العدد 876 صدر بتاريخ 10يونيو2024
في ظل تطلعنا إلى إعادة إحياء التراث الثقافي والتنويري لمصر، برزت مبادرة “وُلد هنا” لفرقة المواجهة والتجوال، تسعى إلى تسليط الضوء على الشخصيات البطولية والمفكرين المؤثرين في مختلف أنحاء مصر. بقيادة المخرج محمد الشرقاوي، تحت رعاية وزارة الثقافة، تتجول هذه المبادرة عبر المحافظات المصرية، لتستعرض قصص أبطال مجهولين ساهموا في بناء وصياغة تاريخ مصر. يقدم المخرج سعيد سليمان ضمن المبادرة عرضه «السمسمية» حيث يجسد المشروع رؤية سليمان في استخدام الفن المسرحي كأداة للتنوير ونشر الوعي الثقافي ويتناول العرض بعض من أبطال القناة وسيناء، وفي هذا الحوار، يكشف لنا سعيد سليمان عن دوافعه وراء اختيار هذه الشخصيات والحقبة التاريخية، ويحدثنا عن أهمية الفن الشعبي في تجسيد روح المقاومة والنضال.
والعمل بطولة مجموعة من الممثلين، كتابة وإخراج سعيد سليمان، رؤية موسيقى هيثم درويش، ملابس سماح نبيل، مكياج رحاب طايع، مساعدي الإخراج رحمة محمد، دنيا بكر، مخرجون منفذون عليا عبدالخالق، وفاطمة عصمت، أحمد ماهر.
حدثنا عن مبادرة ولد هنآ والهدف منها؟
أطلقت مبادرة «وُلد هنا» ضمن مشروع مسرح التجوال بهدف تسليط الضوء على الشخصيات التنويرية في مختلف أنحاء مصر، بما في ذلك الصعيد ومدن القناة وسيناء. وتهدف المبادرة إلى إبراز الأبطال والمثقفين والمفكرين الذين كان لهم تأثير كبير في بيئاتهم المحلية. تتنقل عروض المبادرة بين المحافظات تحت رعاية وزارة الثقافة وعدد من الوزارات الأخرى المهتمة بهذا الاتجاه، بهدف نشر الوعي الثقافي والتنوير في جميع ربوع مصر.
لماذا اخترت اسم السمسمية كتيمة للعرض؟
اختيرت آلة السمسمية لتكون اسم العرض لأنها تُعَدُّ رمزًا مميزًا في مدن القناة وسيناء، لعبت دوراً محورياً حيث بنيت عليها كل الأغاني الوطنية، والمقاومة الشعبية مرتبطة جدا بآلة السمسمية وكأنها نشأت في ظل المقاومة والحرب والصراع، فارتبطت السمسمية بشكل وثيق بهذه الفترات، مما يجعلها ليست مجرد آلة موسيقية للمتعة والطرب، بل أداة تحفيزية وحماسية للنضال والمقاومة ورمزا لكل هذه الشخصيات التي جسدها العرض، قصص الأبطال، من الرجال والنساء والأطفال، الذين واجهوا الاحتلال والعدوان في ظروف صعبة، وهذا تتميز به مدن القناة مثل مدينة السويس وهي تحت الحصار. يتناول العرض بطولاتهم وتضحياتهم، ويعرض جوانب من حياتهم تسلط الضوء على دورهم الملهم في تاريخ مصر، بهدف تعريف الجيل الجديد بهؤلاء الأبطال غير المعروفين وليس فقط مجرد عرض لحياتهم الشخصية.
ولماذا اخترت فترة العدواني الثلاثي تحديدا للعمل عليها؟
اخترت تلك الفترة لتكون محور العرض لأن مدن القناة وسيناء ترتبط بشكل وثيق بهذه الفترة التاريخية. تراثهم الغنائي والشعبي، بالإضافة إلى طقوس مثل حرق الدمية في بورسعيد، والحنة، والبمبوطية، معظمها مرتبطة بهذه الفترة أحداث نكسة 67 وحرب 73؛ فالموقع الاستراتيجي لهذه المدن بالقرب من قناة السويس جعلها في مواجهة مباشرة مع العدوان، سواء كان العدوان الثلاثي أو الإسرائيلي. هذا الموقع الجغرافي أدى إلى تعرضها المستمر للغارات والهجمات، على عكس المناطق الأخرى في مصر البعيدة عنهم. مدن القناة لم يكن أمامها سوى خيارين: الاستسلام أو المقاومة، فاختارت المقاومة وضحت بالكثير في سبيل ذلك. لذلك، تعد هذه الفترة الزمنية من أهم فترات القدر السياسي والمقاومة الشعبية التي فرضت على سكان هذه المدن بحكم موقعهم الاستراتيجي.
