محمد أبو داوود: أتابع المهرجان منذ بداياته وعلاقتي به قديمة

محمد أبو داوود:  أتابع المهرجان منذ بداياته وعلاقتي به قديمة

العدد 892 صدر بتاريخ 30سبتمبر2024

حين تتحرك الكلمات على خشبة المسرح وتتحول إلى واقع ملموس، يبرز المخرج محمد أبو داوود كأحد الأسماء اللامعة التي شكلت جزءا هاماً من هذا الفن الراقي، برؤيته الفنية العميقة وإبداعه، استطاع أبو داوود أن يضفي طابعا خاصاً على كل عمل يخرجه، محولا النصوص إلى تجارب مسرحية تلامس الجمهور.  لم يقف عند حد الإخراج بل راح من البداية مشاركا بكل فعل يحدث على خشبة أبو الفنون بالإضافة لمشاركاته المتميزة في السينما والتليفزيون والإذاعة. أخرج مايقرب من عشرين عملا مسرحيا، عمل خلالها مع عدد كبير من النجوم الكبار فؤاد المهندس وشويكار وعزت العلايلي وأحمد بدير ومحمد رضا وغيرهم الكثير بالإضافه لعمله كممثل مع الفنان عادل إمام، كما عمل على نصوص كبار الكتاب وعلى رأسهم الراحل لينين الرملي والذي أخرج له أو نص مسرحي كبير في مشواره. كانت آخر مشاركاته مع أبو الفنون من خلال ترأسه لجنة تحكيم المهرجان القومي للمسرح في دورته الـ17 وعن المهرجان وعلاقته به وبعض من كواليس مسيرته كان لمسرحنا معه هذا اللقاء..
 

في البداية، حدثنا عن علاقتك بالمهرجان القومي؟ 
أتابع المهرجان منذ دورته الأولى، وشاركت في عدد من الدورات كعضو في لجنة التحكيم. كما تم تكريمي في الدورة الـ16، فالتكريمات مهمة جدا للفنان في حياته وأتمنى أن يكرم المهرجان كل فناني مصر. وفي هذه الدورة ترأست لجنة التحكيم، وسعيد لكوني رئيس لجنة تحكيم في دورة تحمل اسم سيدة المسرح العربي سميحة أيوب وشرف للمهرجان؛ لأنها أحد أعمدة المسرح المصري والعربي. فهذا المهرجان مهما لأنه يمثل المسرح المصري بجميع فئات الإنتاج.

ما الآليات التي اعتمدت عليها في تقييم العروض؟
التقييم يشمل جميع العناصر، مثل التمثيل، الإخراج، التأليف، الديكور، والموسيقى. هناك أسس علمية لكل عنصر من هذه العناصر، وبناءً عليها يتم التقييم، بالإضافة إلى مناقشة كل جانب بشكل تفصيلي.

ما أبرز التوصيات التي ركزتم عليها؟
كان من الواضح أن الشباب، وخاصة طلاب الجامعات، قد تميزوا هذا العام، حيث عاد المسرح الجامعي إلى الواجهة من جديد. فقد كان المسرح الجامعي طوال الوقت منبعًا لإبراز الفنانين على مختلف المستويات، حتى جاءت فترة الإخوان الذين فسودوا الجامعات ووضعوا الجنازير على المسارح. ومع ذلك، بدأ نشاط المسرح الجامعي في الانتعاش مجددًا، وبدأت فرق الهواة والفرق الخاصة تظهر بقوة. لذلك، رأينا دائماً أن المسرح يعتمد بشكل كبير على الشباب، مع وجود الكبار بالطبع، لكن الشباب لديهم دور كبير، خاصة مع أفكارهم الجريئة وقدرتهم على البحث والابتكار.
أوصينا بالاهتمام بالشباب، ومنح الفرصة للعروض الفائزة بالجوائز لتُعرض على مسارح الدولة وتسليط الضوء عليها. كما شددنا على ضرورة الاهتمام بالعناصر الفنية الأخرى المهمة في العروض المسرحية، مثل المكياج الذي تميزت به بعض العروض. فعندما نقول الشباب، فإننا نتحدث عن لغة جديدة وأفكار مبتكرة يجب أن نحتضنها، بينما يكون دور الكبار تطوير هذه الأفكار وصقلها.

