سيدة المسرح السعودى تفتح قلبها لـ«مسرحنا»:

سيدة المسرح السعودى تفتح قلبها لـ«مسرحنا»:

العدد 894 صدر بتاريخ 14أكتوبر2024

                                                  تكريمى من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى تتويجا لمسيرتى الإبداعية

فى إنجاز ملحوظ يعكس تطور فن المسرح فى العالم العربى، نالت الكاتبة والناقدة المسرحية السعودية الدكتورة ملحة عبد الله الملقبة بـ«سيدة المسرح السعودى»، على تكريم متميز من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى فى دورته الـ31 برئاسة الدكتور سامح مهران، التى تحمل اسم الأكاديمى الراحل الدكتور علاء عبدالعزيز، وأقيمت فعالياتها فى الفترة من 1 حتى 11 سبتمبر 2024، هذا التكريم لم يكن فقط اعترافا بمساهماتها الفريدة فى مجال المسرح، بل أيضا احتفاء بدورها الريادى كأول سيدة سعودية تتخصص فى هذا الفن، ويأتى فى وقت يشهد فيه المسرح السعودى نهضة وتطورا ملحوظين.
وتشير عبد الله إلى أنه لم يكن هناك ما يمسى بمسرح المرأة فى السعودية إلا شذرات قليلة آنذاك، واليوم يسعى المسرح السعودى لتحقيق مكانة عالمية ويطمح إلى الوعى والتنوير على المستوى العالمى، وترى أن مصر تمثل للعالم العربى قلب الأمة وقنديل التنوير فى كل مكان، فالتنوع والثراء بمصر كانوا واضحين فى إبداعاتها، من حيث المدارس الفكرية، والفلسفية، والمسرحية، والفلكلور، والتراث الشعبى، الذى نتج عنه تأليف 66 نصا مسرحيا، بالإضافة إلى نصين أخرين جارى الانتهاء منهما، بجانب الكتب والمقالات النقدية.
عشقت المسرح منذ الصغر، وكانت أول سيدة فى المملكة تتخصص فى هذا المجال وتحصل على لقب الدكتوراه، وتحترف الكتابة المسرحية والنقدية، وتعد من أبرز الأصوات النقدية البارزة بالسعودية، حيث أسهمت بكتاباتها ومقالاتها النقدية فى تحليل وتقييم الأعمال المسرحية، مما ساعد على تسليط الضوء على تطورات المسرح السعودى والعربى
«مسرحنا» التقت الدكتورة ملحة عبدالله، لتفتح قلبها وتتحدث عن تكريمها بـ«التجريبى»، ومسيرتها المتميزة، والغوص فى التحديات التى واجهتها والتطورات التى شهدها المسرح السعودى، بالإضافة إلى نصائحها لشباب النقاد والمشاريع الإبداعية القادمة.. إلى نص الحوار....  
 - ماذا يمثل تكريم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بالنسبة لكِ؟
- أعرب عن امتنانى العميق للتكريم والدعوة الكريمة التى تلقيتها، والذى يعتبر تتويجا لمسيرتي بين أهلى وزملائى من مبدعى المسرح بالوطن العربى والعالمى، حيث يمثل هذا الحدث الاحتفالى الكبير فرصة رائعة لتقدير الجهود وتعزيز السعى نحو الفوز بالجوائز والتكريمات. ويعد التكريم من المهرجان «التجريبي» شرفا عظيما، فهو يسعى دائما للتطور والارتقاء وتعزيز الوعي الثقافي والفني. منذ أيام الدراسة في أكاديمية الفنون، ونحن نطمح للمشاركة فيه ومتابعة عروضه وتدريباته بفخر. أشعر بالسعادة الكبيرة تجاه هذا التكريم، وأوجه التحية لكل القائمين عليه.

- من أين جاءت رحلة عشقك للمسرح؟
- بدأ شغفى بالمسرح منذ الطفولة، عندما كنت أرافق والدى لمتابعة البروفات والعروض فى مسارح الجمعية المدرسية بالسعودية، وشاركت بالمسرح المدرسى خاصة فى الصف الخامس من المرحلة الإبتدائية.
أسهمت الألعاب الشعبية والتراثية السعودية فى تعميق حبى للمسرح، حيث كانت تتضمن مظاهر مسرحية غنية بالمناسبات والاحتفالات والركح، رأيت فيها الرقص والأشعار وتبادل الشعر، ما أثر فى وجدانى وجعلنى أطمح إلى الانخراط فى هذا المجال.
تطور هذا العشق وتعمق عند انضمامى إلى أكاديمية الفنون المصرية، التى تعلمت فيها ما هو المسرح وجوانبه المختلفة؟ وكيف يؤثر وينشر الوعى فى كل اتجاه؟ وكيف يحمل فلسفة وفكرا وصورا ومتعة سمعية وبصرية؟ وكيف يتسلل إلى الوجدان ويصبح مصدرا لاتخاذ القرار، وكيف صار مخيفا وممتعا ومبهج فى الوقت ذاته؟
المسرح الذي يعرف بـ«أبو الفنون» يجمع بين المتعة السمعية، والبصرية، والفكرية، والوجدانية، ويحتوى على خشباته جميع أنواع الفنون من الرسم، والنحت، والصورة، والقصة، والسرد، والغناء، والموسيقى، مما يجعله يتسلل إلى الوجدان ويؤثر فى المشاهد، مقدما له المتعة أولا، ومن ثم يدفعه إلى اتخاذ القرارات.

- رغم علمك بصعوبة دخول المرأة فى المجالات الفنية بالسعودية آنذاك.. كيف جاء تحدى اختيارك الالتحاق بأكاديمية الفنون والدراسة الفنية؟
- لم يكن بالأمر اليسير أن التحق بأكاديمية الفنون المصرية فى ذلك الوقت عام 1987م، حيث كان المسرح بالمملكة العربية السعودية مقتصرا فى البداية على الرجال، علاوة على ذلك، أصبح الجمهور ينظر إلى المسرح كمجال غير جاد، يتصل بالرقص واللهو، مما أدى إلى سوء فهم لمفهوم المسرح الجماهيرى، فعلى المستوى الرسمى كان نشطا ومشاركا بالمهرجانات والجوائز، من حيث الفرق المسرحية، والكُتَّاب، لكن على المستوى الجماهيرى أصبح ينظر له على أنه مجرد وسيلة للترفيه، مما جعل دخولى إلى المجال صعبا للغاية، سواء من ناحية الدراسة فى أكاديمية الفنون بمصر او من ناحية المجال المهنى والتوظيفى بعد التخرج.
تلقيت دعما كبيرا من المؤسسات والمختصين فى المملكة العربية السعودية، مما ساعدنى فى تحقيق إنجازى كأول إمرأة تدرس المسرح، حتى حصلت على لقب «سيدة المسرح السعودى» وهو ما نال اهتمام الصحف والمجلات وكل وسائل الإعلام، لم يكن خرقا او تعديا او تمردا على الواقع الاجتماعى او المؤسسى، بل كان احتفالا بكونى أول دارسة مسرح متخصصة، وواجهت صعوبات عدة أبرزها الفصل بين الجنسين، مما جعل التفاعل مع زملائى فى البروفات او العرض او اللقاءات او النقاشات أمرا صعبا، رغم الاحترام الكبير للفصل بين الجنسين، كان تحديا كبيرا وممارسة الكاتبة المسرحية والنقدية والصحفية وما إلى ذلك، من أجل ترسيخ مفهوم قيمة المسرح فى المجتمعات العربية.
حصلت على العديد من الجوائز، منها جائزة أبها الثقافية برئاسة الأمير خالد الفيصل عن أول نص كتبته بعنوان «أم الفاس» عام 1991م، لم يكن هناك تحدى للمجتمع او المؤسسات، بل تلقيت الدعم والتشجيع، كانت مسئولية كبيرة أن أكون أول امرأة تتخصص في المسرح، وهو إنجاز يسجل في تاريخ المسرح السعودي، الذى شهد نهضة بفضل جهود المبدعين من الجنسين، فالمسرح سواء كان سعوديا او عربيا او عالميا، هو فن جماعي يعتمد على مساهمة كل فرد فيه، والحمد لله حظيت بدعم كبير من المسرحيين والمؤسسين والمثقفين السعوديين، مما ساعد في ولادة أول نص مسرحى، لم يكن هناك ما يمسى بمسرح المرأة فى السعودية إلا شذرات قليلة آنذاك، واليوم يسعى المسرح السعودى لتحقيق مكانة عالمية ويطمح إلى الوعى والتنوير على المستوى العالمى.

- كان لكِ اهتمام كبير بالموروث الشعبى السعودى وقفتى له بالرصد الدقيق، فما الذى دفعك إلى ذلك؟
- يعد الاهتمام بالموروث الشعبى أمرا جوهريا للكاتب المسرحى، والفلاسفة، والنقاد، ولكل معطيات الثقافة والفلسفة، حيث لا يمكن للكاتب أن ينفصل عن رحلة البحث فى التراث، وقد كان الراحل صفوت كمال رائد الفلكلور الشعبى، أول من شجعنى على كتابة كتاب «عادات وتقاليد» الذى يعتبر أول عمل يتناول العادات والتقاليد فى المكتبة السعودية، تلاه إصدار موسوعة «الجزيرة العربية.. الهوية، المكان، الإنسان» عام 2019م، والتى تناولت التراث الشعبى، والأركيولوجى، والمعمارى من أجل استخلاص سمات الشخصية العربية الممتدة من الخليج إلى المحيط، حيث يقصد بالأركيولوجية التاريخ الحضارى نفسه.
واستخلصت هذه السمات فى بحث أكاديمى كبير على جزئين بحوالى 800 صفحة من القطع الكبير، الجزء الأول يتناول نقد النصوص والمخطوطات والحفريات وكتابات المستشرقين، بالإضافة إلى  وما أنتجته البعثات الأثرية منذ نشأة الإنسان العربى؛ أما الجزء الثانى، فقد اشتمل على التحليل السيميائى والرمزى للعادات والشعائر والطقوس، موضحا كيف أن الشخصية فى الجزيرة العربية تحمل الهوية العربية ذات السمات المشركة من المحيط إلى الخليج، وذلك ما تم توضيحه فى نهاية الفصل الأول، من خلال رسوم توضيحية تبرز تماثل القبائل والمشايخ في الوطن العربى.
التراث الشعبى يحظى باهتمام المسرحيين حول العالم، حيث توجد نظريات عديدة تتعلق بتأصيل التراث فى المسرح واستلهامه، ويعتبر هذا التراث مهما للغاية، لأنه يتضمن الأهاجيج، والألعاب، والمقولات، والشخصية، والجينات التى ينبثق منها الفكر العربى.

- بصفتك عضو مجلس إدارة بهيئة المسرح والفنون الأدائية فى المملكة العربية السعودية.. ما الصعوبات التى تواجه فن المسرح؟
- خلال السنوات الثلاث الماضية، عملنا فى هيئة المسرح والفنون الأدائية على تطوير البنية التحتية للمسرح في المملكة العربية السعودية، متضمنة المعمار، والأبنية، والساحات المسرحية، بالإضافة إلى إعداد القادة، والبعثات، واللجان التدريبية، وإنشاء الأكاديميات. لم نواجه اى عقبات فى هذا المجال بفضل جهود ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، الذى لعب دورا محوريا في تسهيل كل الصعوبات، فهناك اهتمام كبير بإتمام هذه المراحل التى ستظهر نتائجها قريبا، هذا التطور يتطلب الصبر لإنشاء بنية تحتية قوية تدعم مسرحا مميزا يحمل قادة، ووعيا، وتنويرا، وشغفا، ويضع المسرح السعودى على الخريطة العالمية، وذلك يتماشى مع رؤية 2030م.

- هل تراجعت شعبية المسرح بالنسبة لاهتمامات الجيل الحالى؟
- بالعكس، يشهد المسرح السعودى حاليا نهضة شبابية قوية، حيث يسعى كل فرد فى مجاله، سواء كان فى التمثيل او الإخراج او التقنية او السينوغرافيا، لتحقيق النجاح على خشبات المسرح، وقد لاحظت هذا التحول بوضوح خلال تجربتى كعضو لجنة تحكيم مهرجان الرياض المسرحى، حيث تلقينا 81 نصا جميعها لشباب الكُتّاب، الذين يتسابقون لايجاد مكان لهم بالمهرجان، هذا التوجه يعكس وجود حماس الشاب للدخول إلى عالم المسرح وتحقيق الإبداع فيه، وهو ما يعزز الاهتمام الواسع والمتزايد بالمسرح الآن.

- ماذا تمثل مصر بالنسبة لكِ على المستويين الفنى والإنسانى؟
- فى الحقيقة، مصر تمثل للعالم العربى قلب الأمة وقنديل التنوير فى كل مكان، وهذا شىء لا يخفى على الجميع، فعلى المستوى الفنى قدمت إبداعات مسرحية وكتب نقدية متعددة، هذا الجسر كان بين الثقافة المسرحية والسعودية، فالتنوع والثراء بمصر الحبيبة كانوا واضحين فى إبداعاتى، من حيث المدارس الفكرية، والفلسفية، والمسرحية، والفلكلور، والتراث الشعبى.
من خلال المقالات التى كتبتها على مدار 25 عاما فى مختلف الصحف والمجلات العربية، حرصت على إيقاذ الوعى الفكرى، والفلسفى، والنظري من أجل استنهاض الوعى فى الوطن العربى، لأن المسرح يعتبر منبرا كبيرا ومؤثرا ومتعدد الجوانب، والبيئة المصرية بما تحتويه من تعدد الأنشطة والثقافة لها تأثير كبير فى الإبداع الفنى.
أما على المستوى الإنسانى، فإنني أتمتع بعدد كبير من الأهل والأصدقاء في مصر، ولم أشعر يوما بالغربة فيها، حتى عند السفر إلى الخارج، لا يستغرق الأمر سوى شهر واحد، حتى أعود مجددا إلى مصر الحبيبة، فهى بمثابة قلب العالم وموهجة الإنسان العربى والعالمى أيضا، حيث يشعر كل من يأتى إليها بالأمان ودفء المشاعر.
- ما رأيك فى التعاون الفنى بين السعودية ومصر خلال الفترة الحالية؟
- التعاون بين السعودية ومصر تاريخى ويشمل جميع المجالات دون انقطاع، منذ إدراك أهمية المسرح والثقافة والفنون فى مصر، تعززت الروابط بين الدول العربية، فالتعاون الفنى الحالى بين وزارتى الثقافة السعودية والمصرية يمثل تطورا إيجابيا، ويسهم فى تعزيز الوحدة الثقافية والفنية بين الشعوب العربية، ويمكن أن يمتد ليشمل باقي الدول العربية، حيث يلعب الفن دورا أساسيا فى تعزيز الروابط والتلاحم بين الشعوب، من خلال دمج الفنون وتعاونها، يزيد الشعور المشترك بالانتماء والوجدان العربى، وهو ما يمثل جوهر وظيفة الفن.

- كيف ترين الحركة النقدية المسرحية العربية الآن؟
- تشهد الحركة النقدية فى السعودية نهضة كبيرة، مما دفع الجامعات إلى فتح أبوابها للدراسات العليا فى المسرح بشكل كبير، حتى أصبح هناك نشاط محموم بالدراسات النقدية، فعلى سبيل المثال أن أعمالى المسرحية والنقدية نتج عنها ما يقرب من 30 رسالة ماجستير ودكتوراه، وبالطبع هناك تتماشى هذه الديناميكية مع رؤية 2023، فالمسرح لا بد أن يواكب حركة نقد أى فن من الفنون، حيث يلعب الناقد دورا مهما كوسيط بين المرسل والمتلقى، وتدرك الدولة السعودية تماما أهمية هذا الدور وتأثيره الكبير.

- ما هى النصحية التى تقدمينها لشباب النقاد من الجيل الحالى؟
- الشباب النقدى الآن يمتاز بذكاء لامع ووعى مستنير، مما يثير إعجابى بقدراتهم الثقافية والفكرية، لذلك من المهم أن يتسم الناقد بالشمولية الثقافية ويكون على دراية بجميع جوانب المسرح، لأن المسرح يتجاوز كونه مجرد عرض ترفيهى، فهو يحمل أبعادا فلسفية، وتاريخية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية، لذا يجب على الناقد أن يصبح مدركا لجميع عناصر المسرح وقادرا على نقل رسالته من خلال الشرح والتحليل بفعالية.
نحن فى العالم العربى بحاجة ماسة إلى النقاد، فهم يشكلون أساسا مهما فى تطوير المسرح العربى، ينبغى أن تخصص مساحات واسعة في الصحف والمجلات المتخصصة للناقد، بحيث يكون قادرا على توصيل رؤيته وتحليلاته من على خشبات المسرح، لأن المشاهد العادى غالبا ما يقتصرفهمه على المستوى الأول فقط، هناك ثلاثة مستويات أخرى من العروض والنصوص يجب أن تصل إلى المشاهد، لتوضيح أهمية المسرح ووظيفته واتخاذ قرارات مبنية على المعرفة المستنيرة بعد مشاهدة المسرحية.

- ما هو المشروع المسرحى القادم؟
- لقد تم الاتفاق على تقديم نص «شحات الغرام»، على خشبة المسرح قريبا، وهو عرض استعراضى غنائى ضخم الإنتاج، يتناول السيرة الذاتية للفنان محمد فوزى، يضم فى طياته 90% من الفنانين المصريين الكبار الذين عاصروا تلك الفترة.
كما انتهيت من كتابة نص بعنوان «من النافذة»، الذى ينتمى إلى المدرسة الواقعية السحرية، وحاليا أعكف على كتابة نصين جديدين فى وقت واحد، فحينما أكتب نص يندرج منه فكرة كتابة نص آخر، الأول بعنوان «موكب الجوع» وهو نص تاريخى عن شخصية أسماء بنت خماروية المشهورة بـ«قطر الندى»، وجارى الانتهاء منه، ومن بين النصوص التاريخية التى كتبتها أيضا: “غول المغول، داعية السلام” وغيرهما.
أما النص الثانى، فهو مأخوذ عن رواية «أوليفر تويست» للكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز، وسيتم تقديمه بشكل استعراضى، مع التخطيط لنشره خلال الفترة المقبلة وعرضه على خشبة المسرح.


حسن مختار