العدد 880 صدر بتاريخ 8يوليو2024
تعرض على خشبة المسرح القومي مسرحية “مش روميو وجوليت”، للمخرج الكبير عصام السيد، الذي نجح في تقديم رؤية فنية متكاملة لعالم العلاقات الإنسانية. ويطرح بشكل شيق ومبتكر تساؤلات عميقة حول الحب والصراعات الاجتماعية، مستخدماً في ذلك عنصري الموسيقى والغناء كأدوات أساسية لنقل الرسالة.
من خلال حوارنا مع المخرج الكبير عصام السيد، سنكشف عن كواليس العمل وكيفية تعاون الفريق المتميز لإنتاج هذا العرض الفريد، الذي ترك أثراً عميقًا في قلوب الجمهور.
حدثنا عن المسرحية وكيف تبلورت الفكرة حتى خروجها على خشبة المسرح؟
بدأت الفكرة في عام 2014 عندما عرضتها على الشاعر أمين حداد، ولكنها لم تكتمل بسبب بعض التحفظات. استمرت الفكرة حتى قدمت عرض “يا عزيز عيني” في افتتاح المهرجان القومي للمسرح. بعدها، طلب مني الدكتور مجدي صابر تقديم عمل غنائي لفرقة الأوبرا، فعادت لي نفس الفكرة. تواصلت مجددًا مع الشاعر أمين حداد الذي طلب مني سكريبت للعمل عليه. كتبت معالجة تفصيلية، ثم تواصلت مع المؤلف محمد السوري لمشاركتي في كتابة الحوار. كتبنا المسرحية كاملة وسلمتها لأمين حداد الذي صاغها شعرياً. هذا يشبه ما يحدث في الأوبريت العالمي حيث يوجد نص مسرحي ونص غنائي. استمر العمل لمدة عام في الأوبرا، لكنني اضطررت للاعتذار بسبب ظروف طارئة. وعندما تولى الدكتور أيمن الشيوي رئاسة المسرح القومي، طلب مني تقديم عرض ففكرت في “مش روميو وجوليت” وبدأنا العمل على النص مرة أخرى واخترنا فريق العمل.
ما السبب في اختيارك لقصة “روميو وجوليت” تحديدا لتكون محور العمل لتجمع بها الطلاب والمدرسين؟
من المعروف أن “روميو وجوليت” من أجمل النصوص التي تتناول حالة حب عميقة تنتهي بشكل مأساوي. لذا، اقترح الناظر تقديم “روميو وجوليت” لتكون نقطة انطلاق ليتمكن المدرسون من شرح مفهوم الحب للطلاب. فهل الحب يقتصر على العلاقة بين الرجل والمرأة فقط، أم أنه أعم وأشمل من ذلك؟
ما الرسائل الأخرى التي أردت إيصالها وخاصة لطلاب المدارس حيث انهم في عمر يعتبر بداية شرارة التحول الفكري والثقافي؟
بالإضافة إلى ما ذكرته، هناك عدة رسائل أخرى مهمة في العرض أولاً، أنظر للعالم بقلبك لأنك حينها سترى الحب في الكثير من الأشياء. نحن نفتقد هذا الحب بشكل عام، حيث أصبح التعاطف والإنسانية أموراً نادرة وأصبحت أنيابنا مشرعة دائماً نحو الآخرين . ثانياً، تجنب الحكم على الناس بناءً على المظاهر، وعدم التدخل في حياتهم الخاصة، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي جعلتنا نتطفل على حياة الغير ونصدر أحكاماً غير مبررة. فلست قاضيا على تصرفات غيرك. ثالثاً، في المواضيع الحساسة مثل تلك التي تتناولها المسرحية، لا يفيد القمع والنهر والعقاب. بدلاً من ذلك، يجب أن نتفاهم مع الأجيال الجديدة، نستمع لهم، نحاول فهمهم دون لوم أو إحباط. النص يحمل عدة رسائل مهمة تتعلق بالتعاطف، التفاهم، وعدم الحكم على الآخرين.
كلمنا عن كواليس التعاون مع الفنان علي الحجار والفنانة ورانيا فريد شوقي وما أضافوه للعمل ؟
بالتأكيد، وجود الفنان علي الحجار والفنانة رانيا فريد شوقي أضاف الكثير للعمل. فقد وافق على العمل فورا على الرغم من معرفته أنه هناك من سيشاركه البطولة. علي الحجار، نجم، وهو الوحيد من جيله الذي يحافظ على العمل على خشبة المسرح. وليس صحيحا ما يُقال عن غيابه لمدة 17 سنة عن المسرح، فإن آخر عمل قدمه كان في افتتاح المسرح القومي عام 2014 مع عرض “بحلم يا مصر”، ثم قدمنا معًا مؤخرًا مشروع “100 سنة غنا” في الأوبرا. الحجار مطرب ذو شعبية كبيرة ويتمتع بحضور طاغٍ على المسرح بجانب صوته المعبر.
