المقاومة في المسرح اللبناني والفلسطيني

المقاومة  في المسرح اللبناني والفلسطيني

العدد 896 صدر بتاريخ 28أكتوبر2024

“لبيروت من قلبي سلام لبيروت
وقبل للبحر والبيوت
لصخرة كأنها وجه بحار قديم
هي من روح الشعب خمر
هي من عرقه خبز وياسمين
فكيف صار طعمها
طعم نار ودخان”.
هكذا غنت فيروز لبيروت، مدينة الحضارة والنضال، وهكذا يغني لها كل أحرار العالم، تلك المدينة التي تواجه الآن لحظات قاسية من جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم عليها وعلى مواطنيها العزل، وليست هذه هي المرة الأولى التي تعاني منها لبنان هذا الاعتداء الوحشي، فكلنا يتذكر حصار بيروت عام 1982، والذي كان للمثقفين العرب دور كبير في المقاومة من خلاله.
مع اندلاع الحرب في لبنان عام 1981، بدأت الفنانة لطيفة ملتقى وفرقتها المسرحية تقديم مجموعة من العروض في إطار ثقافة المقاومة، حيث عرض عليهم «المطران مار زيادة» أن يقدموا عروضهم ويقيموا تدريباتهم في كنيسة «مار ميخائيل» القديمة الكائنة في حي «مار مخايل» لتحويل بهوها إلى صالة مسرح. فتم تحويله إلى مسرح مفتوح على جهتين، وأكثر من ذلك تم تقسيمه إلى أشكال أخرى فتم إقامة شكل مسرحي أسموه «المسرح البانورامي»، وفيه يجري العرض على الجهات الأربع، بحيث يجلس الجمهور في الوسط على مقاعد تدور على نفسها لمتابعة المشاهد من الزوايا الملائمة.
وقدمت في هذا المسرح عدة أعمال من التراث العالمي منها: «زيارة السيدة العجوز»، إخراج أنطوان ملتقى، وبطولة لطيفة ملتقى، و«ضاعت الطاسة» و«حرب الطابق الثالث» و«البزاقة» وكلها من إخراج لطيفة ملتقى.
كما قدم روجيه عساف مجموعة من العروض المختلفة ذات الطابع المقاوم، وعن ذلك يقول:  «سنوات من الرفض للمسرح الإبهامي والخداعية المسرحية بحثا عن الهوية، توقا إلى علاقة صحيحة مع الواقع رغبة في مركز تتوحد فيه النفس مع الفن، والآن طواف الأسئلة محصورة داخل عالم يضيف يوما بعد يوم، ما الهوية إلا فرضية قيد الإثبات، وما الواقع إلا حصيلة اعتبارات ممكنة، مجموعة احتمالات، وما الخروج من الأعراف وعدم الامتثال إلا ابتكار أعراف جديدة للإيهام، وما قول الحقيقة إلا طريقة من طرق الكذب.
وفي فلسطين ظهرت مجموعة من الفرق المسرحية المقاومة مثل فرقة مجانين المسرح والتي قدمت مجموعة من العروض، ويعد عرض «يلا نضحك» من أشهر عروض الفرقة، وعلى حد ما جاء في تقديم فريق العمل للعرض: «فإن الفرقة بدأت عرضها من قاعدة الضحك للضحك، وتطور العرض رغما عنها ليشمل مفاهيم تربوية مثل التعاون والنظافة والصداقة لكن الهدف الأسمى في العرض هو الترفيه من أجل الترفيه.. من خلال المهرجين الذين يستخدمون أساليبهم ومهاراتهم الاستعراضية من أجل إسعاد الطفل”.
ويصف الأديب الفلسطيني «زياد خداش» في مقال له تحت عنوان «مجانين المسرح الفلسطيني يغلقون شوارع رام الله» عروض الفرقة قائلا» «من هم هؤلاء المجانين الذين يرقصون في الشارع؟، من أين أتوا فجأة؟، وكسروا قانون وجه المدينة التي تعودت على مسيرات غاضبة لا يضحك أحد فيها ولا يرقص، عبثوا بروتينها وقيلولتها الرتيبة.”.

