العدد 913 صدر بتاريخ 24فبراير2025
دائمًا ما تجذبني عروض الهواة ممن جذبتهم نداهة المسرح، خاصة من يعتمدون على أنفسهم من أجل تحقيق حلمهم، من هؤلاء أبطال مسرحية «صيد البشر» وهي مستوحاة من أحداث حقيقية نتاج ورشة إعداد الممثل ببيت السحيمي بدعم صندوق التنمية الثقافية من أجل تنمية مهارات الشخصية المصرية، وبناء الإنسان ونشر الوعي والمعرفة، وتشجيع الإبداع والابتكار، ودعم الموهوبين، وقد تم اختيار الموضوع كعمل تطبيقي لهذه الورشة قام بكتابته المؤلف حمدي عطية، وأخرجه محمود السيد، بطولة مجموعة متميزة من الممثلين والفنيين، وتم تقدين العرض على مدار ثلاث ليال بقصر الأمير طاز.
تدور المسرحية حول مجموعة من الشخصيات تجمعهم مركبة متجهة إلى إيطاليا عبر هجرة غير شرعية كل منهم لديه سبب يجعله يقوم بهذه المغامرة، ثم يكتشفون أنهم وقعوا في براثن عصابة إتجار في الأعضاء البشرية وأنه سوف يتم تسليمهم لمن سيتولى قتلهم وبيع الأعضاء، وتقع مشاجرة بينهم وبين أفراد العصابة الذين يقررون إلقاء ثلاثة منهم في المحيط بسبب ثقل الحمولة ويتفقون جميعًا على أن كل منهم يقوم بسرد حكايته على أنه سيظل على السفينة من يستحق الحياة فقط– على الرغم من كونهم يعلمون مصير من سينجو-، حيث يقومون بسرد حكاياتهم وعبر تقنية الفلاش باك يتم تجسيد هذه الحكايات وهم: سيد الذي يعمل ميكانيكيا للسيارات، وهو يعاني من اضطراب في شخصيته أو ربما يعاني مرضًا نفسيًا جعله يتخيل أنه قام باختراع سيارة تسير بالماء والملح ورفض الجميع للفكرة هو ما جعله يلجأ للهجرة بحثًا عن سبل لتنفيذها في المانيا وتعذر الحصول على التأشيرة، حسن وهو ممثل لم يجد فرصته وتعرض لهزائم متتالية كما يعاني من تأزم العلاقة مع والده فيعتقد أنه يستطيع أن يسافر إلى إيطاليا ومنها لأمريكا حيث يغزو هوليوود، إسماعيل في البداية يدعى أنه هارب من ثأر بسبب قتل ابن عمه لكلب دخل أرضهم واصبح يطارده شبح الموت ثم تتكشف الحقيقة حيث أنه وجد قطعة أثار وقرر السفر لبيعها لإحدى صالات المزادات بالخارج، علي هو شاب رياضي تعمد المسئولين نسيان اسمه في كشوف بعثة الأولمبياد وتم استبعاده بفعل فاعل لحساب شخص أخر لم يحقق أي انجاز فشعر بالظلم الفادح وقرر اللعب لحساب دولة أوربية بعد مشاورات وحوارات للتجنيس ولكن عدم تجنيده حال دون تحقيق حلمه فقرر أن يسافر بأية طريقه، نسرين مدرسة فلسفه تقرر الهجرة إلى اليونان عن طريق إيطاليا للحصول على الدكتوراه بعد رفض زوجها التصريح لها بالسفر وعلمت باتفاقه على سرقة لوحة فنيه فقررت معاقبته بالإبلاغ عنه، وشعرت أنه لم يعد لها مكان في البلد بعد إلغاء مادة الفلسفة فعاقبت البلد أيضًا باستيلائها على اللوحة التي سافرت لبيعها، ليلى سيدة تحلم بإنجاب طفل، وهو الحلم الذي تأخر تحقيقه كثيرًا فلجأت إلى دجال وحملت منه، وحين يواجهها زوجها بجريمتها لأنه غير قادر على الإنجاب تقوم بقتله وتهرب، ليتبين أنهم جميعًا مذنبون ولا يستحقون الحياة.
العرض يجمع بين التراجيديا الموجعة والتي تجعل الجمهور يتماهى معها لدرجة البكاء، وكوميديا الموقف التي تضفي المتعة وتعمل على تخفيف التوتر والضغط النفسي الناتج عن الفعل الدرامي.
وعلى الرغم من أن هذه التيمة متكررة في المسرح والسينما وقد وردت في أعمال فنية كثيرة منها: سكة السلامة، بين السما والأرض، الطائرة المفقودة، المركب إلا أنها قُدمت بصورة جديدة ومختلفة من حيث الشكل والمضمون فقدمت قضية مازالت تعتبر جديدة وهي الهجرة غير الشرعية كقضية رئيسية تحمل في داخلها قضايا أخرى تنتمي لعصرنا الحالي بما يتضمنه من تقنيات حديثة وتكنولوجيا يفهمها أبناء هذه المرحلة، كما نجح المخرج في توظيف تقنية الفلاش باك على المسرح على الرغم من صعوبتها خاصة مع الهواة، كما أعد مجموعة من الممثلين لتجسيد أكثر من شخصية، وبرزت الصورة الجمالية التي تمثلت في إضاءة الفنان علي أبو زيد والتي تم توظيفها بحرفية عالية فهي متلونة مع الحدث: صاخبة، هادئة، متعددة الألوان ما بين برودة وسخونة، كذلك الملابس التي صممها محمود السيد وهي العنصر الأكثر بروزًا نظرًا لكثرتها وتشكلها لتعدد الفئات التي اجتمعت في مكان واحد أو أماكن أخرى تمثلت في الحكي والفلاش باك، وكان للموسيقى والألحان التي وضعها د. بلال الشيخ حضورًا كبيرًا ودورًا لافتًا حيث عبرت بدقة عن كل اللحظات الإنسانية التي يعيشها أبطال العمل، مع الاستعانة ببعض الأغاني التي كتبها أيضًا حمدي عطية.
أما الديكور الذي صممه محمد الصادق -فنظرًا لقلة الإمكانيات- يكاد يكون معدومًا تمامًا إلا من لوحة كرتونية مصممة على شكل مركب، وبعض المقاعد.
وعلى الرغم من موهبة الفنانين الملحوظة إلا أنهم كانوا يحتاجون لفترة تدريب أكثر- باستثناء بعض الممثلين الذين يملكون موهبة كبيرة بالفعل والتي تؤهلهم للارتجال في بعض المواقف لمساندة زملائهم- فضلاً عن قلة الإمكانيات المقدمة لهم والتي تظهر بوضوح من خلال الديكور الفقير جدًا، لذا أتمنى أن تتاح لهم الفرصة مرة ثانية من خلال قصور الثقافة أو مسرح السامر لتقديم العرض خاصة أنه يحمل عدة مضامين مهمة لتنمية الانتماء والوطنية والأخلاق والرضا بما قسمه الله، وبه مجموعة من الفنانين لديهم حُلم مشروع وهو ممارسة عمل يحبونه وهادف في ذات الوقت حيث يقدم رسائل غير مباشرة مهمة، يقف خلفهم كاتب متميز ومخرج يغزل (برجل الحمار).