جولة في مسارح العالم

جولة في مسارح العالم

العدد 874 صدر بتاريخ 27مايو2024

«كل جزء منى» هذا هو اسم عرض مسرحى غنائى ينطلق قريبا على احد مسارح نيويورك خارج برودواى. ويلقى العرض اهتماما كبيرا – حتى قبل بدايته -سواء من جمهور المسرح أو من النقاد انفسهم كما هو الحال مع ناقد البوسطن جلوب. 
 والسبب موضوع  وهو قصة حب بين الفتاة لوسى والشاب الفونسو وكلاهما يلازم كرسيا متحركا. ويعد العرض  الاحدث بين مسرحيات عديدة شهدها شارع المسرح الأمريكى تتناول حياة ذوى الهمم من زوايا مختلفة.
واقترح بعض النقاد تغيير اسم المسرحية إلى «الحب على كراسى متحركة» لكن المخرجة والمؤلفة «لورا وينترز» اصرت على هذا الاسم الذى يحمل إيحاءات متعددة.
والمسرحية كما يراها ناقد البوسطن جلوب عبارة عن ثلاثة عروض فى عرض واحد. فهو  كوميديا عاطفية وهو أيضا دراما أسرية اجتماعية. وهو  أيضا عمل درامى قدم لنا بعض النصائح عن التعايش مع اصحاب الهمم ومساعدتهم على الحياة فى المجتمع بشكل طبيعى. ويقول الناقد أنه خرج بهذا الانطباع بعد مشاهدة العرض التجريبى للمسرحية. وقد يكون المخرج والمؤلف تعمدا ذلك وربما  جاء بشكل طبيعى.

البداية
وتبدأ أحداث المسرحية عندما تلتقى لوسى مع الفونسو وكلاهما على مقعده المتحرك فى موقف سيارات مستشفى يترددان عليه للعلاج. وكان كلاهما ينتظر سيارة -قد تأخرت -كى  تعيده إلى منزله. 
وبدأ حديث باسم من ناحيتها وردود جافة من ناحيته لكنه سرعان ما تأثر بلهجتها الخفيفة المرحة واستحال الأمر إلى علاقة ودية. ويطلب منها أن يكونا صديقين . 
ويلقى العرض الضوء على ظروف مرض كل منهما. ويتبين أن لوسى كانت مغنية جاز واعدة فى سنوات المراهقة  عندما اصابها  مرض عصبى انتكاسى وهى طالبة فى المدرسة العليا.   ولم تتمكن هى او اسرتها من التعايش مع المرض حتى الان رغم مرور عدة سنوات. ولا تزال تجرى تمارين رياضية منتظمة دون جدوى. وهى تتمنى أن يتحقق لها الشفاء يوما ما بفضل صلوات أمها المتدينة التى لا تتوقف  والتى تعمل 10 ساعات يوميا فى احد محلات التجميل  للإنفاق عليها.  وتشعر بالاشفاق تجاه امها التى تعانى الاما فى ظهرها وترفض استخدام عصا تتكئ عليها لتخفيف الألم حتى لا تجرح شعور ابنتها. ويزيد من أحزان لوسى أن أباها الذى أنجبها دون زواج يعيش لاهيا فى حياة الخمر والقمار ولا يهتم بها. 

العكس
والأمر على العكس مع الفونسو الذى يعانى الإعاقة منذ طفولته. فقد تعايش مع إعاقته منذ طفولته وتقدم فى دراسته بشكل ملحوظ حتى وصل إلى درجة باحث وتولى منصبا منصبا جامعيا رفيعا.
وهو ابن لرجل بنوك شهير وام محامية مهاجرة من الأرجنتين.
وتستعرض المسرحية نظرة أسرة كل منهما إلى إعاقته. فقد اعتبرت أم لوسى إعاقة ابنتها خاتمة المطاف وصارت تسعى للحصول على عمل لها فى متجر مجاور. أما أسرة الفونسو فاعتبرت أن الإعاقة لا تمنعه من تحقيق الإنجازات فى حياته العامة. وحاول الفونسو بلا جدوى إقناع لوسى بأن تشاطره الرؤية لكنها تمسكت برأى أمها لتنهار قصة الحب فى النهاية عكس مايمكن ان يتوقعه الجمهور فى البداية.

باب ضيق
ويستخدم العرض اسلوبا رمزيا طريفا حيت يذهب الفونسو إلى لوسى لزيارتها فيجد الباب ضيقا ولا يستطيع الدخول منه فيتحدثان معا عبر المحمول قبل ان يعود ادراجه.
ويشير ناقد اخر على صفحات فلادلفيا انكوايرر إلى أن أهم ما فى العرض هو أنه يصور ما واجه أصحاب الهمم من تحديات وما يحتاجونه فى حياتهم اليومية كبشر. وزاد من  قدرة العرض على الإقناع أنه استعان بعدد من خبراء الإعاقات.
ولا يعد هذا أول عرض مسرحى يتناول موضوعات خاصة بأصحاب الهمم أو سبل تقديم الرعاية لهم. فهو يأتى فى إطار تيار تنامى فى المسرح الأمريكى فى السنوات الأخيرة مثل «تكاليف المعيشة» و«ميرى جين».

