ماذا لوكان منزلك هو سبب تعاستك؟ «الناس اللى في الثالث»

ماذا لوكان منزلك هو سبب تعاستك؟ «الناس اللى في الثالث»

العدد 897 صدر بتاريخ 4نوفمبر2024

تتميز مصر بموقعها الجغرافي...هذا ما درسناه ونحفظه عن ظهرقلب، ولكن ماذا يحدث عندما يكون سبب تعاستنا هوهذا التميز؟!، وهذا ماحدث لعائلة يوسف زغلول الحاضر الغائب في مسرحية “الناس اللي في الثالث”، فتلك العائلة تم إستباحة حرمتها وشُرخت نفوس أفرادها وتم تعريتهم أمام بعضهم، بسبب موقع بيتهم المتميزالذي يهدد السالم العالمي للموكب السياحي.
 عندما قرر الكاتب “أسامة أنورعكاشة” كتابة مسرحيته كان له هدف سياسي واضح وصريح، فهو كان يسقط على الفساد السياسي فى الفترة الزمنية التي يعيشها، لذلك سمعنا الخطابات السياسية الحماسية على لسان سميحة أيوب وفاروق الفشاوي فى أول عرض للمسرحية عام 2001 للمخرج “محمد عُمر”، وبعد مرور 23 عاماً يقرر المخرج “علاء الوكيل” أن يعيد عرض المسرحية على مسرح النهار، ويقوم بعمل دراماتورج للنص من خلال “أسامة بدر” ليستطيع أن يتناسب مع الوقت الحالي، وذلك من خلال وضع بعض المصطلحات والمشاكل الحالية مثل مصطلح “يا طعمية” الذي إنتشر في الأونة الأخيرة ويعني السخرية من المصرين فى بعض دول الخليج.
ففى عائلة يوسف زغلول الأ المناضل الذي توفى وترك خلفه زوجة وثلاثة شباب وفتاة، وأطنان من الأسرار المخبئة داخل حوائط المنزل، ليأتى شخص ويستبيح حرمة العائلة ويكشف أسرارهم ويجعلهم عراة أمام بعضهم البعض بحجة الأمن، فمن المحتمل وجود إرهابي يريد تدمير الموكب السياحي العالمي، وهذا يضر بسمعة البلد ويهدد سلام العالم، وهذا أول ما غيره المخرج علاء حيث حذف موكب الرئيس الإفريقي ويستبدله بالموكب العالمي، وكأنها إشارة واضحة عن العالم أجمع فهذه العائلة البسيطة الفقيرة متهمة بتهديد الأمن العام والسلام العالمي.
كل فرد في تلك العائلة نراه فرد حقيقي في بلادنا وكأن تلك الشقة الصغيرة التى تحتضن عائلة كبيرة هي مثال صغير لوطننا، الذي تعرض للعديد من الظلم والفساد بحجة الأمن وأتهمت بالإرهاب وهي بريئة هذه التهمة، فلم يبتعد المخرج عن النص الأصلي كثيراً إلا فيما يتعلق برسالته، فإذا أمعنا النظر فى تلك الشخصيات سوف نرى المثقف العاجز “هاني” الذي يحب الفن ويرتبط بالماضي ولكنه عاجز يجلس على كرسي متحرك لايستطيع الدفاع عن عائلته، وعندما أتهمه بالكذب تمنى حقا أن يكون كذابا وليس بعاجز، وكان هذا ذكاء من المخرج عندما أراد أن يثبت أن المثقف عاجز فعلاً وليس كما يقال عنه كاذب لتحميله ذنب لا يخصه، ففى عرض محمد عُمر أنتهى بإتهام هاني بالإرهاب دون أدلة، ولكن هنا لم يقم المخرج بذلك
وقرر أن يثبت عجز هانى الذي تسبب فيه الإهمال وكأن سبب عجز المثقف هو إهمالنا وغياب وعينا وخوفنا،  وذلك فى مشهد خيالى يتخيل فيه هانى أنه يقف عندما يحاول الضابط أن ييتهمه بالكذب، ولكن عن إعادة المشهد نرى أن هانى عاجز ويقع من على كرسيه فى حالة من الحزن والإحباط، كما عرض مشكلة مرض الضمور العضلى الذي إنتشر بين بكثير فى وقتنا الحالى وكان هذا من إضافات المخرج.
وهناك شخصية مُهيب “خالد محروس” ذلك الرجل العجوز المتمسك بماضيه فهو يرمز لتاريخنا العريق ونضال الشعب ضد كل مغتصب، فطلقة الحق والدفاع لم تخرج إلا منه، وهذا وصف حقيقى لحالنا فلازلنا نخبئ أنفسنا فى تاريخنا وندافع عن أنفسنا من خلاله، فعدما قرر مُهيب إطلاق النار على الضابط كان يطلقها على خوفه من الدمار، أما شخصية الأم  وداد “هايدي عبد الخالق” هي نموذج للزوجة الأصيلة التى تحاول تربية أبنائها بعد وفاة زوجها، وإبعادهم عن السياسة التى كانت سبب دمار الأسرة، لكنها تسببت فى عجز إبنها، كما أنها إختارت أن تخبى حقيقة إبنة زوجها وتجعلها خادمة لترضى نفسها، فشخصيتها كان بها بعض من الإزدواجية، فكانت تدافع عن الحق ولكن وعندما جُرحت كرامتها إختارت الباطل.
