العدد 887 صدر بتاريخ 26أغسطس2024
يقدم المخرج المتميز إسلام إمام مسرحيته الجديدة “عامل قلق” على خشبة مسرح البالون، وهي التعاون الثالث على التوالي مع الفنان سامح حسين. وتتناول المسرحية قضايا القلق والخوف التي يواجهها الأفراد في حياتهم اليومية، مع تركيز على التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه القضايا. إسلام إمام يتميز بقدرته على إبراز التجارب الإنسانية بشكل ملموس وعميق على خشبة المسرح، والمسرحية لا تقتصر فقط على تقديم قصة درامية، بل تفتح الباب أمام الجمهور لاستكشاف مختلف جوانب القلق والخوف وتأثيرها على حياة الأفراد بطريقة مبتكرة ومفعمة بالحس الفني والإبداعي. المسرحية فكرته وإخراجه وبطولة سامح حسين، سمر علام،و محمد مبروك يوركا، وفاء سليمان، عماد عبد المجيد، طارق عبده دياب، مصطفى سعيد، باسم سليمان، محمد صفاء، حامد الزناتي، رامي حازم، حسن علي، محمد مصطفى تيكا، نورهان عشوش، سما نصر الدين، سهيلة الأنور، عنان عاطف، منة عاطف، تأليف «محمد الزناتي، أحمد الملوانى، وديكور حازم شبل، وموسيقى ليحيى نديم، وإضاءة عز حلمى، واستعراضات هانى حسن، وجرافيك ضياء داوود، وأزياء أميرة صابر، والمخرج المنفذ كريم محروس وإنتاج الفرقة القومية للموسيقى الشعبية بقيادة الفنانة لبنى الشيخ التابعة لقطاع الإنتاج الثقافي برئاسة المخرج الكبير خالد جلال والفنان أحمد الشافعي رئيس قطاع الفنون الشعبيه والأستعراضية. وعن العرض المسرحي وقضايا أخرى كان لنا هذا اللقاء مع المخرج إسلام إمام..
حدثنا عن مسرحية «عامل قلق» منذ بداية الفكرة حتى خروجها على خشبة المسرح؟
جاءت الفكرة من حالة القلق والتوتر والخوف التي تسود المجتمع في تلك الفترة، وتظهر بوضوح على وسائل التواصل الاجتماعي وصفحاتها وتعليقات الناس من جميع الطوائف. هذا ما جعلني أفكر في تقديم عمل يواكب التقدم التكنولوجي والسوشيال ميديا، من خلال إنشاء تطبيق، حيث يمكن للتطبيق أن يهدئ الناس ويوفر لهم فضاءً للتحدث بحرية. هذه الفكرة تمثل حالة احتواء كبيرة جدًا، مما دفعني لتقديم مسرحية معاصرة تتناول قضايا الناس بشكل يعكس تأثير التطبيقات التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا.
ولماذا اخترت تقديمها في قالب كوميدي استعراضي وكيف عملتم على الأغاني حتى لاتصبح مجرد حشو؟
يرجع الأمر في البداية لطبيعة قطاع الفنون الشعبية، مما جعلني أحرص أثناء اختيار الفكرة على أن تتضمن موسيقى متنوعة في كل مشهد، بحيث يكون لكل مشهد طابع موسيقي مختلف، مثل الشعبي والرومانسي والحلمي. وبما أن الفرقة استعراضية، فإن العمل الغنائي والاستعراضي يعد جزءًا أصيلًا من طبيعتها. لذلك عملت على تقديم أغاني واستعراضات متنوعة جدًا، واستغلال وجود الآلات الشعبية في العرض، حيث يشارك بعض العازفين الموجودين أصلاً داخل الفرقة. وفكرة اختيار الأغاني بحيث لا تكون مجرد حشوا تتجلى مثلا في أغنية بين سمر وسامح، حيث كان يشرح لها مشاريعه وأحلامه. فبدلاً من أن يكون الحوار درامياً فقط، تحول إلى أغنية واستعراض، مما جعله شيقاً وممتعاً جداً، وهذا يعد جزءً أساسياً من الاستعراض.
