العدد 919 صدر بتاريخ 7أبريل2025
فى عالم المسرح، لا تأتى الخطوات الأولى بسهولة، فكل تجربة هى تحدٍّ جديد، وكل عرض مسرحى هو فرصة لإثبات الذات وصقل الرؤية الإبداعية. من بين المخرجين الشباب الذين بدأوا يرسمون ملامح طريقهم فى الساحة المسرحية، يبرز اسم محمد فاضل القبانى، الذى استطاع خلال تجاربه الأولى أن يجذب الانتباه بأسلوبه الخاص، ورؤيته التى تمزج بين الكلاسيكى والحديث، ليقدم أعمالًا تحمل بصمته رغم حداثة تجربته.
«مسرحنا» التقت المخرج محمد فاضل القبانى، بعد إطلاق أحدث عروضه المسرحية «صديق العمر» على مسرح السامر، الذى يسعى من خلاله إلى تقديم رؤية مختلفة تعكس شغفه بالمسرح، وتؤكد على تطوره كمخرج شاب لديه الكثير ليقدمه، ليتحدث عن أسباب قيامه بالمعالجة المسرحية، واكتفائه بالإخراج وعدم خوضه تجربة التمثيل، كما فى «العادلون»، ونقترب أكثر من عالم محمد فاضل القبانى، لنتعرف على تفاصيل رحلته الفنية، وأحلامه، وتطلعاته للمستقبل.
ماذا اتخذت هذا القرار؟ هل شعرت بأن الجمع بين التمثيل والإخراج أثر على التجربة السابقة؟
شعرت بأن من الأفضل أن أركز على الإخراج فقط هذه المرة، حتى أتمكن من إدارة التفاصيل الفنية والدرامية بكل دقة دون أن يتأثر أى جانب آخر من العمل، خاصة وأن العروض المسرحية الكبرى تتطلب قدرًا هائلًا من التركيز والجهد الإدارى والفنى، وهو ما يجعل الجمع بين الإخراج والتمثيل تحديًا صعبًا، خاصةً عندما تكون المسئوليات موزعة على فريق عمل محدود.
قمت أنت بمعالجة النص بدلًا من الاستعانة بكاتب مثلما حدث فى تجربتك الأخيرة “العادلون”. ما السبب وراء هذا الاختيار؟ هل ترى أن المخرج هو الأقدر على تشكيل رؤيته بنفسه دون وسيط؟
فى البداية، كنت أخطط للاستعانة بأحد كتاب المسرح المتمرسين لصياغة النص ومعالجته دراميًا، وبالفعل تواصلت مع أكثر من كاتب، ولكن بسبب ضيق الوقت وانشغالاتهم المهنية لم يتمكن أى منهم من الالتزام بالمشروع. أمام هذا الوضع، وجدت نفسى مضطرًا للقيام بهذه المهمة بنفسى، خاصةً وأن لدى خبرة سابقة فى الإعداد المسرحى ومعالجة النصوص. وبشكل عام، لا أعتقد أن المخرج يجب أن يكون منفردًا فى تشكيل الرؤية المسرحية دون تعاون مع الكاتب، لكن فى بعض الحالات، يكون للمخرج تصور خاص يجعله قادرًا على إعادة تشكيل النص بطريقة تخدم رؤيته الإخراجية وتتناسب مع طبيعة العرض والجمهور المستهدف.
تولى بعض المخرجين مسئولية معالجة النصوص دون تدخل آخرين تعكس رغبة لديهم فى السيطرة الكاملة على العمل المسرحى.. هل تتفق مع هذا الرأي؟
ليس بالضرورة، هناك فرق بين الرغبة فى السيطرة على العمل والرغبة فى تقديم رؤية متكاملة تتماشى مع الفكرة التى يسعى المخرج لتحقيقها. ليس كل المخرجين لديهم الخبرة فى الكتابة المسرحية أو إعادة معالجة النصوص، لكن فى حالتى، كنت قد خضت تجارب سابقة فى الإعداد المسرحى، وشاركت فى كتابة أو تعديل أكثر من نص، لذا لم يكن الأمر جديدًا عليّ، بل أرى أن المخرج الذى يمتلك خبرة فى الكتابة يمكنه تقديم معالجة تتماشى مع رؤيته، لكن هذا لا يعنى الاستغناء عن دور الكتاب المسرحيين، بل على العكس، أحيانًا يكون التعاون بين المخرج والكاتب هو ما ينتج أفضل الأعمال.
