«بـــــــــــلاك».. عرض مسرحى نور على نور

«بـــــــــــلاك».. عرض مسرحى نور على نور

العدد 895 صدر بتاريخ 21أكتوبر2024

«Black» هو فيلم درامي هندي صدر في عام 2005 من إخراج سانجاي ليلا بهنسالي وبطولة أميتاب باتشان وراني موكيرجي، الفيلم مستوحى من حياة ومعاناة الكاتبة والمحاضرة الأمريكية هيلين كيلر، ويتناول قصة فتاة صماء وعمياء ومعلمها الذي يساعدها على التغلب على تحدياتها والتواصل مع العالم .
قصة الفيلم هي لفتاة اسمها ميشيل، تعاني تقريبا منذ عامها الثاني من إعاقة جسدية بحيث أنها لا تستطيع لا الكلام ولا السمع، وأكثر من ذلك لا تستطيع البصر، وبالتالي كان أمر تعلمها أشبه بالمعجزة، معجزة تحققت على يد معلم اسمه ”سهاي” والذي استطاع أن يعلمها بل أكثر من ذلك استطاع أن يدخلها الجامعة لتتخرج في مجال الفن، لم تختلف قصة المسرحية لكلا من الكاتبة إسراء محبوب والمخرجة تغريد عبد الرحمن كثيرا عن قصة الفيلم الهندى، سوى فى تغيير بعض الأسماء الهندية وتمصيرها إلى اسماء مصرية، فقد وضحا مدى تأثرهم الشديد بالفيلم حتى فى اقتباس اسم الفيلم نفسه “Black “ ليكون اسما للمسرحية ايضا دون ادنى تغيير .
أن لقصة هيلين كيلر الحقيقية جوانب كثيرة لم يتطرق لها كلا من الفيلم أو المسرحية، لو كانت استغلت الكاتبة إسراء محبوب بالاتفاق مع المخرجة تغريد عبد الرحمن تلك الجوانب المخفية عن المتلقى لقصة كيلر الحقيقية، لتفردت كثيرا عن الفيلم وأضافت على المسرحية إبهارا وروعة أكثر من روعتها التى أشاد بها جمهور المتلقى، فحياة هيلين كيلر مليئة بالعديد من الأحداث والنجاحات والمعجزات التى لم ولن تتكرر فى عالم ذوى الاحتياجات الخاصة، ولكن الفيلم الهندى فى تناوله لقصة كيلر ركز أكثر على بطولة المعلم الاستثنائية، فى نجاحه الفذ فى تحويل كيلر من فتاة همجية إلى فتاة اكثر هدوءا وتحضرا واستجابة تعليميا وسلوكيا، ولك أن تعلم عزيزى القارئ أن فى القصة الحقيقية لكيلر كانت من قامت بتعليمها وتدريبها هى معلمة رائعة تدعى «آن سوليفان» وليس معلما كما قام بدوره النجم الهندى «اميتاب باتشان»، وهذه العلاقة النسوية بينهما كانت ستفتح آفاقا أرحب وأوسع للإبداع المسرحى أو حتى السينمائى .
ولدت هيلين آدامز كيلر في 27 يونيو من عام 1880 في توسكومبيا بولاية ألاباما الأمريكية، وتوفيت في 1 يونيو من عام 1968 في ويستبورت بكونيكتيكت في الولايات المتحدة، وكانت هيلين كيلر في أوائل القرن العشرين واحدة من أشهر النساء في العالم فقد كانت كاتبة، وفاز فيلم عن حياتها بجائزتي أوسكار، وظل رؤساء الولايات المتحدة يستشيرونها ويستمعون لنصحها لأكثر من 60 عاما .
و أُصيبت كيلر في سن 19 شهرا بمرض ( ربما الحمى القرمزية ) أفقدها حاستي السمع والبصر، وعندما فحصها المخترع ألكسندرغراهام بيل ( مخترع التليفون )، وكان صديقا لوالديها، وهي في سن السادسة، أرسل إليها معلمة تبلغ من العمر 20 عاما تدعى آن سوليفان ( ماسي ) من معهد بيركنز للمكفوفين في بوسطن، والذي كان صهر بيل يديره .
