الأكاديميون يودعون صلاح السعدني

الأكاديميون يودعون صلاح السعدني

العدد 870 صدر بتاريخ 29أبريل2024

 استطاع الفنان صلاح السعدني أن يأسر قلوب الملايين بملامحه المصرية، وأدواره في المسرح في السينما و التلفزيون، التي اختارها بعناية، و أداها ببراعة شديدة تنم عن فنان من طراز خاص، استثنائي الموهبة، موسوعي الثقافة والمعرفة، كان فنانا ملتزما بحق، يحمل همّ وطنه بل همّ الأمة العربية بأكملها، لذا فلقد كان خبر وفاته في الأيام الماضية حزينا على ملايين المصريين، التقينا بمجموعة من اساتذة التمثيل و الدراما بالمعهد العالي للفنون المصرية لنتعرف منهم على مسيرة الفنان صلاح السعدني الفنية. 

قدرة فائقة على تجسيد الشخصيات 
د.أشرف زكي،  نقيب المهن التمثيلية، أكد أن رحيل صلاح السعدني خسارة كبيرة للفن المصري والعربي، وأنه ترك إرثا فنيا ضخما يضم العديد من الأعمال المميزة التي أثرت في وجدان المشاهدين على مدار عقود.
وأضاف أن السعدني تميز بموهبة استثنائية وقدرة فائقة على تجسيد مختلف الشخصيات ببراعة، تاركا بصمة مميزة في كل عمل شارك فيه.
وقد تنوعت أعماله بين المسرح والتلفزيون والسينما، تاركا رصيدا فنيا غنيا يضم العديد من الأعمال الخالدة التي حفرت اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الفن المصري والعربي.
وقدم زكي خالص التعازي لأسرة الفقيد، داعيا الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. 
شديد البساطة والود 
أما د. سميرة محسن، أستاذ التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، تقول: السعدني زميل عمر منذ كنا صغارا، فهو فنان يتسم بالبساطة الشديدة في التعامل مع الصغير و الكبير، لم يكن فظا ابدا، بل كان يحترم الجميع، يعامل الصغير و الكبير بود شديد، فلم يكن مغرورا ولا متكبرا. 
ثم عبرت عن حزنها الشديد لرحيل السعدني قائلة: جمعنا تاريخ واحد، وكلما وقع أحد أبناء جيلنا وقعنا معه، ودعت الله أن يرحمه ومن سبقوه وذكرت  الفنانة شويكار و الفنانة دلال عبد العزيز،  وكل من أفنى عمره في تقديم فن محترم. 

قامة تمثيلية كبيرة لم يحسن المنتجين استثمارها
د.عصام أبوالعلا، أستاذ الدراما والنقد، يقول  إن صلاح السعدني ممثل مفكر، وليس مجرد ممثل، فلا ننسي عائلته وشقيقه محمود السعدني و محمد السعدني، فبدايات صلاح السعدني كانت سياسية وهو ما أدى لمنعه من التمثيل لمدة عشر سنوات- في اواخر الستينيات و بدايات السبعينيات- فقد كان مرشحا لدور في مسرحية مدرسة المشاغبين لكنه منع من هذا الدور بقرار سياسي. 
ويضيف د. عصام ابو العلا مؤكدا أن كل دور لعبه السعدني يحمل فكرا خاصا، فكرا نقديا للمجمتع، ولولا هذا الفكر و هذا النقد لما حدث تقدم، ثم ذكر دوره الأبرز في مسلسل ليالي الحملية (سليمان غانم) مشيرا لأن رصيده الفني كبير و أدواره متعددة ومتنوعة، فهو ليس مجرد بوق يؤدي كلمات المؤلف لكنه يتفحصها ويفهمها جيدا، ويؤدي الدور كما يجب أن يكون، بفضل قدرته على تحليل الشخصية ليصل للقناعة التي يؤدي بها الشخصية كما نراها. 
ثم يؤكد: أن السعدني- رحمه الله- كان فنانا صادقا مع نفسه ومجتمعه، وقد بدأ عمره كثلاثي مع عادل إمام وسعيد صالح من المدرسة للجامعة، وكان رفيق شخصي لهذين الممثلين وتأثر بوفاة الفنان سعيد صالح. 
ثم يضيف: أن خبر وفاة السعدني سيؤثر لاشك على الفنان عادل إمام فهو رفيق عمره وكفاحه، فالسعدني و عادل إمام شاهدان على تفاصيل كثيرة لا يعرفها سواهما. واستطرد معبرا عن حزنه: رحل السعدني  في صمت شديد، وقد كان لا يعمل منذ عشرة سنوات نتيجة لظروف صحية. 
وعن أعمال السعدني الفنية يضيف د. عصام أبو العلا: له رصيد كبير في المسرح و السينما و التليفزيون، ولكن بالرغم من ذلك قليلون من شاهدوا أعماله المسرحية، فهو مشهور أكثر بأدواره السينمائية و التليفزيونية، فهو قامة تمثيلية كبيرة لم يحسن المنتجين استثمارها الاستثمار الأمثل. 
ويختم د. عصام أبو العلا حديثه راجيا الله أن يتغمده بوافر رحمته و مغفرته لأنه صادق مع نفسه ومع من حوله و مجتمعه. 

