العدد 914 صدر بتاريخ 3مارس2025
لم تمنع الخلافات السياسية الامريكية الايرانية ايران من التعامل مع الادب الامريكى وكذلك لم تمنع الولايات المتحدة من التعامل مع الادب الايرانى. وهذا باعتبار ان الادب فى النهاية قيمة انسانية تعلو على الخلافات السياسية .
وأحدث الامثلة كانت على مسرح حافظ الشهير فى طهران حيث بدا عرض مسرحي مقتبس من رواية “من الفئران والرجال” للكاتب الأمريكي جون شتاينبك(1902- 1968).
ويشارك فى العرض عدد من كبار الممثلين الايرانيين ومنهم علي باقري، وميلاد فرج زاده، وحميد رشيد، وبورنا أنصاري، ونجار صلاح شور. ويخرجها المخرج المسرحى الايرانى البارز مهدي رضائي.
وتدور أحداث “من الفئران والرجال” خلال فترة الكساد الاعظم الذى ضرب الولايات المتحدة فى اواخر عشرينيات القرن الماضى ومطلع ثلاثنياته.
وبشكل اكثر تحديدا تتبع المسرحية رحلة عاملين مهاجرين في مزارع كاليفورنيا: جورج ميلتون وليني سمول. جورج رجل ذكي ولكنه غير متعلم، بينما يعاني ليني، وهو فرد كبير وقوي، من إعاقة ذهنية.
ويسيطر على الصديقين حلم امتلاك قطعة أرض حيث يمكنهما الاستقرار، وهو خيال يرمز إلى الأمل وسط واقعهما القاسي. تتمثل رغبة ليني المحددة في الاعتناء بالأرانب، مما يعكس براءته وطبيعته الطفولية، لكن حبه للمخلوقات الناعمة غالبًا ما يؤدي إلى عواقب مأساوية، حيث يميل إلى إيذائها عن طريق الخطأ عندما يداعبها بقوة شديدة.
البداية
وتبدأ القصة بفرار جورج وليني من بلدة ويد، حيث أدى خطأ ليني البريء المتمثل في الاستيلاء على تنورة امرأة إلى اتهامات كاذبة بالاغتصاب ورغبة حشد في إعدامه شنقًا. يعد اعتمادهما على بعضهما البعض موضوعًا مركزيًا، حيث يعمل جورج كحامي ومشرف على ليني.
عند تأمين وظيفة في مزرعة، يواجهان شخصيات مختلفة، بما في ذلك كيرلي، ابن المدير العدواني، الذي يكره ليني على الفور بسبب حجمه. تصبح زوجة كيرلي المغازلة أيضًا مصدرًا غير مقصود للصراع، حيث ينجذب ليني إليها، مما يعقد ديناميكيات المزرعة. يشكل الثنائي صداقة مع كاندي، عامل صيانة معاق كبير السن، وسليم، سائق بغال مدروس وكفء. تتضمن لطف سليم إعطاء ليني جروًا، مما يعزز علاقتهما ويشير إلى تطلعاتهما للمستقبل.
ومع تقدم الاحداث ، تصبح رؤيتهما المشتركة لامتلاك الأرض أكثر واقعية عندما تقترح كاندي المساهمة بمبلغ 350 دولارًا في حلمهما مقابل مكان للعيش فيه. تنقطع هذه الإثارة فجأة عندما يهاجم كيرلي ليني، وتحت تشجيع جورج، ينتقم ليني، ويسحق يد كيرلي بسهولة. يعزز هذا الحادث مؤقتًا شعور جورج بالأمان، مما يدفعه إلى التخلي عن ليني لفترة وجيزة أثناء التواصل مع آخرين من المزرعة.
حلم
لاحقًا، أثناء استكشاف الإسطبل، يلتقي ليني بكرووكس، عامل الإسطبل الأسود المنعزل، ويناقشان حلمهما. تنضم إليهما كاندي، في محاولة لصد تشاؤم كروكس بشأن تطلعاتهم. ومع ذلك، لا يزال الحلم يبدو هشًا ومهددًا، خاصة مع زوجة كيرلي، التي تهدد الرجال لاحقًا، وتكشف عن وحدتها ومرارتها.
تبدأ المأساة عندما يقتل ليني كلبه الصغير عن طريق الخطأ، مما يؤدي إلى لقاء مصيري مع زوجة كيرلي. تدخل الحظيرة بحثًا عن رفيق وتسمح في النهاية لليني بمداعبة شعرها. تغمرها الخوف عندما يسحبها بقوة شديدة، فتصرخ، مما يدفع ليني إلى الذعر وكسر رقبتها عن غير قصد. في حالة من الرعب، يفر من مكان الحادث.
