العدد 877 صدر بتاريخ 17يونيو2024
علي مسرح قصر ثقافة الزقازيق وفي إطار مهرجان إقليم شرق الدلتا المسرحي للعروض المنتجة من قبل الهيئة العامة لقصور الثقافة للعام المسرحي الحالي 2024م قدمت فرقة قصر ثقافة الزقازيق عرضا هام يعكس رؤية شابة لكتاب ومخرجين وممثلي المسرح الجماهيري وربما تعبر عن أفكار غيرهم من فنانين معاصرين حيال أبرز القضايا والمشكلات العربية بل والعالمية الراهنة وهي المسألة الفلسطينية إذ أن قضية الشعب الفلسطيني وما يعانيه الشعب العربي الفلسطيني من قتل وخراب ودمار واعتداء علي الحرمات الإنسانية من أطفال وعجائز ونساء وذوي احتياجات خاصة إذ لا يميز الصهاينة في عداوتهم بين محارب ومسالم ولذا لم تعد القضية محلية أو عربية وإنما أصبحت موضع اهتمام أغلب شعوب العالم خصوصا من يتمتع منهم بحس مرهف وشعور إنساني.
ورغم كثرة المدافعين عن القضية وانتشارهم في كل مكان يدهشنا أن يكون كل هذا الإجماع الجماهيري غير قادر حتي الآن علي وقف ما يرتكبه الكيان الإسرائيل من انتهاكات مخجلة في حق إنسان هذا الزمان وها نحن بصدد كاتب مسرحي شاب هو «أحمد سمير» الذي أخذ المبادرة وأدلي بدلوه وعرض رؤيته حول القضية في نص مسرحي يوثق لحكاية أرض الميعاد تلك التي علي أرض الواقع منحها من لا يملك لمن لا يستحق وفي العرض المسرحي أوضح كاتبنا جانبا من أهوال القسوة علي النفس والخشونة وجلد الذات الذي أستخدمه مؤسسو الكيان لأجل الاستمرار والبقاء علي نحو ما قدم العرض الذي حلل بوعي شديد ما يدور بنفس مجرم إحترف الإجرام يدعي (يهوذا) الذي جسد دوره وبكفاءة كبيرة وإحساس جاد نجم صاعد في عالم التمثيل الجماهيري هو «محمود الصعيدي» الذي وصل إلي درجة عالية من الإتقان حيث عبر عن الحالة التي وصلت إليها شخصية إجرامية استعذبت آلام البشر حتي أمسي لا يجد ما هو امتع من التعذيب وإراقة الدماء، ليبقي دليلا للإجرام وأيقونة للشر في عرض (كيبتوس) أو حكاية أرض “يهوذا” يقتل ويقتل حتي قتل ابنته آخر الأمر عندما وقعت في عشق عدوه وكفرت بقضيته قتلها بدم بارد ومن دون أدني تردد عندما أدرك أنها تحب شابا فلسطينيا وأنها قررت الهروب معه ومغادرة أرض الظلام التي لا مكان للحب فيها أما الفتي الفلسطيني العاشق لتلك الفتاة اليهودية التي فضلت الحب علي وهم الأرض فقد تراجع عن فكرته بالهرب عندما وجد آلة الحرب التي يقودها والد فاتنته قد حصدت عائلته ودمرت منزله.
وسط كل هذا الركام لم تتوقف المرأة الفلسطينية عن المقاومة والنضال من أجل تحرير الأرض من أجل مستقبل أفضل للأحفاد والأولاد تضحي المرأة الفلسطينية بالزوج والإبن والأب في سبيل القضية العادلة، ولعل أبرز لحظات العرض وأقوي منحنياته ما جاء بالخاتمة عندما أفسح المجال للمولود لكي يخرج إلي حيز الوجود من قلب العتمة ليكون بمثابة شمعة مضيئة تبدد الظلام وتؤكد علي استمرار المقاومة من أجل البقاء لينتهي هذا العرض الحماسي الميلودرامي بالأمل رغم كل ما في الواقع من شقاء وقد عمل الشباب المشارك بالتمثيل بجدية وتفاني لأجل أن يظهر عرض الأرض بالصورة الجادة والمستوي المشرف الذي ظهر به لذا أراهم من أهم عناصر نجاح هذا العمل المشرف الذي سجل موقف جاد تجاه قضية مصيرية فتحيه من القلب ومن هؤلاء الشباب “شهاب حسين” الذي قام بدور (أفرايم) ومحمد السادات الذي جسد دور (ياقوت) أحد الشخصيات العربية الصامدة في مواجهة طوفان الاحتلال و”عبده شلبي” الذي قام بدور (موسي) ومن الفتيات جميلات الإحساس اللاتي طفنا بنا في مكامن الأحزان «سلمي المنسي» التي قامت بدور (زينب) و»ندي الفيومي» في دور (رحيل) و»آلاء فتحي» في دور (عاتقة) ولا يتوقف الاجتهاد عند هؤلاء فقط وإنما يشاركهم الجميع بدأب وحماس جعل العرض يزداد صعودا حتي إختير من بين عروض كثيرة ليشارك في المهرجان النهائي ويعرض علي مسرح السامر أواخر يونيو 2024م، وبقي القول بأن الديكور المعبر الذي احتضن أحداث العرض من إبداع (العشوائي) الذي قسم الفضاء المسرحي عموديا إلي ثلاثة مستويات فوق بعضها عبرت عن مختلف مستويات صراعات الدراما حول القضية حيث يتدبر الفلسطينيون أمورهم في أدني مستوي -تحت الأرض- كما لو كانت الأنفاق تلك النوافذ التي يعتمدون عليها في تدبر أمور حياتهم بينما يتمتع المحتل المغتصب بالعيش علي أعلي مستوي ويعمل علي السيطرة علي المستوي الذي يفصل بينهم، ونأتي إلي موسيقي وألحان “أحمد زلطة” التي تستدعي الأحزان لا سيما في لحظات الفقد والاستشهاد والتي كانت تدعم الأحداث المسرحية من دون مبالغة أو تزييد وتؤمن لمصمم الاستعراضات “عبد الرحمن وفائي” إمكانية صياغة جملة تعبيرية حركية جيدة تسجم مع كافة عناصر الجدية والإجادة التي اكتملت بها تلك التجربة المسرحية.