العدد 888 صدر بتاريخ 2سبتمبر2024
من المعروف أن لكل عرض مسرحي يوجد شخصية تحتل أهمية كبيرة في العرض وتكون البطل الذي تدور حوله الأحداث. لكن في مسرحيتنا «السمسمية»، البطل هنا مختلف. البطل هنا لا يعبر عن عرض مسرحي يعرض في يوم أو بضع ساعات بل يعبر عن أجيال، بل تراث منذ قديم الأزل. البطل هنا هو السمسمية، آلة موسيقية ليست كباقي الآلات، بطل ذو تاريخ عريق ومكانة مرموقة. تمثل الحكمة والتجربة، وأيضاً تمثل العزيمة والقوة في مواجهة التحديات. عندما تتحدث السمسمية، تعطي الناس قوة وقدرة على تحمل الصعاب والسعي نحو الحرية.
صديقة مقربة لكل من يطلب الحرية، صوتها قادر على تحطيم اليأس وبث الأمل في قلوب من يشعرون بخيبة الأمل. تعبر عن أحزانهم وأفراحهم، وتجسد آمالهم وأحلامهم. إنها السمسمية، رمز التراث والمقاومة، صوت الأجيال وعزف الزمن.
فهي آلة تاريخية تحكى تاريخ المقاومة الشعبية خلال حرب 56 و67، فهى آلة لم تكن موسيقية فقط بل لعبت دوراً بارزاً أثناء فترة التهجير فكان صوتها بمثابة آمل وبث روح الوطنية فى نفوس أهالى مدن القناة.
مسرحية السمسمية للمخرج «سعيد سليمان» هي مسرحية غنائية تعتمد على «الحكي» تدور حول قصص أبطال المقاومة الشعبية في مدن القناة المصرية «الإسماعيلية، وبورسعيد، والسويس” إضافةً إلى أبطال سيناء.
نبدأ بالعنوان: «السمسمية» وهنا يمثل العنوان عتبة دخولنا إلى عالم المسرحية حيث نكون على وضوح تام أننا بداخل عرضاً تراثياً شعبياً يتحدث عن تاريخ بلدنا «مصر» وهذا يعود إلى تاريخ السمسمية، وهي آلة موسيقية تراثية تُعد رمزاً لحركة المقاومة الشعبية في مصر “هي البطل الرئيسي للمقاومة في هذه المدن، وهي كذلك البطل الرئيسي للمسرحية، فقد كانت تثير المشاعر عبر نغماتها الحماسية، فإن السمسمية آلة تثور وتحارب”.
ثم يبدأ العرض بداية مختلفة عن أي عرض مسرحي تقليدي فالمخرج هنا كسر نمط «الخشبة التقليدي» فالعرض بدأ في الساحة ساحة انتظار الجمهور خارج الصالة بمشهد استعراضي غنائي ورقص شعبي لنتعرف هنا على ملامح ثقافة معينة يختصها المخرج والتي تدور حولها المسرحية وهي الثقافة الشعبية المصرية من حيث الرقص الشعبي والغناء وأستخدام الالات موسقية تراثية كالطبلة والدوف وكان المشهد كدعوة للجمهور وتمهيد للدخول إلى حقبة تاريخية وتراثية وعرض مسرحي بيقوم بإحياء التراث الشعبي المصري الأصيل.
المشهد الأفتتاحي ملئ بالتقنيات التراثية الشعبية للمسرح المصري وبدايته فكان الممثلين يقفوا بشكل دائري ويحيطوهم الجمهور بمثابة مشارك في العرض وليس كمتفرج فقط، منهم من يقوم بالتصفيق ومن دخل بالرقص في منتصف الحلقة وهذا يذكرنا بالمسرح الأحتفالي وهو نوع من أنواع المسرح الذي يحتفي بالتراث والثقافة، وغالبًا ما يكون مرتبطًا بالأعياد والمناسبات الاجتماعية أو الدينية. يتميز المسرح الاحتفالي بالعديد من السمات التي تميزه عن الأنواع الأخرى من المسرح. حيث يركز المسرح الاحتفالي على تسليط الضوء على التراث الثقافي والفلكلور المحلي. قد يتضمن القصص الشعبية، الأغاني التقليدية، الرقصات، والأزياء التراثية. حيث يتفاعل الفنانون مع الجمهور بشكل مباشر، مما يخلق جوًا من المشاركة الجماعية والاحتفاء المشترك. قد يشمل ذلك دعوة الجمهور للغناء أو الرقص أو المشاركة في أجزاء من العرض. وهذا ما حدث في مسرحية «السمسمية» والمشهد الأفتتاحي بالتحديد.
كما أن المخرج لم يكتفي بأستخدام المسرح الأحتفالي فقط بل نجد ملامح لمسرح السامر أيضًا إن مسرح السامر هو مسرح شعبي يعتمد على القصص والأساطير الشعبية التي تتناقلها الأجيال. يقدم العروض بأسلوب بسيط ومباشر يمكن للجميع فهمه والاستمتاع به يتميز مسرح السامر بتفاعله الكبير مع الجمهور. غالبًا ما يشارك الجمهور في العرض من خلال الرد على المغني أو الممثل، والتفاعل مع الأحداث والقصص والجدير بالذكر أن مسرح السامر يقام في الساحات العامة والقرى . وهذا أيضًا ما حدث في المسرحية والمشهد الأفتتاحي. حيث تم خارج الخبشة في ساحة الأنتظار.