أما رانيا فريد شوقي، فقد كان أول عمل لها استعراضي فيلم “آه وآه من شربات” حيث غنت ورقصت، مما جعل هذا العمل ليس بعيداً عنها. بالإضافة إلى ذلك، تتميز رانيا بكواليسها المريحة وشخصيتها المتزنة التي تبتعد عن المشاكل، وهي مسألة هامة لاستمرار المسرحي. لقد وفقت في اختيارها، والحقيقة أن هذا ليس التعاون الأول بيننا، فقد سبق وأن عملت معي كمخرج وكذلك كمدير مسرح، حيث شاركت أيضا مع الفنان علي الحجار في عرض بعنوان “اللهم اجعله خير”.
هذا النوع من المسرح يحتاج إمكانيات ضخمة فكيف تعاملت مع هذا التحدي؟
هذه حقيقة، ولكننا عملنا بالمتاح. كان الديكور بسيطاً وكذلك الملابس، ولم نقدم عرضًا بميزانية أضخم من تلك التي تقدم عادة على خشبة المسرح القومي، بل بالعكس. أنا لا أحب العمل بميزانية ضخمة، وأعرف جيدًا إمكانيات مسرح الدولة. ومع ذلك، من يشاهد العرض يشعر أنه أنفق عليه الكثير. على سبيل المثال، كانت الدعاية جيدة ولكنها تمت من أموالنا الخاصة نظرا لإلغاء بند الدعاية.
وكيف تعاملت مع فكرة الممثل الشامل التي يحتاجها هذا النوع من المسرح؟
عقدنا بروفات لمدة ثمانية أشهر، وكان من الممكن أن تكون أربعة أشهر فقط، لكن تأخر خروج بعض العروض قبل عرض”مش روميو وجوليت” أدى إلى تقليل أيام العمل إلى ثلاثة أيام في الأسبوع بدلاً من الأسبوع كله. والتدريب المستمر هو الذي أخرج هذه النتيجة، وكذلك اختيار العناصر المناسبة كان له دور كبير. فوجود موهوبين مثل أحمد شعتوت للألحان، وشيرين حجازي للاستعراضات، ومحمد الغرباوي للديكور، ومحمد عبد الرازق للجرافيك، كان اختيارهم مهماً لتحقيق نتائج جيدة. وكذلك علا حودة مصممة الملابس كانت أيضا جزءً هاماً من الفريق. حيث استمرت مرحلة اختيار نوع القماش واللون لفترة طويلة، وفي النهاية، لم نجد ما نريده، فاستعنا بقماش وطبعناه بالألوان التي نريدها. لم يكن هناك استسهال في أي نقطة من العمل.
لماذا قررت الاقتراب من العلاقة بين المسلم والمسيحي، وهي إحدى القضايا الشائكة؟
بناءً على تجربة خلال احتفال أكتوبر عام 2005، حيث قدمت فقرة تضمّنت إنشادا مسيحياً مع تواشيح دينية. فواجهت ردود فعل تبين أنها المرة الأولى التي يُدرج فيها شيء يتعلق بأخوتنا المسيحيين في هذه الاحتفاليات. هذا دفعني لاكتشاف أننا كنا نتجاهل أحد عناصر الأمة المهمة، حيث نشأت في شبرا وكنا نتردد إلى الكنيسة كما نذهب إلى المسجد دون مشاكل، إلى أن بدأت تظهر بعض المشكلات مع دخول الجماعات الإسلامية في الجامعات في بداية منتصف السبعينيات. لذا، أرى أن حساسية الأمر تأتي في الأساس من الصمت وعدم الحديث عن هذا الأمر ولا أعرف سببا وراء ذلك .
