ضد النسيان .. ضد الممارسات المتعنتة تجاه فلسطين

ضد النسيان .. ضد الممارسات المتعنتة تجاه فلسطين

العدد 882 صدر بتاريخ 22يوليو2024

 شاهدت على مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية ( مسرحية ضد النسيان) والتي عرضت ضمن مهرجان المسرح العالمى والمأخوذة عن نص ( 7 أطفال يهود) للكاتبة ( كاريل تشرشل) (وكتاب فلسطين أرض السماوات لروجيه جارودي (وتأليف لـ ( يوسف فؤاد ) والتي يدين من خلالها الأفعال والممارسات المتعنتة واللاأخلاقية بحق أطفال الشعب الفلسطيني القابعين بالجوع والتشرد والمرض تحت هذا الحصار وعرض بعض من مظاهر القسوة ضد الشعب بلا رحمة كضرب المنازل وغيرها من الممارسات وذلك لإدانة كل تلك الأفعال الصهيونية ليس ضد الكبار فقط بل ضد الجميع كإبادة جماعية تتم دون ادنى إحساس او مشاعر بالرغم من رفض مجلس الأمن والعديد من الدول لكل تلك الاحداث دون أي تغيير واستطاع المؤلف ان يطرح كل الأحداث والأصوات بعرض تاريخ ذلك المكان عبر أجيال متعاقبة بسلاسة وبساطة تحمل في طياتها التساؤلات والخوف والقلق على السنة الشخصيات والإصرار على قتل واقتلاع الطفولة بمناقشات لوقف التدمير والنزيف وعرض الضحايا من خلال مشاهد على سنين طويلة على مر التاريخ لتشويه الحقائق بصور متزايدة وعرض بعض ما حدث في الماضى والحاضر ، والعرض يوضح على اكثر من مستوى سيل من المعلومات المتناقضة التي يخضع لها الأطفال الإسرائيليين وعرض أمثلة من الماضي والحاضر على ما يقومون به من تشويه للحقائق بصورة متزايدة ويطعن في اعتقاد أرض الميعاد وتبين حقيقة الأرض التي أخذت بطريقة غير شرعية من الفلسطينين بطريقة فنية(ولعبة المسرح داخل المسرح) وعرض الشخصيات بشكل واضح بسلاسة شديدة بالدخول في إيهاب الشخصيات سواءا كانت فلسطينية او من خلال الجنود الإسرائيليين.. مسرحية ضد النسيان تحمل في طياتها عدة احداث تعرض بشكل مباشر عما يتم دسه من مغالطات وتعاليم للأطفال من خلال الصواب والخطأ والامر والنهى وقل ولا تقل ورغبة المحتل في ان يثبت للعالم بانه على صواب وأنه صاحب الأرض وذلك بمشاهد توضح وجهة النظر هذه وتظهر قمة الظلم الذى يحدث للفلسطينيين واحداث كطرد العرب في عام النكبة 1967 واحتلال واستيطان فلسطين والظلم في توزيع المياه والانتفاضة وانشاء الجدار ثم الحرب على غزة والمستمرة بحصار الشعب الفلسطيني ومنع المعونات كالأدوية والطعام لفترة طويلة لم تتغير بالرغم من تدخل الجهات الرسمية ودول كثيرة دون جدوى ، واستطاع العرض ان يصور الشخصيات بشكل قمة في الوعى برسم طبيعة كل شخصية ليوضح مكنوناتها الخاصة والعامة تجاه الاخرين وانتمائها فالمحتل يعرض احداث ومغالطات بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش فقط لتبرير أفعالهم وكرد فعل لما حدث لأجدادهم في محارق اليهود التي حدثت في الماضى ثم مقتطفات تؤكد على الإصرار على انهاء واقتلاع الطفولة والجذور والتاريخ لكل ما هو فلسطيني بحوار ووعى يوضح للجمهور بشكل مباشر ما حدث وبشكل مكثف بوجود هؤلاء المجتمعين في النفق هروبا مما يحدث خارجه ، استخدم المخرج عدة مفردات كالأحذية الموجودة في الجوانب وبعض الملابس الدالة على موت أصحابها وتأكيد على ما يعرضه من حكايات لأشخاص كانت موجودة بالفعل وبأسماء يعرفونها جيدا واستدعائهم على مدار العرض المسرحى وعرض ما حدث لهم بشكل يجعل المتفرج شاهدا على الحدث الذي يجسده ثلاثة من الممثلين الواعدين ( محمد فريد/ فارس) ( عبد الفتاح الدبركى/ رامي ) ( عبد الرحمن محسن/ شبل) وقد اتقن كل منهم التعبير عن كل شخصية بالأداء والحركة