«جماليات التشكيل في الفيلم السينمائي والروائي والموسيقى» رسالة ماجستير للباحثة نهاد السيد رضوان

«جماليات التشكيل في الفيلم السينمائي والروائي والموسيقى» رسالة ماجستير للباحثة نهاد السيد رضوان

العدد 878 صدر بتاريخ 24يونيو2024

تم مناقشة رسالة ماجستير بعنوان «جماليات التشكيل في الفيلم السينمائي والروائي والموسيقى- دراسة مقارنة في فيلم البؤساء» مقدمة من الباحثة نهاد السيد عبد القادر رضوان، بأكاديمية الفنون، وتضم لجنة المناقشة الدكتورة ماجدة سعد الدين، الأستاذ المتفرغ بقسم النقد التشكيلي بالمعهد العالي للنقد الفني (مشرفًا أساسيًا ومناقشًا)، الدكتور ناجي فوزي، الأستاذ المتفرغ بقسم النقد السينمائي بالمعهد العالي للنقد الفني (مشرفًا مشاركًا ومناقشًا ومقررًا)، الدكتور محمد تاج الدين محمود عفيفي، الأستاذ المساعد المتفرغ بقسم النقد التشكيلي بالمعهد العالي للنقد الفني (مناقشًا من الداخل)، والدكتورة سمر بهاء، رئيس قسم ديكور بالمعهد العالي للسينما (مناقشًا من الخارج). والتي منحت الباحثة من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الماجستير.

وجاءت رسالة الماجستير الخاصة بالباحثة كالتالي:
يعتبر الفن التشكيلي رسالة مرئية تحمل في أعماقها أفكار سيميولوجية ذات دلالة معرفية اتصالية، يستقبلها المتلقي على شكل علامة/ أيقونية أو إشارة رمزية، أو دلالة باعتبارها مضمون العمل الفنيأى الرسالة البصرية التشكيلية، ولهذا فالألوان والظلال والخطوط والأشكال والملامس تتسرب إلى الصورة، محملة بدلالاتها الفكرية والذهنية السابقة، بهدف التواصل والتأثير والإقناع في سياق زماني ومكاني.
وبما أن الفن التشكيلي يشمل كافة الفنون التي تستخدم مفردات الشكل، كالخطواللون والكتلة والمساحة، في تعبير عن انفعال ما أو موضوع معين داخل قالب يدركه الرائي، عبر تداخل الحواس بغرض استيعاب ما يحتويه العمل أحيانًا، فإن فن تصويراللوحات والجداريات، والحفر ونحت التماثيل والخزف والعمارة، قد تطور نظرًا لتنوع الإبداع الجمالي وتطوره واستخدام الخامات الجديدة والوسائط المتعددة والأساليب المختلفة والتكنولوجيا المتطورة، وبالتبعية تغيرت المفاهيم التقليدية وأذيبت الفوارق المعتادة، واختلطت فنون إبداع التماثيل والرسم والتلوين والحفر بفنون الرقص والتمثيل والموسيقى، ومن ثم الفوتوغرافيا والسينما والفيديو فيما عرف بالفن المرئي. 
وساهمت الرؤية التشكيلية لدى بعض السينمائيين فى مشاركة المُشاهد في النظر إلى العمل السينمائي من خلال تنشيط قدراته الذهنية والاستقبالية، ليصير شريكًا في عملية إنتاج فهم مفتوح للعمل، ومساعدًا له على ثراء مخيلته البصرية بما يملكه من تراكم للصور والأيقونات بذاكرته، من خلال دمج السينما لتقنيات التشكيل والفنون البصرية وطرحها للإشكاليات المرتبطة به علىجميع المستويات، إذ أن أشكال الإبداع الفني البصري التشكيلى واكب في نهضته الحديثة ظهور فن آخر مرئي هو السينما الذي يعتمد أيضًا على الصورة البصرية، وباتت السينما عامل جذب مهم وخاصة للفنانين التشكيليين، مما خلق نوعًا من أنواع التفاعل بين التشكيل والمشهد السينمائي، واختير بعض الفنانين التشكيليين ليتولوا جوانب فنية في عالم السينما مثل الديكور والإضاءة والملابس والزخرفة .. إلخ. 
