هايدى عبد الخالق: أنا ممثلة ودورى أن أجرب دون انتظار النتيجة

هايدى عبد الخالق: أنا ممثلة ودورى أن أجرب دون انتظار النتيجة

العدد 890 صدر بتاريخ 16سبتمبر2024

أن تتماس حياة الممثل مع حياة الشخصية التى يؤديها فى بعض الأمور الحياتية هو شيء لا يحدث كثيراً ، ربما يكون شيء إيجابي يساعد الممثل على مصداقية التشخيص وربما سلبى يجعله لا يستطيع الموازنة ما بين الشخصية والممثل كى لا يطغى أحدهم على الآخر ، أضف إلا ذلك أن تكون هذه الشخصية التى يؤديها لفنان سابق رحل عن عالمنا والجميع يحبه ، هنا أصبح الهم مضاعف على الفنانة «هايدى عبد الخالق» التى حصلت مؤخراً على جائزة أفضل ممثلة فى المهرجان القومى للمسرح المصرى فى دورته السابعة عشرة عن دورها فى مسرحية «الأرتيست « للمخرج «محمد زكى « ، هى ممثلة من طراز فريد لديها من الإمكانيات والأدوات والخبرة ما يجعل حصولها على الجوائز مسألة وقت فقط ، ممثلة ومخرجة وأستاذة تقوم بتدريس التمثيل وفى نفس الوقت تأخر كثيراً حقها في تسليط الأضواء عليها كأفضل الممثلات فى مصر حتى أن المخرج الكبير “خيرى بشارة” قال لها ..كيف لا نعرفك ولا نعرف إسمك؟..إلتقينا «هايدى عبد الخالق»التى تحدثت بكل عفوية فى السطور التالية.
فى الأرتيست هل ركزت هايدى على أن تجسد شخصية زينات صدقى أم نموذج للفنان بشكل عام ؟
كان الهدف هو شخصية الفنانة التى أفنت عمرها فى خدمة الفن وتنتظر التقدير، والمخرج أيضا كان إتفاقه معى أن تكون الشخصية تعبر عن الكثير من الفنانين الذين مروا بتجربة مماثلة وكانت زينات نموذجاً .

لماذا زينات صدقى تحديداً؟
لأن ممثلى كوميديا كثيرين إنتهت حياتهم بالمرض أو الفقر وأشياء أخرى لكن زينات نموذج للفنان الذى جلس بمنزله فترة طويلة بلا عمل ولا إهتمام حتى كادت تشعر أن الجمهور لم يعد يتذكرها ، لذلك كان تكريمها بمثابة تكريم لكل جيلها ومثيلاتها فى زمنها والزمن الحالى أيضاً ، حتى أنها قالت فى أخر حديث معها “إنشالله دور عفريته بس أرجع للفن”، لذلك أعتبر أن الأكثر ألماً من الفقر والمرض أن يشعر الفنان بعد فترة عطاء كبيرة أنه أصبح “مركون على الرف”.

يبدو أن زينات تركت أثر كبير في هايدى ..هل هذا صحيح؟
نعم بالتأكيد حدث تواصل كبير بيننا وشعرت أن الموضوع لم يكن إجتهاد أو شطارة فقط لكنه هبة أعطتنى إياها الست زينات ليصبح ربما العطاء متبادل بيننا ،انا كنت سبب فى تذكر الناس لها وهى كانت سبب فى منحى دور من أهم أدوار حياتى.

كيف تعاملتى مع ترشيحك من البداية لهذا الدور؟
حين حدثنى المخرج “محمد زكى” قلت له هذه الشخصيات أيقونات والتعامل معها خطر “مش عاوزين الناس تحدفنا بالطماطم” وكان ذلك فى عام 2019 لذلك أحييه على هذه المغامرة الكبيرة أن يصدق فى ويرانى فى مثل هذا الدور الكبير .

