حرية الإبداع.. وما أدراك!

حرية الإبداع.. وما أدراك!

العدد 546 صدر بتاريخ 12فبراير2018


حرية الإبداع!.. وهل يختلف أحد على هذا الهدف، لا أظن. فكلنا معه، بل ومستعدون للدخول في معارك قد تنهي حيواتنا من أجل ألا يمس حرية الإبداع من يتصورون أنهم أوصياء أو وسطاء بيننا وبين الإله.
نعم فالإبداع حر.. والمبدع حر.. حر في وجهة نظره، في رؤيته، في نظرته للمجتمع وللعالم بل وللكون. هذا كلام بديهي، ولا أظن ونحن في القرن الواحد والعشرين كنا نحتاج إلى ترديده أو التذكير به، إذن لماذا؟.. لماذا نذكره الآن وبهذه القوة في تلك الأيام؟ لأنها الأيام التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وباتت البديهيات ألغازا، وصار للمصطلح ألف وجه ووجه.
ولذلك، ربما كان علينا أن نعيد المصطلح إلى أصله، أن نفككه، لنكتشف مثلا أنه يتشكل من مقطعين (حرية) و(إبداع).
ولنبدأ بالمقطع الثاني ألا وهو الإبداع، الذي هو “أخص من الخلق” كما يصفه الفلاسفة، والذي هو “الإتيان بالجديد” والذي هو “خلق”. نعم، خلق بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا تزيد هنا على من وصف ذاته سبحانه وتعالى بأنه (أحسن الخالقين) في تأكيد إلهي بأن هناك درجات في الخلق هو وحده الذي يمتلك أحسنها.
وأما (حرية) فهي في تجريدها اللغوي “الخلوص من الشوائب، من الرق، من اللؤم”، وهي حالة «يكون عليها الكائن الحي الذي لا يخضع لقهر أو قيد أو غلبة ويتصرّف طبقًا لإرادته وطبيعته، خلافًا للعبوديّة».
وهنا لم ينسَ العلماء (الاجتماعيون خاصة) أن يؤكدوا على أطر هذه الحرية، فأنت “حر ما لم تضر”.. بمعنى، أنك حر تماما في أن تتعرى وتتجرد من ملابسك، لكنك لست حرا أبدا في أن تدعني أرى عريك هذا. وأنت حر تماما في أن تمارس الجنس، لكنك لست حرا أبدا في أن تمارسه علنا أو قهرا، وأنت حر في أن تغني ولو كان صوتك أقبح من أقبح الأصوات، لكنك لست حرا أبدا أن تسمعني صوتك القبيح.. وهكذا.
فإذا ما ضممنا الكلمتين لتكون مصطلحا - حرية الإبداع - سنكتشف أنه مصطلح مشروط، أولا بكونه إبداعا، أي خلقا جديدا، بل وجميلا، وإلا ما جدوى أن تخلق قبحا، وكيف تطلق عليه إبداعا؟ وثانيا بكونه محكوما بالقاعدة البسيطة التي تقول “ما لم تضر”.
والآن، علينا أن نؤكد على بديهية أخرى، ألا وهي أن استخدام أدوات الإبداع لا تجعل منك مبدعا، فضغطك على أصابع البيانو ليس بكافٍ وحده لأن يصفك الآخرون بالموسيقار، ولا مجرد امتلاكك لكاميرا يصنع منك مخرجا، ولا حتى نظمك لكلمات ذات إيقاع يجعل منك شاعرا. فكل هذه وغيرها الكثير أدوات للإبداع والخلق، تماما مثل (السكين) التي يمكن أن تقطع بها قالبا للحلوى، كما يمكن أن تقتل بها إنسانا.
وفي هذا الإطار، وحتى يستقيم المعنى، ستجد كثيرين يستخدمون أدوات الإبداع ليتحفوك بما لا علاقة له بالإبداع الذي هو خلق جميل. ولكم في أغنية “بص أمك” خير مثال. فهي من حيث إنها تستخدم أدوات الإبداع لا غبار عليها، أما باعتبارها إبداعا فأرجوك قف وراجع نفسك، والأمر هنا لا تحكمه المقاييس الأخلاقية التي أنتظر أن أتهم بها من كثيرين يرفعون راية الحرية ويتناسون المقطع الثاني من المصطلح ألا وهو (الإبداع).
وأخيرا.. وتأكيدا لما حدده لنا علماء الاجتماع من وصف ومعنى للحرية، دعونا نذكر بعضنا البعض بأنه في أوروبا والدول المتقدمة غير مسموح لك أن تمجد “النازية” مثلا في عمل إبداعي، بل وغير مسموح لك بأن تهين الـ(سامية).. و.. و... و... بينما هنا على هذه البقعة من الأرض هناك من يطالبوننا بحرية (إبداعات) تمجد (الصهيونية)!!!
و....... وللحديث بقية.

 


محمد الروبي