حسام التونى: تحويل رواية نجيب محفوظ إلى عرض غنائى استعراضى كان تحديا ممتعا ورهانا صعبا

حسام التونى: تحويل رواية نجيب محفوظ إلى عرض غنائى استعراضى كان تحديا ممتعا ورهانا صعبا

العدد 923 صدر بتاريخ 28أبريل2025

تحدث المخرج المسرحى حسام التونى، الذى قرر تحويل واحدة من أبرز روايات الأديب العالمى نجيب محفوظ، “ثرثرة فوق النيل”، إلى عرض مسرحى غنائى استعراضى، لجريدة مسرحنا؛ حيث استعرض رؤيته الإخراجية فى التعامل مع هذا العمل الأدبى العميق والمعقد، وكيف تمكن من تجسيد رموزه وأفكاره بأسلوب فنى ممتع وجاذب للجمهور.
وتحدث أيضًا عن تجربته مع تقديم العروض الغنائية الاستعراضية، بدايةً من “الطاحونة الحمراء” وصولًا إلى “ثرثرة فوق النيل”، والتحديات التى واجهها فى تحويل الرواية إلى مسرح غنائى.
كيف قررت إخراج رواية “ثرثرة فوق النيل” لنجيب محفوظ كعرض مسرحى؟ وما الذى جذبك إلى هذا العمل الأدبى تحديدًا؟
كان اختيار ثرثرة فوق النيل منذ حوالى 3 سنوات، ففكرت فى تقديم الرواية لأننى مغرم بتحويل الروايات للمسرح، فأول شىء جذبنى للرواية، هو الإختلاف بينها وبين الفيلم، لأن الفيلم أعتقد أنه ظلم الرواية، لأن الرواية أهم وأعمق بكثير، ولأن الرواية أيضا لم تقدم كعمل مسرحى من قبل، وكنت أخطط لهذا المشروع من 3 سنوات، وكنت أتمنى دخول عالم روايات الأديب العالمى نجيب محفوظ، ووجدت إن ثرثرة فوق النيل هى الأقرب لقلبى.
الرواية تعتبر من الأعمال الأدبية المعقدة والمليئة بالرموز، كيف تعاملت مع هذا التعقيد فى تحويله إلى عرض غنائى استعراضي؟
الرواية عميقة ومعقدة وبها رموز كثيرة، فالرواية كتبت عام 1964، وتم نشرها عام 1966، والفيلم قدم عام 1971، فاخترت نقل وقت الرواية لعام 1967، وهو الحدث الجلل فى تاريخ مصر وهى نكسة 67، وأعتقد إن تحويلها لغنائى استعراضى، فكان عندى قناعة إن العروض الغنائية الاستعراضية لا بد أن يتوافر لها 3 مقومات، فى البداية نص يصلح لأن يكون عرضًا غنائيًا، وممثلين يجيدون الغناء والتمثيل، ووجود ملحن متميز، وهذه العناصر توافرت لى من قبل فى عرض الطاحونة الحمراء، فلا يوجد مانع من التجربة، خصوصًا إن حالة ثرثرة فوق النيل يصلح أن يتم تحويلها إلى مسرح غنائى استعراضى.

هل تأثرت بأى شكل بفيلم “ثرثرة فوق النيل” الذى صدر عام 1971؟ وكيف كانت رؤيتك الإخراجية لتقديم نسخة مختلفة تمامًا عن الفيلم؟
لم نتأثر أبدًا، لأننا تعاملنا مع الرواية الأصلية، وهى ليس لها علاقة تماما بالفيلم، إلا فى البناء الدرامى وبناء الشخصيات، فلم نتأثر بالفيلم لأن الفيلم به رؤية إخراجية مختلفة تمامًا، والرواية لها رؤية، وكنت مصمم على أن تكون لنا رؤية خاصة بنا، وأن نكون قادرين على فك طلاسم ورموز نجيب محفوظ.

