العدد 913 صدر بتاريخ 24فبراير2025
كرم الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، عددًا كبيرًا من صناع الهوية المصرية، تقديرًا لمسيرتهم المتميزة، وإسهاماتهم البناءة في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر، وذلك خلال الاحتفالية الكبرى التي نظمتها وزارة الثقافة المصرية، بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، وكان من ضمن المكرمين المخرج أحمد طه، كأحد صناع الهوية المصرية والمحافظين عليها ، مسرحنا حاورت المخرج أحمد طه للحديث معه حول تكريمه وأثر ذلك التكريم على مشواره الفني، وخطواته القادمة.
كيف ترى تأثير تكريمك من وزارة الثقافة كأحد صناع الهوية المصرية على مشوارك الفني؟ وكيف يعزز هذا التكريم رسالتك في دعم المسرح والشباب؟
شئ عظيم وكبير ، وأشكر وزارة الثقافة وبالأخص وزير الثقافة د. أحمد هنو، على هذا التكريم، ولجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة لأنها اختارتني، فهذا كرم من الله وتشريف منهم، فشكرا لهم جميعا، وتكريمي يعتبر دعم وطاقة وحافز لإستكمال طريقي في العمل بالمسرح لأنه مهنة صعبة، وخصوصا أنني مهتم بالعمل في الأقاليم واعتبره قضيتي ومسؤولية كبيرة، فهذا التكريم منحني طاقة للسير إلى الأمام واستكمال الجهد المبذول في هذا الطريق.
كواحد من المخرجين الذين أثروا في المسرح المصري، كيف بدأت رحلتك مع الإخراج المسرحي؟ وما الذي جذبك لهذا الفن بالتحديد؟
تجربتي ممتدة ل 40 عام، حيث بدأ اهتمامي بالمسرح عندما كنت صغيرا في فترة المدرسة وحتى المرحلة الثانوية، ولكن لم يكن لدي أحلام وطموحات، فكان مجرد نشاط، لكن في المرحلة الجامعية تبلورت هذه المسألة وأصبحت تشكل جزءا كبيرا في حياتي وتحولت من مجرد نشاط إلى مهنة وعمل، فمنذ أن التحقت بالجامعة في منتصف الثمانينات وكان من حظي أنني تزاملت مع جيل من الفنانين الذين أصبحوا نجوم حاليا منهم الفنان خالد الصاوي والراحل خالد صالح ، والراحل طارق عبد العزيز ، والفنان خالد جلال، والمخرج هشام عطوة، والفنان فتحي عبد الوهاب، والفنان محسن منصور، فكان جيل مضئ وكان لي الحظ أنني كنت من نفس الجيل، ولكن كان هنا لحظه الإختيار د، فأنا ابن محافظة القاهرة، ولكني اخترت الذهاب إلى الأقاليم وانضممت لمؤسسة قصور الثقافة ، وبدأت العمل وإخراج العروض في أواخر الثمانينات لقصور الثقافة.
ما هي التجارب المسرحية التي تركت بصمة في حياتك المهنية، سواء كانت تجارب ناجحة أو تجارب صعبة تعلمت منها الكثير؟
تأثرت كثيرا باساتذتي الذين تعلمت منهم، وكان لي محطات فارقة على سبيل المثال مع المخرج مراد منير في عرض الملك هو الملك ، وكان لى الفرصة بأن اساعد مخرجين مهمين مثل المخرج سعد أردش ، والمخرج السيد راضي، وكان لى أباء روحيين في الثقافة الجماهيرية مثل الأستاذ سامي طه، والأستاذ يسري الجندي، والكاتب أبو العلا السلاموني، لأنهم تبنوني عندما كنت شابا صغيرا، وكنت وقتها طالب بالجامعة، فهولاء الأشخاص أثروا في حياتي بشكل قوي وإيجابي.
وعن تجاربي المسرحية فأحبها جميعا بداية من عروض مسرح الجامعة التي قدمتها وعروض قصور الثقافة والبيت الفني ، فأنا ممتن لتجربتي، فلم أقدم شيئا جعلني اندم عليه خلال مشواري في مجال المسرح.
