العدد 875 صدر بتاريخ 3يونيو2024
بمناسبة إقامة حفل افتتاح مسرح الرواد في ثوبه الجديد بعد تطويره بشراكة مع شركة PPV للفنون والترفيه، وعلى هامش الحفل قدم العرض المسرحي اختيار اجباري
تأليف (مصطفي علي)، اخراج (عمر لطفي)، بطوله أحمد إبراهيم (عصفوره)، مصطفي البدري، والعرض ديودراما استعراضيه تناقش الصراع الابدي بين المرء ونفسه حيث أن صراع الذات هو الحرب التي لا تنتهي، وفي عصرنا الحالي نجد الكثير من الشباب يثورون على تقاليد المجتمع دون مبالة أو التفكير في عواقب ما يرتكبونه من أخطاء ومن هذه الأخطاء حب الشهوات (الجنس ، المخدرات، الخمور ... وغيرها) فقد قرروا أن يفعلوها رغم تحذير الأجداد والآباء لهم بعدم فعلها، وكانت هذه الثورة نتيجة الأمر بالنهي عن تلك الأخطاء دون توضيح السبب وكان قرار النهي بإصدار الأوامر فقط، وليس عن طريق المناقشة والإقناع لتوضيح هذه الممنوعات التي نهت عنها الأديان السماوية، حيث أنها تؤثر على الصحة العامة ويصبح الشاب هزيل، مريض فيؤثر بدورة على المجتمع بالسلب، فالشباب يفعل ذلك دون رقيب حيث أصبح الآباء منشغلين بجمع المال والأم بعاطفتها الجياشة لا تستطيع بمفردها كبح جماح الشاب، والتربية في عصرنا ليست للوالدين فقط بل للمدرسة والأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، ودائما رفيق السوء هو من يقود الضحية إلى الهلاك.
يوضح لنا العرض شخصية متشظيه الذات مضطربة نفسياً، لديها أزمة نفسية، تؤدي إلى صراع مع الذات، تدور برأسها أفكار مشوشة من خلال عالم غير واقعي؛ فظهر الشخص وقرينه الذي كشف لنا عن حالة الانقسام بين رغبة الشخص الجامحة في تحقيق شهواته، وتقاليد المجتمع المحافظ، فباح وفضفض بالمكبوت بداخلة مع قرينه، حيث أنه على دراية بالأثار السلبية التي يتركها سلوكه السيئ في أخر المطاف، فقد ظهر الصراع عن طريق حوار يتخلله الإرباك بمجموعة من التشابكات والمتاهات التي تحدث داخل رأسه، محاولاً إعفاء نفسه من مسئولية سلوكه المنفر للآخرين، فهو شخصية عاجزة، غير قادرة على تغير سلوكه.
أما السؤال الدرامي الذي يطرحه العرض هو: لا تستسلم للهواجس؟ أي لا تستسلم للصراع النفسي أو الذهني الذي يدور داخل راسك؟ فهذا الصراع حتما سيدخلك في حالة من الاكتئاب، يودي بك في النهاية إلى الانتحار.
رؤية المخرج:
كان ديكور (أحمد ذكي ومحمد مجدي) تجريدي مكون من أربعة بانوهاً وضع اثنان يمين المسرح وقد التصقا بعضهما بواسطة حبل صمم هندسياً على شكل متاهة، ووضع داخل البانوه الأول حبل صمم على شكل متاهة بتقسيمات مختلفة الأبعاد، ويفتح مداخل هذه المتاهة المغلقة عن طريق فك بعض العقد في الحبل حتى يسهل التحرك داخل المتاهة، أما البانوه الثاني فوضع بداخلة الحبل والذي صمم علي شكل حرف × متداخل ويشكل أيضاً عدد من المثلثات، ووضع علي يسار المسرح عدد أثنان بانوه بنفس التطابق، ويوضح هذا الشكل للديكور المتاهة والصراع الذي يدور في راس الشخصية الأساسية، وضع الديكور بحيث يوجد فاصل بين بانوها يمين المسرح وبنوها اليسار، نلاحظ وقوف الشخصية الأساسية في بعض الأحيان في هذا الفراغ بعضاً من الوقت ليسرق لحظات؛ يفكر فيها إلى أي سلوك يميل؟ وما هو السلوك الأمثل بالنسبة له الذي سوف يسلكه، هل سيتجه نحو العادات والتقاليد؟ أو سوف يضرب بهما عرض الحائط ويتبع شهواته؟ التي تؤدي به في النهاية إلى الانتحار بالحبل الملفوف على معصم يداي قرينه – وهو قطعة الإكسسوار الوحيدة في العرض – ويحاول كل منهما أن يلفه حول جسد الآخر دائما في محاولة من القرين القوي بأفكاره ان ينهي حياة الشخصية الرئيسية بلف الحبل حول رقبته ليشنق به نفسه.
