الشخصية التاريخية في مسرح أحمد شوقي .. بين الواقع والدراما

الشخصية التاريخية في مسرح أحمد شوقي .. بين الواقع والدراما

العدد 893 صدر بتاريخ 7أكتوبر2024

في يوم الاثنين الموافق 23من سبتمبر، وفي رحاب كلية التربية النوعية جامعة المنوفية قسم الاعلام التربوي، تمت مناقشة رسالة ماجستير بعنوان « الشخصية التاريخية في مسرح أحمد شوقي .. بين الواقع والدراما «، مقدمة من الباحثة أسماء أحمد حسين المعصراوي ، للحصول على درجة الماجستير في الإعلام التربوي ( تخصص المسرح التربوي). والتي نالت عنها الباحثة درجة الماجستير بتقدير ممتاز مع التوصية بطبع الرسالة على نفقة الجامعة وتبادلها بين الجامعات.
وتمت المناقشة تحت إشراف أ.د/ فرج عمر فرج ( أستاذ الدراما والنقد ورئيس قسم المسرح والدراما بكلية الآداب جامعة بني سويف).
وتكونت لجنة الحكم والمناقشة من كل من: الأستاذ الدكتور فرج عمر فرج (أستاذ الدراما والنقد ورئيس قسم المسرح والدراما بكلية الآداب جامعة بني سويف)، والدكتورة نجوى معتصم (أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية الآداب جامعة بني سويف)، و الدكتورة منى مصيلحي (أستاذ المسرح التربوي المساعد بكلية التربية النوعية.
وفي مقدمة بحثها أشارت الباحثة إلى أن الأدب يرتبط بالتاريخ بروابط وثيقة، فالتاريخ والأدب وجهان لعملة واحدة، ولقد لجأ كثير من الكتاب المسرحيين إلى التاريخ لكي يأخذوا من أحداثه ووقائعه وشخوصه مادة لمسرحياتهم، منهم توفيق الحكيم و علي أحمد باكثير و نجيب محفوظ ، وأشارت إلى أن  قضية استلهام التاريخ في الأدب بشكل عام وفي المسرح بشكل خاص كانت مثار جدل بين رجال الأدب والمسرح، وأوضحت أن الأمر لم يقتصر على الأدباء  فقط بل كان للشعر دور بارز في الخوض في التاريخ ومآسيه؛ لأنهم رأوا في التاريخ مادة خصبة للتعبير عن مشاعرهم وعواطفهم، وكان أحمد شوقي أكثر الشعراء الذين اهتموا اهتماما بالغاً بالتاريخ وبأحداثه وشخوصه، فكتب الكثير من الأعمال الشاهدة على  ذلك، وخاصة الكتابات المسرحية، فكتب مسرحية علي بك الكبير ومصرع كليوباترا ومجنون ليلى وقمبيز وعنترة  والست هدى وأميرة الأندلس. ولهذا نجد أن التاريخ وأحداثه مادة خصبة واضحة تجعل الأديب والشاعر يحرك وجدانه وعقله ويحرك قلمه لكي يتصفح هذه الأحداث بكل وقائعه وشخوصه ويجعلها تجسيدا حيًا لرموز ومعاني لها قيمتها ودورها في الحياة. لذلك ارتأت الدارسة أن تدرس تأثير الشخصية التاريخية في مسرح أحمد شوقي.
مشكلة الدراسة:
تبلورت مشكلة هذه الدراسة في التساؤل الرئيس: كيف صور أحمد شوقي الشخصيات التاريخية التي استلهمها في مسرحه؟
وتناولت الدراسة عدة تساؤلات 
تحددت في:  هل غيَّر َ أحمد شوقي من وقائع وأحداث تاريخ الشخصيات التي استلهمها في مسرحه، وكيف وظف  الشخصيات التاريخية في مسرحه؟، ، و ما سمات البناء الدرامي في مسرحيات أحمد شوقي، و هل طرح شوقي قضايا عصره من خلال استلهام التاريخ في مسرحياته عينة البحث ؟ ، و هل اختلفت صورة عنترة  بن شداد وعلي بك الكبير وقيس بن الملوح في دراما شوقي عن صورته التاريخية الحقيقية؟.