لماذا اخترت تقديم العرض من خلال مشاهد مختلفة تطرح من خلالها عدة مشاكل لتلقي الضوء على المشكلة الأساسية وهي القلق؟
المسرحية مترابطة دراميا فالقصة تدور حول تصميم تطبيق بدأوا يتعاملون من خلاله مع حالات ولم يقتصر الأمر على ذلك بل يظهر لهم عدو وهنا يكون التصاعد الدرامي والذي يتمثل في «عبده» تاجر المخدرات الذي يبيع الحبوب المهدئة ويملك شركة للأدوية فيبيع كل ما يغيب العقل ويلعب في عدة اتجاهات . يجد ان اصحاب التطبيق قاموا «بقطع عيشه» حين بدأ الناس في الحد من الحبوب والمخدرات لأن هناك تطبيق يحل مشاكلهم فيساعد على تهدئتهم فيبدأ بتهديدهم حتى لايستمروا في هذا الأمر إلا بطريقته وهي بيع المخدرات والمهدئات لأن طريقتهم ستضر بمصالحه وهنا تكون العقدة الدرامية.
كيف ساهمت عناصر الديكور والإضاءة في تحقيق رؤيتك ؟
الديكور والصورة البصرية يلعبان دوراً حاسماً في تحقيق رؤيتي على المسرح. أعتبر الاهتمام بالصورة جزءاً أساسياً من تجسيد الموضوع بشكل ملهم ومبهر للجمهور. يعتمد ذلك على إيقاع وتشكيل الفراغ والسينوغرافيا، بالإضافة إلى العناصر البصرية مثل الموسيقى والغناء والاستعراض. بفضل هذه العناصر، يتم تعزيز تجربة الجمهور وجعلها أكثر جذباً وتنوعاً، وهو ما يعزز التفاعل مع العروض ويجنب الشعور بالملل الذي قد ينجم عن تقديم فقط للأداء المسرحي التقليدي.
يمكن القول أن هناك كيمياء تجمعك بالفنان سامح حسين فحدثنا عن هذا التعاون المستمر؟
التعاون مع سامح حسين هو الثالث على التوالي، فقد عملنا معاً في العديد من العروض منذ عام 2005 وحتى الآن، سواء في التلفزيون أو على مسارح الدولة، مثل مسرحية “تحب تموت إزاي”، ومسرحيات القطاع الخاص مثل “ضيف حماتك” و”ليلة زفاف المرحوم” في السعودية، ومسرحيات MBC، مسرحية»اقفش متحرش». كما قدمنا مسرحيات متنوعة كـ «مونودراما»، ومسرحية «أنا مش هناك» التي عرضت على التلفزيون. وهذا التعاون الثالث على التوالي يأتي نتيجة نجاحاتنا المستمرة، حيث أن النجاح يجذب النجاح. فقدمنا مسرحية «المتفائل» التي حققت نجاحاً كبيراً على المسرح القومي واستمرت لثلاث سنوات، حيث كانت رواية عالمية لفولتير قدمتها بشكل كوميدي خفيف مع استعراضات وأغانٍ ضخمة.، تلتها مسرحية «حلم جميل» على المسرح الكوميدي، والتي عُرضت في جميع محافظات مصر. التي تناولت فترة الأربعينيات في مصر، جاء نجاحنا وثقتنا لتجعلنا نفكر دائمًا في تقديم أعمال متميزة. وأخيرًا مسرحية «عامل قلق» التي تتناول قضايا معاصرة جدًا. كل من هذه المسرحيات كانت متميزة بأسلوبها الإخراجي وأدائها وطبيعة العمل.
وهل يمكن أن ننتظر عملا مشترك سينمائيا أو تليفزيوينا في المستقبل؟
بالتأكيد فهناك تعاون بيني وسامح حسين نجهز لمسلسل عشر حلقات من تأليفي وبطولة سامح حسين .
سبق وأعلنت أن بطلة العرض هي الفنانة سهر الصايغ فما السبب في عدم إكمالها للمسرحية؟
بالفعل كانت معنا منذ البداية حتى أنها وصلت للبرو?ات النهائية ولكن نظرا لارتباطها بتصوير خارج القاهرة في نفس فترة الافتتاح لم تكن معنا واستطعنا الاستعانة بالفنانة الكبيرة سمر علام وهي فنانة مهمة جدا.
