«لعبة النهاية».. بين عبثية النص وإنسانية الطرح

«لعبة النهاية»..   بين عبثية النص وإنسانية الطرح

العدد 882 صدر بتاريخ 22يوليو2024

عندما يدرك الفنان قيمة المسرح كمختبر فني،  مجربًا من خلاله كل جديد ومبلوراً كل ما هو قديم،  ملتمسًا طبيعة الفن سعيًا إلي رسالته من خلال بناء جسراً للتواصل بين الماضي والحاضر يكون هذا هو المسرح ..  المسرح الذي هو حلقة الحياة .. فعلي مدار تاريخه كان المسرح هو أكثر الفنون التصاقًا بالمجتمع بشكل عام ؛ ذلك لكونه نشاط اجتماعي سواء في مرحلة الإعداد أو التنفيذ أو حتي أثناء فعل التلقي.
ومن هذا المنطلق ؛ يطالعنا العرض المسرحي «لعبة النهاية» تأليف صمويل بيكيت، إعداد وإخراج «السعيد قابيل»،  مخرج منفذ محمد عبد الوارث. 
تدور أحداث العرض المسرحي حول رجل  كبير في السن يدعي «هام» أعمي غير قادر علي الوقوف، وخادمه «كلوف» غير القادر علي الجلوس  بسبب كثرة الطلبات الموجهة إليه من قبل «هام» فهي طلبات عبثية دون جدوي أو فائدة،  كما يبدو أنهما في حالة من الانتظار للاشئ ولربما ينتظرون النهاية غير المعلومة،  والتي تبدو وكأنها نهاية علاقتهما أو موتهما المجهول، حيث نجد أن  هذه العلاقة المعقدة بين «هام وكلوف» هي محور الموضوع الرئيسي للمسرحية؛ كما نجد علي الجانب الأخر في المستوي الثاني من العلاقات داخل العرض المسرحي.
«والدا هام» «ناج ونيل» في مرحلة الشيخوخة معوقان محصوران داخل صناديق القمامة.   
وكذلك يطرح العرض المسرحي علي المُشاهد باقة من النوازع والرغبات المكبوتة في اللاوعي يتم تجسيدها بوعي تام داخل الفضاء المسرحي حيث أن بناء المسرحية الفني قائم علي فكرة اللعب للكشف عن تلك المشاعر والأحاسيس المكبوتة، حيث نجد أنفسنا أمام مسرح بلا صراع،  بلا حبكة منطقية،  بلا لغة حوار محكمة .      
حيث ركز المخرج والمُعد «السعيد قابيل «علي مجموعة من الخطوط الدرامية للنص الأصلي ل»صمويل بيكيت “،  لتخدم رؤيته المسرحية ذات الأبعاد الفلسفية حول  الإرادة الحرة للإنسان وطبيعة فعله من خير أو شر،  ليتحمل نتيجة أفعاله هذه سواء بالثواب أو العقاب . 
فقد وظف جميع عناصر العرض المسرحي» السينوغرافيا» توظيفًا احترافيًا واعيًا « بالمسرح التجريبي» فقد جاء الديكور ل « أحمد جمال « مقتصرًا علي عدد قليل من القطع الديكورية ولكنه أعتمد علي « الموتيفات المسرحية» بشكل أكثر  ؛  وذلك بالتضافر مع الإضاءة ل” إبراهيم الفرن “ التي اعتمدت علي البؤر الضوئية،  التي لعبت دوراً كبيرًا في خلق عوالم مختلفة ومتنافرة أحيانًا ؛  كما شكلت  «حلبة صراع»،  صراع « الأنا والأخر» .
 وكذلك بالتناغم مع الملابس ل «مها عبد الرحمن “ و الميكياج ل « وفاء مدبولي « الذي يتناسب مع روح وجوهر العرض المسرحي . 
كما جاء العنصر الأهم في هذا العرض وهو «الممثل» كأيقونة داخل بانوراما إنسانية اجتماعية تبدأ بالفرد وتنتهي بالمجتمع ككل،  مستخدمًا المنهج البريختي « المسرح الملحمي» الذي اعتمد علي فكرة « التغريب» فالمتعة هنا متعة عقلية تهدف إلي التغيير عن طريق كسر الإيهام لدي المتفرج الذي يتعاكس تمامًا مع المسرح الإيهامي عند ستانسلافسكي ؛ حيث يقف هنا الممثل علي مسافة تباعدية بينه وبين الشخصية الدرامية التي يؤديها مركزًا علي أدواته الخارجية ‘  «تعبير الوجه،  وحركة اليد ذات الأبعاد المختلفة» .
وقد نجح المخرج «السعيد قابيل» في تسكين الأدوار المسرحية بشكل احترافي متمكن من إعداد الممثل بشكل يجعل المتفرج في كثير من اللحظات الدرامية متوحد معها بشكل أو بأخر. فقد برع كل من» محمود ذكي،  ومحمد صلاح «في التعبيرعن مكنون الشخصية وأبعادها الجسدية والحركية»؛ كما تميز كل من «محمد فوزي، و لمياء جعفر» بالحضور المسرحي القوي. 
وبالرغم أن العرض المسرحي لا يصل  لحدود المطالبة بحلول جماعية لحل أزمة الإنسان المعاصر؛ لكنه بلا شك يطرح العديد من القضايا الإنسانية في المقام الأول؛ كما يظل العرض بجماليته وأفكاره ينتقل بين الذات وموتها المجازي إلي الحياة بأكملها.
فهكذا قدم العرض المسرحي «لعبة النهاية» تأليف صمويل بيكيت، إعداد وإخراج «السعيد قابيل» عرضًا مسرحيًا يخلق من العبث رؤية مسرحية احترافية بشكل منظم خلاق علي خشبة مسرح الطليعة وتحت قيادة المبدع «عادل حسان» في محاولة منه لإعادة إحياء التراث الثقافي المسرحي لهذا المسرح العريق «مسرح الطليعة».


نهلة إيهاب