الجلسة الثانية من المائدة المستديرة فلسطين في المسرح المصري

الجلسة الثانية من المائدة المستديرة فلسطين في المسرح المصري

العدد 871 صدر بتاريخ 6مايو2024

تحت رعاية الأستاذة الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، والأستاذ الدكتور سامح مهران مقرر لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، أقيم مساء يوم الأربعاء الموافق 17 إبريل الجلسة الثانية بعنوان «تناول القضية الفلسطينية في المسرح المصري» من المائدة المستديرة فلسطين في المسرح المصري، وقد أدار الندوة أ.د سامية حبيب، وشارك بها كلا من أ.د عمرو دوارة – أ. أحمد عبد الرازق – أ.د محمد السيد – أ.د محمد سمير الخطيب.

 افتتحت الندوة الدكتورة سامية حبيب بالوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء فلسطين، وبدأت حديثها: اعتمدت خلال بحثي عن قضية فلسطين بالمسرح المصري على مصدرين، أولًا دراسة دكتور عمرو دوارة وثانيًا كتاب الناقد الراحل محمد الرفاعي حول فلسطين بالمسرح المصري وهذه تعد مصادر مهمة جدًا، كما إنني تعرفت على القضية الفلسطينية من خلال عبد الرحمن الشرقاوي خلال إعداد رسالة الماجستير الخاصة بي، حيث يوجد العديد من النصوص التي تتناول القضية الفلسطينية، لكن يعد نص وطني عكا للشرقاوي هو المشهور لدينا كدارسين وباحثين وكذلك الجزأين لكتاب النسر الأحمر.
وتتابع حبيب: قد اكتشفت أن المسرح المصري يوجد به أكثر من مئة مسرحية تحدثت عن القضية الفلسطينية، واللطيف في الأمر أن ما قبل النكبة 1941 قدم يوسف وهبة مسرحية الجاسوس كعرض مسرحي وليس نص، وأيضًا مجموعة علي أحمد باكثير التي يوجد بها نصوص تتحدث عن القضية مثل نص شعب الله المختار والتوراة الضائعة وغيرهم، إلى جانب تجربة مهمة قدمها دكتور إبراهيم حمادة والذي قد تشرفت بكوني تلميذة لديه بأحد الأيام، فقد قدم نص «رطل لحم» والذي حاول به أن يمصر شخصية شيلوك بمسرحية تاجر البندقية، لكي يثبت أن قضية فلسطين هي جزء من ضمير المواطن المصري العربي.
وتختم حبيب حديثها: خلال استعدادي لهذه الجلسة رأيت جملة مؤكدة «لا يخلو بيت مصري من وجود ابن استشهد بأي حرب مع إسرائيل» إذًا فإن هذا الموضوع حيوي مهم، وأشكر لجنة المسرح أنها أعطتنا لحظة لكي نتذكر وندرس ونبحث بهذا الموضوع.
ومن بعدها تحدث المخرج والمؤرخ المسرحي دكتور عمرو دوارة والذي بدأ حديثه بشكر الحضور وشكر لجنة المسرح والمجلس الأعلى للثقافة على تنظيم هذه الندوة. وتابع دوارة: لابد أن أكون صريحًا وأقول مهما تحدثنا اليوم عن دور المسرح الإيجابي في هذه القضية، لكن سنظل لم نؤدي الدور الذي يجب تقديمه، حيث إن الواقع يصعب تجسيده فهناك آلاف الشهداء فهذه مسألة لا إنسانية، وبالتالي دور المسرح إننا نحاول نشحذ الهمم ونكشف الصورة التي نشاهدها من هذه الكارثة الإنسانية، كما يؤسفني أن المسرح المصري لأول مرة لا يشارك برغم مرور حوالي ستة أشهر على هذه المسألة، ولا يوجد عرض مسرحي مصري اليوم يتناول هذه القضية، لكن منذ عام 1941 أيام حرب العصابات الصهيونية تم تقديم نصين مهمين، نص الماسونية لعام 1941، وعام 1942 قدم عرض الجاسوس والذي قدمه يوسف وهبة مرة أخرى بعنوان الصهيوني لعام 1950، أما عن أكثر فترة قدم بها عدد كبير من المسرحيات عن الصراع العربي الإسرائيلي هي فترة حرب الاستنزاف، وأخر عرض مسرحي سلطت عليه الأضواء هو عرض لن تسقط القدس لشريف الشوباشي مع فهمي الخولي عام 2002، وأيضًا عرض يوم القدس لعام 2000.
