العدد 924 صدر بتاريخ 12مايو2025
نظمت لجنة التطرف والإرهاب بالمجلس الأعلى للثقافة برئاسة الأستاذ الدكتور أشرف العزازى، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، ندوة بعنوان “إنتاج ومقاومة الخطاب الثقافى المتطرف مقاربات الثقافة الشعبية والثقافات الفرعية والمضادة” وذلك يوم الخميس الموافق 8 مايو 2025، بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة.
تحدث فيها كل من، الناقد المسرحى محمدالروبى- الأستاذ غير المتفرغ بالمعد العالى للفنون الشعبية – أكاديمية الفنون،أ.د مصطفى جاد أستاذ علم الاجتماع كلية الآداب جامعة الزقايق،،أ.محمد البغدادى الشاعر والفنان – عضو لجنة التراث الثقافى الغير مادى (الفنون الشعبية)، أ.د هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع كلية الآداب جامعة الزقازيق، المستشار أيمن فؤاد رئيس محكمة الاستئناف العالى بالقاهرة، وأدار الجلسة أ.د خالد عبد الفتاح، أستاذ علم الاجتماع – كلية الآداب جامعة القاهرة.
فى البداية تحدث أ.د خالد عبد الفتاح، قائلا: نحن اليوم أمام موضوع بالغ الأهمية قليل التناول رغم حساسيته الشديدة وتجلياته فى حياتنا اليومية والمجتمع المصرى بمختلف أطيافه وفئاته الاجتماعية العليا- الوسطى -الدنيا -الحضارية أو الريفية، موضوع الندوة يتطرق إلى جوانب إلى حد ما فيها فضاءات ثقافية خاصة بالهوية أحيانا خاصة بالتعبير عن الإقصاء ربما خاصة بالتشكلات للتمسزات الاجتماعية فى الخطاب الثفافى وفى اللغة وفى الرموز ربما فى أنماط اللغة أحياناً، فى تقديرى الشخصى أن موضوع الندوة يحاول يتطرق لوجود إجابات للأسئلة المتعلقة، وإلى أى مدى تتجلى انتاجات متنوعة للخطاب الثقافى الذى يوجد به مسحه من التعبير عن الاحتياج الصامت الظاهر فى الفضاء الثقافى على مستوى الرموز واللغة وخلافه ربما تعبيراً عن التهميش ربما تعبيرا عن الإقصاء والاستبعاد الذاتى من جانب شرائح معينة أو فئات اجتماعية أخرى، وإلى أى مدى إذا كان الواقع كذلك قد يأتى أو يذهب بنا إلى هذه التجليات الثقافية لشكل ما أو تعبيرات أخرى من تعبيرات ربما تعبيرات فيزيقية أو تتجسد فى سلوكيات تتبلور فى شكل عنف أو التنمر الاجتماعى.
ثم تحدث الناقد المسرحى محمد الروبى، قائلا: الخطاب الثقافى المتطرف:السمات والدلالات:
يُقصد بالخطاب الثقافى المتطرف ذلك النمط من الخطابات الذى يتسم بالشمولية والإقصاء، ويعمل على فرض نظام دلالى أحادى يحجب التعدد والتنوع داخل المجتمع. لا يقتصر هذا الخطاب على المجال الدينى، بل يمتد إلى القومى والسياسى والاجتماعى، ويستند إلى بنية معرفية ترى الذات بوصفها النموذج الأسمى، فيما تُحوّل الآخر إلى مصدر تهديد دائم. من هنا، يصبح إنتاج المعنى ذاته خاضعًا لمنظومة سلطوية تسعى إلى تأميم المجال الثقافى، وتوحيد الرؤى، ومحو الفروقات الثقافية والاجتماعية والرمزية.