تحدث المؤلف أحمد زيدان عن رهانكم على تقديم الرواية بطريقة غنائية، كيف أثرت هذه الرؤية على تصميم العرض وكيف تم التعاون بينك وبين فريق العمل لتحقيق هذه الفكرة؟
هذا هو التعاون الثالث بيننا، فأول تعاون كان فى عرض غيبوبة، شارك بالأشعار فى هذا العرض، وعرض الطاحونة الحمراء، وهذا العرض، وأنا أعتبر إن أ. أحمد زيدان هو أفضل الشعراء الغنائيين الموجودين على الساحة حاليًا، وأنا اتعامل معه لأن بيننا تفاهم، وقادرين على اختيار رهانات صعبة، وهو يشجعنى دائما على ذلك، وهذا ما حدث فى الطاحونة الحمراء وثرثرة فوق النيل، ونكون أصحاب السبق فى هذه المنطقة، وبما إنه شاعر غنائى مهم، فمن السهل عليه تحويل أى مشهد درامى إلى شعر مُغنى، فمن خلال تعاملنا مع بعض طوال ال 3 سنوات الماضية فهذا جعل التواصل الفكرى بيننا موجود، وأيضا تتلاقى أفكارنا فى نقاط مشتركة كثيرة.
كيف كان التعاون مع فريق التمثيل الذى يضم نخبة من الممثلين الموهوبين فى الغناء والتمثيل؟ وهل واجهت أى تحديات فى دمج الأداء التمثيلى مع العناصر الغنائية؟
ثرثرة فوق النيل كان إنتاج المعهد العالى للفنون المسرحية، وكل المشاركين فى العرض من ممثلين ومؤدين هم طلبة المعهد، فلم يكن من الصعب دمج الأداء التمثيلى، والعناصر الغنائية لأن تسكين الأدوار من البداية معتمد على توافر ممثل يمتلك الموهبة ويجيد الغناء، وبالطبع المعهد ملىء بالمواهب والممثلين مجيدى الغناء.
المسرحية تشارك فى مسابقة المسرح الغنائى الاستعراضى ضمن مهرجان إبداع، كيف ترى أهمية هذه المسابقة فى دعم العروض المسرحية الشابة وتطوير المواهب؟
هذه هى المرة الأولى التى أشارك بها بمهرجان إبداع لعروض المسرح الغنائى، فعندما كنت طالب بكلية العلوم جامعة عين شمس، وكنت عضو بفريق التمثيل وقتها لم تكن مسابقة إبداع موجودة، وبما إنى أدرس بالمعهد العالى للفنون المسرحية حاليًا، فأتيحت لى الفرصة للمشاركة بمهرجان إبداع، فالمهرجان يعتبر من المهرجانات المهمة جدا التى تدعم شباب الجامعة وتطوير مواهبهم على اختلاف مسابقاتها، فهو مهرجان مهم جدًا على مستوى التنظيم ولجان التحكيم وعلى مستوى الجوائز، وأنا سعيد جدًا بالمشاركة فى المهرجان.
كيف كان العمل مع المؤلف الموسيقى زياد هجرس فى صياغة الموسيقى والألحان الخاصة بالعرض؟ وكيف ساعدت الموسيقى فى تعزيز الرسالة الفنية للعمل؟
هذا يعد التعاون الثالث مع المؤلف الموسيقى زياد هجرس، بعد غيبوبة والطاحونة الحمراء، فالملحن زياد هجرس ملحن متميز وفاهم للدراما، ولديه ميزة أساسية وهى قدرته على ترجمة الدراما لموسيقى، وهذه موهبة نادرة، ومن تجاربنا الكثيرة أصبحنا قادرين على فهم أفكار بعضنا وتحويلها إلى أشياء ملموسة، والتعاون بيننا جيد ولذلك يثمر عنه نجاحات وحصل على جائزة أفضل موسيقى بالمهرجان القومى عن عرض الطاحونة الحمراء، وزياد يجيد العمل فى العروض الغنائية والغناء الحى، فالعمل معه شىء مهم ويساعد فى نجاح أى عمل فنى.
ما الرسالة أو الفكرة التى تحاول إيصالها من خلال هذا العرض المسرحى؟ وهل تعتقد أن الرواية ما زالت تعبر عن واقعنا المعاصر؟
الأديب نجيب محفوظ لديه رؤية استكشافية كبيرة، الرواية عندما نشرت عام 1966، كان متوقع مشكلة لم يذكرها فى الرواية، لكنه كانت لديه رؤية استشراقية لما سيحدث فيما بعد، وهذا سر نجاحه، لأن الرواية تعبر عن المجتمع فى فترته بشكل مماثل فنحن نحاول توضيح مضمون الرواية بشكل فنى ممتع للجمهور.