أثناء مشاهدتي للمسرحية لم استطيع التعرف نوعا ما على الأعمار الحقيقية للطلاب هل هم شباب كبار أم شباب في مرحلة المراهقة فكيف جاء اختيارهم؟
نشرنا إعلانا على الإنترنت، وقمنا أنا وشيرين حجازي
باختبار المتقدمين لتحديد من يصلح للرقص، ومن يصلح للغناء، ومن يصلح للتمثيل. اخترنا أفضل العناصر التي حضرت، واستبعدنا على مدار الوقت العناصر غير الملتزمة. كان هناك راقصون ممتازون، لكن عدم التزامهم أدى إلى استبعادهم، كما استبعدنا أشخاصاً يمكنهم الغناء لكنهم كانوا مشغولين. من بقي هم الذين خرجوا على خشبة المسرح. وكان في الحسبان مناسبتهم للمرحلة العمرية التي يمثلونها. بالإضافة أني كنت أخبرهم دائماً أثناء البروفات إنهم روح العرض، وأن نجاح العرض أو فشله يعتمد عليهم، لأنهم عنصر مهم جداً في العرض.
وماذا عن اختيارك لميدو عادل وطه خليفة لطلاب في المرحلة الثانوية ؟
في البداية، طلبت معرفة الممثلين الموظفين في المسرح القومي، وبدأت الاختيار بناءً على القوام والسن ومن لديهم قابلية للحركة على المسرح بالإضافة للبناء الجسدي والشكلي المناسب لتلك المرحلة العمرية. فهناك مايكل سيدهم الذي جسد دور الطالب” مايكل “ فلم يسبق له الرقص، وطه خليفة الذي يرقص من البداية لكنه لا يغني، وميدو، وهو فنان شامل يجيد الرقص والغناء والتمثيل كل هذا بجانب الروح المميزة. أيضا لدينا دينا النشار، راقصة باليه قبل التخرج من المعهد، لكن لم يسبق لها الغناء، فقمنا بتدريبها على الغناء ودخلت الاستوديو أكثر من مرة حتى غنت بشكل صحيح. ببساطة شديدة، كان يمكننا الاستعانة بمغنية لتسجيل الصوت، لكن وجود الممثلين وقدرتهم على الرقص والغناء أضاف حياة للعمل.
ما السبب في شغفك الدائم بالمسرح الموسيقي والغنائي رغم ندرته؟
لأن هذا الشكل هو الشكل المتكامل من المسرح، رغم كونه متعبًا جدًا، وهو الشكل الذي أراه منتشرًا في الخارج وليس كثيرًا في مصر، كما يُقدم بشكل غير صحيح. حيث، الأغاني تكون منفصلة عن التمثيل، والرقص منفصل عن كل منهما. هناك تجارب قليلة قدمت هذا الخليط. فكان لدي هذا الحلم منذ زمن، وحاولت تقديمه في عروض كثيرة، لكن لم تسمح الظروف والوقت والإمكانيات بذلك. لكن في هذا العرض، توافرت الظروف المناسبة والإمكانيات، بالإضافة إلى وجود فريق مستعد لتحمل التجربة. هناك تجارب لكن تجربتنا تُعد الأكثر اكتمالاً، حيث أن الحوار غير المغنى قليل جداً في العرض. على سبيل المثال، الفصل الأول مدته خمسون دقيقة، منها أربعون دقيقة مغناة.
وكيف يمكن ان نطور هذا النوع من المسرح في مصر ؟
إذا كنت تريد عمل عرض مميز فلابد أن يكون هناك عمل حقيقي وصبر فلن يأتي شيء بالفهلوة.
فكرة تقديم عمل غنائي بالكامل تتجاوز مدته الساعتين لجمهور اعتاد على العروض التي تستغرق وقت أقل ألم يقلقك تقبل الجمهور له؟
كنت خائفا للغاية من هذه التجربة فلم أكن أعلم كيف سيتم استقبالها من قبل الجمهور. كانت فكرة الغناء المتواصلة تثير لدي القلق، هل سيقبل الجمهور سماعها أم سيعتبرها مملة؟ لذا، استدعى هذا التحدي جلسات طويلة مع الملحن لضمان أن يكون الأمر ممتع وأيضا لضمان وضوح كلمات الأغاني، حيث أن بعض المسرحيات يمكن أن تضم أغاني ولا تفهم الكلمات في بعض الأحيان. كانت هذه التجربة صعبة، ولكن النتيجة كانت مرضية بالنسبة لي.
وما أبرز التعليقات التي لفتت انتباهك؟
تعليقات الجمهور كثيرة، ولكن التعليق الذي أسعدني وتكرر كثيراً هو أن الجمهور يخرج من العرض بطاقة من الحب والبهجة والتفاؤل، وهذا مهم جداً بالنسبة لي.
