العدد 887 صدر بتاريخ 26أغسطس2024
استخدام الموسيقى والأناشيد المغناة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنشأة المسرح قديماً حيث ارتبط المسرح الاغريقي بالأناشيد التي كانت جزءاً أصيلاً من العمل المسرحي، وكانت تؤديها عادة الجوقة للتعليق على الأحداث. فالنصوص المسرحية كانت تنظم شعرا، وقد استمر استخدام الأناشيد المغناة والموسيقى في المسرح الروماني بعد ذلك، وتطور استخدامهما عبر مراحل تطور المسرح المختلفة.
يعرف الكاتب لويس فرجاس المسرح الغنائي في كتابه المرشد إلى فن المسرح: بأنه عرض مسرحي يتخلله عدد من الأغاني والأناشيد التي تدعم مضمون النص. والمسرح الغنائي هو جنس فني مركب له خصائصه ومقوماته ويعتمد على أشكال عدة من الفنون الأدائية، كالشعر والموسيقى والغناء والرقص، في تقديم أحداث العرض المسرحي.
حيث يعتمد المسرح الغنائي علي كافة عناصر العرض المسرحي التقليدي من ديكور وإضاءة وملابس مضاف اليها الأغاني والاستعراضات المصاحبة للعرض بشكل اعمق من العروض المسرحية التي قد تحتاج الي استعراض واحد ليس اكثر او بأماكنها الاستغناء عن الاستعراض فالعرض قائم بشكل أساسي علي الدراما المكتوبة ورؤية المخرج للعمل، اما العرض الموسيقي يختلف كثيرا في طبيعته فنجد أن الأساس في العمل هو الاستعراض والغنائي الذي يشكل قصة العرض (الاوبريت) او يصاحبه دراما تخدم المواقف ( عرض غنائي/ موسيقي).
نظرا لصعوبة اخراج العروض الموسيقية لما يتطلبه من جهد مضاعف وعوامل إنتاجية أكثر كلفة من العرض التقليدي نلاحظ ان العروض الموسيقي الغنائية لا يتم انتاجها بشكل كثير في الآونة الأخيرة، وقد يعود السبب للتكلفة الإنتاجية العالية او قلة عدد رواده.
ونحن اليوم بصدد تجربة مسرحية غنائية قدمتها الهيئة العامة لقصور الثقافة اخراج حسام التوني، عرض الطاحونة الحمراء عملية مسرحة لفيلم الطاحونة الحمراء والذي اتفق كثيرا في تيمة العرض الرئيسية واحداثه واختلفت في الاشعار والاغاني التي تم تأليفها كاملة للشاعر احمد زيدان.
تدور أحداث العرض في قالب غنائي استعراضي لتوضيح فكرة أنه لا مكان للمشاعر أو الحب في عالم مزدحم بالقسوة، من خلال “البطلة” التي تعيش قصة حب في زمن لا يعترف به، وفي مكان لا يصلح لوجوده، وتشهد حياتها صراعات عدة، تنتهي بنهاية مأساوية.
جاء العرض المسرحي مجزأ بداية مع التأليف الدرامي لأحمد البنا والذي لم يضيف علي الفيلم المأخوذ عنه العرض سوى اختزال بعض المشاهد ودمج أخرى في محاولة لجعل العرض ملائما للمتلقي المصري وخلال هذه المحاولة اخل بعض الشيء بمشاهد غاية في الأهمية فعلي سبيل المثال لقاء سياتل مع كريس في الفيلم كان نتاج سوء تفاهم بين بين سياتل فاتنة الطاحونة الحمراء الأول و القواد مالك الطاحونة الحمراء حين أشار لها عن مكان تواجد الدوق الذي من المفترض ان يكون هو الفائز بها في ليلة حمراء بعد ان دفع الجواهر لها. هذا المشهد تم اختزاله ليحكي المشهد في شكل اسرع مما اخل بالدراما بعض الشيء. وقد توقفني استخدام مصطلح دراماتورج سابقا لأشعار احد زيدان فالعرض له مؤلف درامي فكيف ان يكون كاتب الاشعار قام بعمل دراماتورج فحتي وان قام بكتابة بعض المشاهد الحوارية حتي يخدم موقف اشعاره من الدراما في العمل ككل كان من باب أولى ان يكتفي باستخدام كلمة تأليف مشترك فيما بينهما او أن يتنازل عن كلمة دراماتورج ويكتفي بالأشعار.
وجاء العرض ملئ بالموسيقي الاستعراضية المصاحبة للغناء الذي كانت كلماته مبدعة للغاية الا ان الالحان كان مكررة بعض الشيء وان كانت مناسبة للعرض الا ان عدم التنوع في النغمة اللحنية للعمل قد تسبب في رتابة للمتلقي في بعض اللحظات من العمل الفني.
وكانت الملابس والديكور مستوحى بشكل كبير من الفيلم الأصلي ولم تختلف مع الفيلم الا انها لم تخل بالحقبة الزمنية او بحالة العرض بشكل عام.
والاضاءة إضافة للصورة الجمالية للعرض بشكل كبير واضافة له في كثير من المشاهد الا ان تحفظي هنا وهو تحفظ بشكل عام في عدد من العروض المسرحية التي شاهدتها ان خطط الإضاءة تعتمد علي الابهار البصري بشكل رئيسي مما يخل في بعض الأحيان بالدلالة الفنية التي تكون مؤثرة في كثير من الأحيان في دراما العمل الفني، فالاهتمام بالصورة المسرحية امر مهم لكن الأساس هو القيمة الفنية والدلالة التي تشير لها هذه الإضاءة في ذلك المشهد، فعلي سبيل المثال نجد تداخلات اضاءة غاية في الروعة الا انها لم تؤدي دورها المطلوب في اكمال حالة المشهد الدرامية للمتلقي.
وعلينا أن نشيد بالعمل الذي قدم ممثلية مباراة تمثيلية غاية في الروعة فالممثلون جميعا استخدموا ادواتهم بشكل كبير وقد بذلوا جهدا ملحوظا في التدريبات حتى يخرج العرض منضبطا بهذه الطريقة فالعرض محمل بالاستعراضات والغناء إضافة الي بعض المشاهد الدرامية التي احتاجت لأعداد جيد، ويحسب هذا التدريب لمخرج العمل ومصمم الاستعراضات اللذان تكاتفا ليخرجا عملا منضبطاَ.
وفي الختام لا يسعني الا شكر فريق عمل عرض الطاحونة الحمراء علي تجربتهم الهامة والتي كانت بمثابة الشرارة التي قد تعيد لنا المسرح الغنائي مرة أخرى.
العرض عن قصة الكاتب الأسترالي باز لورمان، تأليف درامي أحمد حسن البنا، وإخراج حسام التوني، أشعار أحمد زيدان، ديكور وملابس نهاد السيد، تأليف موسيقى وألحان وتوزيع زياد هجرس، إضاءة أحمد أمين، استعراضات محمد بحيري، ماكياج رامي جمال.