وقد بقيت سوليفان، وهي معلمة رائعة، مع كيلر من مارس من عام 1887 وحتى وفاتها في أكتوبر من عام 1936، لتستمر حياة كيلر من بعد وفاتها ثلاثون عاما أخرى بدونها، وكان أول شيء فعلته آن سوليفان مع الصغيرة هيلين هو اصطحابها إلى مضخة مياه وعندما تناثر الماء على يدي الصغيرة، كتبت كلمة ماء في يدها، وفي ذلك اليوم تعلمت هيلين كيلر 30 كلمة، وفي غضون أشهر، تعلمت كيلر الشعور بالأشياء وربطها بالكلمات المكتوبة بإشارات الأصابع على راحة يدها، وقراءة الجمل من خلال الشعور بالكلمات النافرة على الورق المقوى، وإنشاء جمل خاصة بها عن طريق ترتيب الكلمات في إطار، وخلال الفترة من 1888 إلى 1890 أمضت الشتاء في معهد بيركنز لتتعلم لغة برايل، ثم بدأت عملية بطيئة لتعلم التحدث تحت إشراف سارة فولر من مدرسة هوراس مان للصم في بوسطن أيضا، كما تعلمت قراءة الشفاه من خلال وضع أصابعها على شفتي وحنجرة المتحدث بينما يتم تهجئة الكلمات لها في نفس الوقت، وفي سن الرابعة عشرة، التحقت بمدرسة رايت-هوماسون للصم في مدينة نيويورك، وفي سن السادسة عشرة التحقت بمدرسة كامبريدج للشابات في ماساتشوستس، وتم قبولها في كلية رادكليف عام 1900 حيث تخرجت بامتياز عام 1904 لتكون أول خريجة صماء وكفيفة في كلية رادكليف ( الآن جامعة هارفارد )، وقد واصلت هيلين كيلر التعلم ليس فقط باللغة الإنجليزية، ولكن الفرنسية والألمانية واليونانية واللاتينية، وبعد أن طورت مهارات لم يقترب منها أي شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، بدأت كيلر في الكتابة عن العمى، وهو موضوع كان من المحرمات في المجلات النسائية بسبب علاقة العديد من الحالات بالأمراض التناسلية، وقد قبل إدوارد دبليو بوك مقالاتها في مجلة ليدز هوم جورنال، وحذت حذوها المجلات الكبرى الأخرى مثل ذي سينشري وأتلانتيك مانثلي وغيرها، وفي عام 1913، بدأت في إلقاء المحاضرات ( بمساعدة مترجم )، في المقام الأول نيابة عن المؤسسة الأمريكية للمكفوفين، وقد أخذتها تلك المحاضرات في جولات في جميع أنحاء العالم .
و عندما سافرت حول العالم لم يكن ذلك فقط من أجل قضيتها الخاصة، ولكن من أجل الجميع، وأصبحت هيلين كيلر ناشطة في حملة من أجل حقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد أقنعت الكونغرس بتغيير القانون بحيث تصبح الكتب المكتوبة بطريقة برايل متاحة في المكتبات، وقد كان لجهودها من أجل تحسين علاج الصم والمكفوفين تأثيرا في إخراج المعاقين من المصحات، كما شجعت على تنظيم لجان للمكفوفين في 30 ولاية بحلول عام 1937، كما كانت معارضة لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وقد أيدت في وقت مبكر الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين، كما دعمت تحديد النسل، وقد كتبت عن حياتها في العديد من الكتب، بما في ذلك قصة حياتي عام 1903، والتفاؤل عام 1903، والعالم الذي أعيش فيه عام 1908، والنور في ظلامي عام 1927، وصحيفة هيلين كيلر عام 1938، والباب المفتوح عام 1957.
