المسرحية المجهولة .. بار العجائب!!

المسرحية المجهولة .. بار العجائب!!

العدد 876 صدر بتاريخ 10يونيو2024

تحدثت من قبل عن مسرحيتي «ليلة غرام» و«الرفق بالحموات» وأثبت عدم معرفتي بأنهما لفرقة الريحاني! ولولا وجود إشارة غامضة عن الأولى، وإعلان وحيد عن الأخرى – دون وجود أية دراسة أو مقالة ذكرتهما من قبل -  ما كنت حسبتهما ضمن تاريخ الريحاني المسرحي!! أقول هذا الكلام لأنني اكتشفت نصاً مسرحياً عنوانه «بار العجائب»!! وحسب ما هو مكتوب على غلافه أنه من فصلين كتبهما نجيب الريحاني وبديع خيري، والمسرحية خاصة بفرقة نجيب الريحاني، ونالت ترخيصاً بتمثيلها يوم 5/4/1934. وللأسف هذه المسرحية لم يُمثلها الريحاني ولا غيره، ولم نسمع بها، ولم نقرأ عنها، ولم يأت ذكرها في «جميع» أنواع المذكرات التي نُشرت للريحاني، حتى المذكرات المجهولة التي اكتشفتها من قبل ونشرتها!! وإذا تتبعنا فرقة الريحاني بعد تاريخ التصريح بتمثيل هذه المسرحية، لنعرف مصيرها، سنجد الفرقة تعرض مسرحياتها القديمة في فلسطين والشام – كما سنرى – مما يعني أن نص مسرحية «بار العحائب» اكتشاف عمره تسعون عاماً، لذلك سأتحدث عنه بشيء من التفصيل!!
النص الذي بين يدي صورته غير مرتب! فعلى الرغم من اشتماله على فصلين إلا أن نهايته لا توحي بأن النص مكتمل!! وظني أنه من فصلين وينقصه الثالث، وهو الأمر الذي تطرقنا إليه كثيراً – فيما سبق – بأن الريحاني دائماً ما كان يقدم للرقابة فصلين فقط من المسرحية لأخذ التصريح بتمثيلها، ثم يؤلف الثالث قبل الافتتاح بيوم أو بساعات، أو يقدمه مرتجلاً!! ولعل القارئ يستبعد هذا الظن إلا أن التقرير الذي كتبه الرقيب خلف أول صفحة من نص المسرحية يؤكد هذا الظن، عندما قال في تقريره: «ريفو ميوزك هول في عدة مناظر لا مغزى لها ولا معنى غير أنها ترمي إلى إثارة الضحك وإدخال السرور والنعنشة على نفوس المستمعين وهو من النوع الذي اشتهر به الأستاذ الريحاني وأتقنه. ولا مانع من التصريح به أسوة بالماضي». أما نص التصريح بالتمثيل الصادر من مدير إدارة المطبوعات – أي مدير الرقابة المسرحية – التابعة لإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية، فيقول: «حضرة صاحب السعادة محافظ مصر، أتشرف بأن أرسل مع هذا نسخة من رواية «بار العجايب» التي رخص بها وهي «تأليف/ تعريب» نجيب الريحاني، وستمثل بتاريخ – لم يُحدد – سنة 1934، بتياترو برنتانيا. فالأمل التنبيه بحفظها للإشراف على التمثيل بمقتضاها مع مراعاة ما حذف منها في الصفحات ... ومراقبة عدم إلقائه أو تمثيله .. تحريراً في 5/5/1934 [توقيع] مدير المطبوعات».