كيف ترى مستقبل هذه النوعية من عروض المسرح الموسيقي والغنائي في مصر والوطن العربي ؟
المسرح الموسيقي، سواء في مصر أو خارجها، دائماً ما يجذب جمهوراً أكبر من المسرح العادي بسبب عناصر الجذب المتعددة. مسرحيات مثل “ريا وسكينة” و”سيدتي الجميلة” تعتبر أمثلة بارزة للمسرح الغنائي والاستعراضي، حيث تتضمن أغاني مثل “إشاعات إشاعات” و”الدور الدور” التي تضفي طاقة وحيوية وبهجة على العرض. بالإضافة إلى الأزياء والراقصين، يُعَد الشو البصري جزءً مهما من هذه المسرحيات، مما يجعلها المنصة الأكبر إنتاجاً ونجاحاً. ولكن الأهم من ذلك هو كيفية تقديم هذا النوع من المسرح، فهو نوع ناجح ومهم سيظل موجوداً مدى الحياة. وقد أخرج لنا أسماءً كبيرة مثل سلامة حجازي وسيد درويش والرحبانية.
ما هي أكثر الانتقادات التي توجه لهذه النوعية من العروض؟
هناك مسألة هامة جدا تتعلق بالوقت المستغرق على خشبة المسرح، فمسرحيات المحترفين، بدأ يحدث خلط لدى المتخصصين والنقاد والصحفيين والفنانين الذين يتابعون مسرحيات الدولة. لأن هناك مسرحيات كثيرة «ون أكت» القصيرة والتي ترتبط بالهواة بشكل أكبر فيجدوا أن مسرحيات النجوم طويلة، فما يميز مسرحيات النجوم والمخرجين الكبار، خاصة المسرحيات الغنائية، هو أنها غالباً ما تكون متعددة الفصول، وبالتالي تتجاوز مدتها الساعتين ونصف.فلن تستعين بنجم لتقدم مسرحية ساعة فكيف سيكون إنتاجا ضخم، بالإضافة للقصة نفسها تتطلب وقتا أطول، إذا نظرنا إلى مسرحيات نور الشريف ويحيى الفخراني، نجد أن جميعها تستغرق ساعتين ونصف إلى ثلاث ساعات، وهذا كان طبيعيًا على مسارح الدولة. للأسف، بدأ هذا الأمر يغيب عن بال المتخصصين، حيث أن الطبيعي في زمن المسرحية الممتدة هو ساعتين ونصف إلى ثلاث ساعات.
لو تحدثنا عن مشوارك المهني فما هي أهم المحطات في مسيرتك منذ بداياتك حتي اليوم ؟ ولماذا لجأت مؤخرا لتيمة الكوميديا؟
الحمد لله، في وسط مشواري منذ بداية أول مسرحية على مستوى الاحتراف حتى الآن، وعلى مدار أكثر من عشرين عامًا، هناك محطات مهمة على الكثير من المستويات. هناك محطات تتعلق بالنجاح الجماهيري وأخرى تتعلق بالنقلات الفنية. أرى أن المخرج والمؤلف والممثل الذي يقدم طوال الوقت أعمالًا متشابهة لديه قصور في تطوره ذهنيا تجاه هذا العمل. الممثل الذي يقدم دائماً دور الواعظ المحترم يعاني من قصور شديد إذا رفض تقديم أدوار مغايرة لما اعتاد عليه. لذلك، أسعى دائماً إلى التنوع والتغيير والبحث في مناطق مختلفة. قدّمت أعمالًا جادة تراجيدية وكلاسيكية، وفي فترات أخرى قدّمت مسرحيات غنائية، وعملت فترة طويلة في كوميديا دي لارتي. من المحطات المهمة في مسيرتي، والحمد لله، المحطات في القطاع العام تشمل مسرحيات مثل “ظل الحمار” و”رجال وستات” و”تحب تموت إزاي”، التي حصلت على جائزة الإبداع واستمرت في العرض لثلاث سنوات مع حصولها على جوائز عديدة في الوطن العربي. كما تضمنت المسرحيات المهمة أيضاً “المتفائل”. في القطاع الخاص، لاقت المسرحيات التي قُدمت في السعودية “سناب شات” و”صوابع زينب” استحساناً واسعاً، وكانت تعد تجارب مهمة ومسرحيات مبهرة، كما كانت “السفينة والوحشين” في مسرح الشباب تجربة مهمة أيضاً. هذه المحطات مهمة، سواء بسبب الإقبال الجماهيري والنجاح في توصيل المسرحية للجمهور، أو بسبب الجوائز والتعبير عن شكل جديد ومعاصر. والحمد لله أنني من القلائل الذين أخرجوا