يكمل دوارة: أريد التوقف عند إحصائيات مهمة وهي أن أكثر مخرج قدم عروض مسرحية عن القضية الفلسطينية هو المخرج كرم مطاوع، حيث قدم عرض كوابيس في الكواليس 1967، كما أنه أول مخرج يقدم مع العبور عرض حدث في أكتوبر لإسماعيل عدلي، وكان لديه عرض مهم جدًا والذي شرفت أن أكون مخرج منفذ به وهو عرض عودة الأرض، وهناك العديد من العروض مثل وطني عكا والنسر الأحمر للمخرج كرم مطاوع الذي كان مهتمًا بالقضية. كما أنني أريد التوقف عند الكاتب ألفريد فرج، فقد قدم أهم عرض كُتب عن القضية الفلسطينية بتصوري وهو عرض «الأرض والزيتون» والذي قدمته بعنوان «الأرض والزيتون والدم» حيث أضفت إليه فصل ثالث، وتكمن أهمية «النار والزيتون» أنه أول عرض تسجيلي يحتوي على حقائق مهمة، وقد كتبه ألفريد بوسط المخيمات الفلسطينية، وهناك عرض أخر يوازيه وهو عرض «اليهودي التائه» للكاتب يسري الجندي وأول من قدمه عباس أحمد.
ويوضح دوارة: أن أفضل عرض هو «واقدساه» ليسري الجندي، فالمهم في هذه التجربة اتحاد الفنانين العرب بقيادة سعد الدين وهبة والذي يجمع لأول مرة من السودان علي المهدي، وغسان مطر من فلسطين، والعراقي عز الفيومي، وزياد مدكوك اللبناني، ومن البحرين إبراهيم بحر، وحسين آمين السعودي، ومحمد منصور الكويتي، ومن مصر البطولة لمحمود ياسين وفاطمة التابعي، ومجموعة متميزة من الشباب، وكان الهدف من واقدساه هدف نبيل وهو التجول بكل الدول العربية لكنه لم يتحقق، ويجب تكرار هذه الفكرة مرة أخرى.
ويتابع دوارة: أن الجزء المهم هو دور الإنارة ونشر الوعي، فكان هناك كُتاب مصريين وقفوا ضد التطبيع بالتحديد نص عفوا أيها الأجداد: علينا السلام لنبيل بدران، وأيضًا عرض المحروسة الذي قدمته من خلال الهيئة العامة لقصور الثقافة، أما عرض عريس لبنت السلطان لمحفوظ عبد الرحمن فهو أول عرض صريح أعلن رفض التطبيع. كما أن المسرح المصري لديه فضل تقديم عدة نصوص كثيرة لكُتاب عرب مثل نص المهرج لمحمد الماغوط، وعرض زهرة من دم لسهيل إدريس وغيرهم، والغريب أن هذه النصوص قدمت في مصر ولم تقدم في بلاد هؤلاء الكُتاب.
ويختم دوارة حديثه: أن عام 1956 اتخذ المفكر أحمد حمروش خطوة جريئة عندما قدم لأول مرة عروض المسرح القومي صباحًا مجانًا لأفراد الطبقة الكادحة وبائعي العتبة، كل هذه النصوص التي تم ذكرها كنت اتمنى أن يعيد المسرح المصري تقديم بعضها بتلك الفترة.
