العدد 895 صدر بتاريخ 21أكتوبر2024
حاول الريحاني أن يعرض مسرحيته الجديدة «الدلوعة» أو «لازم أجوزك» في موعدها – بعد أن أتمّ كتابتها مع شريكه في التأليف بديع خيري - لكن العراقيل وقفت أمامه، حيث مرضت بطلة العرض «أمينة شكيب» أو «ميمي شكيب». وعندما شفيت وبدأت الفرقة تعرض المسرحية، أصيب الريحاني في حنجرته فبح صوته، وتوقف العرض عدة أيام، ثم عاد مرة أخرى. وقد نشرت جريدة «أبو الهول» - في مايو 1939 – واقعة الريحاني قائلة:
من المصادفات للأستاذ نجيب الريحاني أنه كلما أظهر رواية جديدة لا تمضي على تمثيلها أيام قليلة حتى يصاب بمرض في صوته! وكما يحدث في كل الروايات حدث في رواية «الدلوعة» التي ظهرت في الأسبوع الماضي إذ بينما كان الأستاذ يمثل في حفلة مساء الاثنين الأسبق التي أذيعت بالراديو شعر فجأة بأن صوته (متحاش) شيئاً فشيئاً، ولم تنزل الستار حتى وجد الأستاذ نجيب نفسه غير قادر على أن يقول كلمة واحدة .. وقد اضطر أمام هذه الحالة أن يلزم الفراش من أجل الراحة والاستجمام حتى عاد مساء الأربعاء الماضي وما أن انتهى من تمثيل الفصل الأول حتى وجد أن حالته الصحية انعكست بسرعة وأصبحت أشد مما كانت عليه من قبل، فأرسل إلى أخيه يوسف ليستدعي له طبيباً فحضر نخبة من الأطباء. ولكيلا يتسرب النبأ بين الجمهور ظل الأطباء في غرفة الأستاذ نجيب فكان بعد أن يؤدي دوره على المسرح يقومون بعلاجه في الفترة المخصصة للراحة بين الكواليس. وكان هذا الحادث سبباً في أن خيم الصمت والسكون على غرف الممثلين!!
نشرت جريدة «أبو الهول» قصة مسرحية «الدلوعة»، وعرفنا منها أن «أنور أفندي» موظف حكومي كسائر الموظفين يقيم في منزل ملكه في أبو توشه، وكانت كل أمانيه أن يتزوج بـ«طعمة» أبنة الباشكاتب حتى يكون بهذا الزواج فخوراً بين زملائه الموظفين، وحتى لا يجد من والدها ما يلاقيه. وفجأة وصل إليه خطاب بالبريد المستعجل وهو في أجازة بالمنزل من الباشكاتب يقول فيه إنه سيحضر مع ابنته طعمة ووالدتها، فأخذ يستعد لإحضار وليمة فاخرة لائقة بالمقام، وأصدر أمره إلى «زبيبة» الخادمة لتقوم بتحضير المأكولات الشهية التي تناسب رئيسه الباشكاتب من ديك رومي وغيره! إلا أن مساوئ الأقدار أبت إلا أن تلازم أنور أفندي، فينزل معه في المنزل ضيف هو الأستاذ «سفرجل» المخرج السينمائي وصديقته النجمة السينمائية «كناريا»، ففوجئ في الليلة التي تسبق العزومة بصوت يدوي، هو صوت «فرقعة» كاوتشوك الأوتوموبيل، وفجأة دخلت إلى المنزل فتاة كانت تركب هذا الأوتوموبيل هي «فكرية» ابنة الزعفراني بك الجواهرجي المشهور، وسائقها «الأوسطى سيد» يطلبان النجدة من المنزل، بيد أن المدينة بعيدة ولا يمكن الحصول على وسائل الإصلاح إلا إذا ذهب الأوسطى سيد إلى القاهرة مساءً ليعود في الصباح الباكر. أما فكرية هانم فكان الأفضل أن تبقى في المنزل حتى يعود السائق. شعر أنور أفندي بالمضايقة لا سيما أن فكرية فتاة لعوب، ولها ألفاظ غير مستحبة، لكنه رأى أن يتحمل الموقف حتى صباح اليوم التالي، أي قبل موعد وصول الباشكاتب بساعات!! وجاء الصباح، ولكن السائق لم يعد من القاهرة بعد، والخادمة التي كانت تعد أكل الباشكاتب بلفها السائق وأقنعها بالزوغان معه إلى القاهرة! وفكرية هانم راحت عليها نومة ولم تستيقظ بعد. وجاء موعد وصول الباشكاتب إلى المحطة، فذهب أنور أفندي لاستقباله، إلا أن الباشكاتب كان قد فضل الحضور بالسيارة فوصل قبل الموعد، وإذا به يجد سيدتين هما فکرية وكناريا، وحسبهما صديقتين لأنور أفندي، وقرر أن أنور لا يصلح لأن يكون عريساً لابنته طعمة!! وحضر أنور أفندي وأراد معالجة الموقف