على جميع المسارح الكبيرة في مصر، مثل المسرح القومي، والبالون، والسلام، والكوميدي، والهناجر، ومركز الإبداع، والطليعة، والشباب، والعائم. وكذلك على مستوى القطاع الخاص، قدمت عروضًا على العديد من المسارح في مصر والسعودية والإمارات. التنوع كان عاملًا أساسيًا في ذلك، حيث يجب مراعاة طبيعة الفرق التي أخرج لها العرض. كما أنني أحب التنوع في القضايا وأن أكون مواكباً ومعاصرا للجمهور بحيث يجد نفسه داخل الموضوع، وليس مجرد مشاهد من بعيد يشعر بأن المسرحية لا تخصه. هذه العوامل تساهم في نجاح الأعمال وتجعلها قريبة من الجمهور ومؤثرة.
كيف تعمل في العادة على التوازن بين الحفاظ على رؤيتك كمخرج وتلبية توقعات الجمهور والنقاد؟
أنا لا أقصد تقديم عمل يعجب الجمهور والنقاد فقط، بل تقديم شيء يعبر عن طبيعتي ويفهمه الجميع، ويتناول في الوقت نفسه موضوعاً مهماً. وبالتالي أي متفرج، سواء كان ناقداً أو غيره، سيدرك أهمية ما نتحدث عنه، ولكن يجب تقديم ذلك بأدوات تمكنك من الوصول إلى أي متلقٍ. هذا هو المسرح الاحترافي الحقيقي، وهي نقطة هامة جداً.
كيف ترى المسرح اليوم في مصر والوطن العربي ؟
ففي الوطن العربي، باستثناء مصر والسعودية - التي بدأت مؤخرًا تقديم مسرح بشباك تذاكر وعروض طويلة المدة - لا يوجد نفس الالتزام بالمسرح. ففي مصر، هناك عروض تستمر لعامين أو ثلاثة أو حتى أربع سنوات، سواء الآن أو في الماضي. في حين أن باقي الدول العربية تفتح عروضاً ليوم واحد في مهرجان أو تقدمها ليوم مجاناً، وهذا ليس مسرحاً حقيقياً. أن يعرض المخرج مسرحيته ليلة واحدة في مهرجان ثم يحصل على جوائز ثم يحضر للتكريم في مصر، فهذا لا يُعد تميزاً. المسرح الحقيقي هو القدرة على جذب الناس من بيوتهم ليحجزوا التذاكر ويشاهدوا العروض. إنتاج عرض ليوم واحد في مهرجان لا يُظهر التميز الذي يتحدثون عنه في المسرح. في إحدى الندوات، تحدث أحدهم عن تجربته في التجهيز لعرضه وقيامه بورشة لأربع أشهر، وحينما سُئل عن أيام العرض قال: «يوم واحد». أيعقل ورشة لأربع أشهر لأعرض يوماً واحدًا فقط للمتخصصين، وينتهي الأمر؟ هذا عبث وهراء. المسرح الناجح يعتمد على العوامل التي تجعل الجمهور ينزل ليشاهد العروض. هذا هو المسرح منذ بداياته عند اليونان والرومان والمسرح الشكسبيري، وليس فقط عرضا للنقاد والمتخصصين. لذلك، المسرح في مصر لا يزال في مقدمة الشرق الأوسط والوطن العربي. طالما أن الوطن العربي لا يستطيع فتح مسرح بشباك تذاكر، ستظل مصر في المقدمة فقط نحتاج لمسارح أخرى في التجمع والشيخ زايد ومدينة نصر والمحافظات لأن عدد المسارح لايتناسب مع عدد السكان بحيث لاتعتمد فقط على مسرح الدولة. وأحيي السعودية لخوضها التجربة وفتح مسرح بتذاكر، سواء لمسرحيات سعودية أو من دول مختلفة. العروض تتجول في المحافظات، في الرياض وجدة، ومصر لها السبق في هذا الأمر ومازالت تواصل هذا النهج. للأسف بدأ النقاد ينسون قيمة المسرح المصري بسبب اهتمامهم بالجوائز التي يفوز بها بعض الأفراد في مهرجانات معينة. في الواقع، المسرح في مصر يعتبر الأول في الوطن العربي والشرق الأوسط، ويستطيع الوصول إلى الجمهور بشكل فعال. لكن التجارب التي تقدم لمجرد الجوائز فهي لاتعبر عن المسرح الحقيقي الذي يلامس ويخص الناس. وبالتالي فالعديد من الدول تنظم العديد من المهرجانات سنويًا، ولكن جمهور المكان لا يعلم عنها شيء ولا يحضر للفرجة.
