العدد 897 صدر بتاريخ 4نوفمبر2024
الجمهور : مشاهدة الذكاء الاصطناعي
ومع ذلك، فإن تأثير الخوارزميات والذكاء الاصطناعي في المسرح لا ينطبق فقط على المبدعين ولكنه قد يفتح أيضًا نقدًا جديدًا من وجهة نظر الجمهور. وتتساءل ميريام فيلتون-دانسكي: «ما يهم أكثر هو ما هو الاحساس عند مشاهدة هذه الخوارزميات . ولمحاولة الإجابة على هذا السؤال، أود أن أقترح أن «مشاهدتنا» تعتمد على ما يمثل المعنى ، ويأتي به خارج «المكان» الذي يتواجد فيه الجمهور أثناء مشاهدة الخوارزميات أثناء عملها. وبعبارة أخرى، لا أعتقد أنه يمكننا تحديد معنى شامل واحد لوجود الخوارزمية على خشبة المسرح بقدر ما نستطيع تحديد معنى عام لظهور أي كيان فاعل على هذا النحو (الإنسان أو الحيوان). وهذا الإسناد هو دائمًا نتيجة للكيفية التي تتكون من خلالها العلاقة بين الأداء والجمهور. ومع ذلك، تطرح فيلتون دان-سكاي مشكلة أكثر أهمية عندما تتذكر حضورها في مسرحية دورسن « مرحبا يا من هناك Dorsen’s Hello Hi! «، أذ قالت ان الأداء « تطلب بالفعل شيئًا جديدًا بشكل عاجل من الجمهور، وهو شيء، حتى لو كان يخصنا كانت العقول الواعية مشغولة بمتعة مشاهدة غير البشر المحاورون وهم ينخرطون في سلوك سخيف بشكل جدي، فانه يتطلب منا أن نسكن نمط الوجود الذي سيصبح ضروريًا بشكل متزايد للبقاء على قيد الحياة في العالم في العام الذي يليه «. وفي هذا المقتطف يمكننا أن نقوم القضايا الرئيسية الأربع التي هي قيد المناقشة حاليا فيما يتعلق فعل مشاهدة الذكاء الاصطناعي على المسرح.
أولاً، وببساطة شديدة، لكي نفهم الذكاء الاصطناعي، فيجب أن يكون – بطريقة ما – واضحا على خشبة المسرح. إذا كان هذا غنيًا عن أي عنصر آخر من عناصرالأداء، فهي ليست مسألة تافهة بالنسبة للإجراءات الحاسوبية التي قد لا يكون المظهر فيها جليا في حد ذاته. وتجدر الإشارة إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي (كما هو الحال في أي تقنية أخرى) لا ينطوي على مثل هذا التحول في الشفرات المسرحية : يجب أن يكتسب الذكاء الاصطناعي شكلاً من أشكال الحضور في دراماتورجيا الحدث، وفي إعداد المشاهد ، لكي يكون ذا صلة وسط العناصر الأخرى. بعبارة أخرى، لا يتعلق السؤال باستخدام الذكاء الاصطناعي بقدر ما يتعلق بتمثيل الذكاء الاصطناعي .
ثانياً، عادة ما تكون «متعة المشاهدة» للتكنولوجيا أثناء اللعب وهو أحد الأصول التي يتم اللجوء إليها، في كثير من الحالات على مدار تاريخ هذا النوع من الأداء. ولكن معظم الأعمال التي نتذكرها في المسرح بين الوسائطي- بدلاً من الافتخار بتقدم التكنولوجيا الرقمية - قد وجهت الناقد ضمنا أو علنا للتأثر بنفوذ تلك التقنيات على حياتنا. على سبيل المثال، أعمال جمعية البنائين ، المعروفة بالشكل الأصلي الذي يمزج الوسائط الرقمية المختلطة في أعمالها ، والموضوعات المقارنة مثل الحقائق المزيفة، والخبرات التكنولوجية للعمال والاستغلال ومراقبة المواطنين. وبالتالي، فإن تلك «المتعة» تبدو مذهلة ومربكة على حد سواء.