يتميّز هذا الخطاب بثلاث سمات مركزية: أولًا، الجمود التأويلى الذى يرفض تعدد القراءات ويعلى من شأن «النص الواحد» سواء كان دينيًا أو قوميًا. ثانيًا، الاستبعاد الرمزى الذى يُقصى كل من لا ينتمى إلى «الجماعة المتخيلة» ثقافيًا أو قيميًا. ثالثًا، الرقابة الاجتماعية التى تتحول فيها الجماعة إلى أداة ضبط تجرّم الاختلاف أو الانحراف عن النموذج الثقافى الرسمى. وبهذا، يتحوّل الخطاب الثقافى المتطرف إلى آلية هيمنة تهدف إلى إعادة إنتاج السلطة من خلال السيطرة على المعنى والرمز والتعبير. وتابع الروبى،مفاهيم الثقافة الشعبية، والثقافات الفرعية، والثقافات المضادة:
الثقافة الشعبية: تشير إلى الأشكال الثقافية التى تنشأ وتنتشر بين الناس من خارج المؤسسات الرسمية، وتشمل العادات، التقاليد، الأغانى، الحكايات، الأمثال، والطقوس. وتُعد هذه الثقافة حاملة للذاكرة الجمعية، ومجالًا رمزيًا للتعبير عن هموم الجماعات الشعبية، وأداة لإنتاج المعنى والمقاومة بطريقة رمزية وغير مباشرة، الثقافة الفرعية: هى أنماط ثقافية تُعبّر عن جماعات داخل المجتمع تتميز بأسلوب حياة وقيم تختلف عن الثقافة السائدة، دون أن تعارضها جذريًا. تنشأ عادة فى أوساط الشباب، أو فى الفئات الهامشية (كالفنانين المستقلين، أو جماعات الهوايات)، وتمثّل تعبيرًا عن اختلاف مشروع داخل الفضاء الاجتماعى.
الثقافة المضادة: تُشكّل ردًّا واعيًا ومقصودًا على الثقافة المهيمنة، حيث تتبنى جماعاتها موقفًا نقديًا رافضًا، وتسعى إلى تقويض البنية الرمزية للنظام القائم. وهى ثقافة مقاومة، توظّف أدوات تعبير مغايرة (كالفن، المسرح، الأدب، الموسيقى) لنشر قيم بديلة، وتفكيك الخطابات الإقصائية والسلطوية.
ومن خلال هذه المقاربات، يمكن فهم الثقافة لا بوصفها كيانًا متجانسًا، بل كحقل صراعى تتنازع فيه قوى الهيمنة والمقاومة، وهو ما يجعل دراسة التعبيرات الثقافية الهامشية أداة تحليلية ضرورية لفهم كيف تُنتج المجتمعات إمكانات بديلة لمواجهة التطرف.
المسرح المستقل كمجال للثقافة الفرعية والمضادة: المسرح المستقل هو شكل من أشكال الإنتاج المسرحى الذى يُمارَس خارج إطار المؤسسات الرسمية أو الحكومية، ويتميز بالحرية الفنية والتنظيمية، وغالبًا ما يعتمد على المبادرات الفردية أو الجماعية لمجموعة من الفنانين الذين يسعون لتقديم تجارب مسرحية بديلة أو مغايرة للسائد.
السمات النظرية للمسرح المستقل: الاستقلال الإدارى والمالى:
لا يتبع المسرح المستقل مؤسسات الدولة أو القطاع العام، بل يُموَّل غالبًا من موارد ذاتية، أو من خلال دعم ثقافى غير حكومى (محلى أو دولي)، الحرية الفنية: يتمتع المسرح المستقل بحرية أكبر فى تناول القضايا الجريئة أو التجريبية، ولا يخضع لرقابة مؤسسية مباشرة، مما يجعله فضاءً لتجريب أشكال درامية جديدة.
الهوية الجماعية واللا مركزية: يغلب عليه الطابع التشاركى، حيث تُدار الفرق بشكل جماعى أو تعاونى، وغالبًا ما يُدار من قبل فنانين وليس إداريين.