ولعل افتتاحية الفصل الأول تبين عن فحوى المسرحية وأحداثها قبل أن تبدأ، كون أحداثها تدور داخل صالة رقص وغناء، فيقول «عزوز» صاحب الصالة: «أتشرف أن أمسي عليكم في هذا الحفل الكريم اللي جمع حضراتكم في هذا المكان الذي لم أدخر وسعاً في الإنفاق عليه بكل كرم .. أنا بنيته مخصوص علشان راحتكم .. صحيح أنا ما دفعتش فيه ولا مليم لكن المساهمين حطوا حبابي عنيهم علشان خاطر عيونكم. حبيت أشهر الحرب العظمى على الأزمة العالمية وقد حصل! قصدي إنكم تفرفشو وتزأططو وتبعدوا عنكم الأتراح .. محلي ده عبارة عن كتلة تفريح .. فقولوا معايا يحيا التفريح .. بواسطة الموسيقى والألحان وبنت الحان يمكنني أن أسيطر على الكآبة وأجيب دماغها الأرض .. اللي يدخل عندي مبوز ولا مكشر يطلع فرحان وفطسان على روحه من الضحك حاينسر جداً .. ومقابل ذلك على حضراتكم أن تبحبحونا بإنفاقكم الإنفاق المعقول اللي يؤدي بالغرض المطلوب في هذا المحل الأمين .. أنا واثق إنكم لما تتفرجو على البروجرام الطويل العريض اللي أنا موضبه اللي حافاجئكم به حاتنسروا جداً وحاتطول أعماركم طاقات هنا .. المحل اللي يطول العمر ولا يطول العمر إلا إذا كان الإنسان بيضحك ويكون مفرفش فهل في الدنيا هدية الواحد يقدمها لأحبابه غير الضحك والتفريح .. سيداتي وسادتي إذا عجبتكم حفلتنا الليلة دي ما تنسوش تقولوا لأصدقائكم وحبايبكم إنهم يشرفونا .. وإذا كان بروجرامنا لسبب من الأسباب ما يعجبكوش ولا يبسطكوش مافيش مانع من كونكم تبعتوا أعداءكم والأشخاص اللي تتمنولهم الغم والهم والنكد .. وبكده تكونوا انتقمتم منهم أشنع انتقام وصرفتوهم فلوس فوق البيعة .. لكن أنا واثق من أمتنانكم مقدماً لأن النمر اللي حانتشرف بتقديمها لحضرتكم غنية عن التعريف وغنية بأبهتها وعظمتها».
أول نمرة – في أحداث المسرحية - كانت بعنوان «منفوخ قوي» بطولة أنيسة وهريدي، وبعد الإعلان عنها يكتشف «عزوز» - صاحب الصالة – أن أنيسة لم تحضر أصلاً!! فيضطر إلى تقديم نمرة أخرى بواسطته وهي الإعلان عن «بار العجائب»، وهنا تظهر أنيسة وتوبخه لأنه أعلن عن نمرتها قبل مجيئها، ثم تصعد على خشبة المسرح لتؤدي نمرتها، فيلاحظ عزوز عدم وجود هريدي، فيسألها أين هو؟ فترد عليه: «إيش عرفني .. بقاله ثلاث أيام ما بينامش عندي»!! وعبارة «ما بينامش عندي» محذوفة بالقلم الأحمر بواسطة الرقيب!! ثم نجد مجموعة من الزبائن - منهما الصعيدي والشامي وسنطاوي وفرفور - تحوم حولهم مجموعة من فتيات الليل، وبعد فترة يطلب رئيس الأوركستر من «عزوز» صاحب الصالة فترة راحة، فيرد عليه قائلاً: «مافيش هنا حاجة اسمها راحة .. المزيكة لما ما بتدقش الزباين بتفكر في أشغالهم في مشاغلهم في حيواتهم وبكده يضيع عليهم تأثير الحفلة .. لكن لما المزيكة تدق يا عبيط يبقى الزبون متمغنط .. يلا يا خويا».
ثم نجد حواراً بين «رزة» و«لطافة» وهما من بنات الليل يعملان في البار، والحوار بينهما عن كيفية تصنيف الزبائن ومدى سخائهم في الصرف!! والجدير بالذكر أن الرقابة تدخلت في جزء من الحوار الذي دار بين «الصعيدي» و«المتر دوتيل» عندما نادي الصعيدي الجرسون قائلاً: «إيه مافيش حد يخدم علينا ولا إيه؟»، فيرد عليه «يني»: أفندم إحنا في الخدمة»، فيقول الصعيدي: «مافيش نِتي هنا؟»، فيرد عليه المتر دوتيل مبتسماً: «مدموازيل لطافة .. تعجبك!». وشطب الرقيب بالقلم الأحمر الجزء الأخير! وتكرر الأمر مرة أخرى عندما قال الصعيدي للمتر دوتيل: «هي النتاية اللي طلبناها فين؟» فيرد عليه المتر دوتيل: «حالاً يا فندم حالاً (لباخطرها) تعالي من فضلك جانسي المذكور» .. وشطب الرقيب هذا الحوار أيضاً.