يعتمد الفيلم في تكوين صوره على عناصر التكوين التشكيلي، من ألوان وخطوط وسكون وحركة، وفراغ، ظلّ ونور، كلّها تباينات تشكيلية أساسية لأحداث جمالية فيلمية وتوازن بصري للصورة السينمائية، بحيث لا تكتمل الصورة السينمائية دون هذه العناصر التشكيلية، سواء تعلق الأمر في بناء ديكورات أو تصميم أزياء أو حركة أو إضاءة لتحديد إطار الصورة، وما تحتويه من أساسيات التشكيل لتأسيسها من خلال اللون والخط والكتلة والشكل، فالفن السينمائي لا يمكنه أن يستغنى عن الفن التشكيلي، فلا وجود لصورة دون لون، ولا وجود لشكل دون إطار، ولا وجود لإطار دون تناسب، ولا وجود لجزء دون كل، خاصة فى نوعية الأفلام الموسيقية التى تتطلب إتساع فى المساحة التشكيلية، وعليه تتضح أهمية الصورة لما تحمله من معاني ودلالات ومضامين وايحاءات يريدصاحب العمل الفني أن يرسلها للمتلقي من خلال عمله، فالصورة ذات التكوين الجيد هي الصورة التي تترك لدى المشاهد انطباعًا أقوى بموضوعها، فغاية التكوين هي تدعيم التأثير الخاص بالصورة، من خلال خلق صورة تقدم نفسها بكونها استحضارًا لواقع معين أو خيالًا تعيشه الذات.
وتلعبالعوامل المشتركة بين السينما والفن التشكيلي دورا أساسياً من حيث الإتجاهات والمدارس الفنّية المستخدمة على نحو السريالية والتعبيرية والواقعية والرمزيّة...، فليس تاريخ السينما تاريخًا خطيا وإنما هو تاريخ تبرز فيه لحظات مميزة تتخللها حركات تمرد هنا وهناك ضد البنيات المستقرة سواء كانت بنيات جمالية أو اقتصادية، باعتباره وسيلة للاتصال المرئي، يرتبط مباشرة بقدرة اللغة السينمائية على التمسك بالواقع، ولكن الواقع مفهوم دائم التغير، وصيغه للإدراك دائمة للتغير أيضًا، وتركيب الفيلم عبارة عن انعكاس لا ارادي لحساسية من يستخدمه، ولتوافقه مع الحالات النفسية الجارية لهذه الوسيلة من التعبير .
تأتى إلى جانب الحركة زاوية التصوير للقطة، إذ يعد اختيارها جانبًا هامًا للقطة، لما لها من وظيفتها التعبيرية المؤثرة، وعليه فإن النتاج الحاصل عن تفاعل كل هذه العناصر ما هي الا القدرة على إنتاج معنى، ومن هنا يتضح جليًا دور المخرج كدور الفنان التشكيلي في بناء العناصر داخل نظام حركي مولدًا لكتلة عضوية داخل العمل،الغرض منها إنتاج إيهام المتلقي، وعليه صنفت السينما ضمن خانة الفنون التأليفية ذات الطابع التمثيلي،التجسيدي أيضًا كالفنون التشكيلية في أغلب الأحيان، شأنها في ذلك شأن المسرح والتيلفزيون، بوصفها تجمع بين مقاومات تعبيرية عديدة أبرزها الصورة والحركة وفيما بعد الصوت خاصة فى الأفلام الموسيقية بعد أن ظهرت صامتة فى بدايتها .