كما كتبت العديد من الكتب حول القضايا الاجتماعية مثل الفصل العنصري، وحق المرأة في التصويت، والرأسمالية والنضال الطبقي ودعم حقوق العمال وعدم المساواة التي لا تزال قائمة حتى اليوم، وهي الكتب التي تم نشرها في جميع أنحاء العالم، وعندما كان النازيون يحرقون الكتب اعتبرت كتبها خطرة بما يكفي لحرقها، وكتبت كيلر 14 كتابا وأكثر من 475 خطابا ومقالا، وفي الحرب العالمية الثانية، أطلقت حملة من أجل قبول جميع الفارين من الفاشية في أمريكا، وأمضت فترة الحرب العالمية الثانية في زيارة مستشفيات الجيش للتخفيف من آلام الجرحى، لقد أرادت أن تناضل من أجل حقوق جميع الناس فشاركت في تأسيس اتحاد الحريات المدنية الأمريكية مع الناشط الأمريكي في مجال الحقوق المدنية، روجر ناش بالدوين، وآخرين في عام 1920، ومازال اتحاد الحريات المدنية الأمريكية يحمي حقوق العمال حتى يومنا هذا.
وفى مسرحية «بلاك» موضوع النقد، ظهرت الرؤية الفنية عند كلا من إسراء محبوب ككاتبة وتغريد عبد الرحمن كمخرجة متأخرا، فى اللحظة التى فارق فيها المعلم رفعت لتلميذته سعاد الكفيفة الصماء عند وصولها لمرحلة المراهقة، بعدما أيقن أن وجوده أكثر من ذلك ليس فى صالحها، هنا فقط وفى تلك اللحظة اختلفت رؤية الكاتبة والمخرجة عن الفيلم الهندى، ففى الفيلم لم يفارق المعلم تلميذته ولكنه اصيب بالجنون ندما على قراره الذى اتخذه فى لحظة شفقة، عندما رضخ لتلميذته المراهقة فى رغبتها فى تجربة العلاقة الحميمية بينهما، ولم يلبث طويلا حتى توفى ليترك تلميذته المراهقة لتواجه الحياة وحدها معتمدة على نفسها .
اما فى المسرحية كان للكاتبة إسراء محبوب وجهة نظر أخرى عندما جعلته يرفض تلك العلاقة ويتركها ويهرب بعيدا عنها دون رجعة، لتواجه الحياة وحدها من بعده متخبطة فى مشاعرها بين الحنين وانتظار عودته، وبين نسيانه واستكمال الحياة وحدها من بعده بعدما تأهلت لذلك على يديه طوال السنوات الماضية، القرار مختلف عند المعلم رفعت ما بين الفيلم والمسرحية، ولكن النتيجة فى كلاهما واحدة الا وهى ضرورة استكمال « سعاد « لمسيرة الحياة وحدها بعد فراق معلمها والاعتماد على نفسها فقط دون اللجوء لمساعدة أحد .
إذن القرار المتفرد كان من كتابة إسراء محبوب، بينما النتيجة عبرت عنها تغريد عبد الرحمن اخراجيا من خلال رؤية مغايرة للفيلم تماما، ومن خلال صورة بصرية معبرة جيدا للمتلقى واختزلت فيها كل الكلام، بأن رمزت للتخبط النفسى الذى عانت منه سعاد بعد هروب معلمها بعودتها مرة اخرى إلى نقطة الصفر، برؤية طيف سعاد الهمجية الصغيرة ذات التصرفات الوحشية يطاردها فى كل احلامها ويقظتها، مما يجعلها فى حالة عدم اتزان وتوتر وقلق بشكل دائم، حتى ينتهى العرض على صورة بصرية فى منتهى الإبداع وغاية فى التعبير، من خلال احتضان « سعاد الكبيرة « لطيف « سعاد الصغيرة « جلوسا فى مقدمة المسرح حيث الصدق الفنى، فى رمزية معبرة عن التصالح مع ذاتها وقرارها بالعناية بها والإعتماد على نفسها .
