العدد 882 صدر بتاريخ 22يوليو2024
تعود فلسفة مسرح الطليعة مجددًا من خلال العرض المسرحي «لعبة النهاية»، الذي قدم في أوائل الستينات لأول مرة على خشبة مسرح الطليعة، وأعيد تقديمه مجددا تحت قيادة المخرج عادل حسان مدير مسرح الطليعة، حيث التقينا بالمخرج السعيد قابيل للتعرف على تفاصيل التجربة.
تدور المسرحية حول رجل أعمى مشلول وخادمه الذين ينتظرون «نهاية» غير محددة والتي تبدو أنها نهاية علاقتهم، وموتهم، ونهاية المسرحية نفسها.
عرض «لعبة النهاية» من تأليف صمويل بيكيت، ومن إعداد وإخراج السعيد قابيل، ديكور ودعاية أحمد جمال، أزياء مها عبد الرحمن، إضاءة إبراهيم الفرن، تمثيل «د. محمود زكي، محمد صلاح السيسي، لمياء جعفر، محمد فوزي الريس» .
حوار : صوفيا إسماعيل
ما الذي دفعك لاختيار وإعداد مسرحية «لعبة النهاية» لعرضها على مسرح الطليعة؟
في البداية صاحب الفكرة الأستاذ عادل حسان مدير مسرح الطليعة، والفكرة كانت في إعادة إنتاج أول عرض تم إنتاجه بالمسرح عام 1962، وكان من إخراج الأستاذ الدكتور سعد أردش، وكان هذا العرض وقتها تمهيدا لإرساء فلسفة مسرح الطليعة، فنحن حاليا نعيد إحياء التجربة « لعبة النهاية»، والإعداد أرى إنها خطوة طبيعية لأن النص مكتوب في أواخر الخمسينيات وعندما قدم لأول مرة كانت في الستينيات، والظروف اختلفت والوقت اختلف، بالإضافة إلى أن النص كان مترجم باللغة العربية الفصحى ، ولكن النص الأصلي عندما كتب بلغته الأصلية سواء الإنجليزية أو الفرنسية، فهم لا يوجد لديهم لغتان، فصحى وعامية، ولذلك رأيت أن الأقرب للتواصل مع الجمهور هو اللغة العامية، فقدمت الإعداد على هذا الأساس، وكان الأساس مبني على أكثر من محور، فالمحور الأول كان تقليل الزمن الأصلي للعرض، فالنص الأصلي يحتاج لتقديمه حوالي ساعة وربع، ولكن العرض قدم في أقل من 50 دقيقة ، والمحور الثاني تبسيط اللغة.
كيف ترى العلاقة بين الشخصيات الرئيسية (هام وكلوف) وكيف انعكست هذه العلاقة على الجمهور؟
هي نفس العلاقة التي كتبها بيكيت، فهام صاحب المنزل الآمر والناهي في المنزل، وكلوف هو التابع والخادم ودائما ينفذ الأوامر، فهو الطرف الأضعف في المعادلة وإن كان يظهر عليه في بعض الأوقات شعور بالتمرد والسخط على أوامر هام، لكنه في أغلب الأوقات ينفذ أوامر هام، حتى وإن كانت أشياء غير منطقية، أو ليس لها احتياج بالفعل، وكيف انعكست ، فأعتقد إن كل كتابات بيكيت وتحديدا لعبة النهاية بها تيمات إنسانية عامة تناسب كل الأماكن وكل للأشخاص ، لأنه دائما يتحدث عن تجربة إنسانية، وليس مجتمع بعينه، فمن المؤكد أن الجمهور انعكست عليه هذه العلاقة سواء العلاقة بين هام وأبوه وأمه، أو هام وكلوف ، فبالتأكيد هناك مشاعر مشتركة في مواجهة بعض الأشياء كتسلط بعض الأشخاص عليهم، وطلب أشياء ليس لها احتياج أو ضرورة منطقية، وهم ليس بوسعهم إلا الموافقة على تنفيد هذه الطلبات، واعتقد إن هذا الإحساس عندما يصل لبعض الجمهور يصنع حالة من التوحد مع الشخصية بشكل مختلف عن التوحد مع الشخصيات الدرامية في المسرح التقليدي.