هل توقعتى كل هذا النجاح؟
 أنا لا أهتم بالنهايات ولكنى أهتم بخوض التجربة نفسها دون إنتظار نتيجة محددة ربما تصيب مرة وتخيب مرة فأنا ممثلة وهذا دورى أن أجرب وأجتهد أما النتيجة فهى تخضع لأشياء كثيرة منها التسويق والحضور الجماهيري ومدى تقبل الناس للعمل بالإضافة إلى العمل الجاد بالتأكيد، لدرجة أنى أحياناً كان يلومني البعض بسبب العمل مع الطلبة فى المعهد العالي للفنون المسرحية وأنا أدرس لهم فأجيبهم أنى أحب ذلك أتركونى أفعل ما أحب.. حتى أن البعض دخل إلى عميد المعهد حينها وكان الدكتور أشرف ذكى وقالوا له كيف تفعل هايدى ذلك وتمثل مع الطلبة فقال لهم أتمنى أن نفعل جميعنا ذلك ، وأرى أن هذا الفعل يخلق مساحة هامة بين الأجيال ويقرب التلاقي فى الأفكار فلا يجب أن يكون هناك إنعزال فى الفن بين دكتور أكاديمي والطلبة لأننا في النهاية زملاء فى مجال واحد.

كيف قررتى التعامل مع شخصية زينات صدقى بعد ترشيحك للدور؟
ربما ما سأقوله يؤخذ ضدى ولكن الحقيقة أنه منذ ترشيحى للدور وانا لم أقرأ أو أشاهد أى شيء خاص بالفنانة الكبيرة زينات صدقى فلماذا أفعل ذلك وهى معنا نعرفها جيدا وشاهدناها عشرات المرات من قبل فلم يكن الأمر يحتاج منى مراجعة شيء يخصها وأضف على ذلك إتفاقى والمخرج على أنها نموذج لفكرة نطرحها ولا نقدم قصة حياة زينات صدقى فقط ، حتى أننا من بداية بروفات القراءة وحين سألت المخرج عن الأداء بعدها أخبرنى أنه جيد لذلك خشيت أن الاجتهاد أكثر فى التمثيل ربما لا يعطى له ما يريد ، فهو مخرج مهم ويعى جيداً ما يفعل وحين يخبرنى أن الأداء هنا أو هناك جيد وكاف أتوقف حينها عن فعل المزيد ،لأنه لم يكن يرغب فى محاكاة كاملة ولكنه يريد إظهار الجزء الإنسانى أكثر وكنت أرتكن فى بناء الشخصية للمعلومات التى يعطينى إياها دون زيادة أو نقصان ، ومع هذا كله لم يكن من مصلحة العمل أن أغوص أكثر من ذلك فى حياة الست زينات ، لأنه يحدث أحيانا أن يشطح الممثل بالأداء فيؤثر ذلك تأثير سلبى على مجمل العمل لذلك الدقة الداخلية للممثل فى تحديد مستوى الأداء المطلوب شيء فى غاية الأهمية.

أنت أستاذة فى تدريس التمثيل ومخرجة وممثلة فكيف كان التعامل مع المخرج محمد زكى ؟
كان لى تجربة سيئة للأسف مع مخرج سابق وتركت فى نفسي أثر كبير ، وحين بدأت التعامل مع المخرج محمد زكى كنت أقول لنفسي متى سيظهر جانبه السيء ، تكبر مثلا أو غرور أو خلق مشاكل من لاشيء ولكن خاب أملى فى الإنتظار لأنى وجدته مخرج شاطر جداً وإنسان جميل والتعامل معه مريح جداُ ، وقلت له أنا كنت أنتظر صدمتى فيك ولكن لم يحدث ذلك ، فهو مبدع يعرف جيداً كيف يُخرج من الممثل ما يريده وبالفعل إستطاع إخراج منا أشياء ربما لم نكن ندرك أنها موجودة ،ويعرف ماذا يكتب وكيف يأخذ هذه الكتابة لمنطقة محددة ، ومرن أيضاً فى التعامل وتقبل الأراء ، وبه صفة رائعة أنه يقوم بنقد نفسه فنجده أحيانا يقول هذه المنطقة لا يجب أن تكون كذلك علينا تعديلها، وهذه النوعية من المخرجين لا نراها كثيراً.