ثالثا، هناك السلوكيات الشبيهة بالإنسان. وهذا ينبع من التأثير الحقيقي الذي أحدثه الأداء المعزز رقميًا على قدرات تقويم الجمهور . ووفقا لتعريف جيسيكام، فربما كان المقصود مسرح الوسائط المتعددة استخدام مختلف الأجهزة التكنولوجية «التي تدعم العروض بشكل جماعي التي يتم بناؤها حول الفهم التقليدي لدور النص وابتكار الشخصية . فكلما أشار مصطلح المسرح بين الوسائطي الحديث إلى «تفاعل أكثر شمولاً بين المؤدين والوسائط المختلفة [التي] تعيد تشكيل مفاهيم الشخصية والتمثيل حيث لا يكون للمادة الحية ولا المادة المسجلة معنى كبير دون الآخرى، حيث يعدل التفاعل بين الوسائط كيفية عمل الوسائط المعنية بشكل تقليدي ويدعو إلى التفكير في طبيعتها وأساليبها . ويتطلب هذا التحول في العلاقة بين الوسائط قدرة جديدة للجمهور على المنافسة لفك تشفير شبكة المعنى المعقدة التي خلقتها الترابطات بين العروض الحية والعروض الوسائطية. ومع ذلك، في حالة الخوارزميات ومسرح الذكاء الاصطناعي، تساهم الوسائط في تمثيل السلوك المستقل الذي من الممكن أن نرى مستوى أعلى من القصدية . بعبارة أخرى , لأن الخوارزميات الذكية تجلب الى الأداء بين الوسائطي بمستوى جديد من الوساطة المستقلة , فان الجمهور يفهم الأفعال التي لا يمكن أن ينسبها مباشرة الى وسيط بشري . وتعني مشاهدة الوساطة غير البشرية ادراك حضور نوع من الوسيط الاصطناعي ( بغض النظر عما اذا كان البرنامج هو روبوت محادثة Chatbox robot, وصوت , مادام يمكن التعرف عليه بطريقة أو بأخرى ) . وهذه الوساطة الاصطناعية يمكن تمثيلها أيضا من خلال كيان لا يشبه الانسان , كما هو الحال مثلا في ثريا أوبرا « الموت والسلطة “Death and the Power اخراج تيد ماكوفر . باختصار , يجوز تجسيدها بأي صيغة تدل على بعض السلوكيات المفهومة التي تتعلق بما يحدث على المسرح. ولكن يمكن يُنظر إليها أيضًا على أنه نظام يحكم البنية العامة للحدث، مثل نوع من الكيان الموجود خلف المسرح والذي يتدخل في الفعل (كما رأينا في عرض « هو / أنا (“IT/I. بقدر ما يفهم الجمهور أفعال الإنسان على خشبة المسرح ، فانه يجب أن يتعلم القراءة في السلوكيات الناتجة عن الكمبيوتر.
رابعا، وأخيرا، هناك قضية واسعة النطاق تتعلق بكيفية إعادة تشكيل خوارزميات مشاركة الجمهور. فعندما يتذكر ديفيد روكبي تناوله المبكر للتصميم التفاعلي لتركيباته، فانه يقول: «لقد كنت أستخدم الجمهور بشكل متزايد في دور المؤدي، واطلب منهم التنشيط العمل بالحركة . فكان التثبيت صامتًا بشكل عام وغير مرئي حتى يتفاعل معه الجمهور. وعالجنا البيانات التي نشأت من أفعالهم بواسطة الخوارزميات التي تولد استجابات معينة خارج مجال الاحتمالات التي تحددها شفرتها المميزة . في واقع الأمر، عند إنتاج عروض حية معززة خوارزميًا، فمن الشائع إشراك الجمهور في العمل . بعبارة أخرى، قدم الحاسوب التفاعل كشكل من أشكال الإبداع المشترك للأداء. في واقع الأمر، هناك العديد من المراجعات والبحوث التي تصور تركيز المسرح التفاعلي بدرجة أقل على تسجيل التمثيل أو الحبكة , وبدرجة أكبر على ما يُسمح للجمهور أن يفعله .