من خلال ما سبق نري كيف استطاع سعيد سليمان تجسيد التراث الشعبي المصري الأصيل ولكن كان على المستوي التقني فهناك العديد من التقنيات المسرحية استطاع استغلالها ووظفها بشكل يبرز التراث والفكره التي يريد تقديمها. مثل الأداء الجسدي للممثلين حيث استخدموا الحركات والإيماءات الجسدية التي من خلالها نستعلم ان هذا عرض مسرحي تراثي وهو «الرقص الشرقي» وأيضًا ظهر نوع من الرقص المختص بمدينة «بورسعيد»
كما تم أستخدام «الزار” في بعض المشاهد كأن المخرج يستحضر التراث فكان المشهد بمثابة طقوس وهنا بيوحي استحضار الماضي على أرض الحاضر «خشبة المسرح» وأن ما يعرض حدث قديمًا ويتم استحضاره في وقت معاصر. لا نغفل وضعية الممثلين الجسدية كمشهد جلوسهم على الخشبة وهم منسدلين أرجلهم ويوجهون حديثهم للجمهور حيث نلاحظ مدى التقارب بين الممثلين والجمهور وهذا قضي على الفارق بين الجمهور والممثلين، فالمخرج كسر النمط التلقيدي للمسرح عن طريق تحطيم الجدار الرابع وأستخدام الراوي في سرد الأحداث وكسر وحدة الزمان والمكان والموضوع فالعرض كان عبارة عن لوحات لا يوجد حكاية واحدة تدور حولها الأحداث ولا نقطة بداية ولا نهاية فكان العرض عبارة عن قصص أو حكايات منفصلة يتم سردها وتمثيلها أيضًا ولكن يجمعها تيمة واحدة وهي المقاومة الشعبية في مدن القناة المصرية وكيف وقفت أمام الأعداء وتصدت الاحتلال وأستخدم تقنية «الفلاش باك» لزيادة الأثارة وتحطيم رتابة السرد فكان هناك سرد عن حدث قديم أو حكتية وفي المقابل يتم تمثيلها من قبل الممثلين فالخبشة كانت تحمل راوي وممثل ينوب عن السرد.
والجدير بالذكر كان هناك عروسة على الرغم من أنها كانت تاخذ حيز مهمش من فضاء المسرح الا أنها أخذت بعض الأهتمام في العرض وكان يتم توجيه لها بعض الاحاديث، فكانت تمثل من؟ ربما نحن المصرين فالمخرج وضع عروسة جماد لا تستطيع الأعتراض ولا تستطيع أخد ردة فعل على من يقوم بفعل رغماً عنها وهذا نحن يأتي الاستعمار ويقوم بالتحكم فينا كالعروسة وأيضصا مكانتها المهمشة على الخبشة بتوحي بتهميش الشعب وهذا الحديث ليس أيام الثورات سابقًا فقط بل يريد المخرج توصيل رسالة للشعب الحالي لا تكونوا جماد ويجب أن نعترض على اي شئ يحدث رغمًا عنا فالمستقبل والتغير في يد الشعب ولا أحد يستطيع تغير أي شئ غيرنا.
تم ذكر في العرض مهرجان « نوع اغاني منتشر في الجيل الحالي” على الرغم من أن هذا عرض تراثي ولكن المخرج هنا يوجه حديثه لفئة معينة وهي شباب الجيل الحالي فلا أحد يغفل عن هذا المهرجان عند سماعه نتذكر الفيديو التريند والأغنية وايضًا المغني. فلماذا لا نتذكر ابطال المقاومة الشعبية مثل هذا المهرجان وأيضًا المخرج يريد توجيه الحديث لشباب الجيل الحالي فلكي يستطيعوا فهم ما يريد تحدث معهم بلغتهم “لغة المهرجانات” وأختياره أيضًا للممثلين من فة عمرية صغيره حتي يكون توصيل الرسالة مفهوم من جيل لنفس الجيل لا يفوقهم شئ.
إن استخدام الموسيقي الحية على خشبة المسرح بدلًا من أستخدام الموسيقي المُسجلة أعطي روح للعرض والأنغماس فكانت الموسقي والنغمات واختيار الكلمات التي تدل على المقاومة وعدم الأستسلام. واغاني بورسعيد «غني يا سمسمية» وأيضًا استخدام الالات موسيقية مثل السمسمية والطبلة والهارب والالات صغيرة أختفت في عصرنا الحالي كل هذا استحضار للتراث.
نرى الملابس كانت محايدة فلا تميز بين الممثلين وأختيار الألوان أيضًا فالمخرج لا يريد تحديد زمن معين ولا ثقافة معينة لمكان واحد فقط فهو يريد ان يقول أن ما يحدث ليس قديما فقط بل يحدث في كل زمان ومكان. كما نلاحظ ان الديكور ليس من أهتمام المخرج فهنا المخرج كان اهتمامه بالفكرة أكثر من السينوغرافيا حتي لا تلفت انتباه الجمهور وينسجم مع السينوغرفيا بدل من الرسالة التي يريد إصالها فكان يريد كسر الإيهام المسرحي حتى يقول أن هذا واقع وليس تمثيل على خشبة المسرح.
في النهاية لن نغفل العنصر النسائي فكان له أهميه كبيرة في العرض وليس فقط العرض ولكن في المقاومة الشعبية فبدونه كان المصابين لم ينجوا ولم يجد الجنود من يخفف عنهم الآمهم وأيضًا مشاركتهم في المقاومة الشعبية شجاعة منهم وأخيرًا لكي تنجح البلد لا تتوقف على الرجال فقط.