أمر نقل لفتحى فضل.. مرفوضة!

أمر نقل لفتحى فضل.. مرفوضة!

العدد 924 صدر بتاريخ 12مايو2025

توقفنا فى المقالة السابقة عند تقرير الرقيبة «فايزة الجندي» حول مسرحية «أمل نقل» لفتحى فضل، وعلمنا تفاصيل أحداث المسرحية، لكننا لم نعلم رأى الرقيبة النهائى، وأرجأنا ذلك إلى اليوم! وبناءً على ذلك أقول إن الرقيبة قالت فى رأيها النهائى، الآتي: «مسرحية نقدية تقوم بنقد قطاعات كثيرة: التعليم، المستشفيات، الصحافة، الطرق، الشباب.. فهى تنتقد الموظف المتمارض الذى،يتمارض ليقوم بإجازة ويرشى الطبيب لاعتماد الإجازة.. فساد التعليم وتكدس التلاميذ فى الفصول والدروس الخصوصية كشرط للنجاح. كذلك الرشوة للترقية والبطالة والشحاذة، وتواكل الموظفين والاهتمام بالشكليات. فالمدير تؤثر عليه مشاكله الشخصية على عمله. كذلك إهمال الطرق مما يؤدى للحوادث. كذلك الشباب الضائع الذى يهدر طاقته هباء. كذلك التعرض لغلاء الأسعار».
والنتيجة المتوقعة بعد كل هذا الفساد، الذى يريد المؤلف إظهاره أمام الجمهور – وفقاً لمشروعه الإبداعى،– أن الرقيبة ترفض التصريح بالنص! المفاجأة أن الرقيبة وافقت على تمثيل النص ولم ترفضه، قائلة: “يُرخص بأداء مسرحية «أمر نقل» للثقافة الجماهيرية بشرط إخطار الرقابة بموعدى،التجربة النهائية والعرض الأول حتى يتسنى للرقابة إعطاء الترخيص النهائى،لهذه المسرحية مع مراعاة الملاحظات فى،الصفحات «3، 10، 13، 55، 65، 66، 68، 89»». ولأن الرقيبة تكتب تقريراً رسمياً إلى مديرها المباشر، وتعلم جيداً أن هذه النوعية من النصوص المسرحية يجب رفضها وعدم التصريح بتمثيلها نهائياً، بررت رأيها هذا – فى التقرير نفسه – قائلة: “وقد رخصت بالمسرحية على أساس أن النقد ينصب على أشخاص وليس على الهيئات، فالتواكل والإهمال والفوضى سببها الموظف الذى لا ضمير له”.
كانت الرقيبة «فاطمة حسنين» آخر الرقباء فى،كتابة التقارير، حيث قامت بتقسيم ملخص المسرحية إلى عدة لوحات بها تفاصيل أدق من التفاصيل السابقة، قائلة: اللوحة الأولى تدور أحداثها فى أحد المقاهى،حيث نرى ثلاثة من الأولاد يلعبون القمار أمام باب المقهى، فيهددهم صبى المقهى بأحد المخبرين الذى كان يحتسى الشاى بالمقهى، وبعد أن يفرغ منه يرفض صبى المقهى أن يأخذ ثمن الشاى. بعد ذلك نرى داخل المقهى مجموعة من العمال يدخنون المخدرات وكل منهم يقص كيف حصل على إجازة بدون وجه حق. وفى،نفس الوقت يحضر وكيل أحد المحامين بصحبة سيدة ويتعاطى منها رشوة ويتحايل عليها ليتزوج منها، ويدخل للمقهى إسماعيل عبد التواب وهو سكرتير مدرسة منقول من القاهرة وتدور بينه وبين أحد الحمالين مشادة يفضها صبى المقهى. اللوحة الثانية: تدور أحداثها بإحدى المدارس الابتدائية حيث نرى إحدى المدرسات وقد صنعت كعك العيد فى المدرسة، وخرج التلاميذ أثناء اليوم الدراسى،لتسويته ويراهم مسئول بالمنطقة فيأخذ الكعك للمنطقة ويرسل محققاً لمعرفة الحقيقة فيلصق الناظر التهمة بسكرتير المدرسة حيث إنه لا يوجد سكرتير للمدرسة. ويفاجأ الجميع بحضور إسماعيل عبد التواب سكرتيراً للمدرسة فيلصق الناظر التهمة له أمام المحقق، ويضرب أحد أولياء الأمور إسماعيل ظناً منه بأنه هو المدرس الذى،طلب جنيهاً كى يعطى ابنه درساً خصوصياً، اللوحة الثالثة: تدور أحداثها بأحد المستشفيات حيث نرى عمال المستشفى، وهم يتحايلون على المرضى لعمل العمليات فى العيادات الخاصة بالأطباء حتى ينقذون حياتهم، كذلك نراهم يأخذون الرشوة من الأهالى نظير إحضار أبنائهم إليهم من داخل المستشفى. أما الأطباء فلا عمل لهم فى المستشفى غير تناول الطعام ومغازلة الممرضات وقتل المرضى. اللوحة الرابعة: تدور أحداثها فى المنطقة التعليمية حيث نرى فوضى الموظفين، حيث لا عمل لهم سوى الحديث عن الأطعمة ومشاكلهم الخاصة أما المدير فلا عمل له سوى التحدث بالتليفون مع زوجته وتعاطى،الرشوة من الموظفين. أما الموظف الوحيد الذى يعمل بإخلاص فإننا نجد أن المدير دائم التأنيب له ويتهمه دائماً بأنه لا يعمل مثل زملائه. أما الذى يحل مشاكل الجماهير هو فراش الإدارة.