كيف ترى الاعتذار من بعض النجوم والمخرجين الكبار عن خوض التسابق مع الشباب؟
المهرجان للجميع، سواء محترفين أو هواة، ولكن من اللافت أن بعض النجوم والمخرجين الكبار اعتذروا عن التسابق لإفساح المجال أمام الشباب. على سبيل المثال، في عرض “مش روميو وجوليت”، أعلن المخرج عصام السيد انسحابه من المنافسة ليتيح الفرصة للمخرجين الشباب. كذلك، اعتذر عن التسابق في نفس العرض الفنان الكبير علي الحجار، والفنانة رانيا فريد شوقي، وميدو عادل. رغم ذلك، حصل الشاعر أمين حداد على جائزة أفضل أشعار. بالإضافة إلى ذلك، اعتذر المخرج خالد جلال عن التسابق لأنه عضو في اللجنة العليا للمهرجان.

حدثنا عن بداياتك ومدى تأثرك بوالدك.
كان والدي يمتلك فرقة للهواة، والتي تحولت فيما بعد إلى فرقة محترفين. تأثرت به وبدأت العمل معه في سن التاسعة، وفي الخامسة عشرة من عمري تركت الفرقة وانتقلت للعمل في مسرح الدولة. بدأت مسيرتي كمساعد في إدارة خشبة المسرح وملقن، ثم أصبحت مساعد مخرج ومساعد مخرج أول. كما كنت ممثلاً، والتحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية. بعد تخرجي، رشحني الروائي صالح مرسي لبطولة مسلسل”صيام صيام” ، ولكن تم الاستغناء عني في اللحظة الأخيرة. في ذلك الوقت، كنت أعمل كمساعد مخرج، فقررت التركيز على الإخراج، وأصبحت مخرجًا في عام 1984. أخرجت خلال مسيرتي ما يقرب من عشرين مسرحية لكبار نجوم ونجمات مصر، ولأهم المؤلفين.

في عام 1997، عدت إلى التمثيل مع المخرجين حسام الدين مصطفى وإنعام محمد علي. استمريت كمخرج حتى عام 2010، حيث قدمت آخر عمل من إخراجي “مولد سيدي المرعب”، والذي كنت أنوي تصويره في 2011، ولكن اندلعت ثورة يناير فتوقفت عن الإخراج. على الرغم من عودة المسرح في السنوات الأخيرة، إلا أنني لست متحمسًا للعودة إلى الإخراج.

لماذا لست متحمسا للعودة إلى الإخراج المسرحي؟
لعدم ثقتي في أن ما سأقدمه سيكون أفضل مما قدمته في الماضي. أريد نصوصا جيدة فكما ذكرت الشباب اليوم لديهم أفكار جديدة ولغة مبتكرة، إما أن أواكب هذه الأفكار واللغة أو لا يمكنني ذلك ولكن من خلال مبادئي وأفكاري وقيمي، حيث أن المسرح هو رسالة يجب أن تُؤدى كما يجب أن تكون، إذا لم أتمكن من تقديم هذه الرسالة كما يجب، فلن أحب العمل، سواء على مستوى الإخراج أو التمثيل.

