سيدات الأداء التمثيلي.. في المسرح العربي (1-3)

سيدات الأداء التمثيلي.. في المسرح العربي (1-3)

العدد 890 صدر بتاريخ 16سبتمبر2024

عرف المسرح العربي مجموعة من الفنانات ممن امتلكن شخصيات قوية في الأداء التمثيلي على خشبة المسرح، عبر أجيال مختلفة، بل إن بعضهن ساهمن بدور بارز في النهضة المسرحية منذ بدايات القرن العشرين، وكن أصحاب فرق مسرحية، مثل فاطمة رشدي ومنيرة المهدية وبديعة مصابني ومن بعدهن بسنوات تحية كاريوكا.
وكان بعضهن شريكا رئيسيا في نجاح فرق مسرحية أخرى مثل فاطمة اليوسف مع فرقة عزيز عيد، وفرقة أولاد عكاشة، وأمينة رزق مع فرقة رمسيس.
من الجدير بالذكر أن يعقوب صنوع «قد قدم في مسرحه عام 1870م أول ممثلتين مصريتين هما ميليا دايان وأختها، وفي نهاية القرن التاسع عشر كان الجمهور قداعتاد قبول النساء كممثلات على مقتضى الاتجاه إلى الواقعية».(1)
أما أول نجمة مصرية في عالم المسرح فكانت منيرة المهدية (1885- 1965م)، التي تألق نجمها أولا كمغنية سنة 1915، ثم أصبحت صاحبة فرقة، وأول مديرة لفرقة خاصة في المسرح الغنائي، وظلت في صدارة المشهد الفني حتى عام 1930م، تلك السنة التي تم فيها توقف عدد من الفرق المسرحية مثل فرقة رمسيس للفنان يوسف وهبي.
ومن أهم مسرحيات منيرة المهدية «كليوباترا» والتي كانت ذروة النجاح لرائدة المسرح الغنائي في العالم العربي والتي أخرجها عبدالعزيز خليل، وهذا ما يشير إليه الأديب فكري أباظه في مقال له نشر في مجلة الفنون عدد الأحد 28 يناير سنة 1927م، قائلا:
«الساعة الواحدة بعد نصف الليل وأنا لا أملك أن أنام قبل أن أؤدي واجبي نحو الحق ونحوالفن.
منيرة المهدية وعبدالوهاب يغردان تغريد البلابل، والجمهور يضج ضجيج الإعجاب العنيف بعد أن أخذته الدهشة كل مأخذ، واستولى عليه الذهول أمام الفن والسحر الحلال»(2)
ومن مسرحيات منيرة المهدية-أيضا- «كارمن» والتي لحنها الفنان كامل الخلعي، وأثناء ثورة 1919م قدمت عدة مسرحيات وطنية من تأليف الشيخ يونس القاضي وبديع خيري وفرح أنطون، ومن تلحين داود حسني ومحمد القصبجي ورياض السنباطي
ومع ظهور منيرة المهدية وسطوع نجمها، كان الوقت مهيأ لظهور نجمة مسرحية رائدة هي الفنانة روزاليوسف، التي سطع نجمها في الفترة من 1914 وحتى اعتزالها التمثيل عام 1925، لتؤسس بعدها مجلة «روزاليوسف» عام 1925م.
بدأت روز تجربة التمثيل المسرحي وهي طفلة بتشجيع من أستاذها عزيز عيد، والذي قدمها لأول مرة في مسرحية تحت عنوان «عواطف البنين» والتي كانت شخصياتها الرئيسية البنت والأم والجدة، فقرر عزيز على إسناد دور الجدة للطفلة الصغيرة وقتها «روز اليوسف».
تقول روز في مذكراتها: «ترك عزيز المسرح أسبوعا كاملا تفرغ فيه لتدريب تلميذته الصغيرة... وبذل معها جهدا لعله لم يبذله مع الكثيرين.. أخذ يعلمها أولا كيف تنطق الكلام بصوت ضعيف، وكيف تجعل صوتها يرتعش ويتهدج ثم أخذ يعلمها كيف تمشي، لا مسرعة كالفتيات الصغيرات بل بطيئة مثقلة، متوكئة على عصا، كالجدات العجوزات».(3)
واشتركت روز في عدد من الأعمال المؤسسة للمسرح المصري ومنها «أوبريت العشرة الطيبة» تأليف محمد تيمور وألحان سيد درويش، و»غادة الكاميليا» وقد قامت فيه بدور مرجريت، وهو الدور الذي خلد ذكر سارة برنار في فرنسا، فكان هذا الدور هو أهم الأدوار التمثيلية التي قامت بها روز اليوسف، ومن ثم من بعده تم إطلاق اسم «سارة برنار الشرق عليها».
