العدد 913 صدر بتاريخ 24فبراير2025
من حين إلي أخر يمنحنا المسرح المدرسي إضاءات مسرحية جديدة علي طريق الدراما المسرحية التربوية يكون لها كثير من الأهمية ومن بين هذه المبادرات المشرقة ما قدمه تلاميذ مدرسة «عمر الفاروق» بالزقازيق علي مسرح مديرية التربية والتعليم بالشرقية منتصف فبراير 2025م في إطار مسابقة الجمهورية لمسرحة المناهج الدراسية وهو نوع مسرحي لقي قبول ورواج كبير داخل المؤسسة التعليمية لما فيه من انتصار مباشر وواضح لفكرة التعليم والتربية من خلال الألعاب المسرحية وقد تتطور هذا النوع المسرحي المعاصر من مجرد تشخيص لقصص القراءة وحكايات التاريخ والتربية الدينية إلي تشخيص كافة المواد الدراسية من علوم إلي هندسة ورياضة ولغات وأخيرا دروس التوعية البيئية التي يندرج تحتها هذا العرض المسرحي الجديد والفريد والذي يتعلق بأحد أهم التحديات البيئية في هذه المرحلة من التاريخ الإنساني وهي المياه التي تنبأ علماء البيئة أن تكون هي محور الصراعات والحروب خلال العقود الحالية وبالفعل حاولت الدول الأوروبية التي كانت بالأمس القريب تحتل أفريقيا والشرق الأوسط أن تفرض سلطاتها مجدداً علي بلدان المنطقة من خلال العبث بأرواح الناس عن طريق التحكم في توزيع المياه من خلال منابع المياه في هضبة أثيوبيا وتلك الأمور التي نعرفها جميعا، وقد ظهرت مسرحيات تعالج هذا الموضوع بكل شجاعه وجرأة أحدهما النص الذي كتبته الأديبة الإيطالية من أصل مصري «صابرينا محفوظ» ونشر بين نصوص كتاب مئة مسرحية لإنقاذ العالم وهو مبادرة مسرحية رائدة نتمني أن نحاكيها علي الصعيد العربي في أقرب وقت.
هذا العرض المسرحي “نقطة ميه” يمكن وضعه بين هذه النصوص ولا سيما أن الكاتبة المخرجة “جيهان حمودة” هي معلمة بالمدرسة نفسها التي شاركت بالعرض وهي نفسها أيضا من الطيور التي هاجرت لسنوات عديدة ثم عادت إلي مصر من فرنسا بهذه الأفكار التوعية التي تدعو إلي ما فيه صالح البشرية ولذا استطاعت بكل إيمان أن تعلم هذه المبادئ لتلاميذها لكي يعبرون عنها في مثل هذا القارب المسرحي التوعوي الحديث وقد شارك في العرض عدد كبير من تلاميذ “مدرسة عمر الفاروق” بالزقازيق وهي بالمناسبة من المؤسسات التعليمية الموجود بأحد الأحياء الشعبية لمدينة وكان تلاميذها بالأمس القريب قبل وجود هذه المعلمة من أكثر تلاميذ المدارس إثارة للشغب ولكنهم بعد أن وظفوا طاقتهم فيما يفيد بدأوا يظهرون بمظهر حضاري مختلف كل الاختلاف عما كانوا عليه هم أو أقرانهم بالماضي القريب وها هم يقدمون عرضاً جيداً وهاماً في إطار عصري وجديد حيث اختارت المخرجة المدربة “جيهان حمودة” أن يكون التعبير الحركي مقدماً ربما علي الكلمة واللفظ في هذه المسرحية والتعبير بلغة الجسد هو الأكثر قبولاً عند تلاميذ المدارس وشباب هذا الجيل ربما لأن الحركة لا تعرف الحدود ويمكن قراءتها في كل مكان من العالم إذ سبقت لغة الجسد كل اللغات لأن الجسد واحد وتعبيره عن أغلب الأشياء شبه متفق عليه خصوصاً إذا ارتبط الأمر بالدراما وبحث المبدع أو المبدعة عن طريقة يوصل بها المعني إلي مشاهديه من دون لبس وعندما يفتح الستار عن قطرات مياه بشرية يعني كل فتاة تمثل قطرة مياه من خلال جسدها وبواسطة أيقونة قطرة المياه التي تتصدر جسدها ومع صوت سقوط القطرة من الصنبور الذي نعرفه جميعاً تتدفق فتاة الي منصة المسرح في ترتيب منظم وجميل وما أن يكتمل الماء فوق المنصة التي أصبحت بمثابة إناء يحتوي كل هذا الماء يبدأ التلاميذ أو قطرات الماء في عمل استعراض علي كلمات مختارة ولحن مائي ينطق بكل ما للماء من ضرورة وأهمية تم بعد ذلك تعرض المسرحية عبر مشاهد كوميدية لأساليب الإسراف في استخدام الماء والطرق التي يمكننا من خلالها الحد منها وبين كل مشهد وأخر من تلك المشاهد المنفصلة المتصلة القريبة إلي ذهن متلقي العصر الذي أصبح يحسن تلقي “الريلز” والفيديوهات القصيرة يكون هناك استعراض جديد يشارك في تنفيذه طلبة وطالبات المدرسة المذكورة ممن أصبحوا بفضل المسرح وبفضل العناية الكبيرة النفسية والاجتماعية التي قدمتها لهم المخرجة المدربة المعلمة (جيهان حمودة) عاشقة المسرح حيث تفتحت مواهبها الفنية فوق خشبة المسرح وهي في مرحلة الصبا والشباب لأن شقيقها الأكبر أحد الأسماء المرتبطة بالمسرح الشرقاوي وهو الفنان الراحل (فاروق حمودة) الذي استعان بها في بطولة كافة العروض التي قام بإخراجها والتي تركت بصمة كبيرة في تاريخ المسرح الشرقاوي وها هي تواصل العمل وتقدم هذا العرض النموذج الرائد في مجاله حيث تتجاوز فائدته المسالة التربوية والمدرسية التعليمية إلي ما هو أهم من فوائد المسرح التنموية والبيئية ولذلك نرجو الهيئة العامة لقصور الثقافة أن تفتح أبوابها لاستقبال مثل هذه العروض ذات الفوائد المتنوعة والفائدة الكبيرة لعموم الجماهير وليس جماهير المسرح المدرسي فقط وهذا نداء هام لكل من يهمه الأمر