ونصل فى التقرير إلى رأى الرقيبة النهائى، والذى أزعم أن تأثيره كان قوياً، وبالأخص على الرقيب نجيب عمارة الذى غيّر رأيه فى تقريره من التصريح إلى الرفض، قائلة: “تبين لنا هذه المسرحية أن بعض العاملين فى الدولة أما مهملون ومتهاونون فى عملهم أو مرتشون، وأن الموظف الكفء لا مكان له فى مجتمعنا. وإن كانت هذه المسرحية تمثل جزءاً من الواقع إلا أن الظروف الحاضرة التى،تمر بها البلاد فضلا عن انتهاز العدو لأى عيوب اجتماعية فى وطننا، تحتم علينا رفض مثل هذه المسرحية، لهذا أرى رفض هذه المسرحية وعدم الترخيص بعرضها عرضاً عاماً”.
وكتبت مديرة الرقابة المسرحية تأشيرة أسفل هذا التقرير، قالت فيها: “المسرحية صورة بشعة وسيئة تتجمع فيها بتركيز منفر مثالب المجتمع وجوانب انحلال لبعض فئاته: المخدرات والرشوة، المدرسة وانحراف القائمين عليها إلى مصالحهم الشخصية للدرجة التى تدفع بالمعلمات إلى صنع الكعك فى المدرسة وتسخير التلاميذ وانحراف المعلمين واستغلالهم لأولياء الأمور.. المستشفى، حيث تباع الذمم وحيث ينحرف الأطباء عن رسالتهم الإنسانية. المنطقة التعليمية حيث يتحكم فيها الساعى،يأمر وينهى،ويحل ويربط فى حين ينصرف الموظفون إلى مصالحهم الشخصية. ورغم كل هذا فالمسرحية لا تنتصر للخير ولم تضف علاجاً بل نهاية كل هذا انتصار الفساد وعمومه فأى مجتمع هذا إذاً؟ المسرحية تسيء إلى المجتمع كل الإساءة فى،وقت تتضافر فيه القوى لمواجهة عامة شاملة مع العدو ولن يجد من يسعى إلى التشهير بمجتمعنا أنسب من هذه المسرحية ليعرضها. أرفض الموافقة على عرض المسرحية”.
وجاء الرأى الأخير والنهائى بناء على التقارير السابقة من قبل المدير الأعلى، قال فيه: “قرأ المسرحية كل من: السيدة فاطمة حسنين ورأت رفض الترخيص بالمسرحية لإمكانية استفادة العدو منها. والدكتور عمارة نجيب ورأى عدم الترخيص بها لما فيها من تجريح للمجتمع بكل فئاته وهيئاته. والسيدة فايزة الجندى، ورأت الترخيص بها بملاحظات. والمسرحية كما هو واضح من تقارير الرقباء الثلاثة تسيء إلى المجتمع بإظهاره بهذه الصورة السيئة من القاع إلى القمة، حيث تناولت كل فئات الشعب وهيئاته عامة بالتجريح دون أن تحدد أشخاص معينة ولا هيئات خاصة، ومن هنا يصبح النقد هداماً لا بناءً. لهذا أرى عدم الترخيص، والأمر متروك لسيادتكم”. فأشرت «اعتدال ممتاز» مدير عام الرقابة بتأشيرة قالت فيها: “يُعتمد الرأى،بالمنع للأسباب الموضحة”. وهكذا تم منع مسرحية «أمر نقل» لفتحى فضل، حيث إنه التزم فيها بمشروعه الإبداعى،فى،إظهار سلبيات المجتمع المصرى من أجل علاجها أو منعها، وهو الأمر الذى،لم ينتبه إليه فى،هذه المسرحية، ما أدى إلى منعها، لأنه أظهر السلبيات ولم يأت بمظاهر إيجابية تعطى، أملا فى علاج هذه السلبيات.