أرض الزيتون
كما تبدو لنا أن علاقة مصر بفلسطين ليست علاقة جوار فقط، بل هي علاقة تلازم حضاري وروحي، فكلاهما عمق للآخر، من هنا كانت الجهود السياسية المصرية –دائما- تصب في صالح القضية الفلسطينية، ومن ثم كان هناك ارتباط ثقافي ووجداني بين الشعبين عبر العصور، وإن تأكد هذا التكامل الثقافي مع بدايات القرن العشرين، خاصة ما بعد ثورة 1919م، مباشرة فوجدنا محاضرات لمثقفين ومفكرين وأدباء مصريين تقام على أرض القدس، ومنها محاضرة للأديب عباس محمود العقاد في مدينة «يافا» في 23 أغسطس 1945، تحدث فيها عن القضية الفلسطينية ودور الجامعة العربية، التي كانت ما تزال وليدة في تلك الفترة.
وقد زارت فرق مسرحية مصرية القدس ما بعد ثورة 1919 مثل فرقة سليم وأمين عطا لله، وكذلك فرقة الريحاني والتي قدمت هناك عرض «كشكش بك» في يافا عام 1920، كما زارت فرقة رمسيس ليوسف وهبي فلسطين وقدمت مجموعة من عروضها التراجيدية. وكذلك «فرقة جورج أبيض»، ففي عام 1914م قدمت هذه الفرقة مسرحيات «لويس الحادي عشر» و«أوديب» و«الشيخ متلوف» وغيرها.
كل ذلك كان دافعا لظهور حركة مسرحية وفنية على أرض فلسطين، فقد تأسس المنتدى الأدبي –هناك-  عام 1919م، أسسه جميل الحسيني، وقد قدم هذا النادي مسرحيات منها «مسرحية صلاح الدين الأيوبي» و«طارق بن زياد»، كما قدم مسرحية «هاملت» وهذا يدلنا على مدى رقي الشعب الفلسطيني، فشعبنا منذ قديم الزمان يتصف بالثقافة والوعي، وقدمت مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» في عهد الخلافة العثمانية، وقدمت في مدينة «القدس»، أما مسرحية «عبد الكريم الخطابي» التي هاجمت الاحتلال البريطاني عام 19267م، وهذا يدل على وعي الفلسطيني بخطورة الاحتلال الإنجليزي.
ومن كتاب المسرح الفلسطيني في تلك الفترة «جوزيف سالم» من «الناصرة»، وأهم مسرحياته «السجناء الأحرار» و«غرام ميت» و«صديق حتى الموت» و«يوم الجيش» و«دقت الساعة يا فلسطين»، و«الموسيقى خير علاج» و« ومن عناوين المسرحيات نجد مدى الكم الهائل من الثقافة والوعي الذي تمتع به الفلسطيني.
 وقد شغلت القضية الفلسطينية حيزاً كبيراً من خريطة الإبداع العربي،  منذ هزيمة القوات العربية في حرب 1948،  مروراً بنكسة 5 يونيو 1967،  والتي كانت أكثر تأثيراً ليس فقط في البعد السياسي،  بل بقدر مواز له على المستوى الثقافي والإبداعي، حيث مر الإبداع العربي ـ بشكل عام والمصري بشكل خاص ـ بعد النكسة بمرحلتين مختلفتين : الأولى بعد الهزيمة مباشرة حيث تعمقت الجراح وزادت الأزمة تعقيداً لدى النخبة، وتتالت الأعمال التي تعبر عن المأساة مثل رواية «الحداد» ليوسف القعيد ورواية «في الصيف السابع والستين» لإبراهيم عبد المجيد .
    وفي المسرح تغيرت الحال ـ تماماً ـ فوجدنا خطابات موجهة داخل سياق البنية الدرامية كما في مسرحية « الدخان « لميخائيل رومان « ومسرحية « أرض لا تنبت الزهور « لمحمود دياب .
    وهنا تبرز الأهمية الاجتماعية للمسرح ـ الذي تغيرت بنيته في تلك الفترة،  حيث تحول من خطابه المتقولب في « المسرح المعلب « إلى « مسرح العلبة الإيطالية إلى أبعاد أكثر شعبية،  ولعل التجربة السياسية العنيفة قد حركت المياه الراكدة ـ في العقل العربي في تلك الفترة،  فالمراجعات الفكرية والسياسية كانت قوية ـ وربما هذا ما يلمح إليه عوني كرومي قائلاً : « كثيراً ما تم ربط المسرح مع تطور المجتمع ولكن قليلاً جداً ما يرتبط تطور المسرح مع تدهور البنية الاجتماعية وتخلفها،  وذلك لان المسرح يعمل على تقويض البنية القديمة للمسرح،  ولا يظهر المسرح داخل المجتمع الأكثر تطوراً او المتطور إنما يظهر في داخل المجتمع الذي يؤول إلى السقوط،  حيث نجد هذا النوع الفني يسعى إلى تهديم،  ما هو ميت وجامد في داخل المجتمع من خلال القدرة على تصوير هذه الصيرورة..  


عيد عبد الحليم