بين البطل والشرير.. هل هاملت هو أعظم أشرار شكسبير؟

بين البطل والشرير.. هل هاملت هو أعظم أشرار شكسبير؟

العدد 894 صدر بتاريخ 14أكتوبر2024

يعد الشر موضوعًا محوريًا في مسرحيات «وليم شكسبير»، حيث يقدمه من خلال شخصيات شريرة متقنة التصوير ومعقدة التركيب. هذه الشخصيات لا تمثل الشر المطلق فقط، بل تجسد الصراعات الإنسانية العميقة بين الطموح، الانتقام، والخيانة. من خلال أعماله مثل ماكبث، عطيل، وهاملت، يبرز «شكسبير» الجوانب المظلمة للنفس البشرية ويعرض كيف يمكن للرغبة في السلطة أو الانتقام أن تحول الإنسان إلى أداة للدمار والفساد. الشخصيات الشريرة في مسرحياته مثل «ليدي ماكبث»، «إياغو»، و»ريتشارد الثالث»، ليست مجرد شخصيات سلبية، بل هي رموز للصراع الأخلاقي الذي يواجهه الأفراد والمجتمعات على حد سواء.
«شكسبير» كتب العديد من الشخصيات الشريرة المعقدة في مسرحياته، والتي غالبًا ما تكون مدفوعة بالطموح، الانتقام، أو الفساد. من أبرز هذه الشخصيات:
-  «ليدي ماكبث» (من مسرحية ماكبث) - تعتبر واحدة من أشهر الشخصيات الشريرة في أعمال «شكسبير». هي التي تشجع زوجها على قتل الملك «دنكان» من أجل الحصول على العرش، وتتحول إلى شخصية مدمرة أخلاقيًا مع تقدم القصة.
- «ريتشارد الثالث» (من مسرحية ريتشارد الثالث) - شخصية مكرسة بالكامل للوصول إلى السلطة بأي وسيلة، حتى لو كانت تتضمن القتل والخيانة. «ريتشارد» هو نموذج للطاغية الذي يتلاعب بالآخرين ويمارس الشر دون تردد
- «ياجو» (من مسرحية عطيل) - هو ربما أكثر الشخصيات الشيطانية في أعمال «شكسبير». «ياجو» يزرع الفتن ويخدع «عطيل»، مما يؤدي في النهاية إلى مقتل «ديدمونة». دوافعه غير واضحة تمامًا، مما يجعله شريرًا معقدًا ومرعبًا.
-  «كلاوديوس» (من مسرحية هاملت) - عم الأمير «»هاملت»»، الذي قتل أخاه (والد هاملت) ليغتصب العرش ويتزوج من الملكة «جيرترود». شخصيته تجسد الخيانة والشهوة للسلطة
- «جيلدرين» و»فرناندو» (من الملك لير) - بنات الملك «لير» اللتان تتآمران ضده وتدفعانه إلى الجنون. تمثلان الجشع والخيانة، وهما مستعدتان لتدمير والدهما من أجل السلطة
- «آرون» (من تيتوس أندرونيكوس) - شرير عنصري وقاسي بلا ضمير. يعتبر واحدًا من أكثر شخصيات «شكسبير» عنفًا وانتقامًا، حيث يرتكب العديد من الجرائم بدافع الحقد. كل من هذه الشخصيات يجسد الشر بطرق فريدة، وغالبًا ما يكونون مدفوعين بطموحات شخصية أو أحقاد دفينة.
والسؤال هنا: من هو أعظم شرير لشكسبير؟ «ريتشارد الثالث»؟ «أم ياغو»؟ أم «ماكبث»؟ فلديهم جميعًا حق المطالبة باللقب. لكني سأضع هنا «هاملت» بين هذه الأسماء! فهل هو شرير حقا وإلى أي درجة؟ كي تصل للإجابة علينا أن نتعرف عليه أولا بشكل مبسط وعلى الأحداث التي صادفته.
