العدد 893 صدر بتاريخ 7أكتوبر2024
هذه الكلمة هي ترجمة لكلمة أجنبية تصف وتشير إلي أي فنان يبدع في أي مجال فني، موسيقى رسم رقص غناء تمثيل وغيرها . الكلمة غابت عن مصطلحات أو لغة اليوم وحلت محلها كلمة فنان لكل التخصصات الفنية رسام أو موسسيقي أو مطرب أو راقص أوغيره من الفنون ثم اندثرت كلمة “ أرتيست “ التى وصفت أي مشتغل بالفن قديما .
والحقيقة من الصعب تحديد بداية استخدامها في الوسط الفني في مصر، ربما نخمن أنها ازدهرت مع معرفة الفنون المرئية مثل المسرح والسينما لأن الفنون الأخرى مثل الملحن أو العازف عرفت بتلك الأسماء، في حين لحق بالمؤدي عدة أوصاف مثل المطرب والصييت والمغنواتي، إذن فكلمة الارتيست كلمة قديمة وصفت أي فنان يعمل في غير تلك الفنون، وربما حملت بعضا من استصغار الشأن أو التقليل من تلك المهن بصورة عامة . من هنا جاء جمال عنوان المسرحية التي شهدها مسرح الهناجر من تأليف وإخراج محمد ذكي، فمن العنوان تأكد أننا سنشاهد حدث أو فكرة درامية قديمة وهذا يروق لنا جميعا لأسباب كثيرة منها مايطلق عليه في علم نفس الفن والاجتماع “ النوستالجيا “ أو الحنين للماضي .
ثاني مصادر جاذبية هذه المسرحية - التى حظيت باقبال كبير- أنها تدور حول حياة ممثلة حظيت بمحبة أجيال من مشاهدي السينما المصرية وهي الفنانة زينات صدقي، طب وهل هناك أجمل من كدا نوستالجيا .
لقد اتخذت الست زينات مكان الخلود في أذهانا كلما شاهدنا أفلام السينما المصرية من سنوات الأربعينات والخمسينيات والستينيات، حيث كانت ركنا هاما بها وإن لم تكن بطلة أو جميلة الجميلات التي يجري خلفها البطل . لكنها ولاشك صاحبة دور أساسي في نجاح بل خلود كل فيلم شاركت به . ولنعرف ذلك علينا أن نجرب مجرد تجربة في حذف دورها من أي فيلم ونتخيل الفيلم بدون وجودها، بدأ من «موعد مع السعادة» وهي الخادم الطيب التي ترعى حب شادية وفاتن،
أو نتخيل “ ابن حميدو “ بدون حميدة العانس الباحثة عن زوج وهي من شكلت دويتو بارع مع اسماعيل ياسين في أفلام كثيرة، أو نتخيل عدم وجودها في “ أيامنا الحلوة“ وهي ست زنوبة صاحبة البيت الحنون التي ترعى الشباب بمحبة الأم وتساعد البطلة في محنتها، أو نتخيل عدم وجود ست ترتر في “شارع الحب “ والحوار الخالد بينها وبين النابلسي وغير ذلك من أدوار لاتنسى باتت كلمات حوارها حكم وصيغ محببة في أحاديثنا إلى اليوم .
الاختيار الثالث الناجح في هذه المسرحية، كان اللحظة الدرامية التي بدأ بها الحدث المسرحي أي دعوة الست زينات للتكريم في حفل عيد الفن من رئيس الجمهورية حينها الرئيس السادات والذي لم يرد اسمه طوال العرض رغم أنها حقيقة تاريخية لاتنكر وليس هناك سبب لإخفالها، فقد كان مااطلق عليه في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينات “ عيد الفن “ حدثا واكب تغيير نظرة المجتمع للارتيست، والأهم أنه عقد ونظم عبر أكاديمية الفنون التي تخرج فنانيين في كل التخصصت بعد دراسة علمية في معاهدها المتعددة، من مرحلة الابتدائي إلى درجات الماجستير والدكتوراة، فكان إغفال هذا الجانب غير موفق .
جاء الخط الأساسي للحدث حياة ومعاناة الست زينات كنموذج لكل فنانيين عصرها، منذ بدأت باحتراف الفن في النصف الأول من القرن العشرين و رفض أسرتها وكل من يعرفها ثم مطاردتهم لها لتعود إلى البيت، فعانت الست زينات منهم جميعا الأب و الأخ والزوج جميعهم يتعسف في معاملتها ولعدم وعيهم بأهمية موهبتها وعملها، بل بالفن كله وخجلهم من وصف “ ارتيست “ لكن تعددت مشاهد تلك الشخصيات السلبية في حياتها وكانت عبئ على العرض لضعف تنفيذها .
فكانت حياتها رحلة كفاح واجتهاد لإثبات موهبتها وباستقلالها المادي والمعنوي عنهم طوال حياتها كمثال للفنان العصامي الي بنى مجده الفني . وكان يجب التأكيد على مفارقة ختام حياة الست زينات إلى فقر مادي وعوز لم يمكنها من شراء فستان جديد لحضور حفل التكريم . وتلك المفارقة كانت نهايتهم جميعا كما نعرف من سيرة حياتهم النابلسي والقصري وياسين وفاطمة رشدي وتتعدد الأسماء.
تلك فكرة لم يؤكد عليها العرض أي إيمان الفنان من ذلك الرعيل بقيمة وضرورة الفن وأن العمل بالفن لم يكن مصدر ثراء وثروة طوال حياته ولم يكن ذاك هدف الفنان أصلا بل الفن والفن فقط، وهو أمر اختلف كثيرا اليوم كما نرى .
تلمس العرض المسرحي نقطة ضوء في حياة البطلة عبر جيل الشباب من أبناء أخ الست زينات الذان ربتهما وكبرا على محبتها ومحبة الفن وتأكد بارتباط ابن الأخ بفتاة شابة تمتهن الفن، بمشاهد كان يمكن اختصارها كثيرا حفاظا على إيقاع العرض . الضعف الأهم – في تقديري - أننا لم نشعر بشخصية زينات صدقي التى رسخت في وجداننا، وتلك مادة درامية كانت تزيد العرض ثراءا فحركة الدراما بين حاضر وماضي الشخصية كان يجب أن تتأكد فنرى زينات أفلام زمان من خفة وحيوية وملابس لكن هذا لم يحدث وقلل كثيرا من متعة العرض، فكان يجب أن يقدم في مشاهد ولو قليلة، خاصة وأن من قامت بدور الست زينات ممثلة كبيرة ولاشك هي دكتورة هايدي عبد الخالق التي برعت في أداء زينات في مرحلة الكبر بالصوت والحركة و جسدت كل الشجن الذي مر بحياتها بعد أن كبرت في العمر وضاع المجد .
أحببت مجموعة الشباب أحمد الجوهري الخياط العجوز وابن أخيها الشاب محمود الغندور وخطيبته الشابة ياسمين عمر . عندي طلب للممثلة ذات الحضور الجميل فاطمة عادل ابحثي عن طرق لتطوير موهبتك الأصيلة كممثلة ومطربة، ربما بمزيد من الحماس في الأداء والتنوع في الأدوارلتصلي لما ينتظر منك .
أما المخرج محمد ذكي فتحية لاختيار الموضوع وتنفيذه وعتاب على خلو العرض من الحيوية المنتظرة والتى دائما ما أراها في عروضك بالجامعة .