العدد 871 صدر بتاريخ 6مايو2024
بمساء يوم الخميس الموافق 18 إبريل 2024 قُدم العرض المسرحي «بأم عيني 1948» للفنان الفلسطيني غنام غنام بساحة الهناجر، وذلك تحت رعاية الأستاذة الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، والأستاذ الدكتور سامح مهران مقرر لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة.
وفي حديث جريدة مسرحنا مع الفنان الفلسطيني غنام غنام قال: عرض «بأم عيني 1948» الذي بدأت في تقديمه بشهر أكتوبر لعام 2022، عُرض في أكثر من بلد عربية وأكثر من مدينة عربية على امتداد الوطن العربي كان هناك جولة ومازالت مستمرة، ففي العام الماضي قدمت عرض «بأم عيني 1948» بمهرجان المنصورة وبالتالي هذه هي المرة الثانية التي أقدم بها العرض في مصر، حيث اختارت لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة التي نظمت ندوتين بعنوان فلسطين بالمسرح المصري، والتي اختارت أن تقدم نموذجًا فلسطينيًا طلبت مني أن أقدم العرض ولبيت الدعوة، لإدراكي أولًا أهمية ندوة فلسطين في المسرح المصري التي نظمها المجلس الأعلى للثقافة، هذه معطيات لندوة مهمة وتكمن أهميتها أنها بالقاهرة في مصر، بين المثقفين المصريين والشعب المصري الذي أدرك أهمية فلسطين بحياته، وأيضًا أُدرك أهمية الدور الذي لعبه المثقف والشعب المصري بقضية فلسطين، وأيضا استشعارًا بأنني سأكون بالقاهرة التي هي محط أنظار الإعلام وكل النشاط السياسي لأوجهه إلى أهلي وشعبي بفلسطين عامة وبغزة خاصة.
وقد وضح غنام العلاقة التي تربط بين عرضيه «سأموت في المنفى» و»بأم عيني 1948»: هناك علاقة جذرية بين العرضين من حيث المنهجية والتكنيك الذي استخدمه في تقديم العرض بمعنى أنني أصمم العرض من خلال بُعدين، البُعد الأول أنا والجمهور، والبُعد الثاني هو الحكاية، كما أنني أستطيع تقديم العرض بأي مكان عدا خشبة المسرح والتي تعمل ضد الفكرة، حيث إنني اطلب من الجمهور أن يجتمع حولي في شكل دائرة أو مربع أو مستطيل حسب المكان، ومن ثم أبدأ اللعبة والمسرحية، هذا التصميم من حيث الشكل موجود بالعرضين، وفي لحظة من لحظات الوعي أدركت معنى الدعوة التي وجهها المفكر الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد حين قال «على كل فلسطيني أن يسرد روايته» لذلك قررت أن أسرد روايتي الفلسطينية من خلال الرواية الشخصية، فأسرد مسيرة عائلتي لأنها نموذج من نماذج الشعب الفلسطيني وبالتالي عندما أتحدث عن بعض جوانبها النضالية المتعلقة بالوطن أكون قد قدمت هذا النموذج، من هنا كنت في «سأموت في المنفى» أقدم بعض من سيرتي وسيرة أبي صابر وأمي خديجة وأخي فهمي وأخي ناصر وهكذا، ومن ضمن المشاهد كان هناك ما يتعلق بموت أخي وموت أبي بالغربة وهما يحلمان بالعودة إلى فلسطين، وكان هناك مشهد موتي أنا الذي لم يحدث بعد، ومن هنا السيرة الذاتية تحولت إلى سرد مسرحي، لذلك فإنني اتخلى بالعرضين عن جوانب كثيرة، لكن يدخل بها توثيق للحظة التاريخية والمسار التاريخي وتوثيق للحالة الاجتماعية والسياسية للشعب الفلسطيني.