من الملاحظ حاليا أن هناك أزمة بين المبدع والناقد فكيف ترى ذلك خاصة ان لكل منهما دوره في تطوير الحركة المسرحية ؟
ما يعانيه المسرح من أزمة بين المبدع والناقد ليس هناك خلاف بينهما، لكن يرجع الأمر إلى عدة أسباب مادية وعملية. في السابق، كانت النقد المسرحي له دور مهم في دعم وتقييم الأعمال وتوجيه الجمهور نحو الإبداعات الجديدة. ولكن اليوم، بسبب قلة العائد المادي للفنانين والنقاد على حد سواء، فلم يعد هناك مكان يكتب فيه الناقد وتلك كارثة كما أنه كان لدينا مؤلفون في المسرح، مثل يسري الجندي ولينين الرملي وغيرهم ممن سبقوهم، كانوا يشكلون جزءًا من تاريخ المسرح المصري بأعمالهم المتنوعة والجماهيرية. ولكن اليوم، تبحث عن مؤلفين يمكنهم الاستمرار في هذا المجال لعشر سنوات في التأليف المسرحي وتقديم الأعمال الجماهيرية والمتنوعة لايوجد، بسبب عدم وجود دعم مادي كافٍ وبالتالي الأصعب منه الناقد حيث تراجعت المطبوعات الورقية وأصبح النقد الثقافي بشكل عام قليلاً، مما دفع العديد من النقاد إلى البحث عن فرص أخرى للعمل أو السفر للعمل في الخارج كما فعل معظم زملائنا في قسم النقد . هذا التقليص في عدد النقاد يجعل من الصعب على المبدعين والنقاد على حد سواء مواصلة العمل في هذا المجال بشكل دائم. بالنهاية، كما هو الحال في أي مهنة، عندما تكون الفرص المادية قليلة، يتراجع عدد العاملين فيها، ويبحث الكثيرون عن وسائل أخرى. هناك ضرورة ملحة لتطوير المبدعين والنقاد من خلال الانفتاح ومشاهدة الأعمال السينمائية والمسرحية العالمية المتاحة عبر المنصات. حيث أن هناك بعض النقاد الذين يعلقون على كون العمل مدته تتجاوز الساعتين فهذا أمر طبيعي للعروض الضخمة التي تستمر لساعات طويلة. في حين أن الجمهور مستمتع بالعرض ولا يجده مسفا أو طويل. بفضل تعزيز الفرجة والتفكير العميق، يمكن للمبدعين والنقاد تحقيق تطور مستمر واكتساب المزيد من الوعي، مما يساهم في تعزيز دورهم في المجال الفني بشكل عام، بالإضافة إلى أن الناقد ليس مطلوبا منه التقليل من شأن الأعمال أو الإشادة المبالغ فيها والمدح ولذلك ليس هناك أزمة ولكن العاملين في المسرح يواجهون ضغوطات نفسية كبيرة.