ومن الجدير بالذكر أن تعتبر الموسيقى التصويرية وما يندرج تحتها من مؤثرات صوتية من أبرز المقاومات التي يركز عليها الإبداع السينمائي، لكونها أكثر إرتباطًا بدراما الشاشة، لما لها من أهمية في اكتمال الفرجة السينمائية، بوصفها لغة تعبيرٍ وإيحاءٍ وتحفيزٍ وُجدانيّ،  فوظيفة الموسيقى فى الأفلام السينمائية وخاصة الروائية تتجاوز الوظيفة التقليدية كتقنية، لتخلق شخصيّات وأبعاد معنويّة ونفسيّة وحالاتٍ بصرية مرئية متكاملة العناصر، تضفى أبعادًا جديدة مُستقلّة ومتفاعلة مع بناء الصورة المرئية للفيلم، نحو الخيال والبحث والتأويل الموسيقى، إذ أن الموسيقى التصويرية ومن يندرج تحتها من مؤثرات صوتية إنما تشكّل عنصرًا هامًّا في تنشيط الوعي الدّلاليّ والإدراك الحسّي، فهىليست مجرّد آداةٍ تجميليّة أو تأثيريّة في عملٍ سينمائى، بل آداةً تُسقط بظلالها على التشكّل المعنوي والدّلاليّ، تلون الدراما المرئية وتسهم في خلق البيئة المكانيّة والزمانيّة، كذلك لها دورًا هامًا فى تضخيم المشاعر والحالات الدرامية، لذا لا يمكن إغفال القول بأن الموسيقى لا تتوقف عند حدود عناصر الأداء الصوتي عند إلقاء الممثل للحوار فقط، بل إنها تشمل أيضًا كل ما يتضمنه الشريط الصوتي من مؤثرات صوتية وموسيقى تصويرية، والتى تلعب بدورها دورًا تعبيريًا وتأثيريًا بين ثناياالفيلم وخاصة الروائى الموسيقى. 
وإذا كانت عناصر الصورة يجب أن تتناغم أدائيًا حتى يتحقق للعمل حالة التناسق الفني، فإن عناصر الصوت يجب أن تشارك في هذا التناغم مع الصورة، بل ويجب أن تتناسق مع بعضها البعض،إذ أن شريط الصوت بكل ما يتضمنه عمل إبداعيفي حد ذاته، ولكن دون إغفال أنهفي خدمة الإطار الدراميوتشكيل أجواء عناصر الصورة، والربط الحميمي بين المشاهد واللقطات، بل ويمكنهالعمل على إظهار تقنية الفلاش باكمثلاً _ التصوير الإسترجاعي _باعتبار شريط الصوتيمثل حلول بديلة عن التعبير اللفظي كالكلام، الصراخ، الحوار، المؤثرات الصوتية...)، هذا فضلا عن استعمال كل أشكال الغناء والفولكلور لكسب قابلية المتلقي وتوجيه سلوكه ومزاجه النفسي.
وما اتجهت إليه الدارسة في دراستها هو الكشف عن جماليات التشكيل في الفيلم السينمائي الروائي الموسيقى، تطبيقًا على فيلم (البؤساء) للمخرج (توم هوبر)، ومحاولة تسليط الضوء على دور رواية (فيكتورهوجو) البارز في إستلهام المخرج لجماليات فيلم البؤساء التشكيلية، مع توضيحكيفية إستلهام المخرج لجماليات التشكيل في رواية (البؤساء)(لفيكتور هوجو)، وكيفية توظيفها من خلال إعادة صياغتها عبر عناصر العمل السينمائي، بالإضافة إلى تسليط الضوء على آلياتتوظيف المخرج للعناصر السينمائية فى فيلم (البؤساء) لإظهار جماليات التشكيل السينمائية . 
لذلك فـإن الدراسة استمدت أهميتها من عدة مبررات علمية وهى، كونها تسلط الضوء على جماليات التشكيل في الفيلم السينمائي الروائي الموسيقى، تطبيقًا على فيلم (البؤساء) للمخرج (توم هوبر)،إذ يمكن لهذه الدراسة أن تحقق الفائدة للعاملين والمهتمين في المجال التشكيلى والسينمائى بل والروائى، من باحثين ومؤلفين وموسيقيين ومخرجين ونقاد، وكذلك تقديم الفائدة للمؤسسات الأكاديمية التي تعنىبالأفلام الروائية الموسيقية، أيضاً الإعتقاد القوى بالدور الأساسي الذى تلعبه الرواية فى الأفلام السينمائية، كذلك الدور الهام للعناصر السينمائية لإظهار جماليات التشكيل فى الأفلام الروائية الموسيقية على وجه التحديد، علاوة على الحاجة إلى الكشف عنآليات توظيف المخرج للعناصر السينمائية فى فيلم (البؤساء)عينة الدراسة لإظهار جماليات التشكيل السينمائية .