كان فى إختيار تغريد عبد الرحمن لممثلى العرض مشقة كبيرة وبالأخص فى دور « سعاد « فى مرحلة الطفولة، حيث أن الشخصية ذاتها تحتاج إلى تدريب وجهد مضنى حتى تستطيع اى طفلة أن تستوعبها آدائا واحساسا، فى وقت ضيق لإنجاز العرض قبل بداية مهرجان نقابة المهن التمثيلية من اجل المشاركة به، حتى وقع اختيارها على الطفلة « سولاف محمد « التى بمجرد علمها بنجاح طفلة سابقة عنها فى الدور من قبل، وبخصوصية الدور وصعوبته وابهاره تحدت نفسها حتى تكون جديرة به فواصلت العمل اناء الليل والنهار مع المخرجة وفريق عملها حتى تعلمت لغة الإشارة من الممثلة لقاء الصيرفى، وكيفية التوحد مع دور الكفيفة الصماء حركيا وصوتيا دون أدنى اخطاء، حتى صارت مهمة تغريد عبد الرحمن معها اشبه بالمهمة الحقيقية للمدربة « آن سوليفان « مع « هيلين كيلر « الطفلة المعجزة فى الحقيقة، أو اشبه بمهمة اميتاب باتشان مع تلك الطفلة فى الفيلم سيان، وكلاهما بالفعل نجح فى مهمته التدريبية تغريد عبد الرحمن مسرحيا مع سولاف محمد، و« آن سوليفان « واقعيا مع « هيلين كيلر «، فرأينا الطفلة « سولاف محمد « تتوحد تماما مع شخصية الطفلة « سعاد « فى تجسيدها الحركى والصوتى لطفلة صماء عمياء من ذوى الاحتياجات الخاصة، لتبهر معها جمهور المتلقى وتنال منه تصفيق حار طوال احداث العرض حتى ظهورها الأخير فى تحية الجمهور .
اما يار ا المليجى من جسدت امتداد الطفلة سعاد فلم تختلف كثيرا عن مثيلتها الصغيرة، فأبهرت كل الحضور ولم تنقطع وصلات التصفيق بظهورها، حيث من ذكائها الفنى انها لم تبدأ مشاعرها من نقطة الصفر، بل يتضح لكل من يعى اصول المسرح جيدا انها اخذت واستمدت مشاعرها من الطفلة ذاتها سواء فى حركتها أو طريقة تعبيرها حتى تكون امتدادا جيدا لها، لأن اى اختلاف فى الآداء ما بينها وبين الطفلة سيحدث ذلك فجوة كبيرة عند جمهور المتلقى فى منطقية الأحداث والشخصية ذاتها، كما انها توحدت بشكل كامل مع الشخصية لدرجة أن بعض جمهور المتلقى تعرف عليها بصعوبة عندما واجهته فى التحية بعد نهاية العرض .
اما عن محمود سليمان من جسد شخصية المعلم رفعت ببراعة، فلم اجد ادنى تشابه بينه وبين شخصية اميتاب باتشان فى الفيلم أو اى محاولات منه لتقليده، حيث حرص على عدم التأثر به ولربما لم يشاهد الفيلم من الأساس، حيث جاءت شخصيته فى المعلم متفردة تماما وبعيدة كل البعد عن الشخصية فى الفيلم، حيث جسدها من منطلق عاطفى بعيدا عن قسوة اميتاب باتشان فى الفيلم، وان كانت له ايضا بعض مواقف القسوة القليلة مع تلميذته ولكنه حرص على آدائها من منطلق شخصيته هو لا شخصية اميتاب باتشان، فشعر جمهور المتلقى معه انه يشاهدها لأول مرة من فرط صدقه فى آدائها وتوحده معها وجدانيا وتعبيريا .