اختيارك نص “الرجل الأحزن” وفيلم “الخلاص من شوشنك” كمصادر لمعالجتك الجديدة يثير التساؤلات حول رؤيتك الفنية. ما الذى جذبك إليهما؟ وكيف تعاملت مع المزج بينهما؟
نص “الرجل الأحزن” كان دائمًا أحد الأعمال القريبة إلى قلبى، فقد شاهدته أكثر من مرة، وشاركت فى تقديمه أيضًا مع عدة مخرجين، وهو نص غنى دراميًا ويحمل طابعًا إنسانيًا عميقًا. أما فيلم “الخلاص من شوشنك”، فهو عمل سينمائى عظيم مستوحى من رواية أدبية، ويُعد واحدًا من أبرز الأفلام فى تاريخ السينما العالمية، لما يحتويه من رسائل فلسفية ودرامية قوية. ووجدت أن هناك بعض الخطوط الدرامية المتشابهة بين المسرحية والفيلم، مما جعلنى أفكر فى الجمع بينهما فى معالجة جديدة، تعكس الجوانب المشتركة وتضيف أبعادًا أخرى للشخصيات والصراعات الدرامية. هذا المشروع كان من الأفكار التى كنت أعمل عليها منذ فترة طويلة، وكنت متحمسًا جدًا لتحويله إلى واقع.
هل تعتقد أن تجربة عملك كمسؤول للسوشيال ميديا أثرت على تجربتك الإخراجية؟ أم أنك تفصل تمامًا بين الاثنين؟ وهل تفكر فى الابتعاد عن السوشيال ميديا مستقبلًا بعد تركيزك على الإخراج والتمثيل؟
لا أفكر فى الابتعاد عن السوشيال ميديا، لأنها ليست مجرد عمل جانبى بالنسبة لى، بل هى جزء من حياتى المهنية، حيث أمتلك شركة خاصة تعمل فى مجال الدعاية والإعلان. لكن فى الوقت نفسه، لا أخلط بين عملى فى السوشيال ميديا وشغفى بالمسرح والتمثيل، فكل مجال منهما له طبيعته الخاصة. خلال السنوات الماضية، كنت مضطرًا للتركيز على إدارة شركتى، مما جعلنى أبتعد قليلًا عن الإخراج والتمثيل، لكننى الآن قررت العودة إلى العملى الفنى، مع الحرص على تحقيق توازن بين العملين، لأن كليهما جزء من اهتماماتى ومسيرتى.
هناك دائمًا أعمال نحلم بتقديمها مسرحيًا. ما النص أو القصة التى تتمنى إخراجها على المسرح يومًا ما؟
لدى قائمة طويلة من الأعمال التى أرغب فى تقديمها على المسرح، سواء من النصوص الأدبية الكلاسيكية أو الأعمال الحديثة التى تحمل طابعًا فلسفيًا أو اجتماعيًا عميقًا. ولكن المشكلة الأساسية تكمن فى أن بعض جهات الإنتاج لا تتحمس لمثل هذه النصوص، بسبب تكلفتها أو طبيعتها المختلفة عن الأعمال السائدة. رغم ذلك، أعمل حاليًا على تطوير عدد من النصوص، بعضها من إعدادى الشخصى، وبعضها بالتعاون مع كتاب مسرحيين، وأتمنى أن أتمكن من تقديم هذه الأعمال للجمهور قريبًا.
بعد تجربتك الأخيرة.. هل تنوى التركيز على الإخراج فقط أم يمكن أن تعود للتمثيل مجددًا؟
بالتأكيد سأعود للتمثيل بجانب الإخراج، لأن التمثيل كان دائمًا جزءًا أساسيًا من مسيرتى الفنية، وأشعر بأننى بحاجة لتعويض السنوات التى ابتعدت فيها عنه. أرى أن الجمع بين التمثيل والإخراج ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى إدارة جيدة للوقت والجهد، ولذلك سأحاول تحقيق هذا التوازن فى مشاريعى القادمة.
كيف ترى حال المسرح اليوم؟ وما الذى يحتاجه ليكون أكثر تأثيرًا وجذبًا للجمهور؟
المسرح فى وضع صعب حاليًا، ويحتاج إلى مزيد من الدعم سواء من الدولة أو من الجهات الإنتاجية الخاصة. هناك مواهب كثيرة وأفكار رائعة يمكن تقديمها، لكن التحدى الأكبر يكمن فى التمويل والدعاية. أعتقد أن زيادة ميزانية الإنتاج المسرحى، والاستثمار فى حملات ترويجية قوية، سيساعدان فى جذب جمهور أوسع. كما أن تقديم عروض مسرحية ذات جودة عالية من حيث النص والإخراج والتمثيل، إلى جانب الاستفادة من التكنولوجيا فى العروض، يمكن أن يعيد للمسرح بريقه ويجعله أكثر حضورًا وتأثيرًا.
لماذا اتخذت هذا القرار؟ هل شعرت أن الجمع بين التمثيل والإخراج أثر على التجربة السابقة؟
شعرت بأن من الأفضل أن أركز على الإخراج فقط هذه المرة، حتى أتمكن من إدارة التفاصيل الفنية والدرامية بكل دقة دون أن يتأثر أى جانب آخر من العمل، خاصة وأن العروض المسرحية الكبرى تتطلب قدرًا هائلًا من التركيز والجهد الإدارى والفنى، وهو ما يجعل الجمع بين الإخراج والتمثيل تحديًا صعبًا، خاصةً عندما تكون المسؤوليات موزعة على فريق عمل محدود.