العدد 890 صدر بتاريخ 16سبتمبر2024
في إطار فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في نسخته الاخيرة التي حملت اسم «الدكتور علاء عبد العزيز» برئاسة الكاتب سامح مهران والتي أقيمت في الفترة من 1 إلى 11 من سبتمبر شهد المجلس الأعلى للثقافة مجموعة من المحاور الفكرية والندوات النوعية منها ندوات رد الجميل التي أقيمت على يومان وكان ضمنها شهادات حب للفنانة التونسية الراحلة رجاء بن عمار حيث أقيمت الندوة يوم السبت الموافق السابع من سبتمبر في أجواء من الحميمية والتقدير، واستمرت لمدة ساعتين.، جمعت الندوة نخبة من النقاد والفنانين والمهتمين بالمسرح العربي والعالمي، حيث تبادلوا ذكرياتهم وإعجابهم بأعمال الفنانة التونسية الرائدة. وتناول النقاش العديد من المحاور، من بينها تأثير أعمالها على المشهد المسرحي العربي، ورؤيتها الفنية المبتكرة كما تم تسليط الضوء على دورها في تطوير اللغة الجسدية في المسرح وكيف استطاعت من خلال أعمالها أن تعبر عن هموم وقضايا المجتمع التونسي.
جاء تنظيم هذه الندوة في إطار سلسلة «رد الجميل» التي أطلقها المهرجان في هذه الدورة لتكريم رموز المسرح العربي الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخه وتعتبر هذه الندوة شهادة تقدير على مسيرة فنية حافلة بالإبداع والتجديد، وأكدت على مكانة الفنانة رجاء بن عمار في قلوب محبي المسرح في الوطن العرب.
فيديو تعريفي ل «بن عمار»
بدأت الندوة بعرض فيلم تسجيلي استعاد أهم محطات مسيرة الفنانة رجاء بن عمار، حيث قدم لمحة شاعرية عن عالمها الإبداعي ومعظم أعمالها التي مزجت بين الحركة والإيقاع والتعبير العميق. وقد حظي الفيلم بإعجاب الحضور، تلا ذلك جلسة حوارية شارك فيها نخبة من النقاد والفنانين، من بينهم محمد المديوني وحاتم التليلي وأمينة الدشراوي، جميعهم من تونس. وقد أدار الجلسة الكاتب إبراهيم الحسيني من مصر الذي قدم نبذة وافية عن حياة الفنانة وإنجازاتها.
أشاد الحسيني بشغف بن عمار بالفن، الذي دفعها إلى تجريب أشكال فنية جديدة ومبتكرة، مؤكداً أنها جمعت بين الإخراج والتمثيل والأداء الجسدي بطريقة مبتكرة، مما جعل أعمالها تحمل بصمة شخصية مميزة وان رحلتها إلى ألمانيا في سبعينيات القرن الماضي كانت نقطة تحول في مسيرتها الفنية، حيث تأثرت بأساليب جديدة في الأداء الجسدي والمسرح. وقد انعكس هذا التأثير بوضوح في أعمالها اللاحقة التي تميزت بالابتكار والجرأة وبعد مرور عشر سنوات من سفرها إلى المانيا عادت إلى برلين مرة أخرى وكانت هذه الرحلة من الأسباب الرئيسية في تكوينها الفني والجمالي.