بمناسبة حديثك عن القيمة والرسالة، ما رأيك في التصريحات من البعض إن الفن ليس رسالة؟
أنا أؤمن بأن الفن رسالة، ولا أقدم سوى الأعمال التي تحمل قيمة، حتى وإن كانت بسيطة. نعم، الفن هو في المقام الأول متعة، لكن يجب أن يحمل قيمة وهدفًا. الجمهور يستمتع، ولكن لا يجب تقديم أعمال تضر المجتمع. على سبيل المثال، كانت هناك فترة في التلفزيون المصري عندما انتشرت الأعمال التي تناولت البلطجة والمخدرات. من المهم أن تطرح مثل هذه القضايا بهدف توعية الناس بمساوئها، وليس بطريقة تجعل الشباب يقلدون تلك السلوكيات. يجب أن تقدم القضية بحيث يدرك الناس بأنفسهم أنها سيئة، وهذه هي الرسالة بشكل غير مباشر.
لدي تجربة شخصية تؤكد قوة الفن في إيصال الرسالة. من الأمور التي حذرت منها جميع الأديان، هي القمار. ربما البعض لا يتأمل بعمق في التحذيرات الدينية، لكني شاهدت فيلمًا لشكرى سرحان حيث كان يلعب دور محامٍ كبير مدمن على القمار، ما جعله يتغيب عن منزله لفترات طويلة. طلبت زوجته أن يعلمها القمار لتقليل هذا البعد، لكنها أدمنت القمار وفقدت كل أموالها، ثم اقترضت من شخص آخر استغلها حتى انتهى بها الأمر موقوفة بتهمة الدعارة والقمار. هذا الفيلم أرعبني من القمار. فقد حذرت منه الأديان ولكن الفيلم استطاع في ساعة ونصف بروزة الموضوع بشكل مختلف يرعب الإنسان خاصة لمن لا يقرأ ويتعمق في القرآن وتفسيراته ومن هنا نقول أن الفن رسالة ومتعة. 

وهذا يفسر الدقة التي تختار بها أعمالك؟ 
نعم، بالتأكيد. على سبيل المثال، مسلسل مثل “الوصفة السحرية” يتناول قضايا الأسرة بمختلف مراحلها العمرية، سواء كانوا شبابا أو متوسطي العمر أو حتى فكرة الرجل الذي يتزوج فتاة بعمر أبنائه، وطرحنا هذه المشاكل بخفة ظل. كنت واثقا أن كل زوجين يتابعون المسلسل سيرون أنفسهم في شخصياته. هو عمل يجمع بين المتعة، الكوميديا، والقيمة، على عكس بعض الأعمال التي تعرض سلوكيات سيئة تقلدها الناس.
في فترة ما، كان هناك اتجاه في السينما المصرية لتقديم أفلام عن الراقصات، حتى أصبحت كل الأفلام تقريبا تحتوي على راقصات. هذا خلق تساؤلا لدى إخواننا العرب، “هل كل مصر راقصات؟” هذه صورة سيئة وغير حقيقية يتم تصديرها. يجب أن نتذكر أن الصهيونية تسيطر على صناعة السينما العالمية وتتحكم في الإنتاج والإعلام، وتقدم الأفكار التي تروق لها، حتى أنهم يصنعون الأبطال وفقًا لرؤيتهم.
لكننا، في مصر، لدينا عادات وقيم وتقاليد يجب الحفاظ عليها. هذا لا يعني تقديم نصائح مباشرة مثل «اغسل يديك قبل الأكل وبعده»، بل المطلوب من الفنان الحقيقي أن يقدم فنا ممتعا وله قيمة، سواء كان العمل كوميديا، أكشن، إثارة، أو اجتماعياً. المهم هو أن يحمل الفن رسالة وقيمة تُفيد المجتمع.

على الرغم من كونك مخرجاً مسرحياً، لماذا لم تتجه إلى خشبة المسرح كممثل؟
شاركت في عدد من المسرحيات في بداياتي، ولكن أول مسرحية كبيرة كانت “تخاريف” مع الفنان محمد صبحي. لكنها صورت بالفنان شعبان حسين لأنني تركت المسرحية، بسبب انشغالي بإخراج مسرحية “عفريت لكل مواطن”، التي كانت أول إخراج لي لمسرحية كبيرة من تأليف لينين الرملي. الإخراج يستغرق الكثير من الوقت والجهد، وربما أستطيع المشاركة في مسلسل أو فيلم أثناء عملي بالإخراج، لكن من الصعب أن أجد الوقت للإخراج والوقوف على خشبة المسرح في نفس الوقت. 