من أبرز الشخصيات التي استعنت بها في العرض؟
أبرز العرض عدداً من الشخصيات المميزة من مدن القناة وسيناء، حيث تم اختيار شخصين من كل مدينة لتجسيد تنوع وتفرد أعمالهم البطولية. من بين الشخصيات المختارة عليه الشطوي وزينب الكفراوي من بورسعيد، وجلال الهاشم من الإسماعيلية وكابتن الغزالي من السويس، آمنة دهشان وعلي زنجير، وفتحية الاخرس. كل هؤلاء لهم جهودًا بارزة في دعم المقاومة الشعبية، حاولت قدر الإمكان اللجوء لشخصيات مختلفة بمواقف مختلفة لاتتشابه أفعالها، فهناك من هربت من المنزل في طفولتها لتنضم للمقاومة، وجلال عبده هاشم الذي كانت لديه رؤية فنية منذ طفولته، حيث كان يتمنى صنع تمثال لأطفال المقاومة الشعبية، معبرًا عن تقديره وشغفه بالنضال، وكابتن الغزالي الذي استخدم الفن كأداة للمقاومة، حيث ألف وكتب ولحن أغاني تحفز الناس على النضال والمقاومة ضد العدوان.
هناك الكثير من الشخصيات قدمت أفعالا بطولية تتراوح بين المشاركة في المقاومة، والتضحية الشخصية، واستخدام الفن كوسيلة للتحفيز والنضال. تؤكد فكرة العرض على تنوع الشخصيات وأفعالهم، وتسلط الضوء على النماذج التي يمكن أن تكون مقدمة لسلسلة من العروض المستقبلية. هذه السلسلة يمكن أن تتناول المزيد من الشخصيات غير المعروفة التي تستحق الاهتمام والتكريم، مما يفتح الباب أمام عروض مستقبلية تحت عنوان «السمسمية 1 و2 و3»، وهكذا، لتسليط الضوء على المزيد من الأبطال الذين ساهموا في المقاومة والنضال.
*كيف ساهمت عناصر العرض المسرحي في توضيح رؤيتك؟
لعبت سماح نبيل، مهندسة الديكور والملابس، دوراً محورياً في توضيح رؤيتي للعرض. الديكور كان بسيطاً وأشبه بالوثائقية، من خلال تضمين الجرائد والأخبار على البانوهات التي تغطي فترات العدوان الثلاثي حتى نصر أكتوبر، إضافة إلى بعض أدوات التمريض على البانوهات، مما يعكس أجواء المقاومة بالكلمة والسلاح والفن. استغللنا الديكور بجعله متحركا، بحيث يحركه الممثلون كنوع من الشمولية، ليعبر عن حالة الحصار، مثل حصار السويس، أو ليعرف المكان كالوحدة الصحية، أو كخلفية تاريخية وثائقية للفترة المحددة.
كانت الإضاءة كانت مكملة لهذه الرؤية، حيث تجنبت الألوان الأكلاشيهية، مثل الأحمر للشر والأخضر للخير، فأنا أحب العمل بالأبيض والأسود، الظلال والنور، ليس استعراضاً ولكن أعتني بتقديم جوهر الشخصيات بشكل أعمق. العرض كان غنيا، لم يكن سطحياً، بل كان يهدف إلى إبراز الغنى الداخلي للشخصيات.
عناصر العرض كلها كانت تخدم هذا الاتجاه ببساطة شديدة، وبأقل الإمكانيات استطعنا إيصال الكثير. اعتمدنا على مكاشفة العناصر، حيث يستبدل الممثلون ملابسهم على المسرح ويغيرون الإكسسوارات دون كواليس.
لماذا اخترت في بداية العرض أن يكون احتفالاً يبدأ من الساحة وينتهي على خشبة المسرح؟
بداية العرض بالاحتفال الذي يبدأ من الساحة وينتهي على خشبة المسرح لم تكن مجرد شكلية لجذب الجمهور، بل كانت جزءًا أساسيًا من الطقس الذي يجب أن يتعرف عليه المتفرج قبل دخول المسرح، وهو طقس حرق الدمية أو «اللمبي». هذا الطقس كان يُمارس كل عام، وفي العرض، لم تكن الدمية تمثل ضابطًا إنجليزيًا بل كانت دمية بلا ملامح، يقوم الممثلون بتشكيل ملامحها من خلال كلامهم، مثل وصفها بأنها كسولة وباردة العينين.
