العدد 897 صدر بتاريخ 4نوفمبر2024
ما أصعب ان يصيب القلب عشقا لا يملك المرء منه المفر، ان القلب حين يهوى لا يمكن ان يحيده عن هواه شيء، والهوى ان ارتبط بالموهبة يكون الامر اشبه بالإدمان فلا يمكن لموهوب ان يتخلص من عشقه لما ساقته اليه الاقدار.
قد يظن البعض ان الحديث عن عشق الفنان لفنه وما يقدمه من تضحيات هو صيغة مبالغة يستخدمها الفنان ليكسب تعاطف الجمهور، لكن حقيقة الامر ان الفنان كان ولا يزال يعاني ويدفع ثمناً باهظة في سبيل عشقه.
فحين غنى إسماعيل ياسين لأهل الفن
“عينى علينا يا اهل الفن يا عينى علينا .. ناكل قر ونشبع زن وقلع عينينا يا عيني علينا ..العمر كله عرق و دموع.. و شبع او جوع و غنى و حرمان.. من اللي يسوى و ميسواش ...” قد صور ما يعانيه الفنان في عصرة من معاناه في سبيل حبه لفنه من تقلي الاهانات والاستخفاف بما يقدمه واعتباره أراجوز او مشخصاتي وما يعانيه من تقلبات مادية في حياته فالفن لا يستمر عطائه المادي للفان وكثير ما تتقلب الأحوال المادية وتنقلب رأسا علي عقب فالمر كله مرتب باستمرار تقديمه لفنه وتلقي الاجر في المقابل، ولم يختلف الامر كثير في العصر الحديث من معاناة الفنان وما يلقاه من صعوبات حياتيه في سبيل تحقيق حلمه في الفن قد يكون الاختلاف الوحيد أن نظرة المجتمع للفنان بأنه مشخصاتي قد تبدلت بعض الشيء وصار هناك معانه من نوع اخر بأن الفن مجال تثار حوله الشبهات، لكن الفن كغيره من المهن به الصالح والطالح فالسلوكيات لا ترتبط بمجال بعينه دون الاخر.
قد تم مناقشة ما يعانيه الفنان خلال عرض الارتيست من تأليف وإخراج محمد ذكي والذي قدم علي خشبة مسرح الهناجر مستندنا في القصة على لمحات من قصة الفنانة زينات صدقي وكيف أن حياتها كانت قاسية في سبيل أن تصبح فنانة، والتي عملت في بداية حياتها كمونولوجست و راقصة لكن أسرتها اعترضت على عملها في الفن، فهربت منهم إلى لبنان مع صديقتها (خيرية صدقي). حملت اسمها وأصبح (زينب صدقي) حتى التقت بالفنان (نجيب الريحاني) الذي مد لها يد العون و ضمها إلى فرقته وأسماها (زينات) منعًا للخلط بينها وبين الفنانة (زينب صدقي). تزوجت مرة واحدة في بداية حياتها، ثم مرت بانفصال سريع بلا أطفال، فاشتهرت في السينما بأداء دور العانس. شاركت الفنان (إسماعيل يس) في العديد من الأفلام السينمائية، كما عملت ضمن فرقته المسرحية. قل نشاطها السينمائي في آخر حياتها وعانت حتى حصلت على شهادة تكريم ومعاش استثنائي من الرئيس (أنور السادات) في عام 1976.
وقد قدم لنا العرض هذه المعاناة ليربط الماضي بالمستقبل من خلال تصوير الحاضر فالنجمة التي ذاع صيتها لا تملك ثمن الفستان الذي من المقرر أن تحضر به حفل تكريمها من قبل رئيس الجمهورية. ويصور مدى عشق أبن اخيها وابن صديقتها للفن وما يحلمان بتحقيقه من أحلام فنية رغم ما يعيشونه من حياه قاسية مع الفنانة العظيمة التي أصابها الفلس بعد ان افنت عمرها في سبيل الفن.