مع ذلك، عندما طلبني الفنان عادل إمام في عام 2000 للعب دور خلفا للفنان مصطفى متولي في مسرحية “بودي جارد” حيث كان رحيله مفاجئا، وكنت قد انتهيت حديثاً من مسرحية “سيدي المرعب” التي حققت نجاحاً كبيراً، فوافقت على المشاركة. وعرضت “بودي جارد” لعشر سنوات، وخلال تلك الفترة أخرجت فقط روايتين. ثم في عام 2010، قدمت مسرحية “أبو العربي” مع هاني رمزي وداليا البحيري، والتي عرضت في القاهرة، جدة، والرياض.
المسرح بالنسبة لي متعة خاصة، وربما لا يحقق عوائد مادية كبيرة، ولكنني أعمل فيه حباً للفن وللمتعة التي يوفرها لي وللجمهور.

بمناسبة الحديث عن لينين الرملي، ماذا تقول عن تجربتك معه؟

لينين الرملي كان معلماً كبيراً وعظيماً. في بداياتي مع الإخراج، كنت أخرج بعض المسرحيات للتلفزيون، وفي تلك الفترة كان صديقي الفنان ممدوح وافي يعرض مسرحية “الهمجي”. في إحدى زياراتي له، طلب ممدوح من لينين أن يمنحني نصًا لأخرجه، وبالفعل قدّم لي نص مسرحية، وقمت بإخراجها على مسرح الدولة بينما كان هو والفنان محمد صبحي يعملان في القطاع الخاص. كانت هذه الخطوة مهمة جدًا في بداية مشواري لأنها قدمتني للجمهور بشكل جيد.
بعدها، أخرجت للرملي مسرحيات أخرى في فرقته، مثل “جنون البشر” و”صعلوك يربح المليون”، وقد أخرجت له حوالي أربع مسرحيات في المجمل. كان لينين أستاذًا في الكتابة، ونجح في تقديم نصوص متكاملة تجمع بين العمق الفكري والمتعة الفنية. كان دائماً يُعتبر نجماً في عالم الكتابة المسرحية، وأثّر بشكل كبير في تجربتي.

قدمت عدداً من الأعمال السينمائية مع النجم عادل إمام. حدثنا عن هذا التعاون.
مشواري مع عادل إمام كان طويلًا ومثمرًا. بدأ تعاوننا بعد تخرجي بفيلم “أمهات في المنفى”، ثم استمر في أعمال مهمة مثل “الإرهابي”، “رسالة إلى الوالي”، “السفارة في العمارة”، و”مرجان أحمد مرجان”. بالإضافة إلى ذلك، عملنا معا على خشبة المسرح لمدة عشر سنوات.
علاقتي بعادل إمام كانت دائماً جيدة، ودارت بيننا الكثير من المناقشات. هو نجم كبير وذكي للغاية، ويعرف تماماً ما يريد تحقيقه في كل عمل. تجربتي معه كانت مميزة لأنه ليس فقط نجماً شعبياً، ولكنه أيضاً فنان يمتلك رؤية واضحة وإحساساً قوياً بما يقدمه لجمهوره.

هل يختلف أسلوب النجم عادل إمام بناءً على الوسيط الذي يعمل من خلاله؟
في الواقع، عادل إمام يتميز بالالتزام والجدية في جميع الوسائط التي يعمل بها، سواء كانت المسرح أو السينما أو التلفزيون. هو نجم كبير ويذاكر جيدًا دوره قبل البدء، ويتناقش أحيانًا مع المنتج أو المخرج قبل التصوير. لكن بمجرد دخوله إلى موقع التصوير أو المسرح، يصبح ممثلًا كغيره، ملتزمًا تمامًا بما يُطلب منه، وينفذ الدور بدقة وفق رؤية المخرج. هو شخص محترف ويدرك جيدًا طبيعة عمله، ويعرف كيف يقدم الأفضل في كل وسيط يعمل من خلاله.

