العدد 923 صدر بتاريخ 28أبريل2025
لم يكن نص مسرحية «بيت جحا» لفتحى فضل النص الأخير للمسرحية!! فبعد أربعة أشهر تلقت الرقابة طلبًا للتصريح بنص المسرحية نفسه، وهو نص آخر أحتفظ به تحت رقم «355» بعنوان «بيت جحا» تأليف «فتحى فضل» وإخراج «رضا النجار». وأول وثيقة رقابية مرفقة بالنص، كانت خطابًا من النشاط الرياضى إلى مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية، جاء فيه الآتي: مرسل لسيادتكم أصل وصورتين لمسرحية «بيت جحا» تأليف الأستاذ فتحى محمد فضل، والتى سيعرضها فريق شركة النصر للغزل والنسيج والصباغة بالمحلة الكبرى للعاملين بالشركة وأيضًا لمسابقة دورى الشركات 87/88.
كتبت الرقيبة «فادية محمود بغدادي» - التى كتبت سابقًا تقريرًا عن المسرحية نفسها منذ ثلاثة أشهر – تقريرًا آخر به إضافات وتفاصيل طفيفة مختلفة، وكأنها كتبت تقريرًا جديدًا ولم تنقل التقرير السابق، قالت فيه: تدور أحداث المسرحية فى عصر الوالى محمد على حيث أصدر قرارًا بأن تستضيف كل أسرة مصرية جنديًا من جنود الجيش العثمانى.. كان جحا يعيش مع زوجته فردوس ووالدته فى بيت متواضع لكنه مليء بالخيرات فلديه عشة مليئة بالدجاج.. وكان جحا يعمل «سقا».. وكان يعيش فى سعادة رغم الخلافات المستمرة بين زوجته ووالدته.. ويفاجأ جحا وزوجته ووالدته بالجندى التركى وسعيد والجلاد وقرار ضيافتهم الإجبارى.. ويفكر جحا كيف يتخلص من هؤلاء الضيوف الثقلاء ومطالبهم الاستغلالية.. وتمر الأحداث ويفاجأ جحا بأنهم باعوا حماره ورهنوا البيت ليهودى ماكر، كما باعوا الأثاث والنحاس، وكلما اعترض ضربوه بالفلقة على قدميه حتى تورمتا.. ويقع التركى فى حب فردوس زوجة جحا ويدبر حيلة يبعد بها جحا عن المنزل ولكن جحا يدرك الحقيقة ويظل فى بيته وعندما يرى التركى يغازل زوجته ويطاردها يهاجمه جحا ويطعنه بالسكين.. أما سعيد والجلاد فيفرا هاربين.. وتنتهى المسرحية بموت الجندى التركي. وعندما تشعر فردوس بالخوف على زوجها من انتقام الوالى يطمئنها جحا ويعرفها أنه تسامح، ولكن للتسامح حدودا فإذا حاول أحد التطاول على الشرف فسيدافع عنه لآخر قطرة فى دمه. وتختتم الرقيبة تقريرها قائلة: “مسرحية كوميدية تبين صراع المصريين ضد الاحتلال التركى.. لا مانع من التصريح بتأدية هذه المسرحية التى سبق التصريح بها”.
أما الرقيبة «فايزة الجندي» فذكرت فى تقريرها ملخصًا للمسرحية به تفاصيل لم تُذكر من قبل، قالت فيه: يقتحم أحد الجنود الأتراك وهو الباش أغا منزل جحا ومعه سعيد أفندى والجلاد، إذ إن الجنود الأتراك قد تم تسريحهم، فدأبوا على النصب وسرقة ونهب الأهالى بالإكراه خاصة وأن جحا كانت له شهرته وصيته وأنه يملك حظيرة دجاج. وأصاب الهم والحزن جحا وزوجته فردوس وأمه فقد أكل الباش أغا وسعيد أفندى كل دجاج جحا وباعوا حماره الذى تركه له والده، كذلك باعوا نحاس زوجته ورهنوا المنزل لأحد اليهود ليتنزهوا بثمنه. ويأتى لجحا طيف أبوه فيحثه ويثور عليهم خاصة بعد أن هدموا المنزل للبحث عن كنز. يأمر الأغا جحا بمغادرة المنزل حتى يتيسر له مغازلة زوجته التى أعجب الأغا بجمالها، ويجن جنون جحا حين تستنجد فردوس، فيهم جحا بقتل الأغا. وتنهى الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: “تبين المسرحية أن جحا إذا كانت له نوادره المسلية فهو أيضًا يتمتع بالشهامة والغيرة على شرفه وكرامته وحريته. ويرخص بأداء نص «بيت جحا» بشرط إخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول.