ثم تحدث الكاتب والناقد المسرحي أحمد عبد الرازق: بعد تحية لجنة المسرح التي ألتفت إلى هذه القضية المهمة بهذا التوقيت تحديدًا، سأتحدث في عدة نقاط اعتبرها مداخل لمناقشة هذا الموضوع فيما بعد، النقطة الأولى النصوص التي ناقشت القضية بشكل صريح وواضح عددها قليل جدًا، على الرغم من كثرة عدد المسرحيات التي نعتبرها أنها قد عالجت القضية، ومن أجل التوسع لهذا السبب الذي ذكرته لابد الذهاب إلى كل ما كُتب أثناء حرب السويس، وبعد نكسة 1967 وبعد حرب 1973 وبعد اتفاقية كامب ديفيد، فإذا ذهبنا إلى هذه المتغيرات نحصد عدد كبير من النصوص المسرحية التي اهتمت بالقضية لكنها لم تلمسها اللمس المتحقق لبعض النصوص التي سأذكرها حتى يتضح قيمة عدد النصوص التي تعاملت مع هذه القضية تعاملًا حقيقيًا، على سبيل المثال نص اليهودي التائه ليسري الجندي ونص القتل في جنين لأبو العلا السلاموني ونص المحروسة لسعد الدين وهبة، هذه النصوص تؤكد وجهة النظر التي تطرقت إليها.
يكمل عبد الرازق: نص المحروسة قدم به سعد الدين وهبة رؤية لواقع مصري بعد اتفاقية كامب ديفيد فيما يتعلق بقضية التطبيع، كما قدم رؤية المستقبل، وقد عالج بهذا النص ما يحدث الآن من تطبيع زراعي الذي تحولت فيه الحقول التي تزرع بالقمح والأرز وأصبحت تزرع من خلال الجمعية التعاونية الإسرائيلية. أما مسرحية القتل في جنين لأبو العلا السلاموني، فقد كُتبت ثلاث مرات، أول مرة بعد حرب 1973 بعنوان المزرعة، وبعد حدوث اتفاقية كامب ديفيد أعاد كتابة النص، ثم في عام 2002 أعادة كتابة النص للمرة الثالثة عندما حدوث مذبحة جنين وقد تحدث به عن الإرهابي الصهيوني، كذلك الوضع في نص اليهودي التائه ليسري الجندي حيث قدم معالجة قوية في صلب العدوان الذي نتحدث عنه الآن.
يختم عبد الرازق حديثه: عندما يتم التحدث عن القضية الفلسطينية في المسرح المصري لابد الذهاب إلى مراحل زمنية مختلفة، مثل مرحلة ما قبل 1942 إلى 1948، ومرحلة حرب السويس والعدوان الثلاثي على مصر 1956، ومرحلة هزيمة 1967، ومرحلة انتصار 1973 وأيضًا مرحلة كامب ديفيد التي أثرت على الأبداع المسرحي المصري، وذلك من أجل التعرف على طبيعة الكتابة الرؤية التي تحرك الكاتب المسرحي أثناء تعامله مع هذه القضية.
وخلفه الكاتب والسيناريست محمد السيد عيد والذي تحدث عن الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي قائلًا: كتب الشرقاوي ثلاث مسرحيات عن فلسطين، تمثال الحرية 1967، وطني عكا 1970، النسر الأحمر 1976، وتعتبر مسرحية تمثال الحرية صفعة الغضب التي تنفس عن الراغبين في التعبير عن غضبهم، وتدور المسرحية أمام تمثال الحرية وينتمي شخصياتها إلى جنسيات مختلفة تم اختيارها بعناية من الحروب التي اجيرت من الولايات المتحدة، وتوجد فلسطين بالمسرحية في أكثر من شخصية موجودة أمام تمثال الحرية مثل الشيخ الفلسطيني وتعبر شخصيات هذه المسرحية عن أفكار الشرقاوي نفسه، وبالتالي نتحدث عن مسرحية تمثل وثيقة تاريخية أكثر مما تمثل قيمة فنية في حد ذاتها.