هذه الدمية، التي يسميها الممثلون «أخينا»، تكون موجودة طوال الأحداث بشكل غير مباشر. وفي نهاية العرض، يتم تقديم «أخينا» مجددًا ليعطوه نصيحة لتغيير خموله وكسله، مما يجعل الرسالة واضحة جدًا للجيل الجديد. لذلك، كان من المهم أن يتعرف الجمهور على «أخينا» في طقس الحرق الذي يستكمل داخل المسرح، مما يجعله جزءًا أساسيًا ومكملًا دراميًا لعرض «السمسمية».
قدمت نماذج متنوعة للمقاومة منها من حمل السلاح ومنها من كان الشعر والفن سلاحه.. فكيف ترى تأثير الفن الشعبي في المقاومة لدى الشعوب؟
المقاومة هي التي أدت إلى نشوء هذا النوع من الفن الشعبي، خاصة في مدن القناة وسيناء، حيث أثرت الظروف السياسية التي مرت بها هذه المدن وأدت لفن شعبي مختلف. هذا التأثير تجلى في طقس «اللمبي»، وأغاني السمسمية الوطنية، وبعض الرقصات. يمكن القول إن الفن الشعبي ينبع من الظروف المحيطة، وهو ليس مجرد فن مطلق بل مرتبط بالسياق السياسي والاجتماعي. على سبيل المثال، في الصعيد، تؤدي الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلى فن شعبي مختلف تمامًا عن مدن القناة وسيناء. الفارق بين آلة الناي في الجنوب والسمسمية في مدن القناة وسيناء كبير جدًا؛ فالناي يشجي ويعبر عن الحزن والصبر على الأقدار، بينما السمسمية تعبّر عن الثورة والغضب والنضال. الفن الشعبي، سواء كان موسيقيًا أو حركيًا أو راقصًا أو تشكيليًا، هو نتاج للظروف المحيطة التي تؤدي إلى ظهور هذا النوع من التعبير الفني.
هل يمكننا القول أن العرض إسقاط على الواقع الحالي خاصة مع وجود حالة مشابهة اليوم وهي الأحداث في فلسطين ؟
بالطبع، هناك إسقاط على الوضع الحالي. فكرة المقاومة تتماشى مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وقد تمت الإشارة إلى إسرائيل وعلاقتها بالغزو خلال الاستعراض التاريخي في العرض. فكرة المقاومة ليست محصورة في زمن أو مكان معين، بل هي تتماشى مع أي بلد يقاوم من أجل حريته وكرامته. ولكن الإسقاط الأكبر بالنسبة لي هو على الجيل الجديد. فبينما لا يواجه هذا الجيل حربًا أو احتلالًا تقليديًا، فإن العرض يطرح سؤالاً حول موقفهم من النماذج التي نقدمها. يجب على الشباب أن يقاوموا، ليس بالضرورة الاحتلال، بل ظروفهم الشخصية والخاصة. قد يكون البطل في حياته ومؤثرًا في محيطه، لذا ينبغي أن يقاوم الظروف التي تمنعه من أن يكون هذا المؤثر والبطل. هذا هو الإسقاط الأهم في الواقع المصري: أن يقاوم الفرد في حياته الخاصة الظروف التي تعيقه عن تحقيق طموحاته وأن يكون إنسانًا مثاليًا ومؤمنًا بأهدافه، فيواجه كل ما يحبطه ويهزمه.
*استغرق تدريب الممثلين ستة أشهر فلماذا تصر دائماً على تدريب الممثل ليكون ممثل شامل؟
اهتمامي بالمؤدي الشامل يعود إلى أواخر التسعينيات مع بداياتي في المسرح. هذه الفكرة أيضا نابعة من التراث الشعبي الغني بالمؤدي الشامل؛ فحتى الحكّاء في تراثنا كان يؤدي دوره بشكل حركي، يغني ويتحرك ويشخص الشخصيات. في التراث الشعبي القديم، المشخصاتي. كان فناناً شاملًا، يعزف على الآلة، يغني، ويمثل، وهذا متجذر في الفن الشعبي حتى العالمي. لذا، عندما أتعامل مع التراث الشعبي، أتبنى هذا القالب للمؤدي الشامل، وينطبق الأمر نفسه على الممثل.