ويقول روكبي أيضًا: «كان من المهم بالنسبة لي أن أعترف بأن الجمهور يجلب تجربة حياته بأكملها ومخاوفه ورغباته وارتباكه في تجربة العمل الفني. وقد أردت أن أجعل ذلك معترفا به ومفتوحا لضم تلك المساهمة» .
واللعب بالخوارزمية، وفقًا لروكبي، لا يؤدي إلى إثارة مشكلة عشوائية الابداع ، بل على العكس من ذلك تمامًا؛ يتعامل مع الخوارزمية كأداة للتصميم الدقيق لمشاركة الحدث مع الجمهور. فالأحداث العشوائية يمكن أن تظل جزءًا من العمل، لكن التركيز يتحول نحو البحث - الحد من ممارسات المشاركة الجديدة التي يسمح بها الحاسوب والسطح الرقمي المشترك .
ان مشاهدة السلوكيات الاصطناعية الشبيهة بسلوكيات الإنسان والتي تتجلى كأحد عناصر الدراما والأداء للمشاركة فيها، بقدر الاستمتاع بها، هي رصيد جديد في فعالية الجمهور.
ومع ذلك، هناك تأثير لا ينبغي إغفاله لفهم كل من جاذبية وانزعاج الخوارزميات والذكاء الاصطناعي على المسرح. ويلاحظ أوتو أنه “على عكس تقنيات الوسائط السابقة، فإن التقنيات الرقمية لا تقتصر على تغيير ما يمكن للبشر إدراكه أو معرفته أو التفكير فيه، ولكنها تنتج معرفة خارجة عن متناول الإنسان، أي عالم البيانات الضخمة، حيث يمكن للخوارزمية فقط أن تسود. والنتيجة هي أن الخوارزميات تعرف الآن عنا أشياء لا نعرفها عن أنفسنا فحسب , ولا نستطيع حتى أن نرجع إلى أصولها ولا ننتقدها لأنها مبنية على أساس أكبر مما يمكننا معالجته « .
ربما لن يكون الأمر كذلك خلال خمسين عامًا، ولكن حتى الآن عند مواجهة الوجود النشط لبعض الخوارزميات الذكية، فإنها تنتج تأثيرًا يمكن وصفه بأنه نوع من «استيعاب المجهول». أو بعبارة أخرى، إن تمثيل الخوارزمية على المسرح له علاقة بعدم القدرة على فهمها - في نفس اللحظة - مع بذل الجهد . ولنتأمل على سبيل المثال كيف يصف فيلتون دانسكي قراءة الجمهور لعرض دورسن « أمس / غدًا «. اذ يقدم العرض ثلاثة مغنين يغنون المقطوعة الموسيقية التي تولدها الخوارزمية , وتبدأ بأغنية البيتلز ( الخنافس ) « أمس» وتبلغ ذروتها في أغنية «غدا» من مسرحية « آني « الموسيقية من خلال اجراء خوارزمي يقود المغنين في كل خطوة بينهما . ومن خلال تذكر استجابتهما كمشاهدين يقول فيلتون ودانسكي « ندرك أن هذا كان من تخطيط الخوارزمية , اذ لاحظنا عمل المغنين في اختيار طريقهم عبر المتاهة , وندرك الجهد الذي بذلناه كمتفرجين صامتين حتى يأتي الغد بما يحمله» .