كيف تعاملتى مع كتابات البعض على وسائل التواصل الإجتماعي قبل حصولك على الجائزة الذين قالوا مثلاً.. هايدى عبد الخالق أفضل ممثلة بدون نقاش؟
هذه هى الجائزة الحقيقية أن يقول الجمهور ذلك عن ممثل أو ممثلة فهم الهدف والقياس الحقيقي لنجاح الفنان ، لأنه من الممكن أن يكون يوم العرض أمام لجنة التحكيم فى المهرجان يوم غير موفق أو أضعف قليلا من أيام أخرى ، إذا هذا الإتفاق فى أراء الجمهور لأيام عرض مختلفة هو قياس حقيقي ومهم وجائزة لا تضاهيها جائزة أخرى وكنت قد إكتفيت بهذه الأراء ولم أنتظر جائزة من المهرجان القومي للمسرح المصرى ، ولا أقصد هنا التقليل من الجائزة التى حصلت عليها فهى تكليل لكل ما فات ومن مهرجان عظيم مثل المهرجان القومي للمسرح المصرى وهى أيضاً أول جائزة رسمية أحصل عليها فى مسيرتى.

وما رأيك فى منحك جائزة أفضل ممثلة مناصفة مع نغم صالح؟
نغم صالح التى ناصفتنى الجائزة فنانة شاطرة ومهمة وحصلت على عدة جوائز من قبل ولكن للأسف لم أشاهد العرض التى حصلت من خلاله على الجائزة لذلك لا أستطيع الحكم عليها.

هل حصولك على هذه الجائزة يحتم عليكى التفكير بشكل مختلف فيما هو قادم ؟
الأزمة هنا هو أنا عرض مثل الأرتيست صعب تكرراه ولا أعرف هل يمكن أن أشارك فى عرض بهذا المستوى مستقبلا أم لا ، لكن بشكل عام كما قلت سابقاً لا أحدد الخطوات ونتائجها فقط أخوض التجربة لحبى لها وعلى سبيل المثال لى زميل يخوض تجربة  فى مهرجان نقابة المهن التمثيلية وقال لى طبعا بعد حصولك على جائزة أفضل ممثلة سيختلف تعاملك معنا ..فقلت له لماذا تقول ذلك فلم يتغير شيء من ناحيتي ، فأنا أشارك بثلاثة جمل مثلا فى عمل وفى عمل أخر أشارك “من الجلدة للجلدة” وأحب المشاركة فى هذا وذاك ، نحن مثل الأطفال نشارك بالفن لنلعب ونشعر بالسعادة ، وبالتأكيد اتمنى أن الخطوة القادمة لا تقل عن مستوى الأرتيست رغم صعوبة ذلك.

هل تشعرين بالظلم أحياناً نتيجة عدم إسناد أدوار لك فى السينما والتليفزيون؟
نعم أحيانا أشعر بالقليل من الظلم خاصة أننى من البداية كنت أذهب لأى “اوديشن” او “كاستينج “ مثل الأخرين وأحاول كثيرا بالشكل الطبيعى مثل الباقين ، وكلما أخبرنى أصدقائي عن عمل جديد فى مرحلة التسكين كنت أذهب معهم دون تردد ، ورغم ذلك التجارب قليلة جدا فى السينما والتليفزيون ، فيمكن أثناء التصوير داخل لوكيشن عند إيقاف التصوير أجد الجميع يصفق للأداء والمخرج يقول كلام جيد جدا ولكن ماذا بعد ..لاشيء جديد يحدث لذا كان يضايقني الأمر أحيانا لكن مع الوقت تعودت على أن هذا الإنبهار اللحظى لا يعنى بالضرورة أن تتوالى عروض الأعمال الفنية بعدها.

وكيف تعاملتى مع رأى المخرج الكبير خيرى بشارة حين كتب عنك ؟
فى أحد أيام العرض حضر المخرج الكبير خيرى بشارة وبعد نهاية العرض أخبرنى زملائي أنه ينتظرنى فى الخارج فذهبت له ، فأخبرنى بكلمات فى غاية اللطف والجمال ويبدو فى منتهى الصدق وكان يركز جيدا فى أدق التفاصيل فى الأداء التمثيلى وقام بتحليل كل شيء الحركة وتعبيرات الوجه والصوت وقال لى «إحنا إزاى مش عارفينك؟..وازاى مش معروفة وإسمك معروف ؟ «  وتعاملت مع الموضوع على أنه مجرد مدح وقتى لمشاهدته العرض ، ولكنى فوجئت به يقوم بالكتابة على صفحته الشخصية ويقول « كم هي رائعة الممثلة هايدي عبد الخالق التي لعبت شخصية زينات صدقي في مسرحية “الأرتيست” تأليف وإخراج محمد زكي… عشقت ذلك الوجه المنحوت الذي يشع سحرا وتلك الروح الوثابة التي تمسك بتلابيب الشخصية بمهارة وسلاسة… هايدي عبد الخالق ممثلة تستحق أن يلتفت إليها بقوة صناع الأفلام والدراما، وأن تأخذ ما تستحقه من فرص عن جدارة”.. بعدها بحثت عن رقم هاتفه لأتحدث معه ولأنى لا أعرف كيف أعبر عن مشاعري ارسلت له على رسائل الواتساب وقلت له ..لا أعرف ماذا أقول وكيف أشكرك خاصة أن الناس أخبرونى أنك من النادر جدا أن تكتب عن ممثل أو ممثلة وشكرته فقال لى .. أنا حبيت أسجلك اللحظة دى علشان ماتفهميش إنها مجرد مجاملة لأنك تستحقى تفرحى بالوضع اللى انتى فيه دا وتستحقى مكانة أكبر.. ولا أستطيع أن أصف مشاعرى في هذه اللحظة بكلمات لأنها كانت لحظة صادقة تماما.

ماذا تقولى للفنانين الموجودين حاليا ولديهم نفس أزمة الست زينات ويشعرون بعد مشوار طويل فى عالم الفن بعدم التقدير؟
للأسف هناك الكثيرين منهم حاليا وبعضهم حضر وشاهد عرض الأرتيست وكانت دموعهم على ما شاهدوه تسلخ جسدى ، لأننى أمامهم أقف على المسرح لكنهم لم يتخطوا بعد حرمانهم من ذلك ، فكنت أبكى على ماعشته مع شخصية زينات التى تشبههم وهم يبكون على أنفسهم بعدما جلسوا فى منازلهم بلا عمل فى التمثيل الذى أحبوه وافنوا عمرهم فيه ، وهى حالة صعبة جدا ومؤثرة بشكل لا يوصف ، ولكن فى النهاية كل شيء بميعاد وهناك ممثل تصحبه الشهرة بعد عمل أو عدة أعمال قليلة وهناك أخر يظل لسنوات حتى تأتيه هذه الشهرة والإنتشار، وأيقنت مع مرور العمر مثلا بالنسبة لى حين يسألني البعض أو يكتب كيف لا نعرف إسمك أنه أمر محزن أحيانا لن انكر ذلك ، ولكن المواعيد ليست بأيدينا خاصة أن السعى حاليا صعب جدا وليس كالسابق ، لأن فى الماضي كان عدد الأعمال أكثر وعدد الممثلين محدود وأصبح الأمر الآن بالعكس ، بالإضافة إلى أن عدد كبير أصبح المسرح بالنسبة له مجرد طريق أو محطة للوصول إلى السينما والتليفزيون وهو أمر غير صائب فالمسرح أرقى واكبر من كل ذلك وهو أبو الفنون ، وفى الماضي لم يكن الفن سهل مثلما يشيع البعض عنه حاليا ، الفن مسئولية كبيرة على عاتق الفنان ولن يستقيم بهذا الزحام الحالى وإعتبار أنه مجرد محاولة للثراء والشهرة ، وأتمنى أن يتغير هذا الحال.

فى نهاية الحوار ماذا تقولى  للست زينات ؟
أقول لها شكرا جدا لأنها هى التى وهبتنى هذه الجائزة.


نبيل سمير