ما الخطط المستقبلية لعرض “ثرثرة فوق النيل”.. وهل هناك نية لتقديمه فى مهرجانات أو عروض مسرحية أخرى بعد انتهاء المهرجان؟
نحن فى انتظار نتيجة مسابقة إبداع، لكننا نتمنى أن يتم إعادة تقديم العرض مرة أخرى بالمعهد، ونتمنى مشاركته بالمهرجان القومى، لأنه من العروض المهمة التى لم تقدم من قبل.

“الطاحونة الحمراء” هو عرض استعراضى غنائى بامتياز، كيف تعاملت مع هذا النوع من العروض للمرة الأولى؟ وهل أثر ذلك على رؤيتك لعروض مثل “ثرثرة فوق النيل”؟
عرض الطاحونة الحمراء أخذ من صناعه مجهود كبير، وكان أول عرض غنائى استعراضى اقدمه، واكتسبت منه خبرة كبيرة فى التعامل بعد ذلك مع الغناء الحى والعزف الحى فى تركيبة هذه العروض لأنها تركيبة صعبة، والكل يحاول الهروب منها، لأنه من العروض الصعبة التى تحتاج إلى تدريب مكثف ووقت طويل لظهورها.

ما هى الصعوبات التى واجهتها فى “الطاحونة الحمراء” وكيف استعددت لتجاوزها فى عروضك التالية، مثل “ثرثرة فوق النيل”؟
ضعف الإنتاج، فعرض الطاحونة الحمراء كان إنتاج الهيئة العامة لقصور الثقافة، فالميزانيات ضعيفة وغير كافية لعروض بهذا الحجم، وأيضا تسكين الأدوار، لأن العرض غنائى استعراضى، فكنا نبحث عن ممثلين يجيدون الغناء والتمثيل والرقص، وأيضا فترة العرض وتقديمه للجمهور، فهى فترة قليلة جدا، وشاركنا بالعرض بالمهرجان القومى للمسرح وسنشارك بمهرجان الفضاءات المتعددة، وأنا اتوقع إنه سيكون من أهم مهرجانات مصر.

كيف تم استقبال “الطاحونة الحمراء” من قبل الجمهور والنقاد؟ وهل كان هذا الاستقبال محفزًا لمواصلة تقديم أعمال مسرحية غنائية أخرى؟
استقبله الجمهور والنقاد بشكل جيد جدا، وكانت ملحوظة مهمة جدا إن هذا العرض نجح على المستوى النقدى والمستوى الجماهيرى وهذا شئ نادر الحدوث.

كيف أثرت تجربتك مع “الطاحونة الحمراء” على اختيارك للمشاريع التالية، مثل “ثرثرة فوق النيل”؟ وهل ساهم ذلك العرض فى تشكيل رؤيتك الإخراجية بشكل عام؟
بالتأكيد أن عرض الطاحونة الحمراء أحد أهم الأسباب التى أثرت فى رؤيتى الإخراجية بشكل عام، وهو تجربة مرت بمراحل كثيرة وتطورات مختلفة، وبالتالى أثرت على مشروع ثرثرة فوق النيل، وتحويله إلى شكل غنائى، بالرغم من إن مشروع ثرثرة فوق النيل كان أقدم من مشروع الطاحونة الحمراء، لكنه لم يكن سيقدم بشكل غنائى ولكن مشروع الطاحونة الحمراء جعلنى أتناول العرض بشكل غنائى استعراضى مع وجود فريق العمل الذى ساعدنى على تحويل الرواية لعرض غنائى.