قدمت الفنانة هايدي عبد الخالق شخصية زينات صدقي في بساطة مجسدة الشخصية دون محاولة لتقليدها فقد جسدت الحالة نفسها مما ساعد المتلقي علي أن يعيش معها لحظات العرض منفصلا عن فكرة التقليد بل شعر كل واحد في الصالة بأنه يعيش مأساة الفنان في سبيل عشقه.
وجسدت لنا الفنانة فاطمة عادل شخصية خيرية صدقي رفيقة الدرب لزينات صدقي وكيف أن الفنان في سبيل فنه يمكن ان يتحمل مشقة الطريق الصعبة والتي في كثير من الأحيان تكون ثمنها باهظ فقد تتسبب في تدهور حالته الصحية.
ولم يقتصر العرض علي تجسيد معاناة الفنان ممثلا فقط بل جسد لنا معاناة فنانين من نوع اخر كالخواجة فاسيلي والذي جسد دورة احمد الجوهري والذي جسد دور الطرزي اليوناني المتأثر بالسينما المصرية ويحترم فنه ويرفض ان يقدم التنازلات علي الرغم من الحاجه المادية في سبيل فنه. ثم يشر العرض الي استمرار معاناة الفنان في المستقبل في حلم الفنان الشاب الذي صوره ابن اخو زينات صدقي والذي جسد دوره محمود الغندور رفقة ابنة خيرية صديقتها والتي جسدت دورها ياسمين عمر
وكانت عناصر العرض ملائمة للغاية لفكرة العرض المسرحي هيث كان الديكور ثابت ويعتمد نقل المشاهد علي بعض القطع الصغيرة التي تدخل وتخرج من والي خشبة المسرح حيث اعتمد التنقل بين المشاهد علي غوص زينات صدقي في ذكرياتها والتي ارتبطت بدولابها حيث كان لكل قطعة من الملابس في دولابها ذكره ما تنقلها الي الحدث بين الماضي والحاضر مستعينا بقدرة الفنانة هايدي عبد الخالق علي التنقل السلس بين الملابس بانضباط شديد مما جعل الامر يحدث في هدوء دون لفت أنظار المتلقي.
وكانت الملابس والاضاءة مناسبتان لحالة العرض وساعدتا بشكل كبير علي تقديم صورة مسرحية متكاملة لعرض مسرحي لمس المتلقي سواء كان متخصصا في الفن ام متفرجا.
وكان لأغاني ام كلثوم التي اعتمد عليها المخرج كموسيقي رئيسية للعرض أضافة الي الغناء الحي للفنانتين فاطمة عادل وهايدي عبد الخالق الذي أكمل الحالة الفنية للعرض
حقيقة الامر ان كل فرد في عرض الأرتيست قد أدى المطلوب منه بإتقان مما ساعد علي تلقي العرض بهذه الحالة الرومانسية التي لمست اغلب المتفرجين.
وان كان العرض مستوحى عن قصة الفنانة زينات صدقي والتي ختم العرض بتسجيل صوتي لها وهي تتحدث عن انتظارها للحظة التي ترى فيها اسرتها التي هجرتها لحبها للفن بعد ان أصبحت فنانة ولها معجبين فهي نموذج من بين نماذج كثيرة سبق تكرارها ولا يزل الامر مستمرا في سبيل عشق الفن الذي لا ينتهى
العرض من إنتاج مركز الهناجر للفنون برئاسة الفنان شادي سرور، وبطولة هايدي عبد الخالق، وفاطمة عادل، وإيهاب بكير، ومحمد زكي، وأحمد الجوهري، ومحمود حلواني، وريم مدحت، وإبراهيم الألفي، وعبدالعزيز العناني، وفيولا عادل، وياسمين عمر، وياسر أبو العينين، ومارتينا هاني، ومحمود الغندور، والديكور من تصميم فادي فوكيه، والأزياء من تصميم أميرة صابر ومحمد ريان، والمكياج من تنفيذ إسلام عباس ودعاية أحمد الجوهري. وشارك في التأليف أسماء السيد، ويقوم بدور المخرج المساعد محمود حلواني، بمساعدة أحمد شبل ومروة حسن، والمخرجان المنفذان هما ياسر أبو العينين وخالد مانشي. تأليف وإخراج محمد زكي