لكل مبدع دائما طقوسه الخاصة فما طقوسك حين تهم لتنفيذ أي عمل؟
ليست أشياء محددة، ولكن عندما تتبادر الفكرة إلى ذهني وتشغل عقلي، أبدأ في كتابتها وأتركها لبعض الوقت، ثم أعود إليها مرة أخرى. فلدي ملف على جهاز الحاسوب يسمى “مشروعات” مليء بالأفكار.
هل هي أفكار قابلة للتنفيذ وهل ننتظر تنفيذ إحداها عقب انتهاء مش روميو وجوليت؟
نعم جميعها قابلة للتنفيذ. وأحب التوضيح فأنا لم أقدم عملاً على خشبة المسرح القومي منذ عام 2018 على الرغم من حبي الشديد لهذا المسرح، لدرجة جعلت البعض يعتقد أنني لم أعمل خلال تلك الفترة لأنني لست معتادًا على الغياب عن خشبته لهذه الفترة الطويلة. لكن الحقيقة هي أنني لم أتوقف عن العمل بأي شكل؛ فالتوقف بالنسبة لي هو شكل من أشكال الموت. فقد قدمت العديد من الورش ومشاهد التخرج في جامعة بدر، بالإضافة إلى تدريسي في الأكاديمية وكلية الآداب بجامعة عين شمس. كما قدمت عروض “100 سنة غنا” وسبقها حفلي افتتاح وختام المهرجان القومي للمسرح. فلا أتوقف عن العمل إلا لظروف قهرية. لكن يبدو أن الأشياء التي تلمع جدًا تجعل الناس تنسى ما قبلها، فقد نسوا أنني قدمت شكلًا أقرب للغنائي في “يا عزيز عيني” والعرض حقق نجاحًا كبيرًا.
لماذا قلت أنك لا ترغب في التجريب في شيء آخر سوى المسرح ؟
لحبي اللعب في ملعبي، فلماذا يلعب لاعب كرة القدم الجيد الإسكواش؟ أعتقد أنني من الأوائل في الإخراج المسرحي، فلماذا أجرب شيئًا آخر لن أكون فيه من الأوائل، سواء في السينما أو التلفزيون؟ من يعمل في هذين المجالين طوال عمره سيكون أفضل مني بكثير، لذلك لا أحب عدم التخصص.
في رأيك ما الخطوات التي يمكن ان تحسن من وضع المسارح في مصر لتكون صالحة لتقديم عروض بمستوى عالٍ ؟
ليس لدينا مسارح تصلح لتقديم عروض كالتي تُقدَّم خارج مصر، كل مسارحنا عبارة عن خشبة فقط. العروض خارج مصر تُقدَّم على خشبات فيها ميكانيزمات ضخمة وغريبة. فعندما أنشأنا مصعدًا في المسرح، انشأنا ثلاثة كل منهم متر في متر، بينما في الخارج المصعد يحمل الديكور. مسارحنا عاجزة عن تقديم الإبهار، وليس لدينا صيانة جيدة للمسارح. الأشخاص الذين يتعاملون مع أجهزة الإضاءة مثلًا لا يعرفون قراءة الإنجليزية، وكل هذه الأجهزة بالإنجليزية. ليس لدينا مهندسون للصيانة في البيت الفني للمسرح أو الفنون الشعبية؛ لدينا فنيون وعمال فقط. بالإضافة إلى ذلك، الأجور منخفضة جدًا؛ فالممثل الموظف يعمل معي ثمانية أشهر، يعرض لمدة شهر، ويحصل على ثلاثة آلاف جنيه مكافأة. إذا قُسِّمت على تسعة أشهر، فتخيل المستوى المادي الذي نتعامل معه. وكذلك الحال بالنسبة للمتعاقدين من الخارج، إذا قُسِّم أجرهم على فترة البروفات والعروض، تكون الأجور ضعيفة جداً . أيضا لا يوجد بند للدعاية الآن، ولا يُنفق شيء على تجميل المسرح والصيانة الدائمة لخدمات المسرح والمرافق. وفي التعاقد، انظري لشكل العقد. هناك أيضا لجنة الأجور تتحكم فيك وتساوي بين من يغني ويمثل ويرقص وبين الممثل فقط في العرض؛ فمن المفترض أن الأول يمتلك نوعية خاصة وبها ندرة، فكيف تتساوى الأجور بينهم؟ ثم تجد في الضرائب هناك قيمة مضافة وفاتورة إلكترونية وتعقيدات إدارية تجعل أي شخص يهرب من مسرح القطاع العام. إذا أردنا تطوير المسارح، يجب أن نطور أولًا القوانين لتكون سهلة ولها علاقة بالفن، ثم نطور العملية الإنتاجية.