وأضاف غنام: عندما بدأت في تقديم عروض «سأموت في المنفى» بعام 2017 والتي بدأت من فلسطين، ولدت من رحلة عرض سأموت في المنفى أحداث عرض «بأم عيني 1948»، حيث إنني تمكنت بمساعدة الأصدقاء من العبور الغير شرعي من مناطق أراضي السلطة الفلسطينية إلى الأراضي التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948، وذلك رغبة في زياتي لأرضي وأرض أبي وأمي ومثوى جدي وجدتي، وفي نفس الوقت كي أزور أبنتيّ وحفيداي بعد انقطاع عدة سنوات بسبب قوانين الاحتلال، هذه التجربة في «التهريب» للأرض المحتلة رصدت من خلالها أحداث وظواهر في النضال اليومي الذي يقوم به أناس عاديون وجدتهم أبطال خارقون للعادة ويقاومون الاحتلال بطريقتهم، فأردت أن أبعث الأمل في أن فلسطين لابد أن تعود حرة ذات يوم من خلال رصد هذه الظواهر، ففي المدينة مازال يحمل أحد البيوت اسم «غسان كنفاني» وهو قد غادره بعمر الثانية عشر، ولم يستطع المحتل الذي يسكن البيت منذ عام 1948 حتى 2017 أن يغير اسم البيت بذهن الناس وسيظل بيت غسان كنفاني، كذلك قبور الشهداء الذين أعدموا على يد الإنجليز بعام 1930، حيث يعاد ترميمها بكل عام كرامة لذكرى هؤلاء الشهداء، وأيضا توجد بجانبهم لوحة تقول «فلسطين يفدى حماكِ الشباب وجنَ الفدائيُ والمقتدى.. فلسطين تحميك منَا الصدور فإما الحياةُ وإما الردى» من قصيدة علي محمود طه الشاعر المصري، تلك الأغنية التي غناها محمد عبد الوهاب، إذًا يتم رصد أشياء حياتية تقول أن الاحتلال لم يتمكن من احتلال هذه الأرض رغم إنه يسيطر عليها عسكريًا، وختامًا أقف عند تل الفخار بعكا والتي حولها الاحتلال إلى تلة نابليون ووضع عليها تمثال نابليون وهو يحمل راية الكيان الصهيوني، وهذه لحظة فارقة جعلتني اكتشف أن نابليون بونابرت قد دعى اليهود لإقامة دولتهم على أرض فلسطين، بالتالي هذه الأشياء التي رصدتها جعلتني أكون النص الخاص لعرض بأم عيني.
وقد صرح غنام: قد توصلت إلى طرائق أداء تمثيلي مغايرة للشيء المعروف اعتبرها جديدة في تركيبها، هي ليست مبتدعة لكنها تركيب لأكثر من أسلوب في الأداء ومنه أسلوب الحكواتي، لذلك يختلط على الكثير من المختصين بالمسرح ويصنفون العرض بأنه حكواتي ولكنه ليس بحكواتي، أنه عرض مسرحي فيه لاعب مسرحي ومؤدي مسرحي أحيانا يمثل وأحيانا يؤدي وأحيانا يحكي، كل هذا حسب خطة مدروسة أثناء إعداد العرض.
وبسؤاله عن اختلاف تقديم العرض من بلد لآخر ومن جمهور لآخر: بالتأكيد يجب أن يختلف تقديم العرض من بلد لآخر ومن جمهور لآخر، لكن ليس اختلافًا جذريًا، حيث إن العرض ثابت بمضمونه وبقوامه وبلغته وأحداثه، لكن هناك جمهورًا يمكن أن يكون بعيدًا عن القضية الفلسطينية يتلقى المسألة كمعرفة جديدة باندهاش، وهناك جمهور ربما يعرف كثير من تفاصيل القضية الفلسطينية لكنه من خلال العرض يعيد ترتيب القضية حسب فكرة معينة مقدمة بالعرض، ويمكن يكون هذا الجمهور أيضا مطلع على القضية الفلسطينية ويتفاعل مع أشعار محمود درويش وإبراهيم طوقان وأشعار فؤاد حداد، إذًا ثقافة الجمهور يمكن أن تعطي زخمًا للعرض، لكن العرض هو مشترك وواحد وأقدمه في كافة المجتمعات، حتى عند الأجانب قد قدمت عرض سأموت في المنفى باللغة العربية.