يكمل السيد: إذا كانت مسرحية تمثال الحرية جرعة انفعالية موجهة إلى الولايات المتحدة، فإن الجرعة الانفعالية في مسرحية وطني عكا موجهة نحو فلسطين، وتبدأ وطني عكا بالتعرف على الشخصيات الرئيسية دفعة واحدة، ومن أهم الشخصيات شخصية حازم الرجل الفلسطيني من عكا الذي لا يستطيع نسيان وطنه، ونرى المصريين جعلوا من غزة سوقًا كبيرًا ليشير ذلك إلى إننا نتحمل مسئولية ما حدث، وتتحول الشخصيات المسرحية الفلسطينية إلى مقاومة أمام الشخصيات المسرحية الإسرائيلية، كما إننا نجد أن الشخصيات الفلسطينية تتبارى بالاستشهاد وكأنه هدف. ويختم السيد حديثه: أن الشرقاوي قد أطال في نص وطني عكا، فدائما تتسم أعماله بالترخي لا يستطيع أن يمسك قلمه ويظل يستدرج، وأخر مسرحية كتبها الشرقاوي هي النسر الأحمر، والتي هي عبارة عن أجزاء منتقاة من فكر صلاح الدين وقد أخذ الشرقاوي هذه الأجزاء وقدمها في هيئة مسرحية.
ومن بعده يتحدث دكتور محمد سمير الخطيب مدرس الدراما والنقد المسرحي بقسم الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب جامعة عين شمس قائلًا: بعد شكر لجنة المسرح على هذه الدعوة الكريمة للمشاركة بهذه الندوة، سأتحدث عن قضية فلسطين من خلال جيلي، فأنا ابن جيل لم يرى النكبة أو يعيشها، لم يرى حرب 1973، لم يرى معاهدة السلام، فأنا ابن جيل بدأ علاقته بالقضية الفلسطينية من خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عندما بحثت عن القضية الفلسطينية رأيت أن كتب عنها الكثير، وهذا تأثير بالغ خاصة على جيلي بداية من النكبة ثم ما قبل 1952 وما بعده، لكن السؤال هنا هل يحدث تحولات في قضية فلسطين؟ ولماذا معظم المسرحيات لدينا مشهودة بالنكسة؟ وماذا عما حدث بعد ذلك من تأثير الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو الثانية أو اتفاقية أوسلو، وهذا ما سوف اتناوله من خلال بعض النماذج، وعلى سبيل المثال مسرحية العدو في عرفة النوم لهشام السلاموني، ومسرحية المظلة لسامح مهران، ومسرحية أرض الله لمحمد ناصف. 
وتابع الخطيب: من وجهة نظري ارتبطت القضية الفلسطينية بمفهوم القومية العربية والوحدة العربية، وبعد ذلك السداسية وحدة اشتراكية لازمة لتحرير فلسطين، وقد كانت السداسية العربية قائمة بفترة الستينيات ونتج عن ذلك الشعار فكرة القومية العربية، وقد كان الإنتاج المسرحي المصري قبل 1967 قليل جدا، لأن كان لدينا شعارين وهما الوحدة هي الطريق لتحرير فلسطين، وشعار الطريق إلى تحرير فلسطين هو الذي يؤدي إلى الوحدة العربية، أما بعد 1967 وبحدوث النكسة أدى ذلك إلى تحولات بالمجتمع المصري وبدأنا نحيي قضية فلسطين وكأنها قضية كل العرب، وقد كان هناك توجه عام من الدولة إلى الاهتمام بالقضية الفلسطينية، فقدم زهرة من دم 1969، وطني عكا 1969، النار والزيتون 1970، شمشون ودليلة 1971، حبيبتي شامينا 1972، اليهودي التائه 1972 و1988، ذلك يؤكد التوجيه لتصبح فلسطين مظلة كبيرة من خلالها يجسد الصراع العربي الإسرائيلي.
ويختم الخطيب: أما سؤال هل حدث تحولات في قضية فلسطين؟ فإن من بعد اتفاقية السلام أصبحت المواجهة بين العرب وإسرائيل مواجهة عسكرية غير مباشرة، وبذلك أصبح تناول القضية تناول غير مباشر، فمثلا مسرحية العدو في غرفة النوم التي تتحدث عن التطبيع لكن بصورة غير مباشرة، وأيضًا مسرحية المظلة التي تعاملت مع الانتفاضة الفلسطينية أنها ترجع مراجعة الذات، وأيضًا مسرحية أرض الله التي يوجد بها تناص مع العهد القديم، وتلعب هذه المسرحية على شيء في منتهى الأهمية أنها ترى عكس الذات العربية، حيث تحولت اللحظة الفلسطينية في المسرح المصري من موضوع إلى كشف عن الذات.


آيه سيد