يمكن وصف هذه العملية بأنها «فك تشفير» الخوارزمية من قبل الجمهور. ففي الواقع، عند مشاهدة الدراما، وربما مع الأخذ في الاعتبار النص أو القصة، ينخرط المتفرج في نوع شائع جدًا من المنطق الاستقرائي والاستنتاجي المختلط . ومن الجدير بالذكر أن مشاهدة تجلي الحبكة على خشبة المسرح، يستخدم المتفرج المعلومات العامة (حول النوع، والإطار التاريخي، وتاريخ المؤلف لاستنتاج معلومات حول ما يحدث. ويتأمل المتفرج التسلسل المحدد للأفعال لاستخلاص النتائج حول قصدهم (مثلا الولد يتودد للفتاة فيحبها). ومن خلال القيام بذلك، يقوم أيضًا بتطبيق المنطق الاستباقي لرسم الفرضيات المنطقية للترتيب الفعلي للحدث (بقدر علمه) . وهذا مصدر «للمتعة» لأنها الأرضية التي يختبر من خلالها الجمهور قدرته على فهم القصة بأكملها. فلا يهم كم يفشل أو ينجح ؛ فالمتعة في العملية المعرفية هي توقع ما قد يحدث بفضل استراتيجيات حل المشكلات لدينا.
وبالمثل، يحدث هذا عندما نرى الخوارزمية تتحكم في الأحداث على خشبة المسرح. وبمجرد أن ندرك أن ما يحدث هو إعادة لإجراء معين ونتيجة له ، فإننا نشارك في استراتيجية حل المشكلات من أجل حل شفرة القواعد وراء هذا الإجراء. مثل عندما نقرأ شخصية تدخل الى خشبة المسرح ، فاننا نحتاج إلى فهم ما يفعله الوسيط الاصطناعي (الخوارزمية) .
لذلك، فإن مشاهدة الذكاء الاصطناعي على المسرح تتضمن حقيقتين: أولاً، لابد من وجود القصد المتصور لسلوكيات الخوارزمية ؛ ثانيا، ألا يكون لدي المتفرج رؤية واضحة للبنية التي تقوم على القواعد التي تؤدي إلى ذلك القصد . ولأن هذه النية لا يمكن مشاهدته كسطور مكتوبة من التعليمات البرمجية ، يميل وعي الجمهور بالتالي إلى إدراك «الحيوية» و»الحضور» في الأفعال المنفذة . بعبارة أخرى، يميل الجمهور إلى تجسيد الفعل في بعض الأفعال المستقلة في نوع من الوساطة (وإن كانت اصطناعية) . ويقول أوتو : «كما وضح فيليب أوسلاندر بشكل مقنع في عام 1999، أن حيوية المسرح ظاهرة تاريخية، تتعلق بشكل متناقض لافتراضية التلفزيون في أن المسرح ليس مسجلا , وفي نفس الوقت يبعد ذاته عن المسافة التي ينتجها البث . ولكن بعد سنوات من المناقشات المستمرة حول أنطولوجيا الأداء، فان هذه المناقشات هي في النهاية من الماضي، ويبدو أنه قد تجمدت من خلال التطور الذي غير بشكل أساسي ماهية التسجيل والأرشيف”. ويعرف أوتو التشابك الذي لا مفر منه بين المسرح والثقافة الرقمية ليس من حيث أجهزة الوسائط على خشبة المسرح، ولكن في ظل التحول الثقافي الذي أحدثته الثقافة الخوارزمية في تجربتنا اليومية مع الواقع والتفاعل الاجتماعي. هكذا، أصبح الجدل حول الحضور قديمًا بسبب التغيير في « ماهية السجل والأرشيف، أو، بعبارة أخرى، من خلال التغيير في أنطولوجيا الحقيقي نظرا لانتشار الخوارزميات والذكاء الاصطناعي.