ولكنه فشل. وخرج الباشكاتب وزوجته وابنتهما وهم في حالة غضب بعد أن أصابتهم بعض الشتائم من فكرية. فإذا كنا في الوزارة، رأينا أنور أفندي مغضوباً عليه من الباشكاتب يضطهده بالعمل الكثير وتكاد المسألة تنتهي عند هذا الحد، ولكن تحضر فجأة فكرية هانم مع والدها لأنها ندمت على ما فعلت وتريد أن تقابل هي ووالدها الباشكاتب ليعتذرا له عما حدث، ويفهماه الحقيقة .. ولكن أنور أفندي يعارض ويطلب خروجهما من المكتب حالاً حتى عادت الفرقة من جديد بينه وبين الباشكاتب. ويتصادف أن يدخل أنور أفندي عند الباشكاتب في مسائل مصلحية، فيدق التليفون على مكتبه، فترد عليه فكرية بصوت رجل وتقول: أنور أفندي غير موجود. ولما ألحّ السائل في البحث عنه، قالت له: “اتنيل على عينك” وأقفلت السكة! وفوجئ أنور أفندي على أثر ذلك بأن الوزير يطلبه ويصدر أمراً بفصله لأنه هو الذي كان قد تحدث بالتليفون!! حينئذ تشعر فكرية بأنها هي التي أساءت إلى هذا الرجل وهو لم يسئ إليها فطلبت إليه أن تتزوجه لأنه هو الرجل العنيد الشديد الذي يكلمها بقسوة ويستطيع أن يوجهها التوجيه الصحيح في حياتها الاجتماعية بعكس جمعة، الذي كان يسعى إليها ويكلمها بنعومة، طمعاً في جمالها وأموال أبيها فلم يرفض أنور أفندي وقال لها: يا لا أدامي على البيت فتقول في خضوع «حاضر»! فيقول والدها: “حكمتك يارب .. لأول مرة بنتي تقول حاضر!”.
كتب ناقد جريدة «البلاغ» عدة ملاحظات على العرض، منها: أن الريحاني وبديع عالجا ناحيتين فقط: الأولى نقد نظام العمل الحكومي نقداً لاذعاً. والثانية، تحليل نفسية المرآة من الناحية الاجتماعية، فكثير من فساد المرأة ناتج من ضعف الرجال في سياستهم معها، وقد عالج المؤلفان الناحية الثانية معالجة معقولة ومحبوكة. أما الناحية الأولى فكانت أضعف من الثانية، لأن بها كثيراً من المغالاة. فمثلاً حينما حضر الأكل لأنور أفندي، على اعتبار أنه غذاء كان يجب أن يكون فطوراً، إذ كان الوقت لا يزال صباحاً!! ومخاطبة الوزير مع أنور أفندي تليفونياً من غير المعقول، لأن الوزير إذا طلب أمراً ما فأمامه وكيل الوزارة أو السكرتير العام أو السكرتير الخاص أو الباشكاتب، وكان من الأفضل أن يكون وكيل الوزارة هو الذي يخاطب أنور أفندي. وكان إخراج الأنوار بديعاً جداً وناجحاً إلى أبعد حد، وكانت المناظر فخمة كمناظر سائر روايات الفرقة وبالنسبة للتمثيل، قام نجيب الريحاني بدور أنور أفندي عزمي الموظف الحكومي، وفي اعتقادنا أن غير الأستاذ نجيب الريحاني لا يمكن أن يصلح لتمثل مثل هذه الأدوار. أما «أمنية شكيب» كانت هي فكرية هانم المرأة الغاضبة دائماً والمشاكسة إلى أبعد حد، والتي يسعى وراءها الشبان من أجل جمالها ومالها، ولكنها لم تجد شاباً بينهم يحدثها باللغة الوحيدة التي تفهمها المرآة وهي لغة القوة! لذلك كانت أمينة في نجاحها بالغة قمة الجد وتستحق أقصى عبارات التهنئة والإعجاب. أما حسن فايق وزوزو شکيب، فقاما بدورهما - المخرج السينمائي والنجمة السنيمائية أو - الضيفان الثقيلان فكانا ناجحين جداً. أما «ماري منيب» في دور زوجة الباشكاتب، فكان الدور صغيراً فلم يجد لها المجال لإظهار مواهبها. أما «محمد كمال المصري» فقام بدور الباشكاتب، فكان ظريفاً وناجحأ للغاية. والفريد حداد مثل دور الوكيل فكان مجيداً، قام محمد أحمد الديب بتمثيل دور حسن، فكان مثال الشاب الذي يبحث عن الزواج من أجل المصالح الشخصية. و«زينات صدقي» قامت بدور «زبيبة» وهذا الدور أعطى زينات فرصة عظيمة تثبت فيه جدارتها للأدوار. وقام أحمد جمال الدين بتمثيل دور الأوسطى سيد السائق ونجح فيه ولفت الأنظار.