مضحك السلطان
أحتفظ بأكثر من نسخة لنص مسرحية «مضحك السلطان» لفتحى،فضل، منها نسخة تحت رقم «226» وتحمل رقم وارد مسرحيات «159» بتاريخ 21/5/1978، لصالح المراكز الثقافية بالشرقية. وأول تقرير رقابى،كتبته الرقيبة «فايزة الجندي»، وذكرت فيه ملخصاً للمسرحية حسب رؤيتها، قائلة: يتناول الأحدب «مضحك السلطان» قطعة من الحشيش أعطاها له السياف الذى،أخذها من الوزير الذى،أخذها من القاضى،.. ويخرج الأحدب يتجول فى،شوارع بغداد ويكاد يغشى عليه، ويقع فى،بيت خياط بخيل أراد أن يغير طريقته فى،الحياة ليغير نظرة الناس إليه فيفتعل كرماً فجائياً خاصة أنه يعرف أن الأحدب مضحك السلطان، فيكون دعاية له بين الناس وللسلطان لعله يخيط له ملابسه فزاد من كرمه فيرتمى،على الأرض مغشياً عليه فيظن أنه مات فيندم على كرمه ويعود إلى بخله، ويحمل الأحدب بمساعدة زوجته إلى طبيب جشع لا هم له سوى جمع المال. وحين عرف أن الأحدب مضحك السلطان أراد أن يعالجه مجاناً فى،نظير أن يتوسط لدى السلطان ليسقط عنه الزكاة، رغم أنه يكسب الكثير، ولم ينتظر سماع شكوى الأحدب فغروره أعماه عن الاستفسار، فأعطى الأحدب شراب الأفيون ليخدر معدته فزاد الطين بلة فزاد به الداء وأغمى عليه، فظن الطبيب أنه مات وأراد أن يبلو به جاره الطباخ. وحين يجده الطباخ فى،بيته يظن أنه اللص الذى،سرق من داره الدقيق، وحين وجده ميتاً يحاول أن يخرجه من داره بمساعدة زوجته، ويقبض عليه رئيس الشرطة ويدرك أنه الأحدب الذى،يبحث عنه ويريد أن يخلص نفسه فيخير الطباخ بين اتهامين إما أنه يختار أن يكون الأحدب عشيقاً لزوجته وضربه دفاعاً عن شرفه، وإما أنه يكره السلطان فأراد أن يقتل مُضحكه! ويحزن السلطان على مُضحكه لكنه يفيق على صوته يبصره على حقيقة رعيته العابسة! فلا شيء فى،بغداد سوى الكره، والحاشية تحجب عنه حقيقة الرعية، ويصحب الأحدب السلطان لتفقد أحوال الرعية.
وتنهى،الرقيبة «فايزة الجندي» تقريرها برأى،قالت فيه: “تبين المسرحية أن الحاكم ليس فى،حاجة إلى مضحك يرسم الابتسامة على شفتيه فبسمته تأتى،من راحة وابتسامة رعيته، أما إذا كان شعبه عابساً حزيناً فلا جدوى من المُضحك، فإذا ضحك الشعب سيجد الحاكم ضحكته من القلب وذلك أهم مهامه. يرخص بأداء مسرحية «مضحك السلطان» للمراكز الثقافية بالشرقية بشرط إخطار الرقابة بموعدى،التجربة النهائية والعرض الأول”.
