صراع مكبث الدائم بين الطموح القاتل والضمير

صراع مكبث الدائم بين الطموح القاتل والضمير

العدد 875 صدر بتاريخ 3يونيو2024

في نهاية العرض المسرحي يُقتل مكبث وحيدًا بعد أن قرر تحطيم جميع مبادئه، بعد أن تعلق بطموحٍ ليس مقيد بأخلاق تحميه، حيث كان هدفه الأساسي منذ اللحظة الأولى الحصول على السلطة مهما كلفة الأمر، فكانت لديه الفكرة ولكنه لم يمتلك الجرأة والشجاعة على القيام بهذه الجريمة، ولكن قررت الليدي مكبث تغذية هذه الفكرة لدى زوجها، فقد ظلت تلح عليه حتى يقتل الملك دنكان ليحصل على الحكم، وبالفعل أقدم على ذلك.
يبدأ العرض المسرحي بحرب قوية يقودها مكبث لأثبات كفأته العسكرية لدى الملك دنكان، فكان هو المثل الأعلى للجنود الذي يقتدى به، ويظل العرض المسرحي في إيقاعٍ ثابت حتى يتغير مجرى المسرحية بنبوءة 3 ساحرات يقابلون مكبث صدفة ويخبرونه بأنه سوف يصبح ملكًا عما قريب ولن يُقتل إلا من رجل لم تلده أنثي أو حينما تتحرك إحدى الغابات إلى قصره فأطمن قلبه، وشعر بالاطمئنان لأن جميع البشر ولدت من إناث والغابة لن تتحرك مهما حدث.
حينما علمت الليدي مكبث بأن زوجها قد فاز بالمعركة، قررت الالحاح على مكبث كي يقتل الملك دنكان ليحصل على السلطة، وظلت تغذي فكرة بأن الرجال لا يخشون شيء حتى زهق الأرواح، فقد ظهرت النساء هم محركات الأحداث في هذه المسرحية، فنرى الساحرات والليدي ماكبث هم السبب الأساسي في وقوع الجريمة الأولى ألا وهي قتل الملك دنكان وهي النبوءة الأولى التي قيلت من قبل الساحرات، ثم التي ظلت تلح على ماكبث لقتل الملك هي زوجته فنجد مكبث يقول لها من كثرة الالحاح (كفى أرجوك. لدى الشجاعة أن أفعل كل ما هو خليق بالإنسان أن يفعله) فقد ظل في صراع حبه للسلطة وضميره، كما ارتبط الرجال في العرض المسرحي بالقسوة، فحينما لحت الليدي في قتل الملك كانت تركز بأن الرجال لا يخشون شيء حتى أقدم على هذه الجريمة.
استخدم المخرج رامي محمد العديد من التقنيات المسرحية لتعبير عن مشهد القتل، فقد استخدم خيال الظل عن طريق رجل يمسك بين خنجر تتساقط الدماء من الخنجر ويوجه الخنجر إلى غرفة الملك؛ ليتجه مكبث بعد ذلك لغرفة الملك ليقتله، كما استخدم أيضًا عرائس الماريونيت، حيث صور إحدى العرائس تطعن الأخرى من ظهرها.
من يقدم على جريمة واحدة يرتكب عدة جرائم متتالية للتغطية على الجريمة الأولى، فقد تحول مكبث إلى مجرم بمجرد ارتكابه الجريمة الأولى، فظل يرتكب سلسلة من الجرائم للحافظ على السلطة، حيث تحول مكبث الرجل النبيل المحب لبلده إلى مجرم قاتل يتعطش إلى الدماء والقتل، وجدير بالذكر فكان الطموح هو المحرك الأساسي له هو الطموح، حتى حاوطه الشعور بالذنب حتى كاد أن يفقد قواه العقلية، فحينما كان جنديًا لم يتسلل الخوف إلى قلبه، عندما أصبح ملكًا امتلك الخوف منه.
من خلال الأداء المسرحي يظهر لنا الفرق بين حكم ماكبث والذي قام بدروه الممثل والكيروجراف وليد حسين وحكم دنكان والذي قام بدوره الفنان كامل عبد العزيز، حيث ظهر هدف الملك دنكان منذ المشهد الأول وهو الحافظ على الدولة، بينما هدف ماكبث منذ اللحظة الأولى هو الحافظ على السلطة، فقد كلفه هذا الطموح حياته فقد قتل مكبث وتحققت النبوءة، وقد ساعدت الإضاءة توضيح ملامح كل من مكبث والملك دنكان في التعبير عن مشاعر كل منهما.
 أصبحت الهلاوس السمعية والبصرية جزء من حياة ماكبث وزوجته بسبب الإحساس بالذنب، فأصبح ماكبث يرى شبح الملك دنكان أينما ذهب، بينما الليدي ماكبث أضحت ترى بعض بقع الدم على يدها، حتى أتت النهاية بانتحارها، فالإحساس بالذنب ظل رفيقهما حتى آخر لحظة في حياتهما.
تنوعت الإضاءة في صالح العرض المسرحي مكبث، فقد استخدمت الإضاءة الخافتة في بعض المشاهد؛ للتعبير عن التوتر والغموض وخاصة لتوضيح الصراعات الداخلية للشخصيات العرض المسرحي، بينما استخدمت إضاءتي الحمراء والزرقاء لدخول المشاهد في حالة العنف وخاصة مشهد قتل الملك دنكان، فكانت الإضاءة من إعداد أحمد حداد، 
كما أضفت الموسيقى موضعًا عاليًا من الايهام فقد عملت على المعايشة الدقيقة للعرض المسرحي، تنوعت الايقاعات الموسيقية طبقًا الحدث الجاري على المسرح، فاستخدمت لإبراز جوانب الظلام في بعض المشاهد الدموية والمواقف النفسية المظلمة التي تتسم بها المسرحية. النغمات المنخفضة واللحن المثير يمكن أن يخلق إحساسًا بالتوتر والخوف، كما تم استخدامها للتعزيز العاطفي للمشاهد إثر مقتل الملك دنكان وارتكاب سلسلة الجرائم المتتالية.
مسرحية (مكبث) إحدى روائع ويليم شكسبير   وإخراج رامي محمد، قدمت هذه المسرحية على خشبة قصر ثقافة ببا بمحافظة بني سويف، بطولة وليد حسين، مريم سليمان، ماريو أشرف وكامل عبد العزيز.


جهاد طه