من خلال تجربتك الطويلة في الإخراج، ما هي العناصر الأساسية التي تعتمد عليها عند إعداد عرض مسرحي جديد؟ وكيف تختار النصوص التي ترغب في العمل عليها؟
طوال الوقت لدي حالة احتشاد للمسرح ، فعلى سبيل المثال هذا العام أقوم بإخراج عرض لفرقة الإسماعيلية، وأقدم مشروع «هاملت يستيقظ متأخرا»، للكاتب السوري ممدوح علوان، فهذا حلم منذ عام 1994، ولم تحن الفرصة إلا الآن لتقديم هذا النص، فأنا محتشد طوال الوقت ولدى أحلام، فعند توافر الفرصة المناسبة لتحقيق الحلم أحققه فورا، فطوال الوقت اقرأ نصوص مسرحية، ولدى مشروعات نجحت في تقديمها ومشروعات لم تخرج للنور، ومشروعات أتمنى إعادة تقديمها بشكل مختلف.
كيف يمكن جذب الجمهور، خاصة من الشباب، لمتابعة المسرح مرة أخرى في ظل وجود وسائل ترفيه أخرى مثل السينما والمنصات الرقمية؟
لدي رأي خاص بس، لأن الكل كان متخوفا في الماضي عند ظهور الإذاعة ، وظهرت الإذاعة ولم يمت المسرح، وتردد نفس الكلام عند ظهور السينما ولم يمت المسرح ، وتردد أيضا مع التلفزيون واستمر المسرح، فنحن اليوم مع وجود وسائل التواصل الإجتماعي والأشكال الفنية الأخرى المطروحة، فلدي إيمان كبير بإستمرارية المسرح وبقاءه، لأن المسرح فن إنساني سيظل قائم طالما البشرية مازالت موجودة، فالمسرح هو الفن الحي الوحيد، فلا يوجد شئ يعوض المتفرج إحساسه المباشر الحي بالممثل، فاللحظة الحية سيظل لها سحرها الإنساني على عكس اللحظة المعلبة، فلا يوجد لدي أي تخوفات بأن سيأتي اليوم الذي سيأخد أحد مكان المسرح، ولكن عندي تساؤلات اسألها لنفسي وللأخرين، لماذا نحمل المسرح فوق طاقته، ولماذا نريد من المسرح إصلاح الكون، والتعليم، وأن يثور على الفساد، فالمسرح متعة، في الأساس ، ومن خلال المتعة يتم نقل الخبرات وتسليط الضوء على القضايا، فإذا افقدنا الجمهور المتعة، فسوف ينصرفون عن المسرح والعكس صحيح.
مشروع «ابدأ حلمك» استهدف نشر القيم الإيجابية ومواجهة التطرف بين الشباب. كيف كانت تجربتك في الإشراف على المشروع في العريش ومدن شمال سيناء، وما مدى استجابة الشباب هناك لهذا المشروع؟
مشروع ابدأ حلمك مشروع قديم، بدأ من حوالي 25 عام مع الوزير فاروق حسني، وقدمت وقتها ما يسمى بالورشة الدائمة للشباب المسرحيين، وكان مقرها بيت السحيمي، وكان من أحلامي تطوير الورشة وانتقالها لجميع المحافظات، ومن هنا كانت نقطة الخلاف بيني وبين الوزير ، فهو كان يريد أن تكون الورشة مقتصرة على محافظة القاهرة ويكون مقرها داخل مركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية، ولكن نظرا لإهتمامي بالأقاليم فكنت أرى إن هذا المشروع مكانه الحقيقي في الأقاليم، فلم تكتمل المفاوضات بيني وبين الوزير لأنني انتقلت وقتها من وزارة الثقافة إلى وزارة الإعلام، واكتمل المشروع بالشكل الذي كان يريده الوزير ونرى نتاجه اليوم من خلال تخرج الدفعات من النجوم والمواهب بمركز الإبداع بقيادة د. خالد جلال.
