المسرح والإذاعة .. ميلاد مشرق وحاضر غائم(2)

المسرح والإذاعة ..   ميلاد مشرق وحاضر غائم(2)

العدد 877 صدر بتاريخ 17يونيو2024


المسرح والإذاعة:
تأثرت كل الفنون بالمسرح وأثرت فيه، ولقد مرت العلاقة بين الإذاعة كوسيلة اتصال وتواصل بين المسرح بعدة مراحل، تبدى من خلالها اعتماد الإذاعة على فن المسرح في جذب أكبر عدد من المستمعين إلى الأثير، كما عمدت إلى الاستفادة من تأثير المسرح على المتلقي، في إيصال رسائلها المتعددة والمرتبطة بمختلف المراحل السياسية والاجتماعية، ومن أبرز تجليات علاقة المسرح بالإذاعة ملمحين مهمين :
- أولا: إذاعة المسرحيات 
  في هذه المرحلة  كان يتم  إذاعة العروض المسرحية كما تقدم على خشبة المسرح، أي أن ميكروفون الإذاعة يوضع في المسرح وينقل ما يحدث بشكل حرفي، ومن هنا بدأ التفكير في كيفية تطويع الميكروفون ليكون أداة ناقلة لهذه الفنون وكان أصعب التحديات هو كيفية نقل العروض المسرحية عبر الأثير، خاصة وأن العنصر المسرحي الوحيد الذى يسهل نقله هو « الصوت « بينما لا يمكن نقل بقية عناصر العرض المسرحي مثل ( الديكور الملابس – أداء الممثلين وانطباعاتهم  - الحركة المسرحية ........إلخ ) ولهذا كان التفكير الدائم في كيفية التغلب على هذا العائق الذى يقف بشدة امام تفاعل المستمعين مع المسرحية المذاعة .

- ثانيا: تأذيع المسرحية 
و يحدث ذلك عبر عمل إعداد إذاعي للمسرحية بحيث يتم نقلها بسهولة وضمان تواصل الجمهور معها وحدث هذا باستخدام الراوي « المذيع « الذى يقوم بوصف الحركة للمسمعين ثم تطور الأمر حيث تم التوجه لعمل إعداد درامي تام يجعل المستمع يتعايش مع النص من خلال الأذن بحيث يقوم المعد بعمل معادلا دراميا، بدلا من الوصف، ويكون ذلك باستخدام المؤثرات الصوتية أو كجمل حوارية على لسان أبطال العمل . 
ومن هذه المرحلة تحديدا ولد فن قائم بذاته، له ملامحه وخصوصيته وفرسانه، وهو فن الدراما الإذاعية.
وظلت علاقة المسرح بالإذاعة قوية ومتجددة، لاسيما والجهود الرامية لنشر الفكر قد لاقت آذانا مصغية عندما عنيت الدولة في العصر الحديث بإنشاء محطة إذاعية متخصصة في نشر الثقافة والتنوير، وكان ذلك من خلال محطة « البرنامج الثاني» الثقافي الآن،  والتي بدأ بثها عام 1957م،  ولقد حذت في ذلك حذو الاذاعة البريطانية،  التي يعد « البرنامج الثالث»،  نافذتها الثقافية والفنية المهمة، وعبر أثيره تم بث أعمال كبار الكتاب الذين كتبوها مباشرة للإذاعة، وفي مقدمتهم ..بيكيت و دورينمات وهارولد بنتر.
وعبر موجات إذاعة البرنامج الثقافي تم تقديم روائع الفكر الانساني ما بين مسرح ورواية وقصة وشعر وموسيقى، كما تم إنتاج أعمال درامية لكبار الكتاب والمخرجين من مختلف الأجيال والمدارس الفنية.
وتميزت مسرحيات البرنامج الثقافي بالثراء الشديد والتنوع، كما تعاون في ترجمة عيون المسرحيات العالمية صفوة من الكتاب والمترجمين، ويكفي أن نستمع إلى أسماء مثل ( ميخائيل رومان -إدوارد الخراط - د. عبد الغفار مكاوي -د. محمد عناني) كما قدم البرنامج الثقافي إبداعات الكتاب المصريين والعرب على اختلاف أجيالهم ومدارسهم وتوجهاتهم، وكذلك احتضن البرنامج الثقافي نخبة من المخرجين من مختلف الأجيال مثل( محمود مرسي – بهاء طاهر- وهبه أبو السعود- محمد حامد- صلاح منصور- حمدي غيث- عبد الرحيم الزرقاني- أبو بكر خالد- أحمد سليم- عصام العراقي- رجب الحلواني- رضا الجابري- هشام محب- نصار عبد الغني- محمد خالد – ياسر زهدي- فاطمة حسن) ولقد شرفت بالكتابة لإذاعة البرنامج الثقافي ما بين برامج درامية ومسلسلات وسهرات.
وإذا كانت علاقة الإذاعة بالمسرح قد ولدت قوية مشرقة، فإن توقف الإنتاج الدرامي بشكل شبه تام منذ سنوات قليلة مضت، قد أثر على تلك العلاقة، وترك الكثير من المبدعين، ما بين كتاب وممثلون ومخرجون نهبا للإحباط والشعور بالكآبة، فالإذاعة مصدرا مهما من مصادر تنمية الخيال ونشر الثقافة والفنون، وهكذا فإن حاضر علاقة الإذاعة بالمسرح يعد أمرا غائما، لكنه يعطي مؤشرا مهما على مستقبل تلك العلاقة، ومستقبل الإذاعة والإنتاج الدرامي بشكل عام، فهل ينتبه المسئولون عن الإذاعة إلى خطورة تعطيل الإنتاج الدرامي، لاسيما المسرحيات الإذاعية، ويدركوا أهميتها في تنمية الخيال وتهذيب النفوس، ونشر الفنون والتنوير والأمل، فإن الأجيال الحالية في احتياج شديد لتنمية خيالهم كيما يتمكنوا من مواجهة مستقبلهم بحلول إبداعية تتغلب على ما يحمله من أخطار وتحديات تهدد وجودهم وهويتهم.


عماد مطاوع