أما «سنطاوي» فيأتي إلى الصالة بالأتوموبيل لبيعه للبارون «رود ندولف» فيرحب «عزوز» به ظناً أنه من الأثرياء، فيكتشف أنه سمسار لبيع السيارات، وجاء ليبيع سيارة للبارون، فيطمع عزوز أكثر في انتظار البارون الثري، ليكتشفوا في النهاية أن البارون شخصية مزيفة، انتحلها «هريدي» الرقاص في الصالة، والذي تأخر على نمرته مع نوسة، والذي أوهم سنطاوي بأنه بارون وغني وسيشتري الأتومبيل بألفي دولار!! وباقي المسرحية تدور حول قصص وأحوال رواد البار من أغنياء وفقراء ولصوص ونصابين، والكل يشغلهم الأزمة المالية وأحوال البورصة، مع كم هائل من المواقف الكوميدية المبنية على سوء التفاهم، وتنتهي المسرحية بانتهاء اليوم الأول لافتتاح الصالة، وكأن هذه الليلة صورة لما يحدث في المجتمع المصري أيام الأزمة المالية!!
كما قلت سابقاً، لم يمثل الريحاني هذه المسرحية في هذا التاريخ، لأنه كان يستعد للسفر إلى فلسطين، كي يشترك بعروضه في المعرض الوطني بالقدس! وبالفعل سافرت الفرقة وبدأت الصحف الفلسطينية تُعلن عن حفلاتها، مثل جريدة «الجامعة العربية» التي نشرت إعلاناً يوم 25/4/1934 – كررته في أعداد كثيرة – قالت فيه: « بشرى لعشاق الكوميدي بقدوم الأستاذ نجيب الريحاني «كشكش بك» إلى فلسطين مع فرقته الشهيرة المؤلفة من 40 ممثل وممثلة مع أوركسترا راقية واستعداد فني كبير، وسيبدأ عرض رواياته في القدس على مسرح سينما أديسون أيام 8 و9 و10 أيار القادم. ومن ثم يحيي حفلتين كبيرتين في يافا يومي 11 و12 أيار على مسرح سينما أبولو في العجمي». كما تابعت الجريدة نفسها أخبار العروض، فذكرت أن الفرقة عرضت على مسرح سينما أديسون مسرحيات: «الدنيا لما تضحك»، و«مستشفى المجانين»، و«ابحث عن المرأة». وكافة تفاصيل هذه الرحلة نشرتها – من قبل - في مقالة بعنوان «نجيب الريحاني ينجح في فلسطين» يوم 28/9/2020 بجريدة «مسرحنا» عدد «683» ضمن سلسلة مقالات «المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948».
عاد الريحاني من فلسطين وبدأ موسمه الصيفي في الإسكندرية، ونشرت جريدة «المقطم» إعلاناً في أواخر يونية 1934 عنوانه «تياترو لونابارك بالإبراهيمية»، جاء فيه الآتي: «بجوار محطة الترام بالإسكندرية السبت 30 يونية والأحد أول يولية الساعة 9 مساء الأستاذ نجيب الريحاني. يقدم للشعب الإسكندري بدعته الفنية الجديدة التي أدهشت جميع سكان العاصمة، ومُثلت شهرين متواليين على مسرح برنتانيا في مصر فحازت الإعجاب التام. شاهدها 200 ألف مصري هاتفين معجبين بملك الكوميديا الأستاذ نجيب الريحاني لأول مرة في الإسكندرية «الدنيا لما تضحك» ريفيو استعراضي 4 فصول للأستاذين بديع خيري ونجيب الريحاني. ثلاثين ممثلة وراقصة على المسرح. حفلات نهارية في كازينو الأنفوشي. ويوم الأحد أول يوليو بعد الظهر يمثل رواية «يا ولاد الحلال»».
وواصلت جريدة «المقطم» - طوال شهرين متواصلين - إعلاناتها اليومية لعروض فرقة الريحاني في تياترو لونابارك، ومنها: «حاجة حلوة، وليلة نغنغة، وحسن الحلوانى، وأولاد الحلال، وياسمينة، وآه من النسوان، وجنان في جنان، ونجمة الصباح، وعباسية، والجنيه المصري، وأبقى أغمزني، وأنا أموت في كده، ومستشفى المجاذيب، و60 ألف جنيه، وعلشان سواد عينيها، واتبحبح، وحلاق بغداد، والليالي الملاح، والبرنسيس، وكدبة أبريل، وفانو» .. والملاحظ وجود مسرحيات جديدة لم نقرأ عناوينها من قبل، وهذا غير صحيح حيث إنها عناوين أخرى لبعض المسرحيات، لإيهام الجمهور بأنها عروض جديدة - وقد ذكرنا ذلك من قبل – وهو أسلوب متبع في العروض المسرحية داخل مصر منذ القرن التاسع عشر.