وبعد مرور فترة طويلة وأثناء تولي الوزير حلمي النمنم، ومع الصديق المخرج عادل حسان وكان وقتها مديرا لمسرح الشباب ، فاقترح علىّ تقديم المشروع، وأن مسرح الشباب جهة تحتمل المشروع، فبدأنا العمل على الورشة بمسرح الشباب، وكان يدعمنا الوزير وقتها، وعند إقامة حفلات التخرج حدث تعديل وزاري وتولت د. إيناس عبد الدايم منصب وزير الثقافة، فتحدثت معي بأنها تريد أن يكون هذا المشروع في كل محافظات مصر، ومن هنا تم تحريك المشروع للهيئة العامة لقصور الثقافة، وبدأنا العمل على مراحل تحت مسمى الورشة الدائمة لتدريب شباب المسرحيين على فنون المسرح ، وبدأنا المرحلة الأولى التي شملت محافظات أسيوط والشرقية والفيوم ، وقدمنا حفلات تخرج للشباب المتدربين وأعلنت د. إيناس أن هذه الفرق تعتبر فرق نوعية تضاف إلى فرق قصور الثقافة تحت مسمى فرق نوعية تعمل طوال العام.
ثم بدأت المرحلة الثانية والتي تضمنت 5 محافظات ، بورسعيد ، بني سويف، كفر الشيخ ، الجيزة، والوادي الجديد، فمحافظة الوادي الجديد تعتبر محافظة لها طبيعة خاصة نظرا لأن المسافات بعيدة جدا بين مركز الداخلة ومركز الخارجة، وهما اكبر مركزين في المحافظة، فصعب التنقل بينهما، فتم بالتعاون مع رئيس الهيئة وقتها أ. هشام عطوة، التنسيق بالعمل داخل محافظة الوادي الجديد، وكأنها محافظتين، وبالفعل تم العمل بهذا الإطار، فكان الناتج إنه أصبح لدينا 9 محافظات ب 10 مواقع تم تخريجهم وإعلانهم مفرق نوعية تابعة لقصور الثقافة.
ثم تم الإعلان عن المرحلة الجديدة والتي شملت شمال سيناء وقنا ، والإسماعيلية، فالمحافظات مختلفة، فعند الحديث عن شمال سيناء والوادي الجديد، فالعمل بداخل هاتين المحافظتين ليس مرهق ولكنه مثير، لأن الناس لديهم حالة من الحرمان الفني نظرا للظروف السياسية التي تمر بها محافظة شمال سيناء الممتدة لمدة 15 عام، فليس لديهم معلومات ولا يوجد تواصل بينهم وبين الآخرين، ولذلك كنت حريص على أخذهم لمراحل متطورة من الفن ، فكنت حريص على أن يتم تدريبهم على يد أساتذة عظماء مثل المخرج عصام السيد ، ود. صلاح مصطفى، ود. رنا عبد القوي، وأ. محمد العشري، وأ. عمرو الأشرف ، فنحن مدرب 5 مواد أساسية مثل التمثيل، والرقص الذي يتضمن التعبير الحركي، والموسيقى والغناء، والديكور وما يشتمل عليه من ديكور وأزياء وإضاءة واكسسوار، والدراما وما تتضمنها من قراءات مسرحية، ومحاولات تحليل النص المسرحي ، ويضاف إليهم بعض المحاضرات ولكن لا تمتد إلى 6 شهور، مثل الحكي والإرتجال والإلقاء، فهذه المواد متنوعة وخاضعة لظروف واحتياج الموقع الذي نعمل فيه.
فهذه هو المشروع عندما تحول إلى قصور الثقافة، فاليوم نكون انتهينا من 12 محافظة بتخرج هذه المرحلة، والحقيقة أنني رأيت الأثر ، وكانت مخرجات المشروع متعددة وحققنا أهداف كثيرة أكثر مما كنا نتوقع، وكان من أهم الأهداف التي حققها المشروع أنه تم ضخ دم جديد لقصور الثقافة ، ولأنني ابن الثقافة الجماهيرية، وبحكم العمر والخبرة فكنت ألمس المشكلات ولدى وعى ومعرفة بالمشكلات الموجودة بفرق قصور الثقافة وهي أن الفرق أصابتها الشيخوخة ولا يوجد عناصر جديدة في الفرق، وأصبح عناصر الجذب أقوى بكثير من عروض الثقافة الجماهيرية مثل الجامعات ، فأصبح هناك فجوة بين الأجيال القديمة والأجيال الجديدة، فابدأ حلمك هدفه استعادة الشباب مرة أخرى لقصور الثقافة، ومن أحد أهم مكاسب المشروع هو إعادة عمل الفرق المسرحية طوال العام داخل قصور الثقافة والتدريب الممتد، وإعادة التمكين للمسرحيين.