رغم موافقة الرقيبة «فايزة الجندي» على النص وفقاً لوجهة نظرها، إلا أن الرقيبة «نجلاء الكاشف» لها رأى،آخر، كونها استطاعت أن تقف على مشروع «فتحى،فضل» الإبداعى، وذكرت ملخصاً للمسرحية فى،تقريرها، وفقاً لذلك المشروع، قائلة: تدور أحداث هذه المسرحية فى،مدينة بغداد التى،يحكمها سلطان لاهٍ، لا هم له سوى الضحك، وكان يقوم بإضحاكه رجل أحدب يسمى مضحك السلطان. ويحدث أن يأكل هذا المضحك قطعة حشيش فى،حجم الكف، فتثقل عليه، فيضطر إلى طرق باب أحد الخياطين البخلاء للتخلص مما فى،معدته، ولسوء حظه كان هذا الخياط البخيل قد بدأ فى،تغيير طريقته البخيلة فى،الحياة إلى الكرم الزائد. وعندما يحاول الأحدب اطلاع الخياط وزوجته عما حدث له كى،يساعدانه ويصفانه بالظرف، ويطعمانه بالقوة طعاماً دسماً فيفقد وعيه، فيعتقدا أنه قد توفى، ويهديهما تفكيرهما إلى التخلص منه عند أحد الأطباء الجشعين، وذلك حتى يبعدا عن حبل المشنقة. وبالفعل يذهبان به إلى الطبيب، ويتركانه هاربين بعد أن يوهما ممرضته الجارية بأن المريض ولدهما مصاب بالجدرى. وعندما يأتى،الطبيب لرؤيته، لا يجد أحداً سوى الأحدب الذى،كان قد بدأ يفيق، وبمجرد رؤيته للطبيب بالألم الذى،بمعدته لكن الأخير لم يترك له فرصة إكمال حديثه، فمجرد أن عرف أنه مضحك السلطان، حتى أخبره بأنه سوف يشفيه مما يؤلمه بشرط توسطه لدى السلطان بإعفائه من دفع الضرائب. فيوافق، ويعطيه الطبيب المغرور شراباً أذاب فيه أفيوناً لتخدير معدته. فيهوى،الأحدب على الفور، ويعتقد الطبيب إنه قد مات، فيطلب التدبير من جاريته التى،كانت تمقته فتخبره بأن يتخلصا من الأحدب بأن يلقياه عند جارهما طباخ السلطان ليشنقه ويأخذ هو بيته وأرضه، واشترطت عليه مقابل ذلك أن يتزوجها. وبالفعل يوافق، وينفذان ما اتفقا عليه، ويعتقد الطباخ أن الأحدب ليس سوى لص قد أتى ليسطو على ما سرقه من قصر السلطان. فقد كان الطباخ يسرق لأن راتبه لا يكفيه هو وأولاده، وكان يحدوه الأمل فى،بناء مطعم من خلال سرقته للسلطان. وعندما يقترب من الأحدب، يجده فاقد الوعى، فيعتقد هو الآخر إنه قد مات، فيقرر الانتقام من جاره الطبيب بأن يتخلص من الأحدب عنده. وعندما يهم بتنفيذ أمره، يقبض عليه رئيس الشرطة، ويقتاده إلى السلطان. وتبدأ محاكمته تمهيداً لشنقه، وعندما يأتوا للسلطان بالأحدب، ليلقى،عليه النظرة الأخيرة، يفيق الأحدب ويقص على السلطان ما حدث له، ابتداء من أكله لقطعة الحشيش إلى مجيئه إلى القصر. وبالتحقيق يجد السلطان أن كل أفراد حاشيته يتعاطون الحشيش، وعندما يهم بمعاقبتهم، لأنهم تآمروا على الأحدب، يخبره الأخير بأنه ليس بالمشكلة التى،يجب أن يوليها اهتمامه، ويخبره أيضاً بأنه من اليوم لن يُضحكه، لأنه يجب أن يستمد ضحكته من وجوه الرعية، ويخبره أيضاً بأن عليهما أن يبدأً الرحلة سوياً بلا مخدر لتكون الرؤية واضحة أمامهما ليطلعا على الحقيقة بعيداً عن رفقاء السوء.
بناء على هذه التفاصيل، كتبت الرقيبة رأيها النهائى،فى،تقريرها، قائلة: “مسرحية بعيدة كل البعد عن الواقع، ولا تعالج مشاكل الحياة الواقعية، وتظهر الشعب جائعاً، يسرق ليأكل، كما أظهرت حاشية السلطان يتعاطون المخدرات، ويحاولون أيضاً إبعاد السلطان عن شئون الرعية. وهذه الصورة ليس بها ما يفيد مجتمعنا من عرضها، بالإضافة إلى أن المسرحية مليئة بالأفكار الهدامة مثل السرقة للجوع وكذلك عبارات الجنس التى،لا يصح عرضها على المشاهدين، ولذا أرى عدم الترخيص بعرض هذه المسرحية”. وهذا الرفض يثبت أن المؤلف «فتحى،فضل» مازال متمسكاً بمشروعه الإبداعى،المسرحى، وذلك بالكشف عن الفساد من خلال الرمز واللجوء إلى التاريخ والتراث لا سيما أجواء ألف ليلة وليلة!! وبناء على ذلك نجد نتيجتين للرقيبتين فى،تقريرهما، الأولى الموافقة على تمثيل النص، والأخرى رفض تمثيل النص، ولم يبق إلا الرقيب الثالث وتقريره، وهو الأمر الذى،سنقرأ عنه فى،المقالة القادمة!!


سيد علي إسماعيل