أجادت نورهان صالح فى دور الأم العطوفة على ابنتها والمتمسكة بأمل شفائها حتى النهاية دون كلل أو يأس أو ملل، حتى تنجح فى العثور على المدرب الشهير الذى سيكون فيما بعد هو نور عين ولسان حال ابنتها، كما نجح ايضا يوسف رزق من جسد دور الأب فى أن يكون النقيض تماما لحنان الأم وعطفها، من خلال ابراز مدى قسوته على ابنته والتأكيد على ملامح شخصيته الأرستقراطية سواء فى طريقة الحديث الخاصة به أو فى تعبيرات وجهه أو حتى حركته، فأستفز كل جمهور المتلقى ليكون ذاك الإستفزاز هو أكبر دليل لنجاحه .
آية خلف من جسدت شخصية الدادة عنايات فقد نجحت فى أن تضيف بروحها المرحة للشخصية خفة ظل تلقائية، اسهمت إلى حد كبير فى التخفيف من مآساوية القصة على جمهور المتلقى ورسم البسمة على شفاهم، كذا شكل محمد سمير ثنائى كوميدى ناجح ومتناغم مع آية خلف فى دور السفرجى برغم صغر مساحة دوره .
و اخيرا محمود عساف من جسد شخصية المساعد للمعلم رفعت بلمحة كوميدية، فكان فى منطقة محايدة ما بين الكوميديا وتراجيديا العرض، يعى جيدا بذكاء متى واين ولمن يكون الإفيه فى عرض يتسم طابعه الخاص بالتراجيديا من بدايته لنهايته، وان اى افيه كوميدى فى غير محله قد يؤدى بالعرض المسرحى إلى الهاوية .
الديكور لرنا أشرف جاء على شكل أربع مستويات، كل مستوى منهم له دور وظيفى معين، فعلى يسار جمهور المتلقى نجد مستوى يمثل غرفة نوم الأب حيث الكرسى والأباجورة الفخمة، وعلى يمين جمهور المتلقى نجد مستوى يمثل غرفة مكتبه حيث المدفأة الضخمة التى تحمل فوقها جهاز الجرامافون الذى يستمع من خلاله إلى الموسيقى، وفى بهو المسرح من الخلف نجد منضدة كبيرة للطعام ومن حولها عدة كراسى للجلوس، ومن امامها فضاء مسرحى فارغ يسمح أن يكون بمثابة منطقة تدريب المعلم لتلميذته، اما اسفل خشبة المسرح على يمين جمهور المتلقى نجد ديكور على هيئة مكتب صغير للمدرب رفعت يمتلئ فى خلفيته بالكتب الخاصة بعلمه ودراسته، وهو يمثل مكان لوكيشن جديد خاص به ومنفصل عن ديكور القصر تماما، وذاك ما يسمى بعبقرية الحلول المتعددة من مصممة الديكور دون الحاجة إلى تغيير لوحات أو مناظر التى تحتاج إلى الوقت والتكلفة، انما يعتمد التغيير هنا على عنصر الإضاءة فقط، والذى برع في تصميمها وليد درويش إلى اقصى حد مما جعلها شريكا للأبطال على خشبة المسرح، نظرا للدور الكبير والمزدوج لها بقيامها أولا بمهمة وظيفية فى تغيير مناظر الديكور بأقصى سرعة دون الحاجة إلى تغيير لوحاته بالكامل، وثانيا نظرا للدلالات التى ترمز من ورائها فى العرض المسرحى كما رأينا فى قناديل النور المدلاة من سقف السوفيتا والتى ترمز إلى بارقة النور والأمل التى تحدو أكثر من فرد فى ذاك العرض برغبتهم فى تغير احوال سعاد الكفيفة الصماء من انسانة همجية إلى انسانة طبيعية تجيد التعامل مع من حولها من أشياء وأشخاص، ابتداءا من الأم المكلومة حتى الأب فالمدرب رفعت نفسه، حتى شخصية سعاد ذاتها التى ستشعر بالتحول والفارق الكبير بحياتها .
اما الملابس لسماح نبيل فقد جاءت متلائمة تماما مع طبيعة كل شخصية وما يعتريها من الداخل من صفات .