حتى لو قمنا حتى الآن بربط تمثيل الذكاء الاصطناعي على المسرح مع وجود بعض الوسائط المستقلة (إما كوسيط يمكن التعرف عليه مقدما من الجمهور، أو ككيان وراء الكواليس)، يجب علينا أن نتذكر حقيقة أنه يمكننا تقديم الذكاء الاصطناعي والخوارزميات كموضوع فقط . ومع ذلك، يجب أن يتم تمثيله من خلال وساطة على المسرح. وقد شاركت فرقة CIRMA في إنتاج عرض مسرحي ( عرض صور شاذة ) ، من إخراج إيرين ديو نيزيو) حيث كان بطل العرض (الممثل جيوفاني أنسالدو) هو راوي (خنثى) يتذكر تاريخ السينما الشواذ (تساعده عدة مقاطع من الأفلام المشهورة). وعلى مدار العرض، وفي لحظات معينة، تظهر شخصية ثانية من خلال الصوت الذي يتحدى الجمهور بأسئلة حول القيم الأخلاقية. يُطلب من الجمهور التعبير عن موقفهم بالتصويت بمجاديف معدة من خلال برنامج يقوم باحصاء الأصوات واظهار النتائج , ومحتوى مصور يتم تشغيله ( فيديو كليب أو صورة أو نص ) . وهناك أوقات يوافق فيها على ذلك. في المشهد الأخير يكشف الوسيط الاصطناعي هويته، ولكن لكي يسمح للجمهور برؤية أنفسهم منعكسين في الصورة التي تعرض تسلسلاً لجميع اللحظات التي قاموا فيها بالتصويت.
هذا النوع من الإشارة إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره آلة مستقلة، له تاريخ طويل. ربما نفكر في مسرحية « آلة الجمع Adding Machine» التي ابتكرها إلمر رايس عام 1923 والتي تحكي قصة المحاسب الذي يتم فصله بسبب إدخال آلة الجمع التي تظهر على خشبة المسرح في لحظة طرد بطل الرواية . كما رأينا فإن هناك أعمالاً تلجأ إلى التقنيات المختلفة لتمثيل العلاقة الإشكالية بين حياتنا وقوة الخوارزميات. فعلى سبيل المثال، يوصف مشروع D.A.K.I.N.I. من خلال المبدعين (مجموعة Ajariots) باعتبارها «مجموعة متعددة التخصصات ومشروع يهدف إلى بحث وإنشاء جسور جدلية بين موضوع الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة والنظريات النسوية المعاصرة, مع أداء «يتم فيه المسرح الجسدي والرقص-والبعض الآخر، ستكون فيه عروض الفيديو والمقابلات والتجارب الصوتية هي أساس لغات أبحاثنا. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخدم النظرية النسوية والحياة؟ وكيف تستطيع المرأة السيطرة عليه؟ ماذا يحدث بعد أن تسيطر عليه ؟ وما الذي تريد النساء نقله إلى الأجيال القادمة؟. فحتى في حالات مثل مشروع D.A.K.I.N.I، حيث يستفيد الأداء بشكل كبير من الأجهزة الرقمية، يظهر الذكاء الاصطناعي كموضوع وليس كطريقة جديدة للتحكم العرض.
وبدلاً من ذلك، عندما تتشابك الخوارزميات الذكية مع المنهج لتنفيذ الأداء، فربما نميز شكلاً جديدًا من أشكال الدراماتورجيا. فمثلا، إذا أخذت الخوارزمية تأخذ شكل الوسيط المستقل , فسوف تتضمن كتابة العمل الدرامي استخدام أنساق ذكية لأغراض تعبيرية ؛ ففعل الكتابة يتزامن مع فعل ترميز البرمجة , و يصبح الترميز كتابة إبداعية. فعلى سبيل المثال، لا تتمثل كتابة الشخصية كواجهة ، في تحديد تسلسل معين للحوار، ولكن لها علاقة بتحديد القواعد التي تحكم سلوكها, ووصف نوع معين من التخطيط الذي قصدها، وتزويدها بإجراء لتمييز العواطف وتمثيلها. وهذه الشخصية ستكون إلى حد كبير نتيجة كل هذا الترميز، وسيختلف أدائها باختلاف العناصر التي يقرر المؤلف تنفيذها .
