العدد 913 صدر بتاريخ 24فبراير2025
عقدت بالمركز الدولي للكتاب الأسبوع الماضي في تمام الساعة الخامسة مناقشة مسرحية « الصعود الدامي لحبيب أمه « للكاتبة نسرين نور، وأدار المناقشة الإعلامي عبد الحميد السيد وتحدث بها كلاً من المخرج عصام السيد والناقدة د. أميرة الشوادفي بحضور كلا الكاتب الصحفي ورئيس مهرجان إسكندرية السينمائي الدولي الأمير أباظة والمخرج ورئيس ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي عمرو قابيل، والروائية آمال الميرغني ، والفنانة ولاء الجندي والكاتب عمر توفيق ، والفنان محمد دسوقي والإعلامية شيماء منصور والإعلامية إيناس العيسوي، وفي بداية المناقشة أعرب الإعلامي عبد الحميد السيد عن سعادته بتواجده على المنصة واحدة مع المخرج الكبير عصام السيد الذي تعلم منه الكثير في المسرح، وكذلك أنه يناقش مسرحية للكاتبة المتميزة نسرين نور وكذلك بتواجد د أميرة الشوادفي، ونوه السيد أنه من خلال فراءته لأكثر من نص للكاتبة نسرين نور لافت انتباه خلال سنوات أن نسرين نور تمتلك لغه متميزة مصدرها الشارع والبيئة المحيطة، وأنه لم يشعر مطلقاً في أحد أعمال نسرين نور أن الشخصية ليست في بيئتها أو أنها تكتب حوار على لسان شخصية لا تنتمي لهذه البيئة، وهي نقطة تميز للكاتب لأنه يعي بشكل كبير على أي لسان سيضع الحوار رغم وجود بعض الأشياء الغرائبية في كتابتها؛ ولكنه يجد بها منطقية كبيرة، وتوقف الإعلامي عبد الحميد السيد عند العنوان «الصعود الدامي لحبيب أمه» وقال لن أتوقف كثيراً عن العنوان لأنه مثل عناوين كثيرة لنسرين نور لافته فلديها على سبيل المثال مسرحية بعنوان «في فقا راجل وخروج آمن» رغم أنه يبدو اسم عادي، ولكن اختيار أسماء مسرحيتها دائما يكون له علاقة بالبيئة الشعبية طوال الوقت، واستخدام مفردات أهالينا وبيوتنا فلديها قاموس خاصة بها مرجعه الجدة والأم والبيئة السكندرية .
ثم ترك الإعلامي عبد الحميد السيد الكلمة للكاتبة نسرين نور طارحاً تساؤلا حول دوافع كتابة النص وقالت نسرين نور: صفحة الحوادث في كثير من الأحيان تكون ملهمة لكتاب كثيرين، وقد قرأت حادث عن لاعب كورة مصري وذهب الصحفي إلى قريته لمقابلة والديه في القرية اللذين شكوا كثيراً منه وبعد عدة أيام وأسابيع بدأت بعض الملامح تظهر أمامي لموضوع المسرحية ووجدت أنه شىء ليس شاذاً، ومن الممكن أن يتكرر باستمرار، وبذلك كانت هذه الفكرة «الشرارة الأساسية لكتابة النص».
ووجه الإعلامي عبد الحميد السيد تساؤلاً هاماً عن العناصر اللافتة في نص «الصعود الدامي لحبيب أمه» للدكتورة أميرة الشوادفي والتي أعربت عن سعادتها واحترامها لتواجدها على منصة يجلس بها المخرج الكبير عصام السيد، وكذلك بتواجد الإعلامي عبد الحميد سيد ووجهت التهنئة للكاتبة نسرين نور على مسرحيتها الجديدة متمنية لها المزيد من التقدم.
وذكرت قائلة: قرأت النص ثلاثة مرات وفي المرة الأولى كان لدي فضول لمعرفة ماذا يعني عنوان «الصعود الدامي لحبيب أمه» فقد يحمل العنوان مفهوم خفي سياسي فمن هو «حبيب أمه» هل هو زوج أم ابن أو أخ فما هي علاقته، ومن هي المرأة التي سيتطور معاها الصعود ليصل لكلمة «الدامي» وأكملت قائلة: في البداية النص مكتوب بطريقة كلاسيكية طبقاً للكتابة الكلاسيكية في النص، والذي يذهب لفكرة الواقع، ولكن لأن الواقع معقد فيأخدون تركيبات مبسطة من الواقع فالنص تدور أحداثه حول بيئة مبسطة جداً لامرأة تعدى عمرها الستين، ووصفتها الكاتبة في إرشاداتها المسرحية بعض من صفاتها، وأين تعيش وهو أمر جيد للغاية أن توضح الكاتبة مواصفاتها وأبعادها الاجتماعية، واعتبر أن نصوص «الديودراما» من النصوص الصعبة للغاية؛ لأنها تحتاج إلى تكثيف وتركيز ووضوح في الفكرة الخاصة بها على مدار النص منذ بدايته، وحتى نهايته فمن الصعب تشتيت الملتقي مثل العروض التي تضم أكثر من بطل وأبطال ثانوية .