أما شخصية الضابط” عبدالمنعم رياض” هذه الشخصية المحفزة، فكان ظهوره هو هجوم على وسط ساكن، حيث كانت الأسرة تعيش فحالة من السلام بالرغم من فقرهم حتى أن جاء وكشف تلك الأسرار، فقرر المخرج إظهره بشكل عقلاني ومنطقي حتى النهاية، فهو أكثر شخصية حدث بها تغير فقد صيغت من قبل على يد عكاشة على أنها شخصية عنيفة، وبها بعض من السذاجة ليوضح الفساد السياسى والأمني في ذلك الوقت، أما عند مخرجنا فقد تم حذف جميع الخطابات السياسية الصريحة، كما أكتفى بشخصية الضابط والباشكاتب والذي لم يكن له دور كبير في العرض، كما حذف العنف والديكتاتورية من صفاته، على الرغم من أقتحمه حرمة البيت إلا أنه يقع تحت حكم الواجب الوطني، حيث كان مسالما في تنفيذه ويستخدم المنطق حتى فى تخريبه للأمور.
ففى عرض محمد عُمر لم يكن هناك إرهابي حقيقي لذلك حاول تلفيقها لهاني، أما هنا فتم العثورعلى الإرهابى الحقيقي فى المنزل المقابل وكأنه يخبرنا أن الخطر قريب، كما سيتم إطالق صراح مهيب وهى رسالة واضحة أن التاريخ لا يصادر.
بدأ العرض بحركات عشوائية للإستعداد لفرح سعيد الأخ الأكبر الذي قرر أن يتناسى كرامته من أجل المال، ويوافق أن يتزوج من حبيبة مديره من أجل الترقيه ويتجاهل شعوره والتجاوزات التى قد تكون حدثت بينهم، فكان هو و وحيد ذلك الأخ الأناني الطائش الذي يخرب كل شئ تقال اإلفيهات على لسانهم، فكان الطابع الكوميدي للعرض ثقيل بعض الشئ وبه بعض المبالغة، كما أن إيقاع الممثلين في مشاهد الكوميديا لم يكن الأفضل عكس مشاهد التراجيديا التى أبرزت مواهبم.
فكان أداء بعض الممثلين ضعيف بعض الشئ وبه الكثر من المبالغة، فعند مشاهد مُهيب والضابط يصبح الإقاع أكثر إنضباطا وذلك أعتقد أنه بحكم الخبرة التى كانت لديهم، كما كان أداء شخصية وفيه رباب كان جيد جدا، حيث أستطاعا أن يعبرا عن حزنهن وصدمتهن عن أكتشاف الحقيقة، فرباب تكتشف أن وحيد سرق من حبيبها المال الذي كان يدخراه لزواجهم، أما وفيه تكتشف أنها إبنة هذا البيت وأن والدها فضل أن يجعلها خادمة عند زوجته على أن يكتشف سره.
كما كان الديكور يكسر الإيهام فهو ديكور منزل عائلة مصرية بسيطة فى حقبة زمانية قديمة، حيث كان على يمين المسرح شباك مفتوح وعلى اليسار شرفة، كاشفين لحركة الممثلين في الكواليس، مما منع الجمهور من التماهى التام مع العرض، وهو من صنع “سامح نبيل”، والملابس كانت مناسبة للشخصيات فعند شخصية وحيد كانت مالبسه معبرة عن الفتى الطائش الذى يترك أزرار قميصه المزركش مفتوحة، وملابس مهيب الذي لازال يحتفظ ببدلة زواجه الذي لم يتم من أكثر من 40 عام .
كما كان هناك مشكلة فى الصوت والإضاءة فى بعض الأوقات، فعندما كان يحدث إظلام لوضع بؤرة ضوئيه على الممثل كان يحدث خطأ ويقع الإظلام على الممثل نفسه ولكن سرعان ماكان يتم إصلاح الوضع ولكن كثرة الأمر فقد افسد بعض المشاهد، وعلى الرغم من ذلك فكان هناك ذكاء فى إستخدام إضاءة خفيفة لتعبر عن مشهد قطع الكهرباء حيث تم إظلام المسرح بالكامل ووضع مصباح صغير على منضدة ليعطي شعور بضى الشمعة وكان ذلك إستخدام جيد، ولذلك أقدر مجهود فريق العمل الذين نجحوا فى إيصال رسائلهم .


منةالله حازم توفيق