يمثل المسرح المستقل أحد أبرز تمثّلات الثقافة الفرعية فى السياق العربى الحديث، حيث نشأت العديد من الفرق المسرحية خارج رعاية الدولة أو المؤسسات الرسمية، متحرّرةً من قيود الإنتاج التقليدى وخطابات السلطة. فى هذا السياق، لا يقتصر المسرح المستقل على كونه فعلًا فنيًا، بل يتجاوز ذلك ليصبح شكلًا من أشكال المقاومة الثقافية، يعيد فيه الفنان صياغة العلاقة بين النص، والجمهور، والفضاء العام.
تتخذ هذه الفرق من قضايا المهمّشين والهوامش المجتمعية موضوعًا لها، وتسعى إلى مساءلة الخطابات السائدة، سواء الدينية أو الاجتماعية أو السياسية، من خلال تقنيات الأداء المفتوح، والارتجال، وكسر الجدار الرابع. وهكذا، يعمل المسرح المستقل كفضاء لبلورة ثقافة فرعية بديلة، تتحدى السائد وتنشئ معنى جديداً يرفض التطرف والهيمنة الرمزية.
الخلاصة
فى ضوء ما تقدّم، يتبيّن أن المسرح المستقل ليس مجرّد مساحة للتجريب الفنى، بل يمثل خط دفاع ثقافى حيوى فى مواجهة تصاعد الخطابات المتطرفة التى تهدد التعدد والتسامح فى المجتمعات العربية. إن ما يتيحه هذا المسرح من حرية تعبير، واستقلال فى الرؤية، وقدرة على مخاطبة الجمهور بلغة غير مؤسساتية، يجعله أحد أبرز أشكال الثقافة الفرعية المقاومة القادرة على زعزعة السرديات الإقصائية، وإعادة بناء خيال اجتماعى بديل قائم على التعدد والاختلاف والحوار.
ومن هنا، فإن الاعتناء بالمسرح المستقل، وتوفير آليات لدعمه ورعايته دون التدخل فى استقلاليته، يشكّل ضرورة استراتيجية لأى مشروع ثقافى يسعى لمواجهة التطرف الفكرى والدينى. فتمكين هذه المساحات الفنية الحرة لا يُسهم فقط فى حماية الإبداع، بل يُعزز مناعة المجتمع ضد الانغلاق والتشدد، ويعيد للفن دوره التاريخى فى صناعة الوعى والمقاومة الثقافية.
ما قال أ.د مصطفى جاد، أتحدث اليوم فى الموضوع بمجموعة من الشوائب ومقارباته مع الثقافة الشعبية، يوجد لدينا فولكلور شعبى وموروث ثقافى وعادات وتقاليد على سبيل المثال دورة الحياة (ميلاد – زواج – وفاة) عيد الميلاد، السبوع، العزاء، والأمثال الشعبية موجودة فى حياتنا اليومية، عروسة المولد التى تربطنا بها علاقة شديدة فى المولد النبوى الشريف، الاحتفالات مهمة جدا وهى تعتبر معتقدات وجزء من النسيج المصرى والهوية المصرية الخاصة بنا، الفضاء الثقافى يلعب دور مهم فى مسجد «سيدنا الحسين»على سبيل المثال: الطرق الصوفية، كل هذه الأشياء تعتبر من الموروث الثقافى ويبرز الكثير من ثقافتنا وهويتنا المصرية ولها بعد دينى وعقائدى، الثقافة الشعبية توظف الكثير من البهجة والفرحة وهى مقاومة للفكر المتطرف المنعزل القائم على الوصاية ويحتاج الكثير من الاهتمام منا فى المرحلة القادمة.
تحدث الشاعر والفنان محمد البغدادى، فى ضوء تحليل الخطاب الثقافى المتطرف للجماعة الإسلامية فى مصر قائلا:تُعد الجماعة الإسلامية إحدى أبرز جماعات الإسلام السياسى التى نشأت فى مصر فى سبعينيات القرن العشرين، وقد لعبت دوراً محوريا فى تشكيل خطاب دينى متشدد بلغ ذروته فى الثمانينيات والتسعينيات، حيث تبنت الجماعة نهجاً صداميناً مع الدولة والمجتمع، وتبنت خطاباً ثقافياً متطرفاً من حيث اللغة والرموز، والموقف من الثقافة الوطنية.