مسرحية «»هاملت»» هي أحد أشهر الأعمال الأدبية التي كتبها «ويليام شكسبير». وهي مسرحية تراجيدية نُشرت لأول مرة في أوائل القرن السابع عشر (1603 تقريبًا). تتناول المسرحية قصة الأمير «هاملت»، أمير الدنمارك، الذي يسعى للانتقام من عمه «كلوديوس»، الذي قتل والد «هاملت» (الملك)، واستولى على العرش، وتزوج من والدة «»هاملت»»، الملكة «جيرترود.» «هاملت» يعد من أعقد الشخصيات الأدبية، فهو بطل متردد، مليء بالتناقضات، ويتصارع مع الأسئلة الوجودية حول الحياة والموت، والخيانة والانتقام، والعدالة والأخلاق. واحدة من أشهر مقاطع المسرحية هي مونولوج «أكون أو لا أكون، تلك هي المسألة» (To be, or not to be)، حيث يتأمل “هاملت” في الحياة والموت. المسرحية تتناول عدة موضوعات مثل الخيانة، الجنون، الصراع النفسي، الموت، والحب، وتُعد من الأعمال الأدبية التي أثرت في الأدب العالمي وتمت دراستها وتحليلها عبر القرون، كما تم تحويلها إلى العديد من الأفلام والمسرحيات الحديثة. “هاملت” هو شخصية معقدة يصعب تصنيفها بوضوح كـ “طيب” أو “شرير”. إنه شخصية تراجيدية تتصارع مع الكثير من الصراعات النفسية والأخلاقية، مما يجعله مزيجًا من الخير والشر. هناك عدة جوانب تدعم هذا الرأي:
- “هاملت” كبطل أخلاقي: “هاملت” يسعى للانتقام لمقتل والده الذي قُتل على يد عمه “كلوديوس”. من هذا المنظور، قد يُعتبر “طيبًا” لأنه يسعى لتحقيق العدالة وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. يعاني من ألم نفسي عميق بعد اكتشافه خيانة عمه وقتله لأبيه، ويسيطر عليه الشعور بالمسئولية تجاه والده المتوفى
- الجانب المظلم في “هاملت”: مع تقدم المسرحية، تبدأ أفعال “هاملت” تتجه نحو الغموض والعدوانية، مثل قتله بالخطأ لـ”بولونيوس” ودفعه بـ”أوفيليا” إلى الجنون ثم الموت. هذه الأفعال تظهره وكأنه غير قادر على التحكم في غضبه، مما يؤدي إلى إيذاء الأبرياء من حوله. يُظهر جانبًا مظلمًا يتداخل مع رغباته الانتقامية
- الصراع النفسي والوجودي: جزء كبير من التردد والصراع في شخصية “هاملت” ينبع من تساؤلاته العميقة حول الحياة والموت، والخير والشر، والعدالة. هذه التأملات تجعله شخصية ذات بعد إنساني معقد، ليست خيرًا مطلقًا ولا شرًا مطلقًا، بل إنسانًا يصارع من أجل التوفيق بين رغبته في الانتقام وبين المبادئ الأخلاقية
إذن توجد وجهة نظر ترى أن “هاملت” ليس طيبًا ولا شريرًا بشكل مطلق، بل هو شخصية إنسانية مليئة بالتعقيدات النفسية والأخلاقية التي تجعل منه أحد أكثر الشخصيات الأدبية شهرة وتحليلاً. شخصية “هاملت” في مسرحية “شكسبير” تحتوي على نوازع الشر والسلبيات التي تظهر من خلال أفعاله وأفكاره المعقدة، وهذه السلبيات تبرز في عدة نقاط:
- الرغبة في الانتقام: “هاملت” مدفوع بشكل كبير برغبته في الانتقام من عمه “كلوديوس” لقتل والده. هذه الرغبة تؤدي به إلى اتخاذ قرارات مدمرة دون اعتبار لعواقبها على الآخرين، مثل قتل “بولونيوس” عن طريق الخطأ
- التردد والتفكير المفرط: “هاملت” يغرق في التفكير العميق حول الحياة والموت والعدالة، لكنه يتردد في اتخاذ قرارات حاسمة. هذا التردد يقوده إلى الفشل في تنفيذ خطته للانتقام في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع
- القسوة: في عدة لحظات من المسرحية، يظهر “هاملت” قاسيًا، خاصة عندما يتعامل مع أمه الملكة “جيرترود” أو مع “أوفيليا”. على سبيل المثال، معاملته لأوفيليا عندما يدّعي الجنون كانت جارحة للغاية، وأدت بشكل غير مباشر إلى موتها
- الجنون أو الادعاء بالجنون: “هاملت” يتصرف أحيانًا بجنون أو يدّعيه كجزء من خطته، مما يؤدي إلى تصرفات غير عقلانية، مثل قتل “بولونيوس” دون تأكد. هذا السلوك يؤثر على محيطه ويؤدي إلى الفوضى
- عدم الاكتراث بالآخرين: على الرغم من كونه متعاطفًا في بعض الأحيان، إلا أن “هاملت” يبدو غير مكترث بعواقب أفعاله على الآخرين. موته لأوفيليا، ومعاملة الملكة “جيرترود”، وقتل “بولونيوس”، كلها أفعال تُظهر غياب الاهتمام بمشاعر أو حياة الآخرين
هذه الصفات تجعل من “هاملت” شخصية معقدة، مزيجًا من الجوانب الإيجابية والشريرة، وهو ما يزيد من عمقها ويجعلها مادة غنية للتحليل الأدبي. لا يمكننا أن نتعاطف مع “هاملت” بشكل كامل، نظرًا لتعقيد شخصيته والجوانب السلبية التي تكشف عن نزعاته الشريرة. وعلى الرغم من أن “هاملت” ضحية للظروف المحيطة به، مثل مقتل والده وخيانة عمه وزواج أمه من القاتل، إلا أن أفعاله غير المبررة تجعل من الصعب التعاطف معه بالكامل. مع ذلك، يمكننا التعاطف معه جزئيًا لأنه يمثل الصراع الإنساني العميق بين العدل والانتقام، وبين الواجب الأخلاقي والتردد الشخصي. إن “هاملت” كشخصية تراجيدية، يجسد الجانب المأساوي من الإنسانية، حيث قد تقودنا الرغبة في الانتقام أو التفكير المفرط إلى أفعال تدميرية. إذًا، بينما يمكننا فهم معاناته، من المهم أن نلاحظ أنه مسئول عن الكثير من الألم الذي يُحدثه لمن حوله.
