العدد 887 صدر بتاريخ 26أغسطس2024
بعد تحضير دام ثلاث سنوات لعرض “حاجة تخوف” من قبل المخرج خالد جلال، تم تقديم العرض في مهرجان المسرح القومي، دورة الفنانة سميحة أيوب، ولاقى إقبالاً كبيراً من الجمهور بسبب الحماس الشديد لهذا العمل، الذي استغرق مدة طويلة من التدريب والتحضير ، وبالفعل خرج لنا عرض الذي لم يذهب تحضيره هباءً.
بدأ العرض بمشهد ثلاث فتيات يلعبن ببطء على أنغام أغنية أطفال شهيرة، مع إضاءة حمراء وديكور يتضمن مرايا ورسومات لعيون وأشكال مخيفة. كان هذا المشهد يتكرر بلا توقف قبل بداية العرض، مما أضاف حالة من الخوف والتشويق للجمهور، وأثار فضولهم حول ما سيحدث وما هي فكرة العرض.
عندما بدأ العرض، ظهر خمس ممثلين في هيئات عفاريت، لكنهم جسدوا “الخوف” الذي كان جوهر العرض والفكرة التي يدور حولها. هؤلاء الخمسة كانوا يلاحقون باقي الممثلين، الذين كان عددهم كبيراً على خشبة المسرح. وعلى الرغم من العدد الكبير، لم يكن هناك أي ممثل “كومبارس”، بل شارك الجميع في العرض، وكل واحد منهم كان جزءاً من قصة من القصص المعروضة ويجسد فكرة لخوف من شئ معين.
«أنا ما عملتش حاجة» كانت جملة البداية والنهاية للقصص التي قدمها خالد جلال حول فكرة الخوف؛ الخوف من المستقبل، الماضي، الحاضر، والخوف من الفشل. قدم خالد جلال أكثر من عشرين قصة تحكي عن أنواع الخوف المختلفة التي تلاحق صاحبها. وظهر خالد جلال في بداية العرض كراوي، أوضح سبب وجود هذا العدد الهائل من الممثلين في قصر مهجور، ثم توالت القصص.
استلهم خالد جلال قصصاً تبرز الخوف من المستقبل، كما في فكرة الزواج، حيث عرض ثلاثة نماذج للزواج. النموذج الأول كان لشاب تقدم للزواج من حبيبته وخاف وعانى من كثرة طلبات أهلها حتى يتم الزواج بنجاح، وهذا أيضاً كان إسقاطاً على الأهالي لتسليط الضوء على ضرورة أن تكون طلباتهم معقولة ليتيسر الزواج دون تعقيد. النموذج الثاني كان لاثنين يجهزان لزواجهما وشقة الزواج، حيث أصبح العريس يتهرب من خطيبته لكثرة ضغوط أهل الفتاة وطلبات الفتاة نفسها. هذا النموذج من الممكن ان نستنتج انه تكملة لقصة الشاب الذي تقدم لحبيبته، حيث تبين أن هذه هي نتيجة كثرة تعقيدات الزواج. النموذجان السابقان يعكسان الخوف من المستقبل؛ حول ما سيفعله الرجل في مواجهة هذه الطلبات والضغوطات لكي يتزوج من حبيبته. النموذج الثالث كان عن عريس وعروسته اللذين أقبلا على الزواج وتجهيز شقتهما، والتي اتضح أنها صغيرة جداً ، كانت العروسة تخفي بداخلها الخوف من كلام الناس حول صغر الشقة ومقارنات الآخرين، وهذا الخوف اندلع بعد زيارة أقاربها لهم. قبل الزيارة، كانت ترى جمال الشقة، ولكن بعد الزيارة، أصبحت حزينة وتركت الخوف يظهر علناً.
أما الخوف من الماضي، فقد أوضحه خالد جلال من خلال قصص عن الخوف من موت شخص عزيز، مثل موت زوج أو وفاة أب أو صديق، أو الخوف من كشف المستور، كما في قصة الطبيب الذي كان سبباً في انتحار ممرضة تعمل معه، وأنكر علاقته بها، ولكن خوفه من الانكشاف جعله يعترف في النهاية. فكان وجود فكرة فقدان شخص توفى عدة مرات في القصص المعروضة.
الخوف من الحاضر كان له جانب من القصص التي تناولها العرض، حيث ألقى الضوء على مشكلة الجيل الحالي، إذ أصبح الناس يهتمون بكل ما هو بلا قيمة ويتجاهلون ما هو هادف. كما تناول العرض منصات التواصل التي تجلب الأموال على حساب الكرامة والنخوة، مثل “لايفات التيك توك”. وأوضح العرض كيف فقد الفن والأصالة قيمتهما، وأصبح كل الاهتمام منصباً على عدد المتابعين، دون الاهتمام بالقيمة التي يقدمها الفن للجمهور.
أما عن الخوف من الفشل، فقد كانت القصة تدور حول شاب كان يشارك في مسرح الجامعة، لكنه انتهى به الحال إلى أن يصبح مجرماً ومدمناً للمخدرات. دار الحوار بينه وبين صديقه، الذي التقى به صدفة، وكان جزء من الحوار مقتبساً من أحد عروضهما المسرحية في الجامعة. انتهت القصة بموت الشاب المدمن، الذي كان يائساً من الحياة وخائفاً من الفشل.