أهمية الدراسة وأهدافها 
وأوضحت الباحثة إلى أهمية الدراسة حيث أنها: تفيد دارسي الأدب المسرحي والتاريخ والعاملين في حقل المسرح ، كما أنها تلقي الضوء على معرفة وتوضيح تجسيد الشخصيات التاريخية وما يصاحبها من الصورة الذهنية التي تتكون عند المشاهد أو المتلقي، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على تاريخ شخصيات تاريخية مهمة في مجتمعنا العربي، مع إلقاء الضوء على أهمية المسرح الشعري في المسرح العربي.
وفي بحثها أوضحت الباحثة أن الدراسة تهدف إلى: التعرف على سمات الشخصية التاريخية في مسرح أحمد شوقي الشعري، ومعرفة مدى اختلاف الشخصية في مسرح أحمد شوقي عن حقيقتها التاريخية، بالإضافة إلى التعرف على الرؤية الدرامية في النصوص المسرحية عينة الدراسة، والتعرف على أسلوب أحمد شوقي في الكتابة المسرحية.
وتركزت الدراسة في نصوص أحمد شوقي :
«عنترة»، و «علي بك الكبير»، و «مجنون ليلى».
كما حددت الباحثة نوع الدراسة ومنهجها فهي من الدراسات الوصفية التاريخية  في تحليل المضمون، والتي تستهدف «تحديد استخدام المنهج المقارن بين التاريخ والدراما بتحديد الحقائق التاريخية عن الشخصيات والتصور الذي كونه الكاتب بعد تأمله في المادة التاريخية التي انتقاها.

مسرح أحمد شوقي:
وعن مسرح أحمد شوقي أشارت الدراسة إلى أن المحاولات الشعرية في المسرح المصري للشاعر الكبير أحمد شوقي، بدأت  حينما كتب في عام 1893 مسرحيته « على بك الكبير»، والتي أعاد كتابتها عام 1932 قبيل رحيله عن العالم. وقد كتب على مدى تاريخه ثماني مسرحيات منها ثلاث مآس تاريخية، وهى مصرع كليوباترا و قمبيز، بالإضافة إلى مسرحيته الأولى « على بك الكبير». ومن التراث الشعبي كتب « مجنون ليلى، عنترة، وأميرة الأندلس»، ومن الواقع الاجتماعي المعاصر لأحمد شوقي كتب مسرحيتين هما: البخيلة والست هدى. وكان شوقي قد بدأ كتابة مسرحياته بعد سفره إلى فرنسا لدراسة الحقوق عام ???? ، بثلاث سنوات، حيث كان في بعثة دراسية لمدة أربع سنوات، ولكنه أنهى دراسته بعد ثلاث سنوات فأمر له الخديوي بستة أشهر أخرى في باريس.
كتب أحمد شوقي ثمان مسرحيات، منهم خمس مسرحيات استمد موضوعاتها من التاريخ المصري والعربي هم: « علي بك الكبير، عنترة، مجنون ليلى، شهر زاد، كليوباترا»، ومسرحية استمد موضوعها من الأساطير، ومسرحيته الشعرية « قمبيز»، التي كتبها سنة 1931م، ومسرحيتين اجتماعيتين هما « الست هدى والبخيلة»،  وقد تأثر شوقي في بناء مسرحياته بالمسرح الفرنسي الذي شاهده على مسارح فرنسا وقت دراسته الجامعية في فرنسا، ولكنه لم يتأثر بمؤلف واحد بعينه مثل بعض الكتاب، بل نجده تأثر بأغلب الكتاب الفرنسيين، حيث إنه « لم ينقل عن أديب واحد أو مذهب واحد، بل جمع بين عدة اتجاهات غربية، ويبدو تأثره بالكلاسيكية حين اختار لمآسيه موضوعات تاريخية وأسطورية، إلا أنه اهتم بالاتجاهات الأخلاقية والروحية التي جعلها بديلًا للدوافع الكلاسيكية أو القضاء والقدر».

المسرح الشعري في الوطن العربي:
وفي بحثها أوضحت الباحثة أنه تم التعرف على المسرح العربي بالشكل المتفق عليه علمياً من منتصف القرن التاسع عشر حتى نهايته، وليس من شك أبداً في أن المسرح العربي ، وعبر جهود نخبة كبيرة من الرواد، بدأ يقترب شيئاً فشيئاً من التجارب العالمية على الرغم من أشكال القطيعة المعرفية بينه وبين جمهور متلق يرزح تحت أشكال من العوز المادي والفكري، وعرفنا في مرحلة تأسيس المسرح الشعري العربي أحمد شوقي وعزيز أباظة وأبا خليل القباني واقتربنا في مرحلة النضج من عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور ومعين بسيسو ومحمود غنيم وعلي أحمد باكثير وغيرهم، غير أن هذا الفن الجمعي شحب فيما بعد وغاب خلف عتامة الصورة على الرغم من اتساع الرؤية عند الأجيال التالية، «ويكفي أن نذكر أنه في السنوات الأخيرة لم تشهد ستائر المسرح العربي إلا عدداً قليلاً جداً من النصوص في المسرح الشعري».