كانت الرقيبة «ماجدة الشيخ» هى الرقيبة الثالثة والأخيرة لمراقبة هذا النص، فكتبت فى تقريرها ملخصًا للمسرحية به تفاصيل أخرى لم ترد فى الملخصين السابقين، قائلة: المسرحية تدور أحداثها حول جحا وأمه وزوجته والمشكلات التى تنشأ بين الزوجة وأم زوجها، ونوادر جحا مع الناس إلى أن جاءهم ضيوف بأمر من الوالى العالى للمحروسة، وهم الباش أغا وهو جندى همام من الجيش العثمانلى الذى طرد الفرنسيس من البلد. بعد ذلك أعلن الوالى محمد على بأن على الأهالى أن يؤووا الجنود التركية وكان هذا الجندى فى ضيافة جحا. أما مرافقوه فهم سعيد أفندى خليط بين التركية والأوروبية. أما الثالث فهو الجلاد الذى ينفذ عقوبة العصيان على من يعصى أمرًا للأغا. وكان من شروط الضيافة أن تشمل الإقامة والمأكل والملبس والمنامة وضروب الحياة ومصروف للجيب إذا أراد الباش أغا أن يتنزه، والعرقى - أى الخمر - الذى يشربه بكثرة. وطالت الضيافة حتى بدأ جحا يبيع أساس بيته، ونحاس زوجته وملابسه حتى باع حماره العزيز الذى لا يفارقه أبدًا حتى ينفق على هؤلاء الرزلاء، لكنهم أكثروا فى الضيافة والتنقيب على كنز لجحا فى بيته بهدم الجدران للبحث، وذهبوا وأحضروا تاجرًا يهوديًا ورهنوا بيت جحا لديه مقابل مبلغ، إلى أن جاء دور الزوجة وبدأ الأغا يبعد جحا حتى ينفرد بزوجته وثار جحا لذلك ودبر لقتل الأغا بعد رجوعه من الخمارة، وبالفعل قتله حتى يحافظ على شرف زوجته حتى لو قتلوه.
واختتمت الرقيبة تقريرها قائلة: “مسرحية كوميدية فى قالب اجتماعى توضح أن مهما الإنسان تنازل عن أشياء بغير رضاه أو مجبر عليها إلا أنه لا يستطيع أن يتنازل عن شرفه أو عن إنسانيته أو وطنه، ويستطيع أن يدافع عنهم ويدفع حياته مقابل الحفاظ عليهم”. وهكذا نالت المسرحية تصريحًا بتمثيلها تحت رقم «171» بتاريخ 28/2/1987، ويقول نص التصريح: “سبق الترخيص بهذه المسرحية «بيت جحا» ولا مانع من الترخيص بهذه المسرحية لشركة النصر للغزل والنسيج والصناعة بالمحلة الكبرى على أن يراعى الآتي: حفظ الآداب العامة فى الأداء والحركات والملابس، وإخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول لهذه المسرحية، حتى يتسنى بعد مشاهدتهما الترخيص بها بصفة نهاية.
وهذه النسخة تحديدًا هى التى بها تاريخ التأليف عام 1967 مع اسم المؤلف فتحى فضل. وهذا يعنى – كما أشرنا من قبل – أن المسرحية مكتوبة من خلال «هزيمة / نكسة» يونية، لتوظيف قضية فلسطين وأساليب الكيان الصهيونى فى احتلال بلاد العرب والتوغل فيها من أجل الإفساد الاقتصادى والنفسي. وهذا يعنى أن المؤلف «فتحى فضل» ما زال متمسكًا بمشروعه الإبداعى وهو إظهار المخاطر التى تحيط بمصر – وتحديدًا – بعد هزيمة يونيو 1967، وتوغل الكيان الصهيونى فى جسد الأمة العربية من أجل مجابهته وإصلاح شأن مصر والأمة العربية.
مسرحية أمر نقل
انتقل فتحى فضل من مرحلة توظيف التراث التاريخى والشعبى - وجو الأساطير – إلى الواقع المعايش فى مسرحية «أمر نقل» عام 1973 - التى أحتفظ بنصها الرقابى تحت رقم «253»، وهى مسرحية كوميدية فى فصلين من إخراج صلاح مرعى لصالح مسرح السامر بالثقافة الجماهيرية. وأول وثيقة رقابية مرفقة بالنص كانت خطابًا إلى مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية، جاء فيه: “مرسل لكم عدد أربع نسخ من مسرحية «أمر نقل» تأليف فتحى محمد فضل علمًا بأن المسرحية موافق عليها من لجنة القراءة بإدارة المسرح من الناحية الفنية والموضوعية وستعرضها فرقة الزقازيق المسرحية خلال هذا الشهر. رجاء التكرم باتخاذ اللازم، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. 17/3/1973 [توقيع] وكيل الوزارة «سعد الدين وهبة». وتوجد تأشيرة رقابية تقول: «لا يُعلن عن عرض المسرحية إلا بعد إجازتها من الرقابة».