أما بالنسبة إلى إضافات حكاية جديدة على العرض نتيجة للأحداث الحالية، قال غنام: بكل وضوح لا يتم إضافة حكايات جديدة وذلك لأن هذا العرض ليس عرض مناسبة، بل هو عرض يتحدث عن جذر المسألة أي التلامس مع مجريات القضية وما يمكن أن يجري وما يمكن أن يستجد، لذلك لا أتحدث عن غزة ولكنني أوجه التحية إلى غزة من خلال «أناديكم.. أشد على أياديكم» وقد كنت أوجه التحية إلى أهلنا في الأرض المحتلة بشكل عام طيلة العروض السابقة، هذه الحكاية منتقى ومتسلسلة بعناية شديدة رغم إنها تبدو حكايات منفصلة، ولكن المتلقي يقوم بمزج كل المعطيات التي قدمتها له منفصلة عن بعضها البعض خلال العرض، لذلك حتى في بعض الأحيان هناك من يقول أنه يوجد ارتجال بالعرض لكن حقيقة ليس هناك ارتجال، حيث إن ما يبدو ارتجال للمتلقي قد تم التدرب عليه أثناء البروفات التي تصل مدتها لــسبعة أشهر، كما أنني اتواجد في مكان العرض قبل ثلاث ساعات من بدايته واستقبال كل الذين يحضرون إلى العرض وأرحب بهم واتعرف عليهم، اعتبر هذا الجزء مهم بالعرض لكسر المسافة بين اللاعب والمتلقي، خاصة إنني ببداية العرض أقوم بالتمرين الصوتي مع كل الجمهور الحاضر وبالتالي نغني معًا ونتدرب معًا وندخل الحكاية معًا ويكونون قد أصبحوا جزءًا من الحكاية وجزءًا من تمرين الممثل المؤدي، هذا التكنيك أعتقد أنه لم يقم به أحد قبلي بالوطن العربي حسب علمي.
وبالحديث عن العناصر المسرحية التي يستخدمها غنام بالعرض: أن كل حدث حقيقي يتم تناوله بشكل درامي في العرض هو عنصر مهم للتأثير، إن إثارة الوجدان وإحيائه ونفض الغبار عن بعض المعلومات والسياقات التي ذوبتها الأحداث والسياسات التي تسلط على رأس المواطن العربي هو عنصر مهم في إعادة تشكيل وعيه نحو القضية الفلسطينية، إن مداعبة معارفه الفنية والفكرية وما يكتنزه من حكايات وغناء كان يعتقد أنها قد دُثرت أعيد أنا إليها الحياة بالعرض بمساعدته يكون هذا عنصر من عناصر التأثير، كل ما أريد أن أعيده إلى المتلقي هو إلا ينسى فلسطين بأنها قضية كل الشرفاء وكل الأحرار بالعالم، فإن صاحب كل ضمير حر هو فلسطيني بالضرورة لأن فلسطين هي أم القضايا وليس قضية أرض محصورة بالتراب وعدد محدد من المدن، إنها قيمة معنوية فائقة يلتف حولها العالم كله بمختلف أديانه وأجناسه، أريد دائما أن يخرج المتلقي من هذا العرض وقد عادت فلسطين نقية ناصعة إلى قلبه ووجدانه حتى لا ينساها.
ويختم غنام حديثه: ومن أهم الأشياء التي أريد للمتلقي أن يحملها أيضا بعيدًا عن قضية فلسطين، هو أن المسرح العربي مسرحًا موجودًا معاصرًا يواكب الأحداث ويشتبك معها، وأننا نملك خاصيتنا وخصوصيتنا، وبالتالي يمكن أن يكون هناك عرض مسرح وبعض الكراسي على شكل دائرة وممثل واحد ليس لديه إضاءة ولا ماكينات صوت ولا مؤثرات ولا إكسسوارات وبالتالي هناك ما يمكن أن يقدمه المسرحي العربي في المسرح العربي بهذا الشكل، وهناك أيضًا بُعد تثقيفي فني يمكن أن يصل إلى المتلقي الذي سيعتقد لوهلة أنه شاهد عرضًا بسيطًا لكن هذا العرض أصبح بسيطًا في التلقي ولكنه يحتاج إلى جهد كبير في الإعداد ليصل إلى هذه المرحلة التي تبدو بسيطة لكنها جد مركبة.