العدد 890 صدر بتاريخ 16سبتمبر2024
هل فكرت يوما أن تدخل علبة ألوان؟ أن تسأل نفسك هل لتلك الألوان مشاعر؟ فيغضب الأحمر لعدم اختيارك له أو يحزن الأسود لانك دائما ما ترتديه فى المأتم؟
هل هناك شبه بين أقلام الفلوماستر داخل علبة الألوان والبشر داخل رحلة الحياة ؟
كل هذه الأسئلة يثيرها ويحاول أن يجيب عنها عرض فلوماستر ماركة – علبة ألوان العرض المسرحى الذى أخذنا فى رحلة مع الألوان المختلفة لمدة ساعة ونصف من تأليف وإخراج هانى مهران والذى تم عرضه على مسرح الهوسابير يوم السبت الموافق 24 أغسطس 2024 وجدير بالذكر ان هذا العرض هو العرض السادس والعشرون لفرقة فلسفة المسرحية وهى فرقة فنية مستقلة وهذا ما يدعوا للتفاؤل أن يخرج هذا العرض المسرحى بهذه الصورة بانتاج ذاتى وممثلين غير محترفين .
فقد بدأ العرض بمشهد نقلنا الى حالة أشبه بالحلم فهو مشهد محاسبة أحد الشخصيات كأنه فى الاخرة ثم يتضح الامر شيئا فشيئا وبطريقة محبكة فنيا وبصريا يربط المخرج بين المشهد الاول والاخير فيتضح أن العمل كله وكأنه فلاش باك ليسرد لنا كيف مات “ أسود “ تلك الشخصية التى كانت يتم محاكمتها أو محاسبتها فى المشهد الأول .
يتداخل خطوط درامية حول الخط الرئيسى الذى يسرد حكاية أسود الابن لكلا من الاب الازرق الغامق من الخضة وسماوية الام وكيف تم تعليمه على يد أمه لانه لا يستطيع التعليم فى المدارس فالاسرة لا تستطيع مواجهة المجتمع بابنهم الاسود فهذا عار بين ياقى الالوان الأخرى ويصر الأب ان ينفى ابنه الى جزيرة او مقلمة الالوان المنسية وهناك يقابل أسود حب حياته روز والتى تشجعه على رغبته للثورة ضد التمييز العنصرى وأن كل الالوان من حقهم أن يستمتعوا بالحياة ويتعلموا وان يكون هناك مساواة ولكن يتم الابلاغ عن أسود ويقوم الاحمر البطيخى العضو المسؤول عن الأمن فى المجتمع بتهديد روز واجبارها أن تقنع أسود بتخليها عن حبهما وعن تفاهة فكرة الثورة مقابل أن يتركه حيا .
وهكذا قد مزج العرض بين عناصر الواقع والخيال واستخدم رمزية الألوان والشخصيات وواقعية الأحداث لطرح القضايا السياسية والاجتماعية وقضية التمييز العنصرى سواء على مستوى لون البشرة أو على مستوى الطبقة الاجتماعية أو حتى على مستوى المهن فقد كان الممثليين يؤدون حركات توحى بمهن مختلفة بالاضافة الى أدوارهم كألوان فى علبة الفلوماستر
قد طرح المخرج قضيته مستخدما المزج بين عدة أساليب مسرحها أبرزها هو المسرح البريختى فقد وضح التغريب من خلال استخدام الأصوات المستعارة للشخصيات وكسر الحائط الرابع بخروج الممثلين فى بداية ونهاية العرض من صفوف الجماهير والالتحام بصالة العرض واستخدام الاضاءة البيضاء فى عدة مشاهد .
وقد لعبت الاضاءة والتى قامت بها ياسمين أمام شغف دورا هاما فى نقل الحالة المسرحية والايحاء للجمهور للانتقال من مكان لاخر ومن زمان لاخر مما أدى الى ضبط ايقاع العرض دون الشعور بالملل رغم امتداد الوقت ليصل الى تسعين دقيقة وساعد على ذلك أيضا أن العرض اشتمل على بعض الاستعراضات البسيطة والاغانى التى كانت من تأليف كلا من هانى مهران وعبد الله ناصر .
ورغم بساطة الديكور وعدم تغييره طوال المشاهد الا أنه كان متناسب مع مشاهد العرض ونقل للجمهور حالة الخيال كعلبة ألوان فلوماستر
وقد قام بأداء الادوار عدد كبير من الشباب الممثلين الذى أشاد بأدائهم الجمهور مما يدعو للتفاؤل لوجود مثل هذه المواهب فى المسرح المستقل فقد قام بدور الأسود مؤمن عصام والذى تميز أداؤه بالاتقان حيث انتقل بالدور بين الكوميديا والتراجيدى بين الثورجى والرومانسى الحالم وبين المستسلم والمتفاؤل الراغب فى التغيير
وقد قام بدور الأب أزرق غامق من الخضة الممثل أحمد صلاح الذى استطاع رغم عنف دور الأب أن يضيف له روح الدعابة والسخرية ويضحك الجمهور بقوة وأطفت الممثلة مارينا عاطف روح الطفولة والرومانسية الحالمة بأدائها لدور روز ويحسب للمخرج اختيار الممثلين المناسب كلا فى دوره ليس فقط من خلال جودة الأداء ولكن أيضا من خلال البنية الجسدية وكان ذلك واضحا فى اختيار الممثل علاء سعيد فى دور القلم الفرنساوى وهانى سمعان فى دور القلم البيك والصراع الطبقى بينهما .
ورغم أن العرض يعد من الكوميديا السوداء وقد انتهى نهاية قاتمة حيث قام أسود بقتل نفسه الا أن المخرج فاجأ الجمهور بمشهد النهاية فى خروج أطفال بمثلون الألوان مختلفة ولكنهم يغنون كلمات أغنية تدل على الأمل والتفاؤل وأن المستقبل سيكون أفضل ويتيح الفرصة أمام الجميع ورغم غرابة هذه النقلة الغير متوقعة الا أنه هكذا الأمل مثل الموت يأتى فجأة وينقلنا من حال الى حال .
فى النهاية نجحت فرقة فلسفة المسرحية المستقلة أن تقدم للجمهور عرض تميز بالاختلاف والمزج بين الخيال والواقع “فلوماستر ماركة _ علبة ألوان” هو عرض مسرحي يجمع بين الابتكار الفني والعمق الفكري. إنه ليس مجرد عرض يتناول موضوعات اجتماعية وسياسية ، بل هو تجربة مسرحية شاملة تستحق المشاهدة، تترك لدى الجمهور أثرًا عميقًا وتأملات تستمر بعد انتهاء العرض.