“الطاحونة الحمراء” كان يعتمد بشكل كبير على الأزياء والاستعراضات. كيف تعاملت مع هذه العناصر فى “ثرثرة فوق النيل”؟ وهل استفدت من تجربتك السابقة فى هذا السياق؟
الطاحونة الحمراء كان يعتمد على الاستعراضات والأزياء المبهرة والتمثيل والغناء بشكل كبير، فطبيعة نص الطاحونة الحمراء فى بيئته المختلفة ومكانه المختلف، فهو يختلف تماما عن ثرثرة فوق النيل، فعوامل الإبهار مختلفة تماما بين العرضين، لأن ثرثرة فوق النيل يعتمد على الدراما القوية والشخصيات الاجتماعية.

كيف ترى حالة المسرح فى مصر اليوم؟ وما هى التحديات التى تواجهها كصانع مسرحى فى تقديم عروض تجذب جمهورًا واسعًا؟
نحن نعانى من أزمات كبيرة فى المسرح المصرى، منها أزمة الإنتاج، وأزمة دور العرض المسرحى، للأسف نحن نعانى من قلة دور العرض المسرحى، وجهات الإنتاج أصبحت قليلة جدا، فبعد انتهاء مسرح القطاع الخاص، لم يتبقى إلا إنتاج الدولة وإنتاج الدولة أصبح قليل على حجم الإنتاج الموجود، وهذا يؤدى إلى ضعف وإنعدام التطور المرجو من المسرح، مثلما كان موجود فى الأجيال السابقة.

ما الذى يميز المسرح الغنائى عن أنواع المسرح الأخرى؟ وكيف تختلف عملية الإخراج فى العروض الغنائية عن المسرح التقليدي؟
يتميز المسرح الغنائى عن أشكال المسارح الأخرى فى زيادة وسائل المتعة، لإن الإخراج يعتمد على إظهار وسائل المتعة من النص المسرحى سواء من التمثيل أو الديكور أو الغناء أو الاستعراض أو الصورة المسرحية، فالمسرح الغنائى مختلف عن المسرح التقليدى لأنه يمتلك وسائل متعة أكثر للجمهور.

ما هى أهمية المسرح الغنائى فى المشهد الثقافى المصري؟ وكيف يمكن لهذا النوع من العروض أن يسهم فى تطوير الفن المسرحى بشكل عام؟
المسرح الغنائى صعب ويحتاج إلى مجهود كبير وإنتاج ضخم، لكنه لا غنى عنه فى المشهد الثقافى وتطوير الفن المسرحى بشكل عام، لأن المسرح الغنائى له جمهوره ومذاقه وجمالياته، فلدينا تاريخ كبير من المسرح الغنائى والأوبريتات، بداية من الفنان سيد درويش، والشيخ سلامة حجازى، فلا يمكن إغفال دور وأهمية المسرح الغنائى وطمسه، بل بالعكس لابد من دعمه وتطويره وإظهاره.

هل تعتقد أن الجمهور المصرى متحمس للمسرح الغنائي؟
الجمهور متحمس جدا للمسرح الغنائى، وهذا وضح بشكل كبير فى عرض الطاحونة الحمراء، من خلال الإقبال الجماهيرى الشديد واستمتاع الجمهور بالعرض لأن جمهور المسرح جمهور ذواق، وغياب المسرح الموسيقى أثر بشكل كبير على الجمهور بشكل عام.


صوفيا إسماعيل