والاحساس النابع عن فهم طبيعة الشخصية المقدمة وطبيعة الاحداث المطروحة ونجح كل منهم في خلق ايماءات وحركات خاصة كحركة قفل وتغميض العينين والتي قام بها (عبد الرحمن محسن ) كلزمة خاصة من لزمات الشخصية نتيجة لتعذيبه وكمقدمة لفقده البصر بإحدى عينيه والممثل الثانى ( محمد فريد )  الذى أدى شخصية الجندى وشخصيات أخرى معتمدا على ضخامة جسده وقوته البدنية والنعومة في الأداء عند الممثل (عبد الفتاح الدبركى)  في أداءه للشخصيات الإسرائيلية هذا الاداء لكل منهم بمشاعر صادقة واحساس عالى استطاع كل منهم ان يوصله للمتفرج بسهولة وحرفية واضحة جاء ذلك مغلف بموسيقى لـ ( احمد حسنى ) معبرة سواء كانت بالمتابعة او من خلال التأكيد على الحالة النفسية وخصوصا في مشاهد التعذيب ومؤثرات خاصة في لحظات التحذير والهجوم على النفق من قبل جنود الاحتلال كإنهاء لتلك المقاومة وكرمز لكل ما تم عرضه طوال العرض المسرحى وملابس ( ناريمان الملاح) والتي كانت مناسبة للشخصيات واستخدام موتيفات بسيطة استطاع من خلالها الممثلين الانتقال من شخصية لأخرى بكل سهولة كالبرنيطة الموحية بالجنود او الموحية للشخصيات اليهودية وكذا الماكياج المعبر عن قسوة التعذيب بوجود الدماء سواء على الوجوه او الملابس وكان الديكور لـ ( ياسمين هاني ) موحى ومعبر عن المكان ( النفق ) الذي تدور فيه الاحداث وخلق جو مناسب معبر بشكل كبير ولكن يؤخذ عليهم وجود كراسى المكتب الخشبية والتي كانت مخالفة لطبيعة المكان وعدم منطقية وجودها في النفق وكان الأفضل استخدام قطع حجارة بديلا عنها وووجود البوابة التي تحتل وسط الخلفية للدخول الى المسرح والذى يؤكده التحذير النهائي وهجوم الجنود منه وضرورة الاهتمام بدقة الألوان وتوزيع الظلال لإخفاء خامة الديكور المستخدمة وكانت الإضاءة لـ ( احمد الرمادى) واحدة من ابطال العرض كتأكيد للحالة النفسية وتوزيع الظلال والألوان من خلال الصراع ما بين اللونين الأحمر والأخضر يتماثل مع الحدث العام بالصراع الحاصل بين الشخصيات وبشكل يركز انتباه المتفرج وكانت الإضاءة قريبة من الإضاءة السينمائية والتي تنقلنا من مكان لآخر ومن حالة الى أخرى بكل سهولة ويسر لتأكيد مفردات خاصة كالعلم الفلسطيني الذى يلقى على الأرض بواسطة الجندى وتركيز الإضاءة على العلم لحظة وصوله الى الأرض ولحظة وضع قدم الجندى فوقه ومنع الفلسطيني من الوصول اليه بدلالة عالية في المعنى كتأكيد على ان الجنود هم من يمنحوا ويمنعوا وجود هذه الدولة واستخدام اللون الأزرق في مشاهد الحلم والتمنى ، أما عن الجانب الاخراجي لـ  (اسلام تمام ) الذى استطاع ان يجسد الاحداث وان يعبر بإيقاع سريع وبمسرحية تنتمى للمسرحية الجيدة الصنع وبمفردات وأدوات تمكن في استخدامها بدءا من الممثلين ومرورا بالديكور والاكسسوارات والموسيقى وغيرها من العناصر نهاية بالإضاءة التي ركزت كل ذلك وجبة فنية دسمة ووجود عدة أماكن للترويح الكوميدى لتخفيف حدة المأساة التي يعيشها هؤلاء الأشخاص والذين عشنا معهم معاناتهم وذكرياتهم واستطاع ان ينقل لنا وينقلنا لازمان مختلفة في لحظات عبر رحلة العرض المسرحى ونجح في كل ذلك من خلال اللهجة المستخدمة و البسيطة التي حاول من خلالها عرض حالات تتكرر كثيرا في الأراضي المحتلة خلال قرون والحصار المستمر دون اى تغيير لدق ناقوس الخطر كتحذير ضد كل ما يحدث هناك واستطاع كل الفريق التعبير عنها بكل سهولة ويسر في مساحة صغيرة ضيقة موحية بالحياة التي يعيشها الشخصيات بضغوطها وصعوبة التحرك بحرية وعرض العديد من الاحداث الثرية التي نقلت لنا الصورة بشكل شامل


صلاح فرغلي