وأكملت د. أميرة الشوادفي قائلة : ناقشت نسرين نور عن إذا ما كانت فكرة النص «نسوية» وعندما قرأت عن المرأة في النص تذكرت أسطورة «ميدوسا» وهي أسطورة إغريقية مفادها أن هناك ثلاثة آلهه جمالهم باهر وكانوا يتباهون بجمالهم ومن ضمنهم «ميدوسا»، وهم أجمل من آثينا إله الحكمة والقوة والحرب، وعلمت أثينا بهذا الأمر ومن شدة جمال «ميدوسا» أراد إله البحر «بوسيدون» أن يغتصبها، وبالفعل اغتصبها في معهد أثينا، ودائما أشبه علاقة الأم بابنها مثل الانكسار الذي حدث لميدوسا وانتقمت أثينا من ميدوسا وحولتها لامرأة قبيحة، وكل من ينظر لوجهها يتحول لحجر واختفت «ميدوسا» وهى تمثل صورة لتشويه الذات وفي المسرحية الأم تختفي بسبب ظلم ابنها لها، وكنا بحاجة لحوار أو حوارين لمعرفة حقيقة الظلم الذي وقع على الأم من الابن، وما ردها، وهل ندمت على طريقتها في تربية أبنها وأضافت: إذن اختفاء «ميدوسا» يمثل اختفاء الأم والتي بدأت في تغير عنوانها وهربت من المجتمع وحاولت أن تعيش بالمتوافر معها إذن؛ فالصورة المشوه للذات لديها بدأت في الظهور بشكل أكبر عندما تحاور معها الصحفي، وجميع الصور الداخلية لديها تقوم من خلالها بعمل إسقاط على الصحفي، وترى المرأة في عدة صور ولم يحدث لدي تعاطف معها، ومن الممكن أن يكون تصرفاتها على هذه الشاكلة لعلمها أنه صحفي وأرادت أن تشتته، وتشككه في حبيبته وزوجته، ولكنه ليس مبررا لأنه على مدار النص تتحدث معه عن بعض الصفات الهامة، وتنهيه عن الكذب، وهناك إسهاب وإطناب في ففكرة الحوار في جوانب معينة، وكأنه مسرح تعليمي على سبيل المثال تسأل الأم الصحفي «لماذا تكذب؟»، «لماذا تعكرش؟» ومصطلحات معينة، وهو مناسب لبيئتها وطريقتها البسيطة في الحياة، وكان من الممكن إختزال الحوار الدائري بينها، وبين الصحفي، وما جمعهما من تساؤلات، وذلك حتى يتم التطوير في الأحداث.
واستطردت قائلة : هناك جزء معين تظهر به شخصية المرأة الحقيقة كتبته نسرين نور بشكل جيد جداً عندما أصبح «عمر» وكأنه أبنها وبدأت تسترجع بعض الأحداث معه، وكان الحوار بينها متطوراً بشكل كبير، ولم يكن به اى تشابه بينه وبين شىء آخر. وأحي الكاتبة نسرين نور على صياغتها هذا الحوار، وكنت أتمنى أن تكون الصياغة بنفس الطريقة فبذلك يتم الدفع بالقارىء لمستوى عالي من الصراع خاصة أن هناك مرحلة آخر يعود الصراع لمرحلة من البرود فلا ندري على من نشفق فالصحفي هو شخص دخيل على الأم، ومن الممكن أن يكون في تصور الكاتبة صورة ثانية للآخر «الرجل» أو كسر لتابوه العلاقة بين الأم والابن، والتي هي بالفعل ليست على ما يرام. وفي النهاية تستجيب الأم للصحفي، وتوافق على الظهور الإعلامي وتفضح ابنها وهي نهاية غير متوقعة من الأم أن تقوم بهذا الدور .