كنت ممن أتيحت لهم فرصة البعثات، فحدثنا عن أهميتها في تلك الفترة وهل هي مهمة الآن؟

البعثات كانت متاحة منذ عهد أساتذتنا الكبار مثل زكي طليمات، عزيز عيد، يوسف وهبي، كرم مطاوع، سعد أردش، ونبيل الألفي. وحينما سافرت، كنت بالفعل مخرجًا معروفًا في القطاع العام والخاص، ولذلك اخترت بعثة لا تتعدى العام حتى لا أغيب لفترة طويلة عن المسرح. في ذلك الوقت، كانت تعرض مسرحية “ طب وبعدين “، فاعتمدت على أن غيابي لن يُلاحظ.

السبب وراء سفري كان التعرف على الجديد في المسرح من حيث التكنيك والأساليب المتطورة، وبالفعل رأيت الكثير واستفدت منه. البعثات تفتح آفاقاً واسعة، فلم يقتصر الأمر فقط على متابعة العروض المسرحية، بل امتد إلى زيارة المتاحف والمزارات، وحتى التعرف على آثارنا المصرية الموجودة بالخارج. لم أكتفِ بالبقاء في بلد البعثة، بل استغليت الفرصة للسفر إلى خمس دول أوروبية.
البعثات كانت وما زالت مهمة جداً، فهي تتيح للفنانين الاطلاع على تجارب وثقافات جديدة وتفتح أمامهم آفاقا أوسع للإبداع والتطور.

شاركت في مجموعة من المسرحيات الإذاعية. لماذا اختفى هذا النوع من المسرح ولماذا لم تشارك فيه مرة أخرى؟
كان المخرج إبراهيم الدسوقي يقدم برنامج “البرنامج الثاني”، وهو برنامج ثقافي، وكان يستعين دائما بي لتقديم بعض المسرحيات باللغة العربية. في ذلك الوقت، كانت أجور الإذاعة صغيرة، حيث كانت المسرحية ستة أجور، وبالمجمل كنت أحصل على 30 أو 40 جنيها. استمريت في العمل بالإذاعة حتى رحيله، ولم أشارك فيها مرة أخرى بعد ذلك. 
ومؤخراً، عدت للإذاعة في مسلسل من ثلاثين حلقة مع الفنانة صفاء أبو السعود. أما عن سبب اختفاء هذا النوع من المسرح، فيعود إلى تراجع إنتاج الإذاعة نفسها وعدم تقديمها للبرامج القديمة بنفس الوتيرة، وذلك بسبب قلة التمويل. فقد مرت بما مر به التلفزيون أيضا حين شهد تراجعا في إنتاج الأعمال التاريخية، لأن المنتج الخاص لا يتحمل تكاليف إنتاج مثل هذه الأعمال الضخمة.

ذكرت عملك كملقن مع كبار النجوم، فما الذي كان يميز نجوم هذا العصر؟
جميعهم فنانون عظماء، وما يميزهم على رأس كل شيء هو الالتزام. على سبيل المثال، يوسف بك وهبي إذا كان مطلوبًا منه الحضور الساعة السابعة تجد الباب يفتح ويدخل منه في السابعة إلا خمس دقائق، وهذه سمة عظيمة اكتسبتها منهم ولا أستطيع التخلص منها حتى اليوم. حين كنت أخرج مسرحيات لفؤاد المهندس، كان يحضر قبل موعد البروفة بوقت كافٍ ويجلس ليحتسي قهوته حتى الموعد المحدد، وأنا اليوم أفعل نفس الشيء؛ أصل إلى العمل قبل موعدي بساعة أو ساعة ونصف، رغم معرفتي أن بعض الممثلين قد لا يلتزمون بمواعيدهم، لكني أظل ملتزماً. 
أما الفنان محمود المليجي، فكان دائماً يحضر في موعده المحدد. حتى لو انتظر طويلا دون أن يُصوِّر مشهداً، لم يكن يشتكي، بل يظل هادئاً. ولكن كان له قاعدة واضحة؛ كان يقول إنه يعمل ثماني ساعات، فإذا كان يصور مشهداً ولم ينتهِ منه بعد مرور الثماني ساعات، كان يوقف التصوير ويرحل فورا. 