هل هناك عناصر محددة في المسرحية تجدها تعبر بشكل خاص عن الوضع الراهن للمجتمع؟
العناصر الموجودة في العرض لا تمثل وقت بعينه أو مجتمع بعينه ولكنها تمثل كل المجتمعات وكل الأوقات، فلا يوجد عناصر محددة، لكنها تيمات عامة تصلح لكل وقت.
كيف تعاملت مع الأجواء العبثية والمشاهد السريالية في المسرحية لتوصل الرسالة بشكل فعال؟
في البداية كان لابد من المحافظة على روح النص الأصلي القائم على فلسفة العبث، ولكن لأن الوقت مختلف وبعيد عن الوقت الذي كتب فيه النص، ولأن فلسفتنا وخلفيتنا الإجتماعية مختلفة عن كاتب النص وعالمه الخاص، ففي البداية حاولت تبسيط الحوار، وفي نفس الوقت حذف بعض الأجزاء التي يمكن أن تشتت المتفرج، فحاولت تقليل هذه الإشارات بحيث لا تؤثر على الموضوع وفي نفس الوقت يكون هناك سهولة أكثر في التواصل ، لأن التواصل مع المسرحيات العبثية ليس سهلا.
ما هي التحديات التي واجهتك أثناء إخراج مسرحية مليئة بالرمزية والعبثية مثل «لعبة النهاية»؟
التحديات كانت كثيرة، أولها طبيعة المسرحية لأنها محددة جدا والمنظر محدد، والشخصيات التي تتحرك داخل العرض هي شخصية واحدة ، والثلاث شخصيات الأخرى ثابتة في أماكنها، فهذا تحدي كبير على مستوى الرؤية، وعناصر العرض الأخرى والموسيقى والإضاءة ليس لها مكان في النص، فبذلت مجهود كبير لخلق مناطق يصلح استخدام الموسيقى والإضاءة لتغيير إيقاع الصورة وصنع حالات مختلفة، وشرح الموضوع للممثلين والخلفيات الخاصة به وفك رموزه، والإشارات، وتدريب الممثلين على تكنيك معين للتمثيل، لأن التمثيل هنا مختلف تماما عن التمثيل في المسرحيات التقليدية، والتواصل مع عناصر العمل المختلفة كالديكور والأزياء والمكياج وشرح التفاصيل الخاصة بالعرض كونه غير تقليدي وأبعاده مختلفة، ولكن بالعكس لم أجد صعوبة في التعامل مع كل عناصر العرض، ولكن كنا نحتاج وقت أكبر عن الطبيعي لأن العرض مختلف.
كيف استطعت توجيه الممثلين لأداء أدوار معقدة وشديدة التعقيد مثل هام وكلوف؟
كنا نعتمد على التدريب على طبقات معينة من الأداء، وكنا في كل مرحلة من مراحل التدريبات نتحدث عن فكرة معينة نحاول تحقيقها، وهكذا، ففي البدايات كنا نتحدث عن السمات الأساسية لكل شخصية، وكيف نؤديها، ثم نتحدث عن العلاقة بين الشخصيتين وكيف نظهرها، ثم طبيعة الأداء الذي نريد أن نراه في المسرحية بشكل عام، وضبط الصورة الصوتية والإيقاع، فهي سلسلة من الإجراءات حتى نصل لشكل ادائي يناسب الرؤية المسرحية التي تم اختيارها، وفي إيقاع يغلب عليه السرعة في الأساس لنتغلب به على جمود النص.
كيف تمكنت من استخدام العناصر البصرية والصوتية لدعم أداء الشخصيات وتوصيل الرسالة للجمهور؟
حاولنا الخروج عن الحدود التي وضعها المؤلف صمويل بيكيت وهو المنظر الثابت الرمادي، والإضاءة الثابتة، فحاولنا اختيار مناطق نقدم بها حالات مختلفة ومرتبطة بالنص، والملابس لتعبر عن طبيعة الشخصيات والوقت والزمن الموجود فيه.
أما عن الإعداد الموسيقي قام على فكرة استخدام أغنيات معروفة عالميا، وكلها قائمة على فكرة الدمار، وعدم التكيف للعيش في العالم، والسقوط من بعد الإرتفاع، فكل الأغنيات لمطربين معروفين وفرق معروفة، وأغلب نوعية هذه الأغاني تكون روك أو بوب، لكن النسخ التي تم استخدامها كانت نسخ كفر أي أغاني معزوفة بشكل مختلف وبدون كلمات وبالآلات معينة مثل الكمان والبيان والتشيللو.