ونشرت مجلة «الصباح» كلمة بعنوان «رأي مؤلف مسرحي متقاعد في الأستاذ الريحاني وروايته الجديدة الدلوعة»، قال فيها: ليست كلمتي التي أكتبها اليوم عن رواية الدلوعة، كلمة نقد، أو تقريظ فأقول: كانت الرواية .. وكان التأليف وكان الإخراج .. وكان التمثيل .. ولكنها عن تقدير وإعجاب جاش بهما صدري فلم أستطع كتمانهما وقد شهدت رواية «الدلوعة»! لقد شهدت منذ أشهر رواية «استنى بختك»، وقد بلغت الحد الأقصى من الإجادة في التأليف والإخراج والتمثيل، حسبت أن المؤلفين الفاضلين بديع والريحاني، قد أفرغا كل ما في جعبتهما الفنية في وضع هذه الرواية، وأن الرواية التي ستليها ستكون من الهزال والضآلة .. كان هذا مبلغ اعتقادي، ولكنني وقد شهدت رواية «الدلوعة» في دهش وإعجاب، أدركت أن القريحة الوقادة كالنار بعد أن رأيت الريحاني يتدرج في رواياته من الحسن إلى الأحسن. فكلما أخرج رواية كانت خيراً من الأولى. لا أقول ذلك لأن رواية الدلوعة قد طغت على رواية استنى بختك فسلبتها حسنها، ولكنها تجلت في ثوب جديد ولون طريف لم نشهده في روايات الريحاني من قبل. إذ كانت على النقيض من رواياته السابقة. فبينما كنا نرى في رواية استنى بختك، معلماً فقيراً رأيناه في رواية الدلوعة، موظفاً صغيراً حلّ عليه الأستاذ سفرجل ضيفاً ثقيلاً ... إلخ، وصفوة القول إن رواية الدلوعة كل ما فيها حسن جميل، وأحسن ما فيها أنك تؤخذ بروعتها ولكنك لا تستطيع أن تبين مواضع الحسن فيها. لقد شهدت هذه الرواية واقفاً على قدمي إذ لم أجد لي مكاناً!!
انتهى الموسم الشتوي بمسرحية «الدلوعة» وفي الصيف سافر الريحاني إلى لبنان، كما أخبرتنا جريدة «البلاغ»، قائلة: يعلم القراء أن الأستاذ نجيب الريحاني سافر من مدة إلى لبنان لقضاء بعض الوقت فيه للراحة والاستجمام، ولكن يظهر أن وقته لم يخصص لهذا الغرض، لأن زميله الأستاذ بديع خيري رافقه في رحلته كما كان معهما الأستاذ نيازي مصطفى مخرج فيلمه الجديد «سي عمر»، وقد انتهز الثلاثة هذه الفرصة لإتمام ما بقي من سيناريو الفيلم. وعند الانتهاء منه، حمله الأستاذ نيازي وعاد إلى مصر منذ أيام. هذا وقد عاد الأستاذان نجيب وبديع إلى الاسكندرية ظهر اليوم وسيصلان إلى القاهرة في المساء.