كتبت الرقيبة «نعيمة حمدي» فى تقريرها: فى أسلوب فكاهى غير مبتذل قدم المؤلف أنماطًا من الانحرافات التى يعانى منها المجتمع فى مختلف قطاعات الدولة فى مجال التعليم والعلاج والمواصلات وغيرها من الأمراض الاجتماعية والفوضى التى صار عليها مجتمعنا. وذلك بصورة مبالغ فيها مليئة بالتشاؤم.. ولم يضع المؤلف بدلًا أو علاجًا أو أملًا فى مستقبل أفضل. ولما كانت هذه المسرحية ستعرض على قطاع الثقافة الجماهيرية وهو جمهور محدود الثقافة فالأفضل أن يكون النقد بناء، بمعنى أن أعرض العيب والبديل، وأيضًا موقف الدولة من هؤلاء المنحرفين، وبذلك ننبه الجمهور إلى الانحراف وفى نفس الوقت نطمئنه بأن الدولة ساهرة لتقضى عليهم. فلا يفقد الثقة بالقيادة بل نزيده إيمانًا وأملًا فى مستقبل أفضل. ولا مانع من التصريح بالعرض بعد الأخذ بالملاحظات الآتية: أن يكون هناك هدف واضح وخط محدد يبين الغرض من كشف هذه المساوئ، وأن يكون هناك بديل للانحرافات كأن نظهر بجوار المستهتر المرتشى والمنحرف ذلك العامل الجاد والمخلص والمؤمن بكل القيم والمبادئ الحميدة. وأن تحذف الألفاظ التى قصد بها التشهير بالدولة!
وكتب الرقيب «عمارة نجيب» فى تقريره: إسماعيل أفندى ينفذ أمرًا بنقله من مصر إلى مدينة أخرى، فيعانى أول ما يعانى من الشيال الذى أراد فى خطوتين خمسة قروش فيتدخل جرسون القهوة لحل الإشكال، وحين يصل إلى المدرسة يجد فيها تحقيقًا لأن المنطقة علمت بأن إحدى المدرسات استخدمت التلاميذ فى حمل الكحك، ويتدخل خليل المدرس لإنهاء التحقيق بإدعاء أن الكحك ملك السكرتير الذى لا وجود له لينفض التحقيق دون نتيجة، لكن وصول إسماعيل يجعله عرضة لهذا الاتهام وهو لا يدري، وحين ينتقل الناظر مع المحقق لأخذ أقوال التلاميذ يدخل والد أحد التلاميذ وهو عربجى فيفتح رأس إسماعيل ظنًا منه أنه المسئول عن رسوب ابنه الكبير، وحين يذهب به الناظر إلى المستشفى يعانون من عدم وجود طبيب ويطلعون على أساليب الممرضين. وقبل إجراء عملية فى رأس إسماعيل يفاجأ الناظر بخطأ فى الاسم إذ يجد أن إسماعيل يملى اسمه للممرضة بلقب عبد التواب فى حين كان أمر النقل بلقب عبد الوهاب، فيصر على ضرورة الذهاب إلى المنطقة التعليمية لمعرفة الاسم الصحيح ولا يهمه ما يعانيه من جرحه. وفى المنطقة يجدون الأسلوب الوظيفى الممقوت ابتداء من المدير الذى تهينه زوجته ويهين هو موظفيه إلا من يقدم له القشدة والرومي، حتى الموظفات اللواتى لا هم لهن غير الحديث فى الأكل والشرب فى حين يصبح الموظف الجديد عرضة للجزاء لأنه يشتغل بضمير، ولا يكاد يجد الناظر من يرشده إلى استجلاء الحقيقة، حتى يتصل الفراش بمصر منبهًا لهم إلى تصحيح الاسم.