تؤمن بمقولة أن الفنان لا يمنعه من الصعود على خشبة المسرح سوى الموت؟
نعم، وتجربة الفنان الكبير محمد رضا في مسرحية «طب وبعدين» مثال حي على هذا الالتزام الصارم. رغم حزنه العميق على رحيل ابنته إلا أنه أصر على صعود المسرح في نفس اليوم، واستأذن قبل انتهاء العزاء مسببا ذلك أن هذه أرزاق العمال داخل المسرح، أصر على أداء العرض، مؤمنًا بأن التزامه تجاه المسرح وفريق العمل يجب أن يستمر. وبالفعل قدم العرض المسرحي وهو يبتسم ويُضحك الناس رغم حزنه الشديد، ولم يعلم جمهور المسرح بذلك حتى صعدت قبل دخوله لتحية الجمهور وأخبرتهم بالأمر، مما أثار إعجاب وتضامن الجمهور معه وبعد الانتهاء من التحية وجدنا الناس تقف في طابور لتقديم واجب العزاء. وكما فعل عادل إمام أيضا عندما استكمل عرضه في اليوم التالي لوفاة صديقه وزوج شقيقته مصطفى متولي. هذا المواقف توضح مدى قوة التزام الفنان تجاه فنه.

ما العمل الذي تتمنى تقديمه سواء كمخرج أو ممثل؟
أتمنى تقديم مسرحية موسيقية، فسبق وقدمت مولد سيدي المرعب بشكل استعراضي. في مجال السينما، أحب الأدوار التي تظل عالقة في ذاكرة الناس، مثل تلك الأدوار التي قدمها عظماء مثل ذكي رستم وحسين رياض وعبدالوارث عسر. أتمنى أن أقدم أدواراً مميزة تظل في أذهان الجمهور، كما قدمت موخراً دورين في “مفترق طرق” و”الوصفة السحرية” وأشعر بالسعادة لأن الناس تتحدث عنهم.

لو كانت هناك فرصة لإعادة مسرحية من مسرحياتك، أي مسرحية ستعيد إنتاجها؟
الحقيقة، أود إعادة إنتاج ثلاث مسرحيات. الأولى هي مسرحية«مراتي تقريبا» والتي جمعت فيها النجوم فؤاد المهندس ومحمد عوض وشويكار وسعيد عبدالغني ولأول مرة وائل نور على خشبة المسرح وهي من تأليف مصطفى سعد، حيث قدمتها بشكل مختلف وجاءت بقيمة أسرية واجتماعية مع لمسة كوميدية مميزة. والمسرحية الثانية هي «مولد سيدي المرعب»، التي تتمتع بقيمة كوميدية كبيرة. 
ومسرحية كوميدية بعنوان «الزواج تأديب وإصلاح وتهذيب» للمؤلف محمد شرشر بطولة عزت العلايلى وليلى طاهر وأحمد نبيل، لما لها من قيمة فنية ومجتمعية.

وما الذي يقف حائلا أمام إعادة إنتاجها؟
ربما يكون السبب هو أنني أصبحت أكثر كسلا، أو أستسهل التمثيل، وأميل إلى بذل جهد أقل في دور واحد بدلاً من العمل على ثلاثين دورا وموسيقى وملابس.


روفيدة خليفة