مع انتشار أخبار وفاتها، يشكل عمال المزرعة حشدًا من الغوغاء لمطاردة ليني. يدرك جورج أن حلمهم قد تحطم، فيسرع للعثور على ليني في مكان اجتماعهم المحدد. هناك، يواسيه بسرد حلمهم للمرة الأخيرة، مدركًا تمامًا أنه مجرد وهم الآن. عندما يقترب الغوغاء، يتخذ جورج قرارًا مفجعًا بإطلاق النار على ليني في مؤخرة رأسه، ويعرض عليه موتًا رحيمًا مقارنة بالوحشية التي سيواجهها من القرويين. بعد ذلك، سليم هو الوحيد الذي يفهم عمق تضحية جورج، مما يقوده بعيدًا عن الواقع المرير، في حين فشل كيرلي وكارلسون في فهم الاضطرابات العاطفية التي تكمن وراء تصرفات جورج.
حياة غريبة
وتعد “فئران ورجال” واحدة من ابرز اعمال جون أو جيفرى شتاينبك - الفائز بجائزة نوبل للادب عام 1962 . وسبق له قبلها فى 1940 الفوز بجائزة بوليتزر الادبية الامريكية المرموقة عن الروايات الخيالية. وهو اديب أمريكي مبدع، من أشهر أدباء القرن العشرين. اشتهر بقصصه حول الحرب العالمية الثانية.
ومن الاعمال البارزة الاخرى له “عناقيد الغضب” و”شرق عدن”. ولم يكن يكتب مسرحيات بل كان يكتب قصصا عادية يتم اجراء معالجات لها كى تتحول الى مسرحيات. ويقوم اصحاب المعالجات عادة بايداعها رؤيتهم الخاصة أو رؤية نظم الحكم فى بلادهم كما يفعل كتاب النصوص السنيمائية والمسرحية والتليفزيونية عادة. فيمكن ان نجد المعالجة الامريكية مثلا تمجد الديمقراطية الامريكية والنظام الرأسمالى. هذا بينما يمكن ان نجد العكس فى معالجة ايرانية او روسيا لنفس النص ونجدها تتناول عورات المجتمع الامريكى.
وعموما لم يكن شتاينبك غزير الانتاج بل كتب 19 رواية فقط خلال عمر ابداعى اقترب من نصف قرن.
وحفلت حياته بالعديد من المفارقات حيث كان متخبط النتائج عند دراسته فى جامعة ستانفورد إلى أن رسب نهائياً عام 1925 ليترك الجامعة بدون شهادة.
وبعد مغادرته لجامعة ستانفورد، حاول شتاينبيك العمل ككاتب حر. انتقل بعدها لفترة وجيزة للعمل في نيويورك، بدايةً في البناء ثم مراسل صحيفة، ليعود بعدها إلى كاليفورنيا، حيث عمل كحارس مبنى. في تلك الفترة كتب شتاينبيك روايته الأولى، كأس من ذهب (1929).
على مدى العقد التالي، ركزّ شتاينبيك جهوده في الكتابة. ليصدر رواية مراعي الفردوس عام 1932، والبحث عن إله مجهول في العالم التالي، كلاهما لم يكتب لهما النجاح. كانت رواية شقة تورتيلا (1935)، التي كتبها بحس الفكاهة، وتحدث فيها عن الحياة في منطقة مونتيري، أولى رواياته التي حققت نجاحاً باهراً لتدفعه نحو الشهرة.
وأشهر روايات شتاينبيك على الإطلاق، “عناقيد الغضب”، نشرت في عام 1939. تحكي قصة عائة بائسة من أوكلاهوما وسعيها لإقامة حياة جديدة في ولاية كاليفورنيا في ذروة الكساد العظيم، صوّر الكتاب الغضب والقلق الذي طال المواطن الأمريكي خلال تلك الفترة . في ذروة شعبيتها، بيعت حوالي 10 آلاف نسخة من رواية “عناقيد الغضب” أسبوعياً، العمل الذي حاز شتاينبيك بفضله على جائزة بوليتزر عام 1940.
استمر شتاينبيك في الكتابة خلال السنوات الأخيرة من حياته، ليضيف إلى رصيده مجموعة روايات منها شارع السردين المعلب والاحتراق الساطع و شرق عدن. وتحوت معظم رواياته الى مسرحيات وكان يكتب بعض المعالجات المسرحية بنفسه فى حياته
وتوفى شتاينبيك عام 1968 بسبب مرض فى القلب نتيجة افراطه فى التدخين وتم احراق جثته حسب وصيته.
ومن المفارقات ان أعمال شتاينبيك كانت تتعرض للحظر احيانا في مدارس بعض الولايات لاسباب غريبة. وتم حظر رواية عناقيد الغضب فى ولاية ايداهو بزعم انها تخالف قيم المجتمع الامريكى وتحوى الفاظا بذيئة. وتم حرق عدة نسخ منها علنا.