ولكن هناك حالة من الاختلاف يخلقها مايكتبه الجمهور والذي ربما يتنافى مع مايكتبه الناقد فكيف ترى عدم تفرقة المبدع بين رأي الناقد ورأي الجمهور؟
نحن في زمن السوشيال ميديا، التي أصبحت حاكمة كبيرة ليس فقط في العملية الفنية بل في جميع جوانب الحياة. عندما ترتفع قضية ما على منصات التواصل الاجتماعي، يبدأ الناس في الاهتمام بها ويشعرون بأهميتها، كما يحدث في كرة القدم حينما تثير مناقشات واسعة على السوشيال ميديا. وربما تؤخذ قرارات بناء على هذا التفاعل الذي يعبر عن الوعي الجماعي ورأي الجمهور العام، ولا يمكن تجاهله. بالتالي، عندما يكون هناك عدد كبير من الأشخاص يعبرون عن إعجابهم بعرض ما عبر منصات التواصل، فإن ذلك يشكل إشارة قوية إلى نجاح العمل وقدرته على التواصل مع الجمهور فلايمكن تجاهله. فلن يكون المبدع ضد الناقد، ولكن عندما يكتب ثلاثون شخصاً أن العرض جيد ويكتب الناقد أنه سيء، فإن رأي الثلاثين يكون أكثر أهمية . الناقد بدوره، بوصفه متخصصًا، يعبر عن رأيه الفني ويقدم تقييماته التي قد تختلف عن تلك التي يعبر عنها الجمهور. لا تشكل أزمة ولا يعني أن العرض سيء فهو يعبر عن رأيه متخصص مثل لجان التحكيم التي لو تغيرت في مهرجان ما ستتغير معها النتيجة لأن وجهات النظر ستختلف. وبالتالي أنا كمبدع أقرأ المقالات وأخذ منها ما أريده وبشكل عام، المبدع حر في ابداعه والتعبير عن رؤيته الفنية، والناقد حر في كتاباته وكل له مسؤلياته الفنية والإبداعية.
كيف ترى المردود الثقافي من المهرجانات الحالية سواء المحلية أو الدولية؟
المهرجانات، رغم أهميتها، لا تحقق المردود الثقافي المطلوب. فما الجدوى منها؟ هل لمعرفة ترتيب العروض أم لتوسيع رقعة المسرح في بلدك؟ على سبيل المثال، في التسعينيات كانت عروض المهرجان التجريبي بتذاكر مباعة وازدحام، وكان هناك انتاج مكثف للعروض من مختلف الجهات للمشاركة. ومع التطور، ينظم المهرجانات الآن بشكل مجاني لكن لماذا؟ لأننا نخشى عدم حضور الجمهور. ومستوى العروض أقل بكثير ولا يقارن بالماضي. يجب أن يرتفع مستوى العروض ليتواكب مع التقدم الذي نشهده. عند مشاهدتي للعروض الأوروبية المشاركة خلاله على سبيل المثال، لا أجد أنها تمثل المسرح الإيطالي أو الألماني؛ إنها عروض هواة. ففي المسارح المحترفة في أوربا، يوجد جدول محدد للعروض الكبيرة، ولا نجد هذه العروض في المهرجان التجريبي لأنه لا يدفع لها مبالغ مالية. أعتقد أنه من الضروري اختيار عروض قوية لنستفيد منها كمبدعين. فالقضية ليست مجرد تسيير أعمال . فحاليا المهرجان القومي المحلي أقوى من المهرجان التجريبي .والعروض العربية هي التي تتميز أكثر من الأوربية لأنها ليست عروض المحترفين في أوربا. المهرجانات لاتحقق مردودها الثقافي وهو مشاهدة عروض تخلق تطورا وخيالا واسعا. والتقصير ليس من القائمين على المهرجان لأنهم يرحعوا ذلك إلى الميزانية. فيجب تخفيض عدد الفرق والتكاليف اللوجستية واستثمار هذه الموارد في عروض كبيرة تستحق الجهد.
كيف ترى مسألة الورش التي إزدادت في الظهور؟
هناك ورش في كل مكان في العالم ولكن الأهم ما الذي يؤهلك لإقامة ورشة؟ وبالتأكيد لن ننصب أنفسنا قضاة فعنصر الجودة هو الذي سيحدد في النهاية هل ستكمل في هذا الأمر والناس تقتنع بكونك مؤهل لذلك أم سيحدث العكس فربما هو يكتشف نفسه بهذا الأمر.