انتهى موسم الصيف وانتهى العقد بين الريحاني وكازينو لونابارك بالإسكندرية، ونشرت مجلة «المصور» خبراً حول ذلك، قائلة: «كانت نهاية تعاقد الأستاذ نجيب الريحاني مع إدارة تياترو لونابارك بالإسكندرية يوم الأحد 19 أغسطس الجاري. وكان في نيته أن يعود بالفرقة إلى مصر في اليوم التالي، ولكنه جدد العقد مع التياترو بحيث تكون نهاية عمله الأحد 2 سبتمبر القادم، هذا إذا لم يتفق الطرفان بعد ذلك على امتداد جديد يكون نتيجة لإقبال الجمهور على حفلات الفرقة. وفي نيّة نجيب الريحاني بعد الفراغ من العمل بالإسكندرية أن يرافق الأستاذ بديع خيري في رحلة إلى باريس ربما استغرقت شهراً يعودان بعده إلى الاستعداد للموسم الشتائي الذي يبدأه نجيب بتياترو برنتانيا في شارع عماد الدين في منتصف شهر نوفمبر المقبل».
ومن الواضح أن صعوبات ما عرقلت تكوين الفرقة في شكلها النهائي، فتشكلت فرقة مؤقتة محدودة من أعضاء فرقة الريحاني، نشرت جريدة «أبو الهول» خبراً عنها في أواخر سبتمبر 1934، قالت فيه تحت عنوان «أفراد فرقة الريحاني»: «تكونت فرقة تمثيلية تجمع بين بعض أفراد فرقة الريحاني وهم الأفندية: محمد مصطفى، والفريد حداد، وعبد الفتاح القصري، وعبد الحليم القلعاوي، وانضم إليهم جانيت حبيب، وفردوس مصطفى، وجميلة توفيق، وزكريا أحمد، وسافرت هذه الفرقة يوم الأحد الماضي إلى طنطا للعمل بكازينو المنتزه، وسيكون برنامجها من نوع برامج الصالات، تمثل الروايات الصغيرة والاسكتشات. وهذه الفرقة مؤقتة حتى يعرف أعضاؤها ماذا يكون رأي الأستاذ نجيب الريحاني في الموسم الجديد».
وتوالت الأخبار التي تتحدث عن استعداد الفرقة للموسم الجديد، ومنها ما نشرته في أوائل نوفمبر 1934 مجلة «الصباح» قائلة: تم الاتفاق هذا الأسبوع بين الحاج مصطفى حفني والسيدتين عزيزة أمير وزينب شكيب [زوزو شكيب] للعمل بفرقة نجيب الريحاني في الموسم الجديد على مسرح برنتانيا. وكذلك تم الاتفاق مع كل من أستفان روستي، وبشارة واكيم، وعبد الحليم القلعاوي، وحسن فايق، وتوفيق صادق!! وكذلك ما نشرته مجلة «المصور» قائلة: انتهى الأستاذ نجيب الريحاني من تأليف فرقته واعتزم أن يفتتح موسمه في يوم الخميس 22 نوفمبر الجاري برواية «الشايب لما يدلع» من وضعه بالاشتراك مع أمير الزجالين بديع خيري. وقد انضم إلى الفرقة طائفة من ممثلي رمسيس بينهم حسن فايق وتوفيق صادق. كما انضم إليهم بشارة واكيم وأستفان روستي وعبد الفتاح القصري والسيدتان عزيزة أمير وزينب شكيب. 
أما جريدة «المقطم» فنشرت خبراً بعنوان «في لجنة التمثيل المسرحي»، قالت فيه: قدم نجيب الريحاني صباح اليوم إلى لجنة تشجيع التمثيل والسينما مذكرة بأسماء الممثلين والممثلات الذين أتفق معهم على التمثيل في الموسم الجديد، ويؤخذ من هذه المذكرة أن نجيب الريحاني سيبدأ موسمه الجديد يوم 22 نوفمبر الجاري بتياترو برنتانيا وأن الأستاذ بشارة واكيم، وأستفان روستي، وحسن فايق، والسيدة عزيزة أمير، وسرينا إبراهيم على رأس الممثلين والممثلات الذين سيشتركون في التمثيل معه». ونشرت الجريدة أول إعلان لبداية الموسم قائلة: نجيب الريحاني ببرنتانيا ابتداء من 22 رواية «الشايب لما يدلع» ثلاثة فصول لبديع خيري والريحاني. بطولة الريحاني، عزيزة أمير مؤسسة فن السينما في مصر، بشارة واكيم، زوزو شكيب، حسن فايق.


سيد علي إسماعيل