مصري الملامح والروح والاختيارات الفنية 
د. حسام عطا، استاذ الدراما و النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، يقول إن تجربة السعدني بدأت بالقراءة والثقافة والوعي والإهتمام بالشأن العام، خاصة أن شقيقه الكاتب محمود السعدني قد ذكر في حوار له أن الأمر بدأ بأن صلاح كان يريد أن يصبح كاتبا، بينما يريد الأخ الأكبر محمود أن يصبح ممثلا، وقد تقدم بالفعل للمعهد العالي للفنون المسرحية، ويضيف عطا: أن أداء محمود السعدني في اللقاءات أو المقالات الساخرة، حكي مصري من طراز خاص لا يخلو من تمثيل. 
أما عن صلاح السعدني فيؤكد أنه مثقفا وطنيا دخل إلى عالم التمثيل فقد كان قارئا وعاشقا للحياة ، كما أن لصداقته بالفنان عادل إمام دور كبير في حياته.
مؤكدا: أن السعدني كان يتمتع بقدرات تمثيلية خاصة تجلت في اختياره للأدوار التي لعبها وذكر على سبيل المثال (أستاذ التاريخ الذي رفض تزييف التاريخ ففصل من الجامعة) مسلسل حلم الجنوبي، وشخصية ( علوان) في فيلم الأرض للمخرج يوسف شاهين، وأشار لشخصية ( وكيل النيابة) في فيلم الغول من تأليف وحيد حامد و أن السعدني قد لعب هذا الدور كبطل شعبي  بالنيابة عن المجتمع، ثم لفت لخفة ظله وحيويته في ( أرابيسك ) ابن البلد الشهم المجدع، بساطة ملامحه فتراه واحدا من أفراد العائلة، لذا فقد ودعه المصريون كما يودعون فردا من أسرتهم . 
ويستطرد عطا: قدم السعدني عددا من الأعمال المسرحية تقترب من الأربعين في مسرح التليفزيون و غيره، وأن أبرزها شخصية ( أبو عزة المغفل) في مسرحية الملك هو الملك تأليف سعدالله ونوس وإخراج مراد منير، ثم يكمل: حكى لي صديقنا المشترك مجدي فكري أن السعدني احتضنه و احتضن موهبته في الملك هو الملك و أنه كان يرتجل ارتجالات لا يقبلها أي نجم في مصر، وقد احتملها السعدني في إطار فهمه و ثقافته العميقة لعلاقة البهلول بالملك، ويعتقد د. حسام عطا أن مجدي فكري بدأ بطلا بسبب سماحة ونبل السعدني في هذا العمل. 
ويوضح:  أن السعدني يجمع بين التلقائية في التمثيل و بين درجة من الانفعال تخرج بالممثل من عالم الواقع لعالم الأداء، لذلك فإن درجة توتره و انفعالاته تصل للمتلقي مباشرة، إنها تلقائية ممزوجة بطاقة انفعالية وذاكرة انفعالية حية تصل للوجدان مباشرة فهو مصري الملامح و الروح والاختيارات الفنية. 
ويختم حديثه: حينما قرر السعدني أن مشواره الإبداعي قد استكمل التزم الصمت، دون أن ينجح أحد في أن يعيده مرة أخرى، وهذا يعدّ حسن خاتمه، رحمه الله و اسكنه فسيح جناته. 