وعقبت الكاتبة نسرين نور موضحه أنها عندما تكتب ليس لديها شخوص أخيار أو أشرار، ولا تريد من القارىء التعاطف مع الأم أوغيرها من الشخصيات، وعندما تكتب تهتم بإلافية لأنها تضع نصب عينها « شباك التذاكر «. موضحه أن كل شخصيات النص وكأنها شخصيات “كاريكاتورية” ويشعر القارىء أنها شخصيات ليس لديها مبدأ . وقبل مداخلة المخرج عصام السيد وجه الإعلامي عبد الحميد السيد تساؤلاً للمخرج عصام السيد وهو كيف قرأ عصام السيد “ الصعود الدامي لحبيب أمه “ وهل كانت الدراما كما كتبها نسرين نور تؤدي إلى شخصيات حقيقة على خشبة المسرح. وفي بداية المداخلة تحدث المخرج عصام السيد عن بداية علاقته بالكاتبة نسرين نور وهي أنه عندما شرع في قراءة أحد نصوصها، اندهش كثيراً عندما رأى أن هناك من يكتب بهذا المستوى الجيد مشيراً إلى أنه أحد المعجبين بكتابتها وذكر السيد قائلاً : عندما تحدثت معي نسرين نور عن نصها “الصعود الدامي لحبيب أمه” اندهشت كثيراً من اسم النص وخصوصاً أنه متشابه مع اسم أحد نصوص بريخت وهو «صعود أرتورو أوي الذي يمكن مقاومته “ وخيل لي أن هناك شىء مشترك بين النصين، ولكنني لم أجد شىء مشترك، وقرأت النص الذي يتميز بأنه يحول كل العيوب إلى مميزات فكل الأشياء الخاطئة حولها النص لأشياء «صحيحة» للحد الذي وصل فيه الأمر أننا لم نعرف الأشياء الصحيحة، وهذا في الدراما يعد شىء ناقص ولكن نسرين حولتها إلى شىء مهم، وهو بتكرار السؤال الذي ليس له إجابة؛ فبتالي هنا عنصر جذب المتفرج يدفعه لمعرفة المعلومة التي لم يصل إليها.
وتابع السيد : الشخصيات في النص شخصيات لا تدعو للتعاطف فكل الشخصيات معيبة، وكأن نسرين تقول من خلالها أننا اصبحنا في مجتمع سىء ملوث إلى درجة غير عادية، وهو ما ينعكس بدورة على مهنة الإعلام فهذا التلوث استفاد منه الإعلام فالأعلام ساعد في ظهوره؛ وبالتالي لا توجد شخصيات جيدة جميعهم شخصيات معيبة وسيئة، والجيد أننا نشاهد وذلك، ولدينا اقتناع باستكمال المسرحية وشغف بمعرفة ماذا سيحدث فالأم تعرف أن الشخص الذي زارها “صحفي”، وهي تقوم بالتلاعب معه، وتعرف أن ما تفعله خطأ فحن لا نعرف مدى علاقتها مع ابنها فنكتشف أنها تخفي أشياء، وتكذب في بعض الأمور وهي أيضاً شخصية معيبة؛ فبتالي نحن في لعبه شخوص تلعب على بعضها البعض، وتلعب على المتفرجين، واللعبة مقدمة بإتقان شديد لدرجة التي يخيل لنا أن الأحداث تتصاعد، ولكنها لا تتصاعد فنحن في “متاهة”.
وأضاف : كنت أتمنى أن لا ينتهي النص، وأن يكون هناك نص ثانٍ فنعرف ماذا حدث للشخصيات بعد ذلك فهو ما يحلينا لأشياء واقعية فتعد ميزة أننا بعد قراءة النص لم نصل لمبتغانا فيكون لدينا “شغف”، ولم نمل ووجود فصل ثانٍ سيكون «موغل» بشكل أكبر للواقعية في أنماط نعرفها ونشاهدها على السوشيال ميديا.
واكمل قائلاً : استخدام الجمل المكررة مثل جمل «زى ما يكون بصحيح» واستخدام هذه الجمل أشبه بالموتيف الموسيقي الذي يتكرر ليكون أساس للحركات التي تليه وأخيراً النص جميل ومتميز للغاية، وكنت أتمنى أن أعرف أكثر عن شخصية «الابن» ولو أن عدم المعرفة الكثيرة عن الابن تجعل الرمز «عام» ينطبق على أي شخص سياسي لاعب كرة قدم إعلامي ... وهكذا، وكان من الممكن من خلال هذا العموم أن تكون هناك تفاصيل أكثر عن شخصية الابن، وماذا فعل الكذب به. واختتمت المناقشة ببعض المداخلات .