السؤال الأخير الذي يجب طرحه هو ما إذا كان بإمكان الجمهور أن يبني، مع الوسطاء الافتراضيين، نفس النوع من الرابطة العاطفية التي شكلت علاقتها مع الشخصيات التي يلعبها البشر. نظرا للتقاليد الراسخة في السينما حيث طور الجمهور مشاركة عاطفية مع الرسوم الكاريكاتورية والشخصيات المولدة بالذكاء الاصطناعي , فقد يكون الرد إيجابي . ومع ذلك، وكما قلنا، فاننا في المسرح نطرح سؤال الحضور. ولذلك فإن الرابطة ليست من نفس نوع التمثيل، ولكن مع تلقي الوسيط قصد الفعل والزمن الفعلي .
ففي المسرح الدرامي، يتم تطبيق هذا التعليق بشكل شائع على الأحداث التي تقع : أي أن الجمهور يعتقد أن هذا الرجل هو تلك الشخصية ويفترض أن أفعاله تحركها نواياه (ويطبق نفس الافتراض على المكان والأدوات وما اليها ) .
هذا لا ينطبق بشكل جيد على الخوارزمية لأن نشاطها لا يمكن قراءته من خلال تعارض الخيال والواقع. انه لا يفعل أي شيء الا بشكل حقيقي. يمكننا قبول الخوارزمية كأداة (مثل الكرسي الذي يصبح كرسيا قلعة السينور فقط لأنه يشارك في حركة الشخصية التي تظهر على هذا النحو). في هذه الحالة (حالة الكرسي) تدخل الخوارزمية إلى العالم الخيالي بحسب كيفية مشاركتها في الحدث. ومع ذلك فان الكرسي ليس لديه أي إجراء مستقل، في حين أن الخوارزمية لها اجراءات مستقلة . وهذا يعنى أنه يجب أيضًا «استخدام» إجراءات الخوارزمية من قبل شخص ما: الممثل،الجمهور، أو حتى المؤلف الذي قام بترميزها لتحقيق غرضه الخاص .
الخاتمة
على الرغم من أنه من السابق لأوانه استخلاص نتيجة عامة حول ظهور الذكاء الاصطناعي على المسرح، فإننا حريصون على اعتبار أن ظهور الواسطة الاصطناعية كحقيقة أساسية تؤثر على مفهوم التأليف وعلى ما نعتبره حضورا على خشبة المسرح .
بالإضافة إلى ذلك، لاحظنا أنه منذ ظهور الأداء المعزز رقميًا إلى ظهور الذكاء الاصطناعي على خشبة المسرح، هناك نوع من الركيزة الأساسية للمعنى التي تدور حول عرض التكنولوجيا. سواء تم استخدامها لتسلية الجمهور بحل تكنولوجي عالي، أو لإرباكهم بإشارات حول المستقبل البائس لمجتمعنا، فقد أصبح عرض التكنولوجيا نوعًا من الإغواء. والواقع أن مخاطر اللجوء إلى التكنولوجيا لإغواء المتفرج أصبحت أكثر وضوحًا. في الواقع، تحدت فرقة زيكورا أورا المسرحية Zecora Ura Theatre مؤخرًا موضة تجربة المسرح الغامر من خلال تصريح عن المسرحي ما بعد الغامر post-immersive theaterيحث على استخدام التكنولوجيا بشكل أكثر وعيا سياسيا يحاول التركيز على حميمية العلاقة بين الممثل والمتفرج .
ومع ذلك، وبصرف النظر عن التداعيات السياسية والأخلاقية لإغواء الجمهور وتحويل التجربة إلى سلعة، حتى لو لم نصدر أي حكم على تسلية مشاهدة الحلول التكنولوجية المتقدمة (وهذا ليس بعيدًا عن الحماس لتأثيرات CGI في الأفلام)، طالما أننا نركز على شفرات الحدث الدرامي والأدائي، فلا شك أن وجود الذكاء الاصطناعي على المسرح سوف يكتسب أهمية أكبر وبالتالي ينبغي أن يلفت انتباه النقاد والعلماء.
....................................................................................
• أنطونيو يبسو : يعمل أستاذا للمسرح والدراما بجامعة تورينو بايطاليا
• نشرت هذه المقالة في SKENÈ Journal of Theatre and Drama Studies 7:1 (2021), 91-109