والمشروع أيضا لم يكن معني فقط بإكتشاف المواهب ولكنه معني بإستعادة الثقة لدى الشباب من خلال إضاءة الطريق الذي يمشون عليه، فعلى سبيل المثال ألتحق 7 من فرقة أسيوط بالمعهد العالي للفنون المسرحية، فالمشروع غير طريق 7 موهوبين، ومن الشرقية والفيوم وبورسعيد وكفر الشيخ، أيضا تقدم شباب موهوبين من الفرق للدراسة الأكاديمية سواء بأكاديمية الفنون أو بكليات الأداب قسم المسرح.
تحدثت سابقًا عن تغيير فلسفة العمل بالكيانات المسرحية وتحديث أنماط الإنتاج. كيف تم تطبيق هذه الفلسفة عمليًا في مشروع «ابدأ حلمك»، وما هي أبرز النتائج التي لاحظتها في أداء الفرق المسرحية؟
لست من أنصار الإمكانيات الضخمة، لأن المسرح يعتمد بجزء كبير على الأفكار الخلاقة، فالماديات مهمة في نوعية عروض بعينها وليست كل العروض، فنحن لم نقدم عروضا ولكنها مشروع تخرج بموازنة ضعيفة، لأنني معني بتقديم الطالب المتدرب ولكني أرى أن ضعف أو قوة الميزانيات هي المشكلة ولكن المشكلة تكمن في القوانين التي تحكمنا، والذي عفى عليها الزمن، فهي ليست خطأ ولكنها قوانين أصدرت في سبعينيات القرن الماضي ، فبأي حال من الأحوال لا تتناسب مع الألفية الجديدة، مع إختلاف فرق العملة والخامات المستخدمة، فالقوانين الحاكمة تحتاج إلى مرونة وتحديث.
في ظل التحديات التي يواجهها المسرح في الأقاليم، كيف ترى مستقبل المسرح في المناطق البعيدة عن المركز مثل شمال سيناء؟ وما هي الفرص المتاحة هناك لتطوير الحركة المسرحية؟
ضمن قناعاتي إنه طالما البشر موجود سيظل المسرح موجودا، ولا يمكن أن يهتز عرش المسرح ، وفي هذه الأماكن بالتحديد، فعند اشتعال الشرارة وإحداث تغيير ، فالأماكن تختلف والوعى يتشكل من جديد ، لأن الشباب في هذه المناطق ستتحدث عن مشاكلهم وقضاياهم لأنهم أكثر وعيا وعلى دراية كاملة بمشكلات مجتمعاتهم.
كيف ترى دور المسرح في بناء الهوية المصرية والحفاظ عليها، خاصة في ظل المتغيرات الثقافية والاجتماعية السريعة التي نشهدها اليوم؟
دور الفن بشكل عام، هو الحفاظ على الهوية ، فالمسرح هو واحد من النشاطات الإبداعية التي تحافظ على الهوية، وأنا أرى إن إعلاء دور الفن، والإهتمام بالفن ورعايته هو الطريق الذي يقودنا إلى الحفاظ على الهوية، ونقل الخبرات للأجيال الجديدة.
كيف ترى دور الشباب في صناعة مستقبل المسرح المصري، وما هي رسالتك لهم كأحد المخرجين المؤثرين في هذا المجال؟
الشباب سيصنعون مستقبل مصر كله وليس مستقبل المسرح فقط، فأنا مؤمن بالشباب طوال الوقت وداعم لهم فهم بكرة وغدا، وغدا يعني المستقبل، فهم لهم مسرحهم وأفكارهم وأحلامهم التي تختلف عن احلامنا وأفكارنا، ولكن الفكرة هي أن ننقل لهم خبراتنا لأن المسرح صناعة وعلم، فالمسرح يعالج ودخل في مجالات الطب النفسي وفي العملية التعليمية مثل مسرحة المناهج.
ورسالتي لهم أسعى وراء حلمك وتعلم وزد من خبراتك ومدركاتك.