واضاف بغدادى، ملامح اللغة الخطابية، اعتمد خطاب الجماعة الإسلامية على لغة دينية متشددة ذات طابع تعبوى عاطفى تميز الخطاب بما يلي: استخدام مصطلحات دينية مثل:»الطاغوت»،»الحاكمة»،» الجهاد»،»دار الكفر»،»الولاء والبراء»، خطاب ثنائى يستند إلى التقابل بين «مؤمن/كافر»،»حق/باطل»، و»جنة،نار» ما يغلق الباب أمام التعددية والاختلاف، والذهاب إلى النقطة الحدية فى الخلاف (أسود أبيض)، دون أن تكون هناك منطقة رمادية أو نقاط حد أدنى يتلقى حولها الرأيين،رفض شامل للغة السياسية أو المدنية الحديثة، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان ووصمها بإنها مفاهيم»غربية كافرة» أو علمانية، الرموز الفكرية والدينية، جسد الخطاب المتطرف للجماعة الإسلامية مجموعة من الرموز التى عززت مشروعها الفكرى.
وتابع بغدادى، العلاقة بالثقافة الوطنية تقاطع خطاب الجماعة مع الثقافة المصرية بكل صورها فسادت حالة من التوتر الدائم بين الخطابين، النظر إلى الثقافة الوطنية الحديثة باعتبارها نتاجاً استعماريا علمانيا وغربيا ورفض الفنون والآداب ووصمها بالرذيلة، واعتبارها أدوات لإفساد العقيدة تجلت مظاهرها فى رفض وتحريم التصوير، النحت» (أوثان) تحطيم التمثايل تغطيتها، محاولة «أسلمة» المجتمع بالقوة عبر فرض زى محدد، الفصل بين الجنسين ومراقبة الإعلام والتعليم الفصل بين طرفى الأمة برموز محددة ليسهل الفرز وتكريس الطائفية (السيف والسمكة) وإنشاء مدارس إسلامية تفرض زى معين ونشيد معين.
من جانبه أكدت الدكتورة هدى زكريا، أن المصريين يتميزون بلغة حوار غنية ومبدعة، حيث تتحول كلماتهم اليومية إلى تعبيرات حية تحمل النبل واللطف، على سبيل المثال، عند الدعوة للزيارة يقال: امتى تنورونا فى البيت، ويرد المدعو «نيجى نبارك فى الهنا» وعند زيارة الأحبة يقال» خطوة عزيزة» وتسبق الردود بالدعوات الطيبة والبسملة ومع ذلك، لاحظت تراجعا فى هذه القيم حيث انتشر العنف فى الحوار وتدنى مكانة المرأة وتراجع قيم الرجولة والجدعنة.
وأشارت الدكتورة هدى زكريا، إلى أن المصريين الذين استلهموا فى حوارتهم اليومية آيات القرآن والأحاديث النبوية قادرون على استعادة قدرتم الإبداعية اللغوية، مما يسهم فى مواجهة الخطاب الثقافى المتطرف وتعزيز التسامح والوسطية.
وأخيرا قال المستشار أيمن فؤاد، عن تطور المواطنة فى مواجهة التطرف. وأشار إلى إشكالية الفجوة، مؤكدا أن المساواة ليست مطلقة بل معيارية. وأضاف أن من لا يجد ما يعيش من أجله سيبحث عن شىء يموت من أجله.
كما أوضح أهمية تبنى رسالة فى العمل الذى يقوم به المواطن، وضرورة القضاء على فردية الرؤى وقبول الاختلاف، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة الحوار، وأكد دور الإعلام الواعى فى مواجهة التطرف مشددا على ضرورة تبنى نموذج القدوة الصالحة.