محمد المديوني
اما الدكتور محمد المديوني قال في بداية حديثة إن الفنانة رجاء بن عمار تميزت بكونها فنانة متنوعة امتدت تجربتها لمختلف فنون الأداء وذلك بجانب عملها كمخرجة، وان الراحلة كانت تحتل مكانة كبيرة في الحياة التونسية، واشتهرت بطاقاتها الفياضة في آرائها ومواقفها، مؤكداً أنها تمثل صورة رائعة لجيل من أجيال تونس الحديثة، وأن الأثر الاجتماعي والشخصي كان سببا كبيرا في تكوينها الفني، مشيراً أن بن عمار عاشت في بيئة فنية، مما أثر بشكل كبير على تكوينها الفني. كما أن تجربتها في ألمانيا، وخاصة في برلين، كانت نقطة تحول في مسيرتها، حيث استفادت من النظام الثقافي المتطور هناك وتعتبر بن عمار رائدة في مجال الرقص المعاصر في تونس، حيث مزجت بين الرقص والمسرح، وشكلت بذلك مدرسة فنية خاصة بها، واجهت بن عمار العديد من التحديات في مسيرتها الفنية، إلا أنها تمكنت من تخطيها بفضل إرادتها القوية وإصرارها على تحقيق ذاتها. وكانت بن عمار مؤمنة بأهمية المسرح المستقل، وأسست فرقتها المسرحية «فو» لدعم هذا النوع من المسرح.
أمينة الدشراوي
بينما تري المخرجة والباحثة أمينة الدشراوي أن تكريم رجاء بن عمار الذي حصلت عليه في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي هو تكريم يستحق، ويعتبر رد جميل لمسيرتها الفنية الحافلة بالإبداع والتجديد.
وأشارت في حديثها أن رجاء بن عمار تعد رائدة في مجال الجمع بين المسرح والكوريغرافيا في تونس، حيث قدمت أعمالاً فريدة من نوعها استطاعت من خلالها أن تعبر عن رؤيتها الخاصة للعالم.
وكانت أعمالها تحمل طابعاً تمردياً على كل ما هو سائد في المجتمع، حيث عكسّت من خلالها رفضها للأوضاع القائمة واعتبرت رجاء بن عمار أن فن أداء الجسد ليس مجرد تعبير عن الجمال، بل هو أيضاً وسيلة للتعبير عن الانفعالات والأحاسيس الاجتماعية، مثل الحزن والسعادة، تأثرت أعمال رجاء بن عمار بالأحداث العربية، حيث عبرت عن غضبها وحزنها على ما تمر به الشعوب العربية من خلال مسرحياتها.
أكدت الدشراوي أن بن عمار تركت خلفها إرثاً فنياً كبيراً، حيث أسست مدرسة فنية مستوحاة من أعمالها، واعتبرت واحدة من أهم القامات الفنية في تونس
حاتم التليلي: بن عمار فنانة نقية
وفي سياق متصل قدم الناقد حاتم التليلي ربطاً بين مسيرة الفنانة رجاء بن عمار والتاريخ المعاصر لتونس، موضحاً أنها ولدت مع استقلال البلاد وتوفيت في فترة شهدت تزايد الأفكار الذكورية. هذا الربط يبرز الدور الذي لعبته بن عمار في المشهد الثقافي التونسي، وكيف كانت أعمالها تعكس التغيرات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها البلاد، يري التليلي أن المسرح كان بالنسبة لرجاء بن عمار أكثر من مجرد فن، بل كان ملاذًا ومنبعًا للجمال في أوقات الصعاب. ففي ظل سقوط الأجهزة والأنظمة، وجدت بن عمار في المسرح ملاذًا للتعبير عن نفسها وعما يدور بداخلها مشيراً إلى أن بن عمار كانت تسير خطوة بخطوة خلف المهمشين، مما يدل على اهتمامها بقضايا الطبقات المستضعفة. وقد ساهمت أعمالها في إعطاء صوت للمهمشين وتحويلهم إلى مبدعين، واصفا إياها بأنها فنانة نقية بقيت في بقعة ناقيه من الخطاب السلطوي، هذا الوصف يبرز إخلاصها للفن وعدم تأثرها بالضغوط الخارجية. كما أشار أيضا إلى أنها كانت فنانة مستقلة تتمتع برؤية فنية خاصة بها. وفي النهاية أكد التليلي أن بن عمار جديرة بالخلود في الحياة قبل الموت، وهذا يعني أن أعمالها ستظل حية وستستمر في التأثير في الأجيال القادمة.