عاد الريحاني ليجد حملة شعواء ضده من قبل ممثلي فرقته العاطلين عن العمل صيفاً، ولا يتقاضون رواتبهم في الصيف!! وهذا الأمر أثارته جريدة «البلاغ» عندما نشرت شكوى لأحد ممثلي فرقة الريحاني، فرد الريحاني على ذلك، ونشرت رده، وجاء فيه: أطلعت على ما نشرته جريدتكم الغراء لممثل بفرقة الريحاني، كما قرأت التعليق الذي كتب تحتها وقد لاحظت صدق ما ذكره الممثل في رسالته وحسن تعليقكم عليه ومحاولتكم إنصاف ووضع الأمور في نصابها. وكنت سأصبح سعيداً لو أنني استطعت إعطاء ممثلي فرقتي مرتباتهم حتى في الوقت الذي لا تشتغل الفرقة فيه. ولكن ماذا أفعل وأنا لا أعمل في السنة أكثر من ستة شهور أخرج فيها روايتين أربح منهما في شهرين من هذه الشهور الستة، أما الشهور الأربعة الباقية فهي تتراوح بين الخسارة والربح المعتدل. من هذه الحسبة البسيطة يتضح للقراء أن ليس في إمكاني أن أقدم لممثلي الفرقة شيئاً من مرتباتهم إذ أنني بربح شهرين أغطي نفقات ستة شهور، إن لم أقل سنة كاملة. ومع تقديري لإخلاص ممثلي فرقتي وثقتي التامة بهم ومعرفتي عنهم حبهم لفنهم وتفانيهم في خدمته، فإن الشيء الوحيد الذي أخشاه هو أن يأتي يوم ينفذ فيه صبرهم بعد أن احتملوا كثيراً. فكل ما أطلبه من الحكومة هو أن أحصل منها على المبلغ الذي يمكنني من دفع مرتباتهم في أثناء فصل الصيف حتى لا ينزلوا إلى العمل في الصالات. وإني مع احترامي لكل من يعمل لاكتساب قوته أعتبر أن عمل الصالات خطوة إلى الوراء، لأنها تعلم الممثل أن يواجه الجمهور بغير الاهتمام الواجب الذي يشعر به الممثل الذي يعمل على المسرح المحترم. فكل ما أطلبه إذن هو أن أحتفظ بكيان فرقتي بصفة عامة ومن ناحية السيدات بصفة خاصة. وإن هذا الكلام لا يعد من جهتي شكوى من ممثلي فرقتي، لأنني كما ذكرت أعرف عظيم إخلاصهم وخصوصاً بعد ما شهدوه من عطف صاحب الجلالة الملك عليهم، إذ إن ذلك زاد من إخلاصهم لفنهم وللفرقة ولكن هناك مثل يقول: (إن كان صاحبك عسل ...). وهذا ما يجعلني قليل الثقة بالمستقبل لأنني أقدر تماماً مسئوليات كل واحد منهم وأعرف أنهم جميعاً محتاجون. وإنني أتعرض من ناحية أخرى لمنافسة ضارة في العمل، وهذه المنافسة تأتي من الفرقة القومية التي يعمل الممثلون فيها 40 أو 50 يوماً ويأخذون مرتباتهم عن سنة كاملة، ولذا فإني أخاف أن تسطو الفرقة على أي ممثل عندي فتأخذه مني في لمح البصر، لأنه سيفضل بطبيعة الحال مصلحته الخاصة على مصلحة الفن الذي يعمل لخدمته عندي.
وانشغل الريحاني بعد ذلك بظهور فيمله الجديد «سي عمر»، وتهافتت الصحف والمجلات الفنية على نشر إعلاناته والحديث عن إنتاجه من قبل أستوديو مصر، سيناريو وإخراج «نيازي مصطفى»، من تمثيل: نجيب الريحاني، أمينة شكيب، زوزو شكيب ماري منيب، عبد الفتاح القصري، سراج منير، محمد كمال المصري، عبد العزيز أحمد، عبد العزيز خليل، استيفان روستي.
وعاد الريحاني للتمثيل أمام جلالة الملك فاروق، ونشرت جريدة «البلاغ» في فبراير 1940 خبراً بعنوان «فرقة الريحاني في سراي عابدين العامرة»، قالت فيه: تقام في سراي عابدين العامرة يوم 11 فبراير القادم حفلة ساهرة بمناسبة عيد ميلاد جلالة الملك، تمثل فيها فرقة الأستاذ الريحاني فصلين من رواية «حكم قراقوش». وسيحضر هذه الحفلة حضرات أصحاب السمو أمراء البيت المالك وأصحاب المعالي الوزراء وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب ورجال السلك السياسي وكبار الموظفين والأعيان. هذا وقد نشر منذ أيام أن حفلة خاصة ستقام في سراي قصر شبرا يحضرها جلالة الملك وأمراء البيت المالك وتمثل فيها فرقة الأستاذ الريحاني رواية جديدة تؤلف خصيصاً لهذه الحفلة. ونزيد على ذلك أنه رؤي أن تقام حفلتان في قاعة معرض القطن بالجمعية الزراعية الملكية يوم 14 و15 الجاري.