كانت الموسيقى والالحان لمحمود شعراوى معبرة عن الحدث الدرامى كل على حدة بشكل كبير، الا انها خالفت ما اتجهت اليه الكاتبة إسراء محبوب من تمصير الفيلم الاجنبى مسرحيا وجعله يتماشى مع طبيعة المجتمع المصرى، حيث جاءت الموسيقى خليطا ما بين الشرقى والغربي والهندى بما لا يتماشى مع تمصير العرض، ومن هنا حدث التناقض ما بين التمصير والألحان التى يشوبها الطابع الأجنبى، الا أن اغنية الحلم حياة من اشعار ربيع فرج وبصوت الواعدة نادين عامر، جاءت موفقة واستطاعت أن تعبر جيدا عن فحوى العرض المسرحى، ودعوته المباشرة إلى التمسك بالنور والأمل وعدم اليأس أو الاحباط إلى آخر مدى .
الدراما الحركية لمصطفى صبحى جاءت بسيطة غير معقدة وفى نطاق مضمون العرض المسرحى وفكرته .
على الرغم من نجاح كلا من إسراء محبوب ككاتبة بالتعاون مع تغريد عبد الرحمن كمخرجة فى تمصير الفيلم الهندى وتحويله إلى عرض مسرحى يتلائم مع مجتمعنا المصرى المحلى فى حقبة زمنية معينة بعد ثورة يوليو، وذاك الأمر ليس باليسير ويحسب لهم حيث أن المسرح يختلف كلية عن السينما على مستوى جميع مفرادته التى تعد الكتابة والإخراج واحدة منها، الا أن تركيزهم هنا انصب فقط على فترة تدريب المعلم للطفلة حتى وصولها إلى مرحلة المراهقة، ونجاحها فى التعامل والتعرف على كل من حولها من اشياء وشخصيات، دون الخوض فى تفاصيل كفاحها والاعتماد على نفسها فيما بعد هروب المعلم رفعت، حتى نجاحها السياسى فى تقلد اعلى المناصب ومجاورة الرؤوساء واسهاماتها بالغة الاهمية فى التأليف والكتابة والانحياز لطبقة العمال والوقوف مع السود ضد التمييز العنصرى .. الخ من الاسهامات والانجازات العظيمة التى تعد كقدوة لكل امرأة على وجه الأرض، وكان فى إمكان كل من الكاتبة والمخرجة بتلخيص كل تلك الحقبة الأخيرة والمهمة فى حياة سعاد أو ( هيلين كيلر ) فى مشهد مسرحى يبين للمتلقى مدى نجاحها فى الاعتماد على نفسها بدون المعلم فى المسرحية أو المعلمة فى الواقع والتى توفت قبلها بثلاثون عاما، الا أن تغريد عبد الرحمن فضلت أن تنتهى رؤيتها الإخراجية على هدف ورسالة واحدة، الا وهى فترة كفاح « سعاد / هيلين كيلر « فى تحويل حياتها من الظلام الدامس إلى النور الداخلى الذى امتلئت به كل حواسها على يد معلمها حتى استطاعت أن تحيا حياة طبيعية مثل الأسوياء بعد تحدى وصراع مرير مع الذات ضد عالم السكون والظلام الذى كانت تحيا بداخله، سبقه قبل تعليمها صراع آخر ما بين الأم والأب الذى كان فاقدا للأمل ويرغب فى دخولها لأحد الملاجئ على غير رغبة الام التى كانت تتمسك بالأمل إلى آخر لحظة عن يقين بداخلها فى القوة الداخلية التى تكمن فى قلب وعقل ابنتها، ليخرج المتلقى من العرض فى حالة تطهير كامل ويعى جيدا أن التمسك بالأمل لا يعرف المستحيلات، وانه يستطيع بالإرادة والعلم تحويل ما بداخله من يأس أو ظلام إلى نور على نور .


أشرف فؤاد