وعليه تمثلت مشكلة الدراسة في الكشف عن جماليات التشكيل في الفيلم السينمائي الروائي الموسيقى، تطبيقًا على فيلم (البؤساء) للمخرج (توم هوبر)، كما انبثقت عن مشكلة الدراسة عددًا من التساؤلات التي تسعى الدراسة إلى الإجابة عليها،والتي منهاكيف كان لرواية (البؤساء) لـ(فيكتور هوجو)دوراً بارزاً في استلهام جماليات الفن التشكيلي للفيلم السينمائي الموسيقي؟، وكيف وظف المخرج (تومهوبر) عناصر فيلمه(البؤساء) عام (2012م) لإظها ر جماليات التشكيل السينمائية؟، كيف تعامل المخرج (تومهوبرTom hopers) في صياغة جماليات القيم التشكيلية لرواية (البؤساءLes Miserables) ؟
وقد تمثلت أهداف الدراسة فىالتعرّف على، دور رواية (فيكتورهوجو) البارز في إستلهام المخرج(توم هوبر) لجماليات فيلم البؤساء التشكيلية، مع التعرف على كيفية توظيف المخرج(توم هوبر) للعناصر السينمائية فى فيلمه (البؤساء)، بالإضافة لإظهار جماليات التشكيل السينمائية، علاوة على تسليط الضوء وتوضيح أهمية رؤى المخرج (توم هوبر)التشكيلية في صناعة فيلمه السينمائي الروائي الموسيقي (البؤساء)، ودورها في ترسيخ معاني ومضامين رواية (البؤساء) لـ(فيكتور هوجو) . 
كما تمثلت أهمية الدراسة فى حاجة المكتبة العربية إلى الأبحاث والدراسات العلمية التى تكشف عن جماليات التشكيل في الفيلم السينمائي الروائي الموسيقى، علاوة على إبراز ما تتمتع به رواية (البؤساء) لـ(فيكتور هوجو) من ثراء ابداعى وأدبى وفنى، وهو بدوره مَن جعل مِن الرواية منهلاً خصبًا لتقديم العديد من الرؤى السينمائية، خاصة عندما حولها المخرج (توم هوبر) إلى فيلم غنائي موسيقي عام 2012م موضوع هذه الدراسة، وهو ما يستدعىإلقاء الضوء من خلال هذا الفيلم على أهمية الرؤى التشكيلية والقيم الجمالية السينمائية في إظهار الدور البارز للتشكيل فيربط العلاقة بين الرواية والسينما والموسيقى .
لأغراض هذه الدراسةاعتمدت الدارسة على المنهج الوصفى من خلال تحليل المحتوى، بهدف توضيح الدلالات والإشارات السيميائية، للعمل الروائي وكيفية تحويله إلى صورة فيلمية، والدراسة المقارنة بين النص والمشاهد الفيلمية المصورة المختارة لفيلم (البؤساء Les Miserables) بهدف الوصول إلى النتائج والتوصيات.
أما عن حدود الدراسة فقد اعتمدت الدارسة على حد موضوعى وهو جماليات التشكيل في الفيلم السينمائي الروائي الموسيقى، وحد زماني ومكاني حيث تقع فترة وحدود الدراسة وأحداث رواية (البؤساء Les Miserables) لـ (فيكتور هوجو Victor Hugo) عام 1815 الميلادي؛ وتمتد حدود الدراسة المكانية الى فرنسا.
وعليه قامت الدارسة بتقسيم هذه الدراسة كالأتى، مدخل للدراسة يسبقه الإطار المنهجى والنظرى ويتناول المحاور الأتية، إذ يستعرض الإطار المنهجى والنظرى مقدمة الدراسة، ومشكلة الدراسة، وأهداف الدراسة، أهمية الدارسة، ومنهج الدراسة، وحدود الدراسة، وتحديد الدراسات السابقة.
 


ياسمين عباس