أما الفنانة فاطمة رشدي فهي فمن الرائدات الأوائل بالمسرح والسينما العربية، وإذا كانت منيرة المهدية هي أول فنانة مصرية تقف وتغني على خشبة المسرح وتنجح في تكوين فرقة تحمل اسمها فإن فاطمة رشدي،  نجحت في تأسيس فرقة مسرحية باسمها لتصبح ثاني سيدة مصرية، تدير فرقة مسرحية، وتحمل اسمها، وكذلك مغامرتها بالإقدام على تجربة الإخراج لتصبح أول مخرجة في مسيرة المسرح المصري، وذلك إضافة إلى دخولها  إلى عالم الإخراج السينمائي، وقد ولدت فاطمة رشدي  في مدينة الإسكندرية في 15 فبراير عام 1908، بدأت العمل الفني منذ  طفولتها مع شقيقتيها رتيبة وإنصاف رشدي، وبدأت انطلاقتها الأولى وهي في التاسعة من عمرها عندما أسند لها الفنان أمين عطا الله دورا غنائيًا صغيرًا في إحدى المسرحيات التي تقدمها فرقته، والتي كانت أختها تغني فيها، و انتقلت، بعدها في العمل بين الكثير من الفرق المسرحية، ثم انضمت إلى فرقة «فوزي الجزايرلي»، وعندما شاهدها الفنان سيد دريش بالإسكندرية نصحها للحضور إلى القاهرة وألحقها بفرقة «الأوبريت» التي قام بتأسيسها.وكانت الانطلاقة الحقيقية لفاطمة رشدي في عام 1923 عندما تحمس لها الفنان الكبير عزيز عيد بعدما وتعهدها بالتعليم والتدريب، وأوكل إلى أحد مدرسي اللغة العربية مهمة تعليمها قواعد اللغة العربية والإلقاء، وقام بضمها إلى فرقة «رمسيس» للفنان يوسف وهبي، وأسند لها في بدايات عملها بالفرقة بعض الأدوار الثانوية وبعض أدوار الصبيان والفتيات الصغيرات، فقامت بأدوار: توبي لمسرحية «الذهب»، وابن المهرج بمسرحية «المهرج»، ولي العهد بمسرحية «لويس الحادي عشر»، نيشت بمسرحية «غادة الكاميليا».
وبعد انفصال الفنانة فاطمة رشدي وزوجها عزيز عيد عن فرقة «رمسيس» عام 1926، قررا أن يقوما بتأسيس فرقة تحمل اسمها وأسندت الإدارة الفنية للفنان عزيز عيد، وسارت الفرقة على نهج فرقة «رمسيس» في تقديم نصوص مترجمة ومقتبسة من المسرح الغربي، ومعظمها تتسم بالميلودرامية والرومانتيكية التاريخية، بالإضافة إلى بعض المؤلفات المحلية وفي مقدمتها مسرحيات لكبار الشعراءوالكتاب حينذاك: أمير الشعراء أحمد شوقي، شاعر القطرين خليل مطران، عباس علام، سليمان نجيب، بيرم التونسي، إبراهيم عبد القادر المازني، طاهر حقي، أحمد رامي، «وضمت الفرقة عددا من الممثلين المبتدئين -في ذلك الوقت- الذين يتنسمون في الوقت نفسه فرصة إثبات الوجود، فلا نجومية لأي منهم حتى لزعيمهم ذاته ومنهم نجيب الريحاني  وحسن فايق واستيفان روستي وعبداللطيف جمجوم وعبداللطيف المصري ومنسي فهمي وأمين عطالله وصالحة قاصين، إضافة إلى روز اليوسف التي كانت في أوج جمالها، وغيرهم ممن قدر لهم أن يكونوا من أعمدة المسرح الهزلي»(4).
وأسست الدولة  «الفرقة القومية» عام 1935 - في محاولة لمواجهة أثار الأزمة الاقتصادية العالمية والكساد ومعاناة الفنانين من البطالة - انضمت إليها الفنانة فاطمة رشدي مع جميع نجوم الفرق الثلاث( جورج أبيض، رمسيس، فاطمة رشدي) ولكنها انفصلت عنها بعد فترة وجيزة عندما لم ترشح لأداء أدوار البطولة، وأقدمت مرة أخرى على تأسيس فرقة جديدة عام 1936 أحيت موسما صيفيا قصيرا، ثم عاودت أكثر من مرة تكوين فرقتها - وبمعاونة عزيز عيد أحيانا - بإمكانيات مادية محدودة وذلك خلال أعوام: 1937، 1939، 1941، 1942، وكانت آخر تجربة لها مع فرقتها المسرحية في صيف 1954 حينما قدمت موسما قصيرا بالإسكندرية.
الهوامش:
1- ألفريد فرج: شارع عماد الدين.. حكايات الفن والنجوم- مكتبة الأسرة- الهيئة المصرية العامة للكتاب- 2012- ص91.
2- فكري أباظة: مجلة الفنون- القاهرة عدد الأحد 20 يناير- 1927م.
3- فاطمة رشدي: كفاحي في السينما والمسرح- ص27.


عيد عبد الحليم