وينهى الرقيب تقريره برأى قال فيه: واضح أن المسرحية تتنقل بين الدوائر والجهات الحكومية متناولة إياها بالنقد والتجريح، ابتداء من المدرسة والمستشفى حتى المنطقة التعليمية، وأعتقد أن الاهتمام بإثارة هذه الأمور على هذا النحو خاصة وأن التجريح يمتد إلى المعلم والشيخ والمدير والطبيب والمرأة والرجل مما لا يصح أن يكون الآن وفى هذه الفترة الحاسمة من تاريخنا، لهذا أرى منع الترخيص بتمثيل هذه المسرحية التى تسيء إلى المجتمع بوجه عام”. الغريب أن عبارة المنع لم تكتب بصورة صريحة! وبمعنى آخر أنها عبارة مقحمة! وبمعنى أكثر وضوحًا أن الرقيب وافق على التصريح بالمسرحية، لكن شيئًا ما حدث جعله يغير رأيه من التصريح إلى الرفض!! والدليل على ذلك أن عبارة منع التصريح كُتبت فوق عبارة التصريح بعد شطب وتعديل!! وهذه أول مرة أشاهد تقريرًا رقابيا – وسط مئات التقارير – به شطب وتغيير فى الرأى النهائي!! ولعل السبب فى ذلك راجع إلى رأى الرقباء ممن كتبوا تقاريرهم بعد ذلك، ومنهم الرقيبة «فايزة الجندي»، التى كتبت تفاصيل دقيقة عن النص فى تقريرها قائلة:
إسماعيل سكرتير مدرسة بالقاهرة يصدر أمر نقله إلى مدرسة بإحدى البلاد على أثر مشاجرة بينه وبين الناظر، ويحضر إسماعيل لاستلام عمله كسكرتير بمدرسة «الصيحة الكبرى» ويفاجأ بعربجى ولى أمر تلميذ ينهال عليه ضربًا، لأن مدرسًا طلب منه أن يعطيه درسًا خصوصيًا حتى ينجح فيحضر إلى المدرسة منفعلًا، لأن ابنه الأول فشل فى التعليم، وهو لا يملك فائضًا للدروس الخصوصية، وينهال عليه بالضرب ظنًا منه أنه المدرس المقصود فيصاب بجرح كبير فى رأسه. ويقوم الناظر ومدرس بالمدرسة بإحالته إلى المستشفى. وهناك يجدون أن كل شيء يقوم على الرشوة، فالمريض الذى يرقد على سرير لا بد أن يدفع رشوة. أما الذى لا يدفع فهو يرقد على الأرض! كذلك المريض الذى يدخل للدكتور هو الذى يدفع رشوة. ويفاجأ الناظر بخطأ ورد بالنشرة فى اسم السكرتير القادم الذى أصيب فى المدرسة إذ ورد اسمه إسماعيل عبد الوهاب وهو يدعى إسماعيل عبد التواب ويذهب الجميع إلى المنطقة التعليمية للتقصى ومعرفة الحقيقة، وهناك يجدوا موظفى الإدارة كل منهم يدعى أنه ليس جهة الاختصاص. وحين يدخلون إلى المدير يجدونه مشغولًا بمشاكله الشخصية مع زوجته بالتليفون، وينهرهم لأنه مدير ولا يصح أن يأتوا إليه فيخرج الجميع، فإذا بجميع الموظفين قد انصرفوا بعد خروج المدير إلا موظف جديد. ويقوم الفراش بالاتصال تليفونيًا بالمنطقة التعليمية بالقاهرة للاستقصاء وتصحيح الاسم ويتم ذلك.
نلاحظ هنا أن الرقيبة كتبت ملخصًا للنص به تفاصيل دقيقة لم ترد فى تقريرى الرقيبة نعيمة حمدي، وعمارة نجيب! وهذه التفاصيل خطيرة ومرّت على الرقيبين السابقين، ولم توضح خطورتها إلا الرقيبة «فايزة الجندي»! وهذا يعنى أن الرقيب يذكر فقط فى تقريره ملخصًا لما يراه هو، بحيث يتوافق مع رأيه النهائى سواء بالتعديل أو بالقبول أو الرفض! وبناء على ذلك نجد الرقيبة نعيمة حمدى تحدثت عن المسرحية بصفة عامة دون أية تفاصيل، لذلك وافقت على النص بتعديلات بسيطة! أما الرقيب نجيب عمارة فكتب تفاصيل غير دقيقة تميل إلى القبول أكثر من ميلها إلى الرفض، لذلك وافق ثم غيّر الموافقة إلى الرفض بعد شطب نتيجته النهائية وتعديل كلماتها كما هو واضح من صورة تقريره! أما فايزة الجندى فأنهت تقريرها بموقف مهم كان له تأثير كبير على مصير النص، سنطلع عليه فى المقالة المقبلة!