما نعتبر الصحة والرؤية والسمع والحركة أمورًا طبيعية، لا ندرك قيمتها الحقيقية. لكننا لو مررنا بلحظة فقدان أحدها، ندرك فورًا أن أعظم أحلامنا هو استعادة ما كنا نراه عاديًا. من هذا المنطلق، تأتى أهمية غرس الحلم فى وعى الأطفال، ويدركوا أن من حقهم أن يحلموا، وأن الحلم قابل للتحقق بالعمل والصبر. وحتى لو لم يتحقق من المحاولة الأولى، فهذا ليس نهاية العالم، بل بداية جديدة لمحاولة أخرى. وهذا المفهوم يتكرر فى أكثر من نص من نصوصى.
«أحلام وكراكيب» توحى بوجود فوضى إبداعية أو ربما شظايا من الحياة. فحدثنا عنه..
هو نص موجه للكبار يتناول قضايا الشباب ومشكلاتهم، ويعكس حالة الفوضى الداخلية التى نعيشها جميعًا، كبارًا وصغارًا، فى زمن تتنازعنا فيه الأفكار والمعلومات السريعة عبر مقاطع “الريلز” وغيرها، حتى نصبح غير قادرين على تذكر ما شاهدناه. الأحلام والكراكيب يعبّر عن هذه التشظيات فى وعينا وأحلامنا المتبدلة من مرحلة لأخرى من العمل إلى الزواج إلى الأبناء، وما يصاحبها من تساؤلات وارتباك تجاه ما يجرى فى العالم. ويتناول النص قضايا متعددة مثل العنوسة، وذوى القدرات، وتوظيف الشباب، وثقافة الترند، فى محاولة لملامسة هموم الواقع وتشابكاته.
برأيك، ما أهم “أحلام” الأطفال اليوم التى يجب على كاتب مسرح الطفل أن يساعدهم فى التعبير عنها أو حتى تحقيقها على الخشبة؟
أرى أن أكبر أحلام الأطفال اليوم هى أن يُنظر إليهم كعقول ناضجة قادرة على الفهم، لا ككائنات تحتاج إلى وصاية فكرية. الطفل المعاصر يتعامل بذكاء مع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، ويصل إلى المعلومة بسهولة، لذا يجب أن نتعامل معه على أنه مدرك لكل ما حوله. لم تعد هناك قضايا لا تناسب الطفل، فهو يراها جميعًا عبر الشاشات ومواقع التواصل، ولا يمكن عزله عن العالم. الطفل يحتاج أن يشعر بالبطولة والتقدير، وأن يرى نفسه بطلًا فى ما يقدَّم له. ومن هنا تأتى أهمية جائزة الدولة للمبدع الصغير برعاية السيدة انتصار السيسى، التى تؤكد قيمة الطفل ومكانته. علينا إذن ألا نخاف من التكنولوجيا أو الذكاء الاصطناعى، بل نبحث عن سبل توظيفهما لصالح أطفالنا والاستفادة منهما بوعى.
أخيرًا.. هل هناك أعمال تجهز لها خلال الفترة المقبلة؟
أشارك حاليًا المخرج محمد متولى فى كتابة نص مسرحى بعنوان «ابن ستة»، ومن المقرر أن يتم تجهيزه للعرض فى مسرح الشمس. وهو مأخوذ عن رواية بعنوان «بشار وبندقة» لشخصين من ذوى القدرات الخاصة. بالإضافة إلى قرب انتهائى من كتابة نص آخر.