أما الإضاءة (حسين الشامي) فقد عبرت عن عدم الإحساس بمرور الزمن، حيث أن زمن العرض غير محدد، فمن الممكن أن يكون عدد من الدقائق أو الساعات، أو زمن العرض الفعلي، أو غير ذلك، ولكن المؤكد أن الزمن متصل، فالأفكار مشوشة في رأس الشاب، ودائم التفكير ومتقلب بين الخطأ والعودة للصواب، وانقسمت الإضاءة بين اللونين الأحمر والأزرق متوسطة الشدة، مائلة إلى العتمة أحياناً، وتم تثبيت الإضاءة لبعض الفترات من العرض حسب الحالة الدرامية مستخدما الحركة والحوار المرتبط بقوة وضعف الشخصية الرئيسية ومدى مقاومتها للصراع مع القرين، فنجد الإضاءة الزرقاء عند مقاومة الشخصية للقرين والصراع القائم بينهما ومحاولة الشخصية الرئيسة الاتجاه نحو تقاليد المجتمع، اما في حالات ضعف هذه الشخصية الرئيسة واتباع الغرائز والشهوات وسيطرة القرين عليها تتحول الإضاءة إلى اللون الأحمر، وتحقق ذلك أيضا في بعض الأحيان بدخول الممثل في منطقة تم تثبيت الإضاءة عليها ليمثل المكان أيضا ولون الإضاءة منطقة التقاليد المجتمعية أو مكان للشهوات والغرائز، وفي بعض الأحيان تستخدم الإضاءة اللون الأصفر الذي يعبر عن الحقد والكراهية.
ونلاحظ أن الملابس كانت مجردة بشكل كامل فنجد الشخصية الرئيسية يرتدي نظارة ومن الممكن أن نقول أنه يرى بها قرينه، ويرتدي بنطلون أسود وكرافت وحمالة بنطلون لونهما أحمر وعاري الصدر، ونستطيع القول أنه لا يوجد غطاء يستر شيئاً فهو واضح كالكتاب المفتوح أمام نفسة ويرى الصواب والخطأ، ويرى المتلقي بوضوح ما يدور داخل راس هذه الشخصية بالحوار والحركة مع قرينه، واللون الأحمر يدل على الحب الذي لم يناله ولم يستطع التصريح به لمحبوبته، وأيضا إتباعه الشيطان الذي دفعة دفعاً نحو الغرائز والشهوات، فهذا الشخص ملتاع بين تقاليد وتعاليم المجتمع وغرائزه وشهواته.
أما قرينه فنشاهده يرتدي ملابس ذات لون أسود عبارة عن بنطلون وقميص وفست، وبهذه الهيئة يمثل الجزء المظلم داخل رأس هذا الشخص، الذي لا يستطيع أحد النفاذ منه حيث أن اللون الأسود لا يسمح بنفاذ الضوء، فهو المحرض على الرزيلة، وهو من وسد الحبل حول معصم يداه، ودائما يحاول لفة حول جسد ورقبه الشخصية الرئيسية ليدفعه إلى الانتحار.
قام المخرج بإعداد موسيقى مستخدماً آلات وترية شرقية عبارة عن العود والقانون ليعبر بها عن الشجن والتفكير في الاتجاه نحو الطريق السليم طريق العادات والتقاليد الشرقية على الرغم من أن هذا العرض يتبع المدرسة العبثية التي نشأت في الغرب، ولتمصير العرض تم ذكر اسماء مؤلفين مصريين مثل نجيب محفوظ وعباس العقاد.
نجح المخرج في التعامل مع هذا العرض بخطة شديدة الذكاء والحرفية العالية باستخدام جميع أدواته حتى لا يشعر المتلقي بنوع من الملل، حيث أن هذه العروض لابد من الحرص والعناية الفائقة عند التصدي لتقديمها وخاصة أداء الممثلين.
التحية واجبة لجميع المشاركين في العرض وكل من ساهم في خروج هذا العرض إلى النور.