لا يتصرف “هاملت” بشكل خسيس فقط خلال مسرحيته التي تحمل اسمه ، ولكنه أقنع بطريقة ما أجيالاً من الجماهير والنقاد بأنه بطلها بالفعل. هذا ما ينقل الشر لديه إلى المستوى التالي. فمثلا:
- قتل “بولونيوس” - كبير مستشاري الملك ووالد “ليرتس” و”أوفيليا”, فهاملت يشوهه عندما يكتشفه يتنصت من وراء نسيج.  قد يكون “بولونيوس” “أحمقًا متطفلًا” ، كما يدعوه “هاملت” باستخفاف عند اكتشاف جسده ؛ لكن “هاملت” ليس في وضع يسمح له بالشعور بالتفوق ، بعد أن “تطفل” على تأملات “كلوديوس” الخاصة في المشهد السابق فقط. المعايير المزدوجة هي السمة المميزة لهذه المسرحية. فقد جعل معاملته لبولونيوس أسوأ ، بمجرد موته ، يسحب “هاملت” جثته عبر المحكمة ، ويخفيها عن أحبائه ويتركها تتعفن دون دفنها بشكل لائق.
ومع ذلك ، فإن عدم احترام بولونيوس في الموت لا يختلف عن الطريقة التي عامله بها الأمير في الحياة.  باستخدام رتبته ، يهين “هاملت” باستمرار بولونيوس ، ويسخر منه بسبب عمره ، ويطلق عليه أسماء ويرفض التحدث إليه مباشرة في بعض الأحيان. “هاملت” يفعل ذلك وهو يعلم أن “بولونيوس” لا يستطيع الرد, فالضرب هو أسلوب “هاملت” المعتاد مع من هم دون المستوى الاجتماعي مثل كل من “روزنكرانتس” و”جيلدنسترن”  حيث يواجهان معاملة مماثلة.
- “أوفيليا”: الجريمة الأكثر فظاعة هي موت “أوفيليا” ، التي يقودها “هاملت” إلى الجنون والانتحار بحملة من كراهية النساء ، وإلقاء الضوء على الغاز والتحرش الجنسي الصريح ، في إحدى اللحظات التي أدانها فيها بجريمة كونها أنثى ، وفي المرة التالية أهانها علنًا بألفاظ بذيئة. إضافة لتصرفاته القاسية تجاهها وتجنبه إظهار حبه لها بوضوح لاعتقاده أن العالم من حوله ملئ بالخيانة , وأن “أوفيليا” قد تكون جزءا من المؤامرة ضده.  فيبتعد عنها ويعاملها بخشونة, رغم مبرره بأنه يحميها أو يحمي نفسه من الألم.
- ثم هناك جريمة قتل غير رسمية لـ”روزنكرانتس” و”جيلدنسترن” بالوكالة ، فهاملت ليس لديه دليل على أن أصدقائه يعرفون المحتويات المميتة للرسالة التي يحملونها ، والتي يأمرون فيها بإعدام الأمير، وقد تصرف بتغيير محتوى الرسالة حتى يتم قتلهما بناء على مجرد إحساسه بالخيانة والشعور بأنهما لم يعودا أصدقاء مخلصين.
بنهاية المسرحية ، لم يكن “هاملت” قد دمر حياته وحياة عائلته وأصدقائه فحسب ، بل تخلى بحرية عن بلده لقوة أجنبية - وهو الشيء ذاته الذي كافح والده المعجب به بشدة من أجل منعه.
في الختام، تظهر الشخصيات الشريرة في مسرحيات “شكسبير” كأدوات لعرض الجانب المظلم للطموح والرغبة في السلطة. رغم تنوع دوافعهم وأساليبهم، إلا أن جميعهم يشتركون في التلاعب بالآخرين لتحقيق أهدافهم. ومع أن الأمير “هاملت” غالبًا ما يُنظر إليه كبطل مأساوي، إلا أنه لا يخرج تمامًا عن صفوف هؤلاء الشخصيات الشريرة. فهاملت، في سعيه للانتقام من عمه “كلاوديوس”، يتورط في القتل والخداع، مما يؤدي إلى دمار شامل حوله. تصرفاته المدفوعة بالغضب والانتقام تجعله يقترب من الشخصيات المظلمة التي حاول محاربتها، ليصبح جزءًا من دائرة الشر التي لطالما أراد كسرها. وأعود إلى التساؤل: هل “هاملت” هو أعظم شرير لشكسبير؟


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