نتائج الدراسة
وخلصت الدراسة إلى العديد من النتائج منها:
اختار شوقي لمسرحياته موضوعات تاريخية وأسطورية، واهتم بالاتجاهات الأخلاقية والروحية التي جعلها بديلًا للدوافع الكلاسيكية أو القضاء والقدر.
كما أنه أسهب في حواره المسرحي ، كما جاءت لغة الحوار - في مسرحياته عينة الدراسة – جزلة وصعب الفهم علي جمهور المسرح، مما أفقد النصوص عينة الدراسة سرعة الإيقاع وتدفقه، مما جعل المسرحيات تميل إلي الرتابة والملل، وتدور مآسي شوقي حول حياة الملوك والأمراء والأبطال، ولم يلتزم شوقي بالمذهب الكلاسيكي في حبكته الدرامية.

عنترة
  بالغ شوقي في رسم شخصية عنترة مبالغة غير منطقية، وطرحت المسرحية قضية التفرقة العنصرية على أساس اللون عند العرب قديمًا.
وجاء الصراع في المسرحية ضعيفًا. ولم يلتزم شوقي في مسرحيته بوحدتي الزمان والمكان الكلاسيكتين.
وفي المسرحية أعلى شوقي قيمة الحب على الواجب، وأرسى قاعدة قيمة الفرد، واعتمد فيها على الصراع الذي يجري بداخل النفس البشرية وخارجها، وجنحت المسرحية إلى الميلودراما في بعض المواقف.
ولم يتقيد شوقي في مسرحيته عنترة بوحدة الموضوع بالشكل المتفق عليه بين المسرحيين، بل أضاف موضوعات ثانوية، كما لم يوفق في ربط هذه الموضوعات الثانوية بالموضوع الأصلي ربطًا مباشرًا، الأمر الذي أضعف الحبكة في مسرحيته.

علي بك الكبير
أظهرت مسرحية «علي بك الكبير» قوة العزم التي يمتلكها علي بك الكبير الذي يؤمن بأن الفوز والغنائم يأتيان للسريع المبادر، وهو الذي لا يتوانى عن العمل، ولا يجعل للحب أو غيره من نزعات النفس سلطاناً عليه. والطابع الظاهر لـ على بك الكبير طابع مصري صميم، وأظهر شوقي في مسرحيته «علي بك الكبير» اهتمام علي بك بالثقافة بشكل عام وبالدين الإسلامي بشكل خاص، ومن سمات علي بك الكبير في النص البر بالفقراء، وبلوغه أسمى درجات النبل والأخلاق. ولم يفعل أحمد شوقي في المسرحية غير تسجيل حقيقة تاريخية وهي غدر المماليك بعضهم ببعض وقتل عبيدهم لأسيادهم بالتوالي.
في حين خلت المسرحية من الصراع الصاعد، وبالتالي فقدت المسرحية كلها عنصر الإثارة والتشويق، واتسمت بالسوداوية نتيجة للحقبة التاريخية التي تناولتها المسرحية التي اتسمت بالسوداوية،
وجاءت الحبكة جيدة الصنع.

مجنون ليلى
ظهر قيس في مسرحية «مجنون ليلى» من أولها لآخرها شخصًا مريضًا ضعيفًا، تنتابه نوبات من الجنون، وكل ذلك نتيجة حبه لليلى وعدم قدرته على الزواج منها، وجاءت شخصية قيس بدون مقومات واضحة،  وأرجع شوقي هوى قيس إلى وسواس خناس من الجن. 
والفكرة الأساسية لمسرحية مجنون ليلى تتشابه إلى حد كبير مع فكرة مسرحية شكسبير “روميو وجولييت”. والحبكة جاءت ضعيفة، بينما تحققت وحدة الموضوع، ولم تتحقق وحدتي الزمان والمكان الكلاسيكيتين.
والصراع في المسرحية هو صراع من النوع الصاعد و لم يستخدم شوقي الإرشادات المسرحية كثيراً، وجاء حوار المسرحية مباشرًا، ولم يراع مؤلفها التكثيف في حوارها، كما جاءت شخصيات المسرحية غير واضحة الأبعاد باستثناء شخصية ليلى.
وقام أحمد شوقي ببعض التعديلات البسيطة في تاريخ شخصياته التاريخية التي استلهمها في مسرحياته، وهذه التعديلات لم تؤثر كثيراً في واقع شخصياته التاريخية.
وحافظ شوقي من خلال مادة التاريخ التي احتوت إنتاجه المسرحي –عينة الدراسة -على أن يوظف التاريخ لخدمة الحاضر وقضاياه.
 


سامية سيد