العدد 519 صدر بتاريخ 7أغسطس2017
ان العتبة الأولى لأي عرض مسرحي هي عنوان العرض نفسه ، والمدخل الرئيسي للدخول لعوالم العرض ، ولقد اوحي لي بحثاً قد كتبه الدكتور محمود سعيد نشر في مجلة فكر و إبداع عن توظيف الرقم في عنوان النص المسرحي ، ففي الآونة الأخيرة نجد العديد من المسرحيات والتي تحمل أرقاماً سواء كتبت أرقاماً صحيحة ، أو باللغة العربية ، وما يؤول إليه هذا الرقم سواء كان يدل على عام أو أفراد ، مثل “ أهل الكهف 74” لمحمود دياب ، و “سبع سواقي” و “سكة السلامة 2000” لسعد الدين وهبه ، و “بهية وخمسة وجوه مصرية” لكرمة سامي، وغيرهم من النصوص والعروص المسرحية.
فعتبات العرض الأولى هي عنوانه ، فهو أو لتأثير يأتي في ذهن المتلقي سواء كان متخصصاً أو غير متخصص ، فقد يحمل هذا العنوان معلومات ضمنية عن العرض سواء كان يشير لعام أو شخصيات العرض أو مكان ما ، فيكتسب هذا العنوان أهميته من مجرد الوهلة الأولى للظهور للنور ، وعلى أفيشات المسارح ، ومثالنا على هذا مثلاً العرض المسرحي “ قواعد العشق 40” ، اخراج عادل حسان.
فعنوان المسرحية من أهم العتبات التي تستشرف حقول الدلالات ، ونطل على المعاني المختلفة وتفتح الآفاق والمجالات للتفكر والتعمق في المخزى الحقيقي للعرض المسرحي ، من خلال طرح مجموعة من الأفكار والمعاني ذات الصلة بدلالات ذلك العرض ، وبهذا يكون عنوان العرض المسرحي هو مفتاح العرض ذاته.
ونحن الآن بصدد عرضاً مسرحياً بعنوان “ سينما 30 “ والذي قدم في إطار فاعليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته العاشرة دورة نهاد صليحة 2017 ، من انتاج كلية التجارة جامعة عين شمس ، تأليف واخراج محمود جمال الحديني ، فمن العتبات الاولى للعرض هو عنوانه والذي يشير إلى زمن أحداث العرض في عام 1930 ، حيث محاولة المخرج السينمائي “ منير فريد “ تصوير أول فيلم سينمائي ناطق بقرية “ ضي القمر “ ، إحدى قرى الفلاحين بمصر ، حيث استهل العرض في بدايته مجموعة من الأفلام المصرية القديمة زمن الابيض والاسود على شاشة البرجيكتور التي توسطت مقدمة الخشبة ، لعرض مجموعة من الافلام مثل “ اشاعة حب “ ، و” غزل البنات “ ، و” لعبة الست “ ، و “ جعلوني مجرماً “ ، و” سيدة القصر” ، و” قلبي دليلي “ ، و” شيء من الخوف “، و” ابن حميدو” و “شارع الحب “ ، و “ الارض “ ، و” الرجل الثاني” ، و” الزوجة 13” ، و” 4 بنات وظابط”، و” الزوجة الثانية “ ، فجاءت بعض الأفلام كذلك تحمل دلالة الرقم في عناوينها .
فلقد أصبح للرقم والعدد واقع في حياتنا ، فكل شيء في جوهره رقم ، سواء كان أشخاصاً ، أو سنوات أو مساحات أو أماكن على الأرض ، أو حتى في عدد الحاضرين وشباك التذاكر والإيرادات ، فكلها أرقاماً تحمل بين طياتها دلالات تشير إلى دوال بعينها إذا ما حللناها تحليلاً علاماتياً .
ففي “ سينما30” نجد ذلك المخرج الحالم الذي يحلم بتصوير أول فيلم ناطق في قرية لم يكن لها وجود على الخريطة على حد تعبير أهلها ، فجاءت المسرحية في معالجة محددة زمن الأحداث عام 1930 ، والشخصيات ، في إطار اللعب بالأبيض والأسود ، وبالتالي لعب المخرج على الواقعية في الأحداث باتساق الزمن مع المكان مع الشخصيات ، فهذه القرية التي عانت الاستبداد من قبَل العمدة والمأمور والبيه ، عانت أيضاً من الصوت المكتوم بداخلها والأفكار البالية ، والتدين المزيف الذي يخدم السلطة فقط ، فجاءت الشخصيات نمط تقليدي للشخصيات المستبدة في قرية يجهل أهلها حق الحياة ، مثل شخصية “العمدة” المستبد الذي يسير الأمور في القرية لصالحة مستغلاً بذلك تغيب أهل القرية ، وبالتالي ملاصقاً لكتفه شخصية “شيخ القرية” الواعظ ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مدعي التدين المزيف ، فيوظف كل فتاويه لصالح العمدة ولصالح السلطة ، وكذلك شخصية المأمور الذي يقوم بتنفيذ الأوامر لصالح الجهات السيادية العليا ، وبهذا يجتمع أمامنا رقماً أخر يمثل ثالوث الفساد السلطة” العمدة” /الدين “الشيخ الواعظ” /القانون “المأمور” ، مثلث قهر الغلابة في القرية ، فيقوم المخرج من خلال شخوصه بتعرية وكشف الغطاء عن هذا الثالوث وكشف الغمامة عن أعين أهل القرية وتنويرهم في حقهم في التعبير والحب ، ووسط صراعات كثيرة ينجح أهالي القرية في تحقيق عدالتهم الاجتماعية بأيديهم بالقضاء على هذا الفساد ومساعدة “منير فريد” على تصوير الفيلم الناطق ، للتعبير عن الحب والحرية والحياة ، وتنجح التجربة كي تخرج للحياة ، وينتهي العرض بعرض الفيلم الذي تم تصويره على شاشة البرجيكتور .
ولقد جاءت التشكيلات في العرض المسرحي في اطار التوظيف الممتاز يحسب لمخرج العرض ، وتشكيل المجاميع على خشبة المسرح ، بتوزيعهم في نقاط لا تقاطع بعضها البعض نظراً لكثرة الممثلين الذين يمثلون أهل القرية ، إلى جانب الأداء التمثيلي الذي استطاع فيه الممثلين بالعيش والدخول إلى أغوار شخصياتهم التي يؤدونها ، حتى يطفو طبائع الشخصيات على الملامح والوجه ، والصوت واللغة الناطقين بها ، أما عن الماكياج فلقد لعب دوراً هاماً وأساسياً في الاتساق مع الزمن الافتراضي للعرض المسرحي عام 1930 ، فيصبح بذلك عرض “ سينما 30 “ هو عرض سينمائياً على خشبة المسرح .