الديكور والإضاءة والمؤثرات الصوتية انسجمت مع التمثيل والقصص المعروضة، وقدموا لنا عرضاً مختلفاً ومميزاً عن سابقيه. الديكور الذي وضحنا مكوناته سابقاً، كان يحتوي على نقطة معينة وهي المرايا الموجودة فوق منصة على خشبة المسرح. كل قصة تم تجسيدها على خشبة المسرح كان بطلها الذي يعاني من الخوف يوجد مماثل له أمام المرايا، معطياً ظهره للجمهور، ويقوم بنفس انفعالات الشخصية ويلقى على الأرض لحظة تمكن الخوف منه. غالباً كانت إضاءة مكان المرايا حمراء.
من أكثر مشاهد المرايا إثارة وإتقاناً، والذي لقي تصفيقاً كبيراً من الجمهور، كان مشهد الخوف من الفشل (الشاب المدمن). عندما لقي حتفه بسبب المخدرات، كان مثيله أمام المرايا في نفس اللحظة يلقى حتفه أيضاً، دون أي خطأ في التوقيت أو التقدم عن الآخر في أخذ آخر جرعة مخدر، ونفخ الدخان، ثم السقوط بعد ذلك. هذه اللقطة أبهرت الجمهور لحرفيتها وبراعتها المتقنة، وكانت من أكثر اللقطات حصلت على تصفيق من الجمهور.
الإضاءة تنوعت بين الأزرق، الأحمر، الأصفر، والأخضر، وكل منها أضاف على الحالة العامة للعرض، مؤثرةً في الجمهور ومنسجمةً مع القصص المعروضة. كانت الإضاءة الزرقاء موجودة في مشاهد متعددة، مثل مشهد الفتاة وجدتها، والطبيبة التي تبيع الأعضاء البشرية، وفتى اللايف ووالدته، والصديقة المؤذية. هذه المشاهد احتوت على إضاءة زرقاء أضافت لمسة من التوتر والخوف للمشاهدين وأبطال القصص. أما الإضاءة الحمراء، فقد كانت موجودة قبل بدء العرض ولحظة بدايته، وكذلك إضاءة الممثلين حينما يتجمعون معاً. بالإضافة إلى مشهد دار المسنين، حيث أضافت الإضاءة الحمراء شيئاً من الشر والخوف الذي يمتلك القلب. فالإضاءة انسجمت مع الحالة العامة للعرض، مما جعل الجمهور يندمج مع ما يعرض أمامه.
أما المؤثرات الصوتية، فقد جعلتني أشعر وكأنني داخل قصر مهجور بالفعل، مما جعلني أندمج داخل الحدث كما لو كنت أقف معهم على خشبة المسرح. أما التمثيل، فلا غبار عليه، حيث قدم خالد جلال مجموعة من الممثلين الذين أثبتوا جدارتهم وحرفيتهم.
على الرغم من أن العرض يدور حول فكرة الخوف، إلا أن خالد جلال ألقى الضوء على مشاكل متعددة تواجه مجتمعنا الحالي في الآونة الأخيرة، مثل مشكلة المخدرات وإحساس الشباب بالفشل الذي يدفعهم إلى طريق الموت. كما تم التطرق إلى مشكلة الأفروسنتريك وكليوباترا التي يدعي البعض أنها غير مصرية. وألقى العرض الضوء على الثقافات الدخيلة التي تحاول محو أصالتنا وعاداتنا، وتسعى لغرس نفسها بيننا بالعنف، وجذب الذين يلهثون وراء المال لغسل أدمغتهم وجعلهم ينضمون إليها. أخيراً، عرض لنا خالد جلال قصة عن الإرهاب بوجود سيدتان يريدون تفجير المترو وتستيقظ واحدة منهما من غفلتها لتعلم أن جميع الموجودين مماثلين لأهلها وان الفعل القادمة عليه خاطئ من كل الجوانب ولكن الأخرى لا تستمع لها وتفجر المكان بالفعل.
في نهاية العرض، تم قتل الخمس ممثلين الذين جسدوا فكرة الخوف الذي يلاحق الناس، رغم أن إحدى الفتيات المجسدات للخوف أوهمت الناس بأن الخوف لا يموت، وزرعت فيهم هذا الشعور. ولكن في النهاية، تغلب الناس على خوفهم وقتلوا الشخصيات الخمسة، وقرروا ألا يتركوا أنفسهم للخوف مرة أخرى، وألا يسمحوا له بإفساد حياتهم وجرهم إلى طريق الموت. اكتشفوا أنهم يستطيعون الخروج من القصر في أي وقت، ولكن الخوف أوهمهم بأن الخروج له مواعيد محددة. انتهى العرض بمشهد الممثلين وهم ينظرون للأعلى، يتأملون في الصباح الذي شق نوافذ القصر، وملأ النور المكان بعد أن كان يملأه الذعر والخوف.
على الرغم من أن العرض كان متكاملاً من حيث الفكرة والتمثيل والديكور والمؤثرات الصوتية، إلا أن مدة العرض التي تجاوزت الثلاث ساعات جعلت الجمهور يشعر بالملل في آخر نصف ساعة، حيث لاحظت مغادرة أغلب الجمهور بسبب كثرة القصص المعروضة أمامهم. كان هذا بسبب العدد الكبير للممثلين الذين صدموا الجمهور عند ظهورهم لأول مرة على خشبة المسرح. ولكن على الرغم من ذلك، كانت نتيجة التدريب الذي استمر لثلاث سنوات موفقة من جميع الجوانب.