وجه قريب من قلوب المصريين
ويرى الاستاذ اسامه فوزي، مدرس بقسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، أن مسيرة السعدني الإبداعية غنية و ثرية بالعديد من الأدوار، فلقد عاصر أجيال كثيرة من المبدعين المسرحيين و السينمائيين ولم يكن يطمح للشهرة، كنجوم الصف الأول، لكن المشاهد المصري تواق دائما لمشاهدته بدليل ارابيسك و دوره في ليالي الحلمية، فقد لعب أدورا قريبة من الشعب المصري، ويضيف: هو عمود من أعمدة الفن المصري وله علاماته السينمائية كدوره في فيلم الأرض و دوره في فيلم الغول. 
مشيرا لأن السعدني يتسم بشكل مصري وبينية جسدية ووجه قريب جدا من قلوب المصريين، وهو يعدّ من نجوم شباك الدراما التلفزيونية، ويضيف فوزي: شاركت معه في مسلسل (الناس في كفر عسكر) فوجدت انسان له هيبة ومع ذلك فهو رحب ومتواضع مع الجميع، يلتزم بعمله فقط داخل ( اللوكيشن) ويمتاز بذاكرة بصرية (يحفظ الدور في دقائق) وقد شاهدت ذلك بعينيّ، إذ يجلس بملابس الشخصية و يحضر أوراقه، نظرة لمدة خمسة دقائق، ثم يقوم للتصوير. 
ثم يؤكد أن السعدني مثقفا و من أسرة مثقفة وقد فقد لفن كثيرا برحليه، و أن السعدني كان نريضا من فترة كبيرة وقد فضّل في هذه الفترة التواجد بجوار أسرته، إذ أنه حقق الكثير وتمنى لابنه أحمد السعدني استكمال المسيرة. 

الإلتزام الفني 
فيما كتب د. حاتم حافظ – استاذ الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية –على صفحته- بالرغم من إن الفنان الكبير صلاح السعدني غاب عن الأضواء في السنوات العشر الأخيرة إلا أن الجميع يعبر عن محبته له، وذلك ليس فقط لأن السعدني فنان كبير،  قدم علامتين مثل  العمدة سليمان الغانم في ليالي الحلمية أو الأسطى حسن النعمان في أرابيسك، و لكن أيضا لأنه  طوال تاريخه الفني لم يقدم دورا من أجل المال أو لمجرد التواجد و السلام. 
مضيفا: الناس مدركة لقيمة الالتزام الفني ليس فقط بقضايا الناس لكن أيضا  الالتزام الفني تجاه الفن نفسه.. والالتزام الفني تجاه جمهور الفن.. وأظن إن المجتمع العقود الأخيرة لم يفقد إيمانه بالفن بسبب التطرف الديني وحده لكن بسبب كثير من الفنانين الذين  أهانوا الفن سواء بالاشتراك في أعمال (خايبة) أو بافتعال ضجة تافهة كل فترة أو بتصريحات معيبة في حق الفن. الفنان صلاح السعدني كان ملتزما بهذا المعنى.

التلون في الأدوار المختلفة
أما د. عصام عبدالعزيز، استاذ الدراما و النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، فيقول إن الفنان المتألق دائما صلاح السعدني -رحمة الله عليه- كان من القلة التى تمتلك التلون فى الادوار المسرحية المختلفة سواء فى مجال السينما مثل دوره فى فيلم الأرض اخراج يوسف شاهين او فى المسلسلات التلفزيونيه والتى تؤكد طاقاته الابداعية سواء فى دور العمدة او فى دور تاجر مخدرات، فالمهم ان ادوار الفنان الكبير والمتميز تعيش حتى بعد موته، وتظل محفورة في ذاكرة المتلقى فالموت لا يستطيع رغم قوته ان يجعل الممثل الموهوب ان ينسلخ من الوجدان تماما مثل نجيب الريحاني، رحم الله الجميع ووداعا صلاح السعدني. 


عماد علواني