المسرح للجميع فى الصين
8 سنوات على تطوير مسرح القرية 
عيون المسرحيات بدلا من السياسة 
الممثل الشاب بدأ التجربة 
 لا نكاد نعرف الكثير عن المسرح الصينى رغم أن الصين لديها تجارب مسرحية عديدة تستحق أن نتعرف عليها. ومن هذه التجارب مسرح القرية .
وما يدعونا إلى القاء الضوء على مسرح القرية هو العرض المسرحى الذى بدأ فى مسرح بلدة هويشانج بمقاطعة جيانكسى الصينية. وهذا العرض هو «الحب السرى فى أرض زهر  الخوخ».
وهذه المسرحية من عيون الأدب المسرحى الصينى الأمريكى.
فهى من تأليف الكاتبة المسرحية  الأمريكية التايوانية ستان لاى. وقدمت لأول مرة عام 1986 على أكثر من مسرح أمريكى باللغتين الصينية والإنجليزية. وأعيدت أكثر من مرة. وأعيد تمثيلها عدة مرات مع إجراء تعديلات جوهرية .
وتحولت إلى فيلم أمريكى جميع أبطاله من الصينيين عام 1992 وكان ناطقا باللغتين الصينية والانجليزية وحقق نجاحا كبيرا.  وتم إنتاج أفلام عديدة بلغات وأسماء متعددة تعتمد على نفس الفكرة. وقال النقاد وقتها أن سبب نجاح هذا العرض نجاحه فى المزج بين الجدية والمزاح وهى الدعامة الأساسية للمسرح الصيني المعاصر.

فرقتان
وتدور أحداث المسرحية حول فرقتين مسرحيتين تستعد إحداهما لتقديم عرض مأساوى باسم «الحب السرى». وتستعد الأخرى  لتقديم عرض كوميدى باسم «أرض زهر الخوخ»وهو مأخوذ عن قصة وقصيدة شهيرة فى الأدب الصينى. 
وعن طريق الخطأ  تتعاقد الفرقتان على عرض المسرحيتين على مسرح واحد. وتضطر الفرقتان إلى إجراء البروفات فى مكان واحد فى وقت واحد وتقديم المسرحيتين فى وقت واحد  لتتفجر الصراعات والمفاجآت الكوميدية والمواقف المبكية خاصة أن العرض الأول كان الممثلون يرتدون فيه ملابس عصرية بينما يرتدى الممثلون فى العرض الثانى ملابس تعود إلى القرون الوسطى. 

علاقة
وهنا يأتى السؤال ..وما علاقة ذلك بمسرح القرية ؟.
عندما قامت الثورة الشيوعية عام 1949 كان المسرح من أادواتها الرئيسية فى نشر أكارها ومبادئها بين أفراد الشع. وانتشر المسرح فى كل مكان فى الصين حتى فى البلدات الصغيرة وليس القرى كما كان يطلق على التجربة (مسرح القرية) .
وكانت المسارح فى هذه الحالة تقدم مسرحيات ذات طابع سياسى عقائدى يروج للنظام الشيوعى مما أدى إلى انصراف الغالبية العظمى من أفراد الشعب عن مسرح القرية. كان منهم من يحضرها من المسئولين وموظفى الدولة رغبة فى التقرب من النظام الحاكم أو خوفا من بطشه . 
وتم تطور التجربة بادخال عناصر كوميدية على العروض لجذب الجمهور الذى توقع المسئولون وقتها ان يقبل على العروض من باب الترفيه خاصة ان سعر التذاكر كان رمزيا إلى حد كبير وأقرب إلى المجانية.

عيون المسرح
 فى  2016 بدا الممثل الصينى الشاب «شى تاو «(22 سنة وقتها) تجربة جديدة كان ملخصها أن الشعب الصينى فى أى قرية ومقاطعة من حقه أن يشاهد مسرحيات ذات جودة عالية من عيون المسرح الصينى والعالمى. ولايقتصر الأمر على العروض السياسة والعقائدية.
والمشكلة هنا أن العروض ذات الجودة تقدمها فقط فرق خاصة تكون أسعار تذاكرها فوق متناول المواطن الصينى العادى.
من هنا بدأ تجربة انطلقت من مسرح هوشانج حيث قدم نفس المسرحية (الحب السرى)بعد تعديلات تجعلها تدور فى نفس المقاطعة . وكان ذلك عن طريق فرق خاصة تحظى ببعض الدعم الحكومى ثم رفع سعر التذاكر بنسبة معقولة تجعلها أقل بشكل ملحوظ من الفرق الخاصة.
ونجحت التجربة وانتشرت فى العديد من مسارح القرية عبر الصين. كما تم تقديم مسرحيات فرنسية وإيطالية وإسبانية وروسية وغيرهابعد ترجمتها إلى الصينية.
 ومنذ أيام كان المسرح على موعد مع عرض جديد لنفس المسرحية وبطولة نفس الممثل بعد أن تقدم به السن وأصبح أكثر نضجا من الناحية الفنية. 


ترجمة هشام عبد الرءوف