والحقيقة أن هذه الفكرة موجودة على المستوى العالمي وبدأت تنتشر في مصر وبعض البلدان العربية. فهي ليست مجرد صيحة، بل تستند إلى كيفية توظيف التراث الشعبي والصوفي الذي يأخذ من البيئة ويطورها. أؤمن بأن خصوصية المسرح تختلف عن التلفزيون والسينما؛ فالمسرح هو عرض شامل يتضمن الكلمة والحركة والفن التشكيلي والموسيقى، ولهذا يُسمى «أبو الفنون» وبالتالي مهم أن يكون المخرج والمؤدي هكذا.
في مدن القناة، نجد أن في الضمة مثلا ملتفين حول بعضهم والفرق الموسيقية يتبادل فيها الأعضاء الأدوار؛ فالعازف يغني والمغني يعزف. هذا النوع من الأداء المتكامل يحتاج إلى تدريبات مكثفة، وهو ما جعل التدريب يستغرق ستة أشهر لتدريب الممثلين ليصبحوا مؤدين شاملين. إنهم بحاجة إلى تطوير مهاراتهم في الاستماع والحركة والغناء، وهذا ما يجعل العمل المسرحي الذي أقوم به مميزاً ومتجانساً.
ما المختلف في هذا العرض عما قدمته من قبل؟
هذا العرض هو أول تجربة لي مع تراث القناة وسيناء، حيث تعاملت مع تقاليد البمبوطية، الضمة، الحنة السويسية، وطقس اللمبي، بالإضافة إلى أغاني السمسمية والمقاومة. وما يميز هذا التراث أن شكله ومضمونة لايمكن فصلهما، ربما في المستقبل، قد أطرح تساؤلات حول إمكانية تقديم السمسمية في سياقات أخرى، ربما عبر حوار مع آلات مثل الناي أو الكولة، لكن في هذا العرض، كانت السمسمية مرتبطة بشكل وثيق بالمقاومة.
لماذا اخترت استخدام الحكي؟
اخترت الحكي لأنني أردت أن تتواصل الشخصيات بشكل مباشر مع الجمهور، مما يخلق جوًا حميميًا. بدلًا من وجود راوٍ، تتحدث الشخصيات عن نفسها وتشخص أدوارها، مما يقربها من الجمهور ويجعلهم يتعرفون عليها مباشرة. كما أنني استخدمت تنوعًا في أساليب الحكي، بما في ذلك الحكي عبر الزملاء، الغناء، الكلام، الرقص، وأحيانًا بدون أي وسيلة. حاولنا ابتكار نوع جديد من الحكي هذا التنوع في الحكي يهدف إلى جعل الشخصيات أكثر قربًا وحميمية للجمهور، ويمنح العرض ثراءً في طرق التعبير.
هل سوف يستهدف العرض الأماكن الفقيرة ثقافيا ولا يوجد بها مسارح أم قصور الثقافة في المحافظات؟
بالفعل تم مراعاة ذلك وسيعرض في أماكن غير تقليدية مثل الملاعب والساحات ومراكز الشباب وهو تحدٍ كبير ومثير في الوقت نفسه. هذا النوع من العروض يخلق ما أسميه «تجديد البحث المسرحي»، حيث يفرض علينا ظروفًا جديدة تتطلب إعادة النظر في السينوغرافيا والعلاقة مع الجمهور؛ مما يتيح نوعًا مختلفًا من التلقي والفهم. وهذا البحث المسرحي هو فرصة ثمينة لي للاستفادة منه كمبدع.
السر في اهتمامك بالتراث الصوفي والموال الشعبي؟
اهتمامي بالتراث الصوفي والموال الشعبي يعود إلى طفولتي حيث كنت معتادًا على تلك الأجواء منذ الصغر، حيث كنت أشارك في حلقات الذكر والرقص الصوفي مع والدي . دراستي لهذا التراث لم تكن مقتصرة على المعرفة النظرية فقط، بل عشت تجاربه العملية والجسدية أيضا، قمت بدراسة ومقارنة التصوف في مختلف الديانات، فكل العالم لديه رسمي والصوفي الجوهرية لهذا الدين؛ مما أعطاني رؤية شاملة عن هذا العالم. استلهمت التراث الشعبي والصوفي في أعمالي المسرحية، حيث قمت بتجريب مختلف الأساليب والنماذج، وغالبًا ما قمت بتغيير الأشكال التقليدية لهذا التراث لابتكار أعمال جديدة ومتجددة. بحثي الأول في الدراسة كان بعنوان»الأداء الحركي في الذكر بين الدراما والتجريب». تأثرت في الثقافة الجماهيرية من خلال ال100 ليلة وتأثرت بأعمال عبد الرحمن شافعي ويسري الجندي وغيرهم، مما دفعني للتجريب في التراث الشعبي وتجسيده بأساليب جديدة في أعمالي المسرحية بعيدا عن النقل او الشكل الوثائقي، فيمكن وضع النصوص العالمية في قلب التراث مثلما فعلت في ماكبس استبدال التراث الأسباني بالتراث المصري في عرس الدم، ما جعلني أدمج نصوصًا عالمية مع التراث الشعبي لإنتاج أعمال جديدة ومتجددة.
كيف ترى قول البعض انه للحفاظ على الهوية علينا دائما العودة للتراث؟
العودة للتراث للحفاظ على الهوية أمر مهم ولكن كيف؟ فالفكرة تكمن في النظرة الذاتية من المبدع للتراث الشعبي؛ لأنه ليس كل ماهو تراث يعبر عن هويتنا، وعن نفسي فقد استخدمت التراث في وقت ما هجوما على التراث السلبي، فهناك مثلا في التراث نوع من أنواع القهر وخاصة في جنوب مصر سواء قهر الرجل للمرأة أو قهر الاحتلال لبعض الأفراد في حين أن هناك أشياء أخرى تشد همم المواطنين مثل سيف الدين يزن وذات الهمة وهكذا فالتراث ملئ بالمتناقضات. هناك تراث سلبي يؤدي للضعف وهذا لايجب التمسك به، بل يجب تحويله لإيجابي من خلال استكشافه وتجسيده بأساليب جديدة تعكس الحاضر وتتفاعل معه، فتكون العلاقة متجددة وتفاعلية وإيجابية. فلابد ان تحدد علاقتك بالتراث حتى لا يكون متحفي.
من خلال متابعتي لأعمالك لاحظت اهتمامك بالعرض في أماكن تجعل الممثل قريب من الجمهور.. لماذا؟
اهتمامي بالاقتراب من الجمهور ينبع من مفهوم مسرح المشاركة والتفاعلية. منذ بداية عملي في المسرح، كنت أعمل في أماكن مختلفة مثل الدوائر، القاعات، والساحات، وقدمت عروضًا مثل «أوديب» لسوفوكليس في حديقة، حيث كان الجمهور ملتفًا حول العرض. هذا الشكل الحميمي يأتي من التراث الشعبي الذي يعتمد على التفاعلية والتشاركية، يتفاعل الجمهور مع المؤدي، سواء كان على الربابة أو في الإنشاد الصوفي، بالمشاركة في الحديث، الرقص، والغناء. يتفاعل الجمهور بالسؤال والاستفسار، ويقوم الراوي بتعديل حكايته بناءً على تفاعل الجمهور. على سبيل المثال، إذا شعر عازف الربابة أن الجمهور غير مرتاح لهزيمة أبو زيد في جزء معين يغير من وطأة الهزيمة وإيقاع الحكاية لتخفيف ذلك. هذه التفاعلية مهمة جدا للممثل في تدريباته واحتكاكه بالجمهور، لذا أقول دائمًا للممثلين: «خذوا الجمهور في حضنكم وأنتم على المسرح».
يجب ان تشعر بأنفاسهم وتفاعلاتهم العصبية. ولابد ان تكون متحكم في الجهاز العصبي أثناء قيامك بالتمثيل أو الحكي. تربيت على هذا النهج منذ بداياتي، حتى قبل دراستي للمسرح، وتأثرت بالتجارب الطليعية في الستينات. تربيت على جروتسكي وكنت أعتقد أن هذا هو المسرح التقليدي لكنه كان ضد المسرح التقليدي، وكان يبتكر أشكالا مختلفة للتفاعل مع الجمهور في كل عرض، وقد استفدت من هذه التجارب. فلسفتي الشخصية تقوم على إيجاد هذا الاتصال الحميم مع الجمهور. بالنسبة لي، المسرح ليس مجرد مكان يجلس فيه الجمهور ليشاهد العرض، بل يجب أن يكون في حالة من التأمل وإعادة النظر والتفاعل العميق مع ما يُعرض عليه. يجب أن يشعر الجمهور بالتأثر والإلهام والتفاعل، وهذا يتجلى بوضوح في التراث الشعبي الذي يسعى دائمًا لجعل الجمهور جزءً من الحكاية والأداء
لماذا يندر تقديم هذا النوع من مسرح السيرة الذاتية؟
مسرح السيرة الذاتية نابع من هم المبدع، لأنه ليس مجرد نقل للأحداث والشخصيات. يجب أن يتناول المبدع السيرة الذاتية بطريقة إبداعية، تجعل الجمهور يشعر وكأن الأحداث تتحدث إليه شخصيًا.
إن مجرد تقديم سيرة ذاتية بشكل تقليدي يمكن أن يكون مملًا وسهل النسيان، لكن التناول الإبداعي يجعلها تنبض بالحياة وتؤثر في الجمهور. المسرح ليس كتابًا يُقرأ أو فيلمًا وثائقيًا يُعرض، بل هو تجربة تفاعلية يجب أن تجعل الجمهور يشعر بأنه جزء من القصة. لذلك، يجب أن تكون السيرة الذاتية مسرحية قادرة على إحداث علاقة شخصية بين المتفرج والأحداث المعروضة، وكأنها تحاكي تجاربه ومشاعره. وليست مجرد سرد للحياة الشخصية.
على الرغم من ندرة هذا النوع من المسرح كما ذكرتي وأنه كما أشرت هم شخصي إلا اني أتمنى أن يلقى اهتمامًا أكبر في المستقبل، لأن لديه القدرة على تقديم تجارب مسرحية فريدة وملهمة تجعل الجمهور يعيد النظر في حياته وتجربته الشخصية.
في الغالب تلجأ إلى إخراج أعمال من تأليفك، فهل ذلك بسبب عدم ثقتك في تناول الآخرين لها؟
الأعمال تكون من تأليفي باستمرار لأن كل عمل بالنسبة لي يمثل مشروعًا وليس مجرد مسرحية. بمعنى آخر، أنا أتعامل مع فكرة أو اتجاه محدد يسبق النص المكتوب. مع احترامي الكامل للمؤلفين الزملاء والأساتذة، إلا أنني أرى أن المشروع الذي أعمل عليه هو مشروعي الشخصي، وهذا يتطلب أن أبدأ بفكرة تتبلور على الورق من خلال ست أو سبع صفحات فقط في البداية. هذه الصفحات القليلة تكتمل وتتطور أثناء البروفات على خشبة المسرح، من خلال التدريبات والإضافات التي يتم العمل عليها بشكل مشترك مع الفريق. لذلك، لا أبدأ بنص تقليدي متكامل من الألف إلى الياء، بل بمشروع يبدأ بفكرة ويُطوَّر تدريجيًا حتى يكتمل.
أحيانًا، نادرًا ما أعمل على نصوص من تأليف زملاء، كما حدث مع نص «شتات» لرشا فلتس، والذي كان مشروعها الخاص. لكن بشكل عام، النص يأتي في المرتبة الثانية بعد الفكرة أو المشروع الذي أريده. لهذا السبب، أقول دائمًا أن ما أقدمه هو مشروع أكثر من كونه نصًا مؤلفًا تقليديًا.
إي أن كل عمل قدمته يمثل مشروعا خاصا؟
من خلال أعمالي، كل عمل يمثل مشروعًا جديدًا بالنسبة لي. مسرحية «الإنسان الطيب» تمثل محاولة لاستكشاف عوالم الحضرة والصوفية بمشاركة الجمهور، بينما مسرحية «شامان» تسلط الضوء على الجانب الباطني من الإنسان. أما «ترنيمة الفلاح الفصيح»، فتمثل توجهًا جديدًا نحو عالم مصر القديمة في تراث مختلف وغني لم يستغل بعد.
قمت أيضًا بإدخال النصوص العالمية في التراث الشعبي، وايضًا مشروع موسيقي كامل من خلال مشروع «الأوبرا الشعبية»، وقدمت فيه ثلاث تجارب» ياسين وبهية»، »حي بن يقظان»، و»الإنسان الطيب»، مشروع الممثل الشامل. كل عمل لديه ميزته الخاصة، وأنا دائما أسعى لاكتشاف المزيد في تراثنا الغني والمتنوع.
هل هناك جديد بعد السمسمية؟
كان هناك تعبيرا لبيتر بروك وهو الحدث الفني» لازم أعمل المشروع حالا» وبعد «السمسمية»، هناك العديد من المشاريع الجديدة في الدرج